فاليرى جيسكار ديستان الرئيس الفرنسى السابق هو نجم الصحف الفرنسية والإنجليزية هذه الأيام بسبب إعلان جريدة الفيجارو عن صدور روايته «الأميرة والرئيس» فى مطلع أكتوبر القادم. ورغم الفترة الزمنية الطويلة التى تفصلنا عن سنوات حكمه إلا أن اسمه لا يزال معروفا بالنسبة للمصريين، فهو بطل أغنية أحمد فؤاد نجم الشهيرة التى أطلقها بمناسبة زيارته لمصر فى ظل الدعوة للرخاء الاقتصادى، فكتب نجم ساخرا من زيارة المصلح الرأسمالى قائلا: «فاليرى جيسكار ديستان... والست بتاعه كمان.. هيجيب الديب من ديله... ويشبع كل جعان... يا سلاملم يا جدعان... ع الناس الجنتلمان». عاد الجنتلمان الفرنسى مقررا أن يجعل العالم كله يتحدث عنه بنشره رواية تصف قصة حب تدور أحداثها فى سنوات الثمانينيات بين رئيس فرنسى وأميرة بريطانية تعيش حياة زوجية بائسة، مما أطلق كل سهام الشك حول الرواية وتربط شخصية الأميرة بالليدى ديانا. تكرر شخصية الأميرة فى الرواية ما كانت تعانى منه أميرة ويلز: «قبل زواجى بعشرة أيام، جاء زوج المستقبل ليقول لى إن له عشيقة وإنه من المقرر أن يواصل علاقته بها حتى بعد زواجنا». ولم تدخر لوفيجارو التى فجرت القضية والتى أكدت قراءتها للمخطوطة قبل نشرها فرصة لإعادة طرح السؤال هل: القصة خيالية أم من قلب الواقع؟ خاصة أنه بعد وفاة الأميرة الجميلة لن يستطع أحد أن يتحقق من صحة «تخيلات» الرئيس. قصة الرواية يبدأ الكتاب باستهلال مريب لا يتجاوز مقولة «وفاء بالوعد» والذى يبدو دالا على أن فاليرى جيسكار ديستان يفى بالديّن متجاوزا الزمن وقد يكون متجاوزا الموت أيضا. إلى من يكون هذا الديّن؟ تأتى الإجابة فى نهاية الرواية حيث يكتب: «قالت لى: لقد طلبت منى موافقتى أن تكتب قصتك. ها أنا أمنحك موافقتى! ولكن عدنى بشىء...». يدعى الرئيس فى الرواية «جاك هنرى لامبيرتى» بينما تدعى محبوبته باتريسيا وهى أميرة كارديف، يتقابل الثنائى للمرة الأولى فى قصر باكنجهام أثناء عشاء رسمى فى ختام قمة مجموعة السبعة. تستمر تفاصيل الرواية فى ملامسة الواقع، فالرئيس أرمل، والأميرة لا شىء يخفف من تعاستها فى حياتها الزوجية. تبدأ إذن فى مضاعفة مغامراتها وهى مغامرات لا مستقبل لها، وتنغمس فى العمل الاجتماعى الخيرى بشكل جدى. يتابع القارئ عبر صفحات الرواية انتقال العلاقة بين هنرى وباتريسيا من اللقاءات الرسمية وقيود البروتوكول إلى تفتح علاقتهما فى العديد من القصور الوطنية والملكية التى يمنحها النظام للقادة. وبينما يحتل قصر رامبوييه مكانا مركزيا فى الرواية، نتعرف على رحلات الصيد التى يقوم بها هنرى وهو النشاط الذى اشتهر به جيسكار ديستان، وتبدأ علاقة الحب بين هنرى وباتريسيا على خلفية استعارة ترتبط بمزاولته للصيد أيضا إذ يقول للأميرة: «طقس الصيد هو ذاته لا يتغير». ويتساءل كاتب لوفيجارو: «وماذا لو كانت قصة حقيقية؟» فإن ذكاء المؤلف الرئيس ومهارته فى وصف الأماكن والحوارات والزينة والتفاصيل الدقيقة التى تحيك بالمواقف المختلفة تجعل النص يقارب الحقيقة، كما تؤكد لوفيجارو. إذ يشعر القارئ أنه فى قلب الأحداث حتى يقرر الكاتب أن يبتعد قليلا ليعطى مساحة للخيال، فينحى الرواية العاطفية جانبا ليفسح الطريق للسياسة المتخيلة. ففى خط مواز لقصة الحب، يعلمنا الكتاب أن الرئيس الذى أعيد انتخابه لفترة رئاسة ثانية ب56% من الأصوات يغرق فى أمور ولايته الثانية. كما ينجو الرئيس من محاولة اغتيال أثناء افتتاحه صالون الكتاب بباريس ويتضح أن المعتدى مواطن من كوسوفا يعادى سياسات الرئيس الليبرالية حيال الصرب. السخرية الإنجليزية فى الوقت الذى تتصيّد فيه الصحافة الفرنسية كل تفصيلة وأى تقارب بين الخيال والواقع فى قصة جيسكار ديستان، يتهكم الإنجليز بهدوء من مجرد افتراض علاقة بين الرئيس وسيدتهم المحبوبة «الليدى ديانا». إذ علّقت انجريد سيوارد رئيسة تحرير «ماجيستى ماجازين» قائلة: «لا أحد يأخذ هذا مأخذ الجد». وكررت الصحف اليومية البريطانية وصفها المحافظ أن الرئيس السابق «يقترح» قصة حب مع الأميرة ديانا. وفى تعليق ماكر من جريدة «تايمز» حول صدور كتاب يدور حول علاقة الأميرة ديانا برئيس جمهورية فرنسى معروف بسحره واهتمامه بالنساء: «لا، ليس نيقولا ساركوزى، لكن أغلب الظن فاليرى جيسكار ديستان فى روايته الجديدة والايروتيكية». بينما وصفت جريدة «الديلى ميل» الكتاب، الذى يجعل المشهد الرئيسى أثناء احتفالات الذكرى الأربعين لتحرير مقاطعة نورماندى الفرنسية، هو ثمرة خيال المؤلف الخصب الذى يتعامل مع أشواقه وأحلامه وكأنها الحقيقة». كتب فاليرى جيسكار ديستان روايته على حد تعبير لو فيجارو دون أن يأبه برأى الأدب أو بالاعتبارات الدبلوماسية التى عليه أن يتخذها أو حتى بصورته كرجل سياسة. فالقارئ لهذه القصة المعاصرة الخارقة لا يمكنه أن يغفل ولو للحظة من هو كاتبها، ولا يمكنه أن يمنع نفسه من الدهشة حين يفكر فى وضعه فى الحياة العامة الدولية حين يقرأ هذه الكلمات على لسان أميرة كارديف: «كنت أتمنى أن تحبنى». فقد اختلط الأمر بين الخيال بصفتها رواية والواقع بما أنها تتناول شخصيات من دم ولحم إلى درجة أنها لم تشغل أيا من الصفحات الأدبية بل تصدرت صفحات السياسة فى معظم الصحف الغربية. هل هى محض خيال أم قصة تقتبس من الواقع؟ إنه اللغز الذى يقام عليه أى عمل أدبى.