مائة يوم مرت علي ما أطلق عليه برلمان الثورة لم يشعر خلالها المواطن العادي بأي تغيير.. مائة يوم مرت وانقضت فما الذي حدث وما الذي جري؟! أزمات مستمرة وكوارث متتالية وكأن معظم أعضاء البرلمان نواب عن دوائر في السودان وليس في مصر، والمثير أن مجلس الشعب المحسوب علي الثورة بدا أكثر مهادنة للمجلس العسكري وخلع الرداء الثوري علي طريقة الاستربتيز السياسي وارتدي الزي العسكري - بحسب وصف النائب أبوالعز الحريري - الذي اتفق معه في الرأي البرلماني مصطفي الجندي الذي أضاف: إن عدم القدرة علي إقالة الحكومة يعد خلع قطعة من الملابس وعدم محاكمة وزير الداخلية يعد خلع قطعة أخري من الملابس فبعد أن قدمت حكومة الجنزوري بيانها الذي ألقاه الدكتور كمال الجنزوري أمام البرلمان استمرت مناقشات البيان الذي بدأ برفض 19 لجنة نوعية له وكذلك جميع الأحزاب باستثناء أحزاب الاتحاد والحرية والمواطن مصري الذي أيده. الغريب أن الرفض لحكومة الجنزوري اضاع وقت البرلمان في كلام مكرر علي مدار شهرين قام خلالها أكثر من 300 عضو في القاء بيانات متشابهة ومكررة وانتهي الأمر بتصويت 374 عضوا برفض البيان بل إن الكتاتني اراد أن يستعرض عضلاته عندما وقف النائب مصطفي الجندي وأكد أن البرلمان لن يستطيع أن يسحب الثقة من الحكومة فكان رد الأول أن البرلمان سيسحب الثقة من الحكومة ليخرج عليه الجنزوري مؤكدا أن البرلمان لن يستطيع سحب الثقة من الحكومة وأنه لن يستقيل وأن جميع أعضاء حكومته مستمرون في أعمالهم حتي انتهاء المرحلة الانتقالية، وهو ما أكدته الدكتورة فايزة أبوالنجا في أكثر من تصريح لها بأن البرلمان ليس لديه حق سحب الثقة من الحكومة، وهو بمثابة تحد واضح للبرلمان، بينما الكتاتني أعطي فرصة للمجلس العسكري أسبوعا من أجل اقالة الحكومة وخلال هذه الفترة خرج رئيس مجلس الشعب بتصريح صادم بأن الدكتور كمال الجنزوري هدده بحل البرلمان مؤكدا أن القرار موجود في درج المحكمة الدستورية، وهو ما نفاه الجنزوري مستشهدا بالفريق سامي عنان الذي كان موجودا في لقائه مع الكتاتني الذي خرج بعد يومين وأكد أنه تلقي اتصالا من أحد قيادات المجلس العسكري وأبلغه أن هناك تعديلا وزاريا قريبا لحكومة الجنزوري وهو الأمر الذي نفاه المجلس العسكري، وأكدته الدكتورة فايزة أبوالنجا بعدها اجتمع المشير حسين طنطاوي مع لجنة من البرلمان ثم خرج الكتاتني مؤكد أنه وضع ثلاثة سيناريوهات لحل صراع الحكومة والبرلمان وهو إما إقالة الحكومة وجعلها حكومة تسيير أعمال لحين انتهاء انتخابات الرئاسة أو إجراء تعديل وزاري محدود، وهو ما ردت عليه الحكومة أيضا بأنها مستمرة في أعمالها ولا نية لتقديم استقالتها أو تحويلها إلي حكومة تسيير أعمال وهو ما جعل البرلمان في موقف «الفاشل مستمر» في عرضه الاستربتيز السياسي. وفي واحدة من عروض «الاستربتيز السياسي» الأكثر فجاجة وعدم شعور البرلمان بالشارع المصري قرر الكتاتني بتليفون تلقاه من مكتب الإرشاد بأن يعلق جلسات مجلس الشعب لحين إقالة الحكومة لمدة أسبوع، ورغم أن الأسبوع الذي قرر فيه الكتاتني كان ساخنا وذلك اثر اعتصام أنصار أبوإسماعيل أمام وزارة الدفاع بالعباسية ووقوع مذبحة العباسية التي راح ضحيتها تسعة أفراد إلا أن هذا لم يحرك شعرة في برلمان الثورة بل إن رئيسه ورئيس مجلس الشوري الدكتور أحمد فهمي ومعهما 120 شخصية ذهبوا للاعتذار لملك السعودية عبدالله بن عبدالعزيز تاركين أحداث العباسية والبلاد من أجل الحصول علي صكوك الغفران من ملك السعودية بعد أزمة أحمد الجيزاوي الذي احتجزته السلطات السعودية وهو ما لاقي احتجاجا شعبيا مصريا أدي إلي قرار السعودية المفاجئ باستدعاء سفيرها بالقاهرة ورغم هذا قابل الملك عبدالله بن عبدالعزيز الوفد الشعبي المصري دون أن يضع خلفه علم مصر وهو ما اعتبر إهانة بالغة بل الاهانة الأكبر كانت كلمة رئيس مجلس الشوري أحمد فهمي الذي ورط فيها أحمد الجيزاوي في الجرائم المنسوبة إليه مستعطفا ملك السعودية بأن يشمله كرم العفو للجيزاوي في عرض فاضح للبرلمان. عروض الاستربتيز الفاضحة لأداء البرلمان لم تقف عند هذا الحد بل إن رئيس المجلس كان يلوح دائما أنه سوف يرفع سيف الاستجوابات في وجه الحكومة من أجل تفعيل إجراءات سحب الثقة ورغم أن الجميع اكد له أن هذا لن يؤدي لسحب الثقة من الحكومة إلا أن الكتاتني أصر علي أن يجعل يوم الأحد 7 مايو 2012 هو ميعاد مناقشة الاستجوابات التي قدرت ب 180 استجوابا وسوف تبدأ بمناقشة ثلاثة استجوابات موجهة من النواب أحمد خليل وعادل عزازي واكرم الشاعر ضد رئيس الوزراء ووزيري العدل والزراعة حول استيلاء أعضاء الحزب الوطني المنحل علي أراض شباب الخريجين إلا أن الجميع فوجئ بالكتاتني يرجئ مناقشة الاستجوابات بحجة سفر وزير الزراعة إلي الإمارات في سابقة برلمانية هي الأولي من نوعها أن يتم تأجيل مناقشة الاستجوابات بسبب سفر الوزير رغم وجود وزير العدل ووزير مجلسي الشعب والشوري ممثلين عن الحكومة. وأمام هذا الموقف المخزي خرج سعد الحسيني رئيس لجنة الخطة والموازنة والقيادي الإخواني وقال إن المجلس قرر سحب ال180 استجوابا لأن الضرب في الميت حرام قاصدا حكومة الجنزوري التي خرجت منتصرة في كل المواقع. ورغم أن هذا البرلمان جاء من رحم ثورة 25 يناير من اعتصامات والشوارع والمظاهرات إلا أن القيادي الإخواني صبحي صالح فاجأ الجميع بمشروع قانون تنظيم المظاهرات يمنع فيه تنظيم أي مسيرة أو اعتصام إلا بالحصول علي إذن كتابي من الشرطة وبتصريح مسبق وبإعلان في الصحف والأماكن العامة وتحديد شخصين مسئولين عن هذا الاعتصام أو المسيرة ومن يخالف هذا يتعرض للحبس والغرامة وهو ما لقي اعتراضا شديدا، بل إن أعضاء اللجنة التشريعية وصفوا هذا القانون بتأمين لحكومة الإخوان القادمة من أي احتجاجات وهو ما يعد العرض الاستربتيزي الأفضح ولهذا رفضت اللجنة التشريعية هذا القانون، وتم العودة إلي القانون الأصلي المنظم للمظاهرات وهو قانون 1923 الذي وضعه الاحتلال الانجليزي لأنه كان أرحم من قانون الإخوان لتنظيم المظاهرات. ورغم أن ثورة 25 يناير قامت لخلع حسني مبارك ومحاكمته ورغم أن هذا البرلمان ولد من رحم الثورة إلا أن رفضه مشروع قانون حمدي الفخراني بخصوص تفعيل القانون رقم 56 الخاص بتوجيه الخيانة العظمي لرئيس الجمهورية غير أن البرلمان رفض تفعيل هذا القانون وليحاكم مبارك أمام القاضي الطبيعي في قضايا قتل المتظاهرين التي خرج منها العديد من ضباط الشرطة براءة وحصولهم علي ثلاثة قصور من حسين سالم في شرم الشيخ وجريمة تصدير الغاز لإسرائيل. ورغم الأحداث الدامية التي وقعت بعد الثورة من مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وأخيرا العباسية والتي راح ضحيتها نحو مائة شهيد وأكثر من ألف مصاب إلا أن الإخوان عقدوا صفقة للخروج الآمن للمجلس العسكري حتي لا يحاكموا علي هذه الأحداث بعد تسليم السلطة واخرجوا المادة 8أ في قانون المحاكمات العسكرية الذي يحظر مثول أي عسكري أمام القضاء العادي حتي بعد بلوغه التقاعد إلا أمام القضاء العسكري وحتي هذا القانون الذي تم الترويج والتهليل له بأنه سوف يمنع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري وإذا بالمجلس العسكري يحيل 147 مدنيا من المتهمين في أحداث العباسية في نفس يوم صدور قانون المحاكمات العسكرية من البرلمان. وللتأكيد أن هذا البرلمان غير قادر علي تفعيل أي قرار فتم رفض تنفيذ قرار مجلس الشعب بنقل حسني مبارك من محبسه الفاخر بمستشفي المركز الطبي العالمي التابع للقوات المسلحة إلي مستشفي طرة وذلك رغم زيارة لجنة الصحة بمجلس الشعب والتأكيد علي أن مستشفي طرة جاهز لاستقبال مبارك وصدور قرار من المجلس تم تسليمه للنائب العام، كما صدر قرار من النائب العام تم تسليمه إلي المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة الجنايات التي يحاكم أمامها مبارك إلا أن القرار الأخير كان استمرار مبارك في مستشفي المركز الطبي العالمي. وعقب أحداث بورسعيد التي راح ضحيتها 74 مشجعا من جمهور النادي الأهلي خرج البرلمان وأدان وزير الداخلية، كما خرج عصام العريان وطالب بتوجيه اتهام لوزير الداخلية وهو القرار الذي وافق عليه مجلس الشعب وتم تحديد لجنة مصغرة من خمسة أعضاء للاستماع إلي أقوال وزير الداخلية وإلي الآن رغم مرور ثلاثة أشهر من الاستماع لأقوال وزير الداخلية وقيام اللجنة المشكلة برفع تقرير بذلك إلا أن البرلمان لم يتخذ أي قرار مع وزير الداخلية، بل الأدهي من ذلك أنه بعد وقوع مذبحة بورسعيد اعتصم العديد من شباب الالتراس والثوار أمام وزارة الداخلية احتجاجا علي التواطؤ في مباراة الأهلي والمصري ببورسعيد وهو ما تم قبوله بالقاء قنابل مسيلة للدموع ووقوع اشتباكات استخدم فيها الرصاص الخرطوش إلا أن مجلس الشعب وصف هؤلاء الثوار بالبلطجية ويجب تطبيق القانون عليهم بكل حزم. وفي موقف فاضح للبرلمان صدر حكم المحكمة الإدارية بحل الجمعية التأسيسية التي حاول الإخوان المسلمين الاستئثار بها ووضع دستور علي مقاس جماعة الإخوان واقصاء جميع التيارات الأخري ورغم محاولة المجلس العسكري والقوي السياسية وضع حل لتشكيل الجمعية التأسيسية والوصول إلي اتفاق في وجود محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة وفي اجتماع آخر في وجود اثنين من ممثلي حزب الحرية والعدالة عصام العريان وحسين إبراهيم لوضع قواعد لتشكيل الجمعية التأسيسية إلا أن صبحي صالح خرج ثاني يوم في اجتماع اللجنة التشريعية وأعلن رفض البرلمان للقواعد التي وضعتها القوي السياسية والمجلس العسكري معتبرا أن هذا تدخل في أعمال البرلمان وليعيد صبحي صالح المشهد إلي نقطة الصفر مما أدي إلي حالة من الاحتقان السياسي والاجتماعي نتج عنها العديد من الإضربات في البلاد لعدم الاستقرار علي الجمعية التأسيسية للبلاد. أما الأكثر إيلاماً وهو صدور قانون العزل السياسي من أجل ابعاد فلول الحزب الوطني من انتخابات رئاسة الجمهورية عقب قرار عمر سليمان بالترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية ورغم صدور القانون الذي يحظر علي رئيس الجمهورية أو نائبه أو رئيس وزرائه أو رئيس الحزب الوطني أو أمين الحزب الوطني أو أعضاء المكتب السياسي للحزب من ممارسة أي دور سياسي رغم التصديق علي هذا القانون من المجلس العسكري وهو الأمر الذي أبعد أحمد شفيق عن الانتخابات الرئاسية إلا أن شفيق عاد مرة أخري إلي سباق الرئاسة بعد أن قبلت اللجنة العليا للانتخابات التظلم الذي تقدم به شفيق وتمت إحالة القانون إلي المحكمة الدستورية للفصل فى مدى دستوريتة و هو ما يعنى أن البرلمان لم يستطع أن يعزل فلول الحزب الوطنى من الحياة السياسية. نشر فى العدد رقم 596 بتاريخ 12 مايو 2012