مأزق وجودى ومنعطف تاريخى تتعرض له القضية الفلسطينية حاليا، إما أن تظل قضية نضال لشعب يسعى لاستعادة أرضه المحتلة وحقوقه المسلوبة، أو تتحول القضية إلى أزمة إنسانية تتعلق بلاجئين مشردين فى كل بقاع الأرض. قراءة فى سياق الأحداث التى جرت وتجرى على الأرض منذ أحداث السابع من أكتوبر عام 2023 وما تلاها من مجازر وتدمير للقطاع، ثم تصريحات للرئيس ترامب تعادى المنطق حول تهجير الفلسطينيين وتحويل غزة لمنتجع سياحى وتعيين حاكم أمريكى للقطاع تكشف أن العقلية الاستعمارية الغربية التى تدعم أطماع الكيان الصهيونى تسعى إلى تذويب القضية الفلسطينية بتهجير أهلها وتحويلها من صراع وجودى على الأرض وملاحم نضالية للمقاومة، إلى معركة قانونية لتأمين حقوق شعب من اللاجئين! منذ أيام أظهر استطلاع للرأى أجراه المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسحية فى «رام الله» رغبة 50 % من سكان غزة الهجرة من القطاع، هذا الاستطلاع تم بتمويل من جهات غربية، مما يجعلنا نشتم رائحة التآمر تنبعث من أرقام ونتائج هذا الاستطلاع، خاصة أن نفس المركز سبق أن أجرى نفس الاستطلاع عام 2015 وكشف عن نفس النتائج! إزاء هذه النتائج المريبة لهذا الاستطلاع سواء فى أهدافها وتوقيتها، تبدو تساؤلات مصيرية حول مستقبل القضية الفلسطينية، إذا رحل الفلسطينيون عن أرضهم هل سترحل معهم قضاياهم ويتحول نضال عقود لتحرير الأرض إلى مجرد ذكريات تروى للاحفاد؟! ومع التقارير التى تشير إلى استعداد إسرائيل لتسهيل الهجرة التطوعية لسكان غزة تزداد الريبة والشك فى أهداف هذا الاستطلاع، خاصة أن هجرة الفلسطينيين هذه المرة رغم المذابح والدمار تعنى نكبة جديدة ونهائية، واعترافا صريحا من جانب الفلسطينيين بالتنازل عن الأرض. ومع ابتعاد الفلسطينيين عن أرضهم يسقط لا محالة مبدأ حق العودة، الذى ظل من ثوابت النضال الفلسطينى طوال العقود الماضية. الأدهى والأمر أن الغياب البشرى الفلسطينى عن الأرض يمنح الكيان الصهيوني الحق فى خلق واقع ديموغرافى وجغرافى وجديد تموت معه القضية الفلسطينية برمتها وللأبد ويكتب على شاهد قبرها. من يترك أرضه طواعية لا يحق له العودة من جديد.