رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 25-4-2024    سعر السمك البلطي في الأسواق اليوم السبت.. بعد حملات المقاطعة    منحة إضافية لجامعة القاهرة لإنشاء مركز التميز للزراعة والمياه.. اعرف التفاصيل    صحيفة أمريكية: قرار العدل الدولية تتويج لأسبوع من الرفض الدولى لإسرائيل    انهيار أرضي في بابوا غينيا يدفن 300 شخص ويدمر قرية بالكامل (فيديو)    ديربي مانشستر، موعد نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين السيتي واليونايتد    السيتى يبحث عن الثنائية أمام يونايتد في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي    نجم برشلونة يودع تشافي برسالة عاطفية    تداول أسئلة امتحان اللغة العربية للدبلومات الفنية على صفحات الغش    لجان سير امتحانات الدبلومات الفنية بالفيوم تتسلم أسئلة اليوم الأول    تُشبّه الحبيب بالإله، قصة أغنية الترند الهندي التي أثارت الجدل بمواقع التواصل (فيديو)    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. السبت 25 مايو    Genesis Neolun| الكهربائية الفاخرة.. مفهوم يعبر عن الرفاهية    غضب جديد داخل غرفة ملابس الزمالك بسبب شيكابالا وشرط وحيد للتوقيع مع ديانج    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضًا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    عيد الأضحى 2024 الأحد أم الاثنين؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    وليد جاب الله: الحرب جزء من الاقتصاد وليس العكس    ليست الفضيحة الأولى.. «الشاباك» الإسرائيلي أخطأ مرتين في نشر صورة إعلامي مصري    «دكّ معاقل الاحتلال».. فصائل عراقية تعلن قصف «أهداف حيوية» في إيلات بإسرائيل    شاهد عيان يروى تفاصيل انهيار عقار الباب الجديد بالإسكندرية (فيديو)    تعرف على خطوات تركيب محطة طاقة شمسية أعلى أسطح المنازل    حظك اليوم| برج القوس 25 مايو.. تأثير في الحياة العاطفية والاجتماعية    من النهر إلى البحر، مفاجأة سارة لفلسطيني بعد ختم جواز سفره بمطار مدريد (صورة)    «أبو علي» في الهجوم| تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الترجي    أنهى حياة 3 سيدات.. القبض على "سفاح التجمع"    شيماء سيف تكشف تفاصيل خسارتها 50 كيلو من وزنها    مصرع طفل صدمته سيارة مسرعة في الخصوص بالقليوبية    أنا متزوجة ووقعت في ذنب كبير.. متصلة تفاجئ أمين الفتوى    ملف مصراوي.. خطة كولر لنهائي أفريقيا.. وتحذير الترجي لجماهيره    أول لقاح للهربس متاح في مصر| تفاصيل    الصحة العالمية: تسليم شحنة من أحدث لقاح للملاريا إلى أفريقيا الوسطى    فوائد صحية غير متوقعة لنقع الأرز في الماء 4 ساعات قبل الطهي    استعلم الآن.. رابط نتيجة الصف الخامس الابتدائي 2024 الترم الثاني بالاسم والرقم القومي    "كان يرتعش قبل دخوله المسرح".. محمد الصاوي يكشف شخصية فؤاد المهندس    مخرج "رفعت عيني للسما" عن جائزة العين الذهبية بمهرجان كان: السر في الصعيد والفيلم لمس مع الناس    إصابة . في حادث انقلاب أتوبيس علي طريق السخنه بالسويس    المدارس المصرية اليابانية تعلن بدء التواصل مع أولياء الأمور لتحديد موعد المقابلات الشخصية    ميلان يختتم مشواره فى الدوري الإيطالي أمام ساليرنيتانا الليلة    125لجنة تستقبل 36675 طالبا وطالبة بالمنوفية لأداء امتحانات الدبلومات الفنية    حلقة أحمد العوضى مع عمرو الليثى على قناة الحياة تتصدر ترند تويتر    وليد جاب الله ل"الشاهد": الحرب تخلق رواجًا اقتصاديًا لشركات السلاح    «بيعاني نفسيا».. تعليق ناري من إسماعيل يوسف على تصريحات الشناوي    محمد إمام يوجه رسالة ل علاء مرسي بمناسبة زواج ابنته    تعرف على أدوار القديس فرنسيس في الرهبانيات    عمرو أديب عن نهائي دوري أبطال إفريقيا: عاوزين الأهلي يكمل دستة الجاتوه    وزير الخارجية الأمريكي يعلن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لكييف    ضياء رشوان: الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون مفاوضات نموذج طرحته مصر وبدأ يجتاح العالم    تصل ل10 آلاف جنيه.. بشرى سارة بشأن انخفاض أسعار الأضاحي    مؤسس طب الحالات الحرجة: أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت 500% ولا توجد شفقة    أبو بكر القاضي: قانون"تأجير المستشفيات" يُهدد استقرار الاطقم الطبية    تكوين: لن نخوض مناظرات عقائدية تخص أي ديانة فهذا ليس في صميم أهدافنا    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع وعلى الحاج أن يتعلم أحكامه قبل السفر    الوضع الكارثى بكليات الحقوق «2»    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صندوق أحمد سعيد
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 09 - 2015


ظاهرته لا مثيل لها فى التاريخ العربى الحديث كله.
صعد بتأثيره إلى حيث لم يصعد إعلامى آخر.
وظلمت أدواره كما لم تظلم أى أدوار أخرى.
وهو يدخل عامه التسعين تكاد حجب النسيان أن تطوى ذكره.
هذه مأساة حقيقية، فالأمم التى تنكر تاريخها يصعب أن تضع أقدامها فى أى مستقبل.
أكثر الأسئلة جوهرية فيما يتعرض له العالم العربى الآن من هزائم مروعة:
كيف انهار كل معنى وتقوض كل أمل؟
هو أبرز أصوات الاستقلال الوطنى فى العالم العربى من أوائل الخمسينيات حتى نكسة (1967).
كان الصوت مسموعا وإلهامه نافذا.
خاض معركة إسقاط حلف بغداد عام (1955) الذى استهدف ملء الفراغ فى المنطقة بعد تراجع الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية.
كانت المعركة ضارية بين القوة الأمريكية الصاعدة بعد الحرب العالمية الثانية وحركات التحرير الوطنى التى مازالت فى مهدها.
وخاض حرب السويس عام (1956) حاشدا العالم العربى وراء مصر المقاتلة.
كانت معركة أخرى على مصير الإرادة الوطنية المستقلة بعد تأميم قناة السويس.
ارتفع صوته فى عام (1958) بأحلام الوحدة المصرية السورية والتطلع إلى دولة عربية واحدة.
طوال سنوات التحدى حتى انكسار هزيمة (1967) تصدر كل معركة من المشرق العربى فى العراق وسوريا ولبنان إلى مغربه فى الجزائر والمغرب وتونس إلى الخليج العربى واليمن.
الثورة الجزائرية درة التاج فى معاركه كلها.
لا يمكن كتابة تاريخ ثورة المليون والنصف المليون شهيد دون التوقف عند دوره فيها.
فى أول نوفمبر (1954) قرأ بصوته البيان الأول للثورة عبر أثير «صوت العرب»، وأشرف كاملا على إعداد النشيد الوطنى الجزائرى.
ربطته علاقة صداقة عميقة مع الرجل الذى التقاه لأول مرة باسم «مسعود مزيانى» امتدت حتى نهاية العمر.
كان «مزيانى» هو الاسم الحركى للزعيم الجزائرى «أحمد بن بيللا».
تابع بالتفاصيل قصة الثورة الجزائرية، وكتب شهادته لكنه لم ينشرها حتى الآن.
أثناء فتنة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر سألته أن يكتب فى الموضوع لجريدة «العربى».
قال: «أريد أن أعرف موقفك».
رددت: «أنا قومى عربى».
رغم ما يربطنا من حوار ومودة فإن الأجواء العامة دعته إلى السؤال.
كان كل شىء هستيريا وأغلب ما يكتب على ورق أو يبث فى فضاء عارا حقيقيا.
فى لحظات الفتنة وجد نفسه أمام سؤال سياسى وإنسانى عما إذا كانت الذاكرة محيت.
فى دراسته اللافتة لما طرأ على المجتمع الجزائرى من تحولات فى القيم والسلوك بأثر سنوات الثورة أشار المفكر الفرنسى «فرانس فانون» إلى دور «صوت العرب» فى إلهام فكرة الاستقلال.
كان الجزائرى العادى يشترى جهاز الراديو ليستمع إلى صوته وهو يردد كلمة «الاستقلال» بينما الأفئدة ترتجف.
فى كل مكان بالعالم العربى سادت الروح نفسها، وأطلق على جهاز الراديو «صندوق أحمد سعيد».
‫«‬أحمد سعيد» لا غيره.‬‬
فى عام (1967) حمل بما لا يحتمل من مسئولية النكسة العسكرية.
كانت الهزيمة فادحة والبيانات العسكرية كاذبة.
لم يكن هو الذى كتبها، فقد تلقاها من القيادة العسكرية فى ذلك الوقت.
ولم يكن بوسعه تجاهلها شأن أى محطات تلفزيونية أو إذاعية أخرى.
لكن كل السهام صوبت إليه وحده.
فى سبتمبر (1967) خرج من الإذاعة التى أسسها عام (1953) وتوارى إلى الظل.
خلفه على مقعده «محمد عروق».
لم يكن الهدف تغيير الرجال بقدر تغيير الدفة من التعبئة إلى التوعية، فقد اختلفت طبيعة المعارك.
عند انقلاب السياسات على عصر «جمال عبدالناصر» استهدفت تجربة «أحمد سعيد» بضراوة.
شاعت روح السخرية من اللحن المميز الذى ارتبطت به «صوت العرب» «أمجاد يا عرب أمجاد.. فى بلدنا كرام أسياد».
لم تستهدف السخرية الرجل وتجربته بقدر ما استهدفت عصر الأحلام الكبرى التى انكسرت.
فى عزلته الطويلة التى امتدت لنحو نصف قرن كان يستعيد من وقت لآخر بيتى شعر الشاعر العراقى الكبير «الجواهرى»:
‫«‬إنا رئات فى حنايا أمة‬‬‬‬
راحت بنا تتنفس الصعداء
لم نأت بدعا فى البيان وإنما
كنا بما حلمت به أصداء»
المفارقات تبدو حادة اليوم بين ما بشر به وما وصلنا إليه.
غير أن هذه ليست مسئولية، فهو لم يخترع مشروع التحرير الوطنى ولا نداءات الوحدة العربية.
كان العالم العربى يموج بهذه الأفكار ومستعد للتضحية فى سبيلها.
هو ابن مرحلة الصعود الكبير وصوتها الأبرز.
شغل تأثيره مراكز أبحاث وأجهزة استخبارات على ما تدل الوثائق الغربية المتاحة الآن.
أثناء حرب السويس قصفت الطائرات محطات إرسال «صوت العرب» فى «أبى زعبل» شمال شرق القاهرة لإسكاتها.
حين فشلت الغارات فى إسكات صوته، حاولت غارات من نوع آخر تشويه صورته.
غير أن التاريخ سوف يتوقف طويلا أمام تجربته التى لا مثيل لتأثيرها بامتداد العالم العربى كله.
عندما كانت ساعة جامعتها العريقة تدق السادسة من مساء السبت (4) يوليو (1953) بدأ بث «صوت العرب» من القاهرة.
كان مديرها ومذيعها الوحيد قبل أن تنضم إليه نخبة من أفضل الإذاعيين المصريين من بينهم «نادية توفيق» و«محمد عروق» و«بهاء طاهر» و«السيد الغضبان» و«أمين بسيونى» و«محمد الخولى» و«فاروق خورشيد» و«ديمترى لوقا».
لم يكن قد تجاوز الثامنة والعشرين من عمره عندما بدأت تجربته.
السن المبكرة فى تقلد المناصب العامة من طبيعة ثورة يوليو، فقد كان زعيمها «جمال عبدالناصر» فى منتصف الثلاثينيات.
المثير أن تفكير يوليو فى محطة إذاعية تخاطب العالم العربى وتتبنى قضاياه استبق إعلان توجهها القومى.
لا يولد شىء من فراغ، فقد كان «عبدالناصر» متأثرا بتجربة الحرب فى فلسطين (1948)، وانطوت فلسفة الثورة التى صاغها الأستاذ «محمد حسنين هيكل» على إدراك مبكر لأولوية الدائرة العربية فى السياسة الخارجية المصرية.
من الأسباب الجوهرية لنجاح تجربته وضوح الأهداف القومية وسقف الحرية المرتفع على ما يقول بنفسه.
فى (25) فبراير (1965) قال الرئيس «عبدالناصر» فى خطاب مفتوح إنه لا يوافق «أحمد سعيد» فى أمور كثيرة يتحدث فيها، لكنه يمتنع عن أى تدخل، فالتدخل «بيموت صوت العرب وبيضيع قيمة صوت العرب».
حتى إعلام التعبئة يحتاج إلى الحرية.
الإعلام يفقد تأثيره عندما يخسر حريته.
دراسة التجربة بعمق من مقتضيات رد اعتبار الإعلام المصرى الذى تدهور بصورة غير مسبوقة.
للنجاح أسبابه وللفشل أسباب أخرى.
وهو يخطو إلى تسعينيته ربما جال بخاطره أن التاريخ سوف ينصفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.