صدر أخيرا كتاب الأميرة والرئيس بقلم رئيس جمهورية فرنسا الأسبق جيسكار ديستان عضو الأكاديمية الفرنسية عن دار طباعة ونشر فالوا, وخلال قراءتي راودني السؤال الآتي: هل هذا من خيال الرئيس الفرنسي الأسبق أم أنها حقيقة.. ولاشك أن الرئيس الفرنسي جيسكار ديستان أحد الرؤساء البارزين في الجمهورية الخامسة,هو الوحيد الذي يمتلك مفتاح هذه القصة المثيرة.. ويكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة في ضوء تعريف كيف يشغل رؤساء الجمهوريات أوقات فراغهم, الكل يعلم أن الرئيس الفرنسي الجنرال ديجول كان يتحدث مع فرنسا شاغله الأكبر والوحيد ويتأمل النجوم ويحاول تفسير وحل طلاسم التاريخ. وأما فاليري جيسكار ديستان فيبدو أنه اختار هواية التحدث عن قصص الحب وربما أراد أن يبرهن أنه يستأنف تحديث المهمة الرئاسية التي بدأها عام1974. فلقد كتب عام1994 رواية اسمها الممر لم تترك أثرا كبيرا في وجدان القارئ الفرنسي وانما روايته الجديدة أثارت صخبا شديدا وهي تحمل عنوان الأميرة والرئيس وهو عنوان يكشف موضوع الكتاب ويصف الكاتب رئيس جمهورية في منتصف الثمانينيات وأميرة بريطانية تتمتع بالجمال, ولكنها تعيش حياة زوجية تعيسة كما أنها فريسة لشغف إعلامي يتعدي الخيال... ويعيد الكتاب الي ذاكرة القارئ بداية رواية مدام دي لافايت التي تحمل عنوان أميرة كليف والتي تتناول حب أمير لديان دي بواتييهPoitiers خلال حكم هنري الثاني. لقد أوفيت بالوعد ويفتتح الكتاب بكلمة إهداء لقد أوفيت الوعد, وهي كلمة مثيرة تكشف ربما أن فاليري جيسكار ديستان يوفي دينا عليه يتجاوز الزمان وحتي الموت! وانما السؤال هو نحو من؟ وفي نهاية الرواية يكتب: قالت لي لقد طلبت مني موافقتي علي أن تكتب قصتي, وأنا أمنحك الموافقة, وانما اعطيني وعدا. وتحمل هذه الكلمات اللغز ومفتاح اللغز! ولقد تمت مقابلة أبطال الرواية, الرئيس لامبرتي والأميرة باتريسيا في قصر بكينجهامBuckingham خلال عشاء رسمي بمناسبة الحفلة الختامية لمجموعة السبعة. والرواية تكشف أن الرئيس أرمل وأن الأميرة تعسة وتقول عشرة أيام قبل زواجي قال لي زوج المستقبل ان لديه رفيقة وانه اتخذ قرارا باستئناف علاقته معها حتي عقب زواجنا, ولذلك فهي تضاعف من المغامرات التي لا تؤدي لأي نهاية كما أنها تلتزم بجدية في الأعمال الأهلية والخيرية مثل مناهضة إيدز الأطفال ومناهضة الألغام الأرضية..الخ, وبالنسبة لبطلته يقول جيسكار لقد قبلت يدها فخطبتني بعيونها التي اتسعت فجأة ووجهها ينحني الي الأمام.. وخلال رئاسته فإن الكاتب كان قد أثار اعجاب المواطنين الفرنسيين إزاء معرفته المتعمقة لأعمال الأديب الفرنسي موباسون, ولذلك لم أفاجأ بأن أري البطل يستعين بالأدب الفرنسي وأبطاله الرومانسيين ليتخذ مبادراته المتعلقة بالحب! ويكتب جيسكار إنني أفكر في ولع جوليان سوريل في الأبيض والأسود للكاتب ستندال عندما لاحظ اقتراب ذراع مدام رينال من ذراعه, وفي فقرة أخري يستعين بقراءته لدورفيلي الذي ألهم لامبرتي أن يتخذ الخطوة الأولي.. ففي القطار الرسمي الذي يعود بالأميرة والرئيس من احتفالات النورماندي عام1984, فلقد أخذ في يده يد الأميرة من تحت المائدة وفي فقرات أخري فإن الرئيس الفرنسي يقرأ ديما ويبدو أن جيسكار يريد إعادة أيام الولع الفرنسي الانجليزي. وعبر الصفحات فإن الشكل البروتوكولي للعلاقة يتحول الي علاقة حميمية حيث إن البطل والبطلة سيتبادلان الحب والغرام في القصور الملكية أو القومية الشهيرة والتي تقدمها كل الأنظمة لقادة البلاد فعش الغرام اسمه تارة كينزينجتون وتارة سوسي, الذي استضاف مغامرات رئاسية أخري أنبتت فاكهة اسمها مازارين وليست إلا بنت الرئيس الراحل ميتران الذي اعترف بشرعيتها بعد ذلك. كما أن الكاتب يصف أيضا قصر رامبوييه بدقة شديدة تؤكد أن لديه ذكريات جميلة عن هذا المكان, والكل يعلم أن خلال رئاسته فإن الرئيس جيسكار ديستان كان يعشق تنظيم حفلات الصيد بهذا القصر الحالم.. ويتخلل الرواية هذا السؤال واذا كان ذلك حقيقيا بقدر دقة وصف الحب من أول نظرة وتفاصيل الأماكن والحوارات والملابس الي الحد أن الرواية تلامس الحقيقة.. ويبتعد من جديد البطل والبطلة في جو من الخيال ليقترب الكاتب من واقعه السياسي ويتحدث عن أنشطته خلال رئاسته الثانية. محاولة الاغتيال ثم ينقلنا الكاتب لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها جاك هنري لامبيرتي خلال افتتاح صالون الكتاب بباريس, علي يد كوسوفار مناهض للسياسة الليبرالية التي ينتهجها جيسكار ديستان تجاه الصرب. ويكتب جيسكار في روايته انني اساند حقوق الجميع وينجرف في مجال السياسة الخارجية ويؤكد أن الصرب الذين كانوا يسكنون كوسوفا قبل غزو الأتراك يتمتعون بحق الاعتراف بذاتيتهم وديانتهم ويضيف أنهم مسيحيون ارثوذكس وكيف لا نفكر في الجنرال دي جول ورونالد ريجان وجان بول الثاني ضحايا تحركهم الجيوبوليتيكي وثقلهم الأكيد. وأخيرا يحلم البطل بتقارب مؤسسي بين فرنسا وبريطانيا ويتناسي حرب المائة عام وجان دارك ونابوليون ويعلن الرئيس لامبيرتي اصراره علي ادخال بلاده في عهد الحداثة.. ويكشف الكاتب عن ميوله الأوروبية وايمانه بوحدة أوروبا ويتلاحم فكره مع جان مونيه الذي كان أول من طالب بوحدة فرنسية بريطانية.. وقيل إن دي جول كان قد راودته الفكرة يوم16 يونيو1940.. ويحلم الرئيس لامبيرتي بهذا الانصهار الرمزي في أوقات اكثر هدوءا إن ما يجذب الرئيس لامبيرتي هو فكرة الملكية التي تحمل رايتها بريطانيا والتي تعبر عنها من خلال لعبة التحالفات والمصاهرات والأنساب وفي تفاصيل عديدة من الرواية يشعر القارئ أن أبهة الملوك لا يزهدها الكاتب, فإن أولاد الرئيس يحملون أسامي سلالة فرنسا الملكية فاسمهما فرنسوا وجان فهل يحلم لامبيرتي بمصير مشابه للنبيل الفرنسي هنري دي مونبيزا الذي تزوج ملكة الدانمارك واذا أصبح لامبيرتي زوجا لوالدة ملك بريطانيا القادم فهل سوف يتمتع بلقب؟ لقد أثار الأميرة والرئيس انتقادات عديدة ولكن لماذا لا نوافق علي هذه الرواية العاطفية التي تتناول برومانسية سيقان الأميرة الجميلة باتريسيا, ونظرات الحب والقبلات الساخنة.. انها قضية الكاتب والقراء ولاشك أن الأميرة والرئيس يفيان جيدا بالعهد لأن الرواية مبنية علي سيناريو دقيق وليس فيه أي خطأ وهل هناك مانع أن يكتب رئيس جمهورية أسبق عن الحب, وهل تخصص المالية الذي قام بتمييز جيسكار عندما كان وزيرا لمالية فرنسا يحرم علي الرئيس الفرنسي أن يتناول أدب القلب! هناك سؤال أخير الي أي مدي تستطيع الرواية أن تخلط بين الخيال والحقيقة والي أي مدي الذاكرة والحلم قد يشاركان في النسج الروائي, هل رواية ديستان من خياله المطلق أم هي حقيقة أم رغبة مدفونة ولا يستطيع أن يجيب عن هذا السؤال إلا الكاتب.. الكاتب وحده يحمل مفتاح اللغز الذي هو أساس الآداب.