كان الترقب لزيارة «أوباما» وصل لمرحلة «أبانا الذي في السماء» كما يقول إخواننا المسيحيون.. أو بمعني آخر اللي هايحل كل مشاكلنا ويشبع كل جعان علي رأي عمنا الراحل الشيخ إمام عندما وصف الاحتفاء بزيارة تاريخية برضه للرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان في سبعينيات القرن الماضي. طبعاً لا لوم علي المستر أوباما في ذلك ولا في حجم اللهفة والأمل الذي صاحب انتظار خطابه الميمون.. حتي لو كان للميديا الإعلامية دور كبير في ذلك.. فهو شخصياً غير مسئول. ولا لوم أيضاً علي الأنظمة التي تستند في وجودها علي كلمة من صاحب الكرسي الأعلي في العالم، فطبيعي أن ترحب وتهلل لولي النعم، وتسعي إليه وتسوق أفكاره وتستخرج من كلماته معاني ربما لم ترد علي باله أبداً حتي تستعمل ذلك في تبييض وجهها أمام الشعوب المبتلاة.. حتي لو وصل الأمر أن المستر أوباما وقف يخطب من داخل حرم جامعة القاهرة والمنصة تحمل شعار الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو ما لم يحدث في أي سابقة في العالم، ولن يحدث علي ما اعتقد، لأنه ليس هناك من يتعامل مع الثوابت القومية والإجراءات البروتوكولية بمثل هذا الاستخفاف. ولا أعتقد أنه سيقع أي لوم علي شخصياً من القراء إذا لم أتعرض لفحوي الخطاب «الأوبامي» باعتبار أن الخطاب مسئولية كل خطيب ولا يحق لنا أن نحاسب المستر أوباما علي ما يقوله، فهو مواطن حر من بلد حر حسب التعبير الأمريكي الشهير. إذن لن يمكن توجيه اللوم علي كل هذا الوقت الذي ضاع، بل والوقت الذي سيضيع في تحليل وتدقيق كل كلمة في الخطاب حتي يخرج كل فرد بما يحلو له وحسب مزاجه.. بل وأيضاً الوقت الذي سيضيع والشعوب في سكرة الكلام الجميل عن «الإسلام» و«السلام عليكم» و«آيات القرآن» و«موسي نبي وعيسي نبي ومحمد نبي».. وغيرها من المغيبات التي استعلمها المستر الأمريكي لكسب التعاطف علي طريقة الحاوي في الحارة المصرية الذي يبدأ عرضه بأنه بدلاً من السرقة والنشل يأكل النار وينام علي المسمار.. الحاوي يمارس عملية نفسية معقدة علي المشاهد فحواها أنه يحمل المشاهد الذي لن يتعاطف معه نتيجة انحرافه هو، أي نحراف الحاوي،وبالتالي فالمشاهد إذا لم يستحسن العرض يكون مسئولاً عما سيقترفه الحاوي من جرائم، جرائم الحاوي التي لا نريدها هي التي تحوله إلي النشل أو السرقة.. بينما أفعال المستر الأمريكي إذا لم نوافق علي ما يعرضه فهي قتل وتدمير وتشريد لملايين البشر بل وتغيير الخريطة في مناطق كاملة من العالم.. والحجة الجاهزة أننا لم نوافق علي ما يقدمه.. فنحن السبب، مئات الآلاف من الضحايا في أفغانستان أو العراق ماتوا بسبب تعنت القاعدة أو تعسف المقاومة العراقية.. قتل أطفال غزة ونساؤها بسبب أن حماس لم تستحسن عروض الحاوي الأمريكي، وهكذا. الحاوي المصري يلعب في الحارة بالبيضة والحجر، بينما المستر أوباما يلعب بالألفاظ الخادعة التي تثير عواطف الجماهير فتركز في معانيها، بينما الحاوي يستغل ذلك في إخراج الأرنب من الجراب أو الثعبان من جيب أحد المشاهدين وما أكثر ثعابين المستر الأمريكي. بغض النظر عن نوايا الحاوي الأمريكي التي لا يعلمها إلا الله، هناك نقطتان أري أهمية عرضهما. الأولي: أنه لحدوث أي فعل يجب أن يتوفر لدي الفاعل شرطان هما الرغبة والقدرة، فإذا طلبت منك عزيزي القارئ 5 جنيهات سلفة فلكي أحصل عليها يجب أن تكون راغباً في مساعدتي وأيضاً تمتلك الخمسة جنيهات.. أما الرغبة وحدها فلا تحدث فعلاً.. وإلا كانت الأمة العربية ما يغلبها غلاب حسب أمانينا وأغانينا.. وهنا يجب أن نعلم أن قدرات المستر أوباما في الخروج عن استراتيجيات السياسة الأمريكية تكاد تكون معدومة ولكنه فقط يحاول تنفيذها بوجه وأسلوب ناعم وهو الجديد فقط في جراب الحاوي الأمريكي. النقطة الثانية: وهي الأهم إجابة سؤال ما الذي دعا المستر أوباما أن يأتي إلي تركيا ثم مصر ليوجه خطاباً للعالم الإسلامي؟ وقبل الإجابة دعونا نتخيل سيناريو آخر للتاريخ.. إذا كانت السياسة الأمريكية حققت أهدافها، وإذا لم يكن هناك معارضة «فعالة» لهذه السياسة أدت إلي خسارة أمريكا بالدرجة التي لا تطيقها.. إذا كان العراق خضع بدون مقاومة والفلسطينيون بصموا علي الشروط الأمريكية لتحقيق السلام الذي تريده إسرائيل، وإذا لم تكن هناك مقاومة في باكستان أو أفغانستان وكانت إيران داخل الحظيرة، وأثبتت إحصائيات واتجاهات الرأي العام في بلادنا أن أمريكا هي المحبوبة الأولي و«الماما» التي في البيت الأبيض.. بل وأصبحت بلادنا العربية تسمي الشرق الأوسط الكبير الذي ترعاه واشنطن. هل لو حدث ذلك كان أوباما سيأتي لنا بهذا القناع الناعم ليحاول كسب بالود ما لم تقدر عليه قواته الجبارة .. ألا يعني توجه أوباما إلينا بخطاب أياً كان فحواه أن محور المقاومة للمشروع الأمريكي قد انتصر؟ هل كانت أمريكا سترسل لنا فتاها الأسمر إذا لم تكن القوي الرافضة للخضوع حققت انتصارات فعلية علي الأرض؟ وهو ما جعل «أوبانا» الذي كان في السماء ينزل إلي الأرض، وبالتالي علينا أن نفرح ونهلل لا لقدومه وتعطفه علينا بهذا الخطاب الذي لم يخرج عن حقائق واقعية كان يتجاهلها من سبقوه.. الفرح أن ظهور هذا التوجه في السياسة الأمريكية يرجع إلي انتصار مشروع المقاومة الذي أثبت أن أفراداً قلائل محدودي التسليح في العراق أو لبنان أو غزة أو الصومال.. قد مسحوا الأرض بكرامة الامبراطورية العسكرية الأمريكية وآلتها الجبارة.. كما يثبت أن أفراداً مسالمين محدودي العدد أمام نقابة الصحفيين في القاهرة أو في الساحات في بيروت أو أي عاصمة عربية أو عالمية خرجوا للتنديد بغطرسة «الكاوبوي الأمريكي» نجحوا في الحصول علي ثمرة جاءت إلينا من جراب الحاوي الأمريكي بدون أن يقصد أو بدون أن يعرف أننا نعرف أسباب مجيئه.. حي علي الانتصار. حروف: شوارع القاهرة لحظة الزيارة ذكرتني بالفنان خالد زكي رئيس الجمهورية في فيلم طباخ الرئيس وهو يسير في شوارع أخليت خصيصاً له فسأل أحد مساعديه «وديتوا الشعب فين يا مرسي»؟! ساهر جاد