بقدر فرحتنا بوصول مصر إلي كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا عن طريق السلام الوطني الذي وضعه الموسيقار الراحل محمد فوزي لدولة الجزائر عام 1962 والتي تأهلت علي حساب المنتخب القومي المصري بالبلطجة بقدر حزننا بأن هذا السلام سيعزف لدولة ناصبتنا العداء وتعاملت معنا في مباراة كرة قدم علي أنها موقعة حربية. السلام الوطني لم يكن هو العمل الفني الوحيد الذي وقفت فيه مصر إلي جوار أشقائها المفترض أنهم أشقاؤها من الدول العربية سواء الجزائر أو غيرها، وإنما القائمة طويلة تضم أعمالاً كثيرة سينمائية غنائية تليفزيونية أو مسرحية. فالسينما المصرية لم تقف عند حدود الوطن الصغير لمناقشة قضاياه، بل امتد مفعولها لمناقشة العديد من القضايا الوطنية العربية، هذه النوعية من الأفلام السياسية جاءت لتساند الحركات التحررية في الوطن العربي، والتي ساندتها ثورة يوليو 1952 - بصورة واضحة لتكشف هذه الأفلام عن وقوف مصر إلي جانب العرب، فقد ساندت جبهة التحرير الجزائرية ومنظمة التحرير الفلسطينية والسودان وثورة اليمن والحرب الأهلية اللبنانية، ولعل فيلم جميلة بو حريد بطولة وإنتاج ماجدة الصباحي، إخراج يوسف شاهين هو النموذج الأمثل لتلك المساندة القوية للثورة الجزائرية التي قام بها المناضل الجزائري الثائر أحمد بن بيلا والشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، الفيلم الذي أنتج عام 1958 جاء احتفالاً بالثورة الجزائرية التي اندلعت عام 1954 في عيدها الرابع، وقد أظهر الفيلم بطولات أحمد بن بيلا وهواري بومدين وعبدالعزيز بوتفليقة، إلي جانب بطلة الفيلم جميلة بو حريد المناضلة الثورية التي حركت الثورة الجزائرية، وقد جاء إنتاج الفيلم ليواكب حركات وطنية عربية متلاحقة، ففي مصر قامت في تلك الفترة وحدة سياسية بين مصر وسوريا، وفي العراق قامت ثورة عبدالكريم قاسم ضد نوري السعيد، إلي جانب العديد من الدول العربية التي كانت تستعد للاستقلال إبان العدوان الثلاثي، وجاءت أهمية فيلم جميلة بوحريد أنه ظهر في أوج تأجج الثورة، وهي ثورة المليون شهيد، حيث نقل الفيلم الأحداث الدامية التي دارت بين الكفاح المسلح ورجال جبهة التحرير الوطني، وبين الاحتلال الفرنسي والذي شهده حي القصبة من مواجهات والتي كانت النساء وعلي رأسهن جميلة بوحريد أبطال هذه المواجهات في سبتمبر ,1957 وشارك في كتابة السيناريو والحوار للقصة التي كتبها يوسف السباعي كل من نجيب محفوظ وعبدالرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني ووجيه نجيب يحسب لماجدة الصباحي إيمانها الشديد بالقضايا الوطنية العربية، حيث تكرر حماسها في إنتاج هذه النوعية من الأفلام، فبعد جميلة بوحريد راحت تناصر ثورة اليمن من خلال فيلم يحمل نفس الاسم ثورة اليمن عام 1966 إخراج عاطف سالم شاركها بطولته حسن يوسف الذي قام بدور شاب يمني اسمه منصور يدرس في جامعة القاهرة العلوم التكنولوجية ليصل إلي صنعاء وتبدأ الثورة مع وصوله، الفيلم مأخوذ عن رواية ل صالح مرسي نشرها قبل تحويلها إلي فيلم سينمائي - في مجلة صباح الخير عام 1964 - أثناء الأحداث الساخنة للثورة. أحداث حقيقية يذكر أنه أثناء عرض الفيلم في دور العرض كان الجنود المصريون مازالوا علي الجبهة في اليمن حتي حرب ,1967 وتم تصوير معظم مشاهد الفيلم هناك. فيلم آخر تحدث عن ثورة اليمن هو فيلم منتهي الفرح لمحمد سالم والذي تدور أحداثه حول عودة أول فوج من الجنود المصريين من اليمن والاستقبال الشعبي لهم أثناء عودتهم، وقد صنع محمد سالم من الفيلم احتفالية غنائية شارك فيها كل من محمد عبدالوهاب الذي غني في حفل زفاف أحد الجنود العائدين بالفيلم، كما شاركت بالغناء عند استقبال الأبطال عند محطة السكة الحديد كل من شادية وصباح إلي جانب فريد الأطرش وفايزة أحمد بطلي الفيلم. هناك أيضاً أفلام ساندت الوحدة بين مصر وسوريا ظهرت عام 1960 قبل الانفصال بعام واحد - منها عمالقة البحار بطولة أحمد مظهر ويحكي قصة جندي سوري يموت في مصر مع أبطال البحرية أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 وفيلم وطني حبيبي بطولة وإخراج حسين صدقي وتدور أحداثه في سوريا من خلال ضابط مخابرات مصري يسافر إلي دمشق لضبط عملية تجسس تعمل ضد النظام السوري في محاولة لانقلابه، وتنشأ قصة حب بين الضابط وفتاة سورية وهو رمز للتوافق الشديد بين مصر وسوريا والذي أدي إلي الوحدة . تجارب روائية عكست - أيضا - تلك الرؤية مثل رواية سنوات الحب لأمين يوسف غراب التي كتبها أثناء الوحدة مع سورية ودارت أحداث منها في سوريا، ولكن عندما تحولت إلي فيلم عام 1963 تم إبعاد الجانب السياسي ودارت الأحداث ما بين القاهرة والإسكندرية كما حدث ذلك في رواية يوسف السباعي، جفت الدموع عام 1975 والتي أخرجها للسينما حلمي رفلة وحذف كل الإشارات المتعلقة بوحدة مصر وسوريا من الفيلم، الحرب الأهلية اللبنانية لم تتخل عنها السينما المصرية، حيث قدمت فيلم من يطفئ النار عام 1982 إخراج محمد سلمان بطولة فريد شوقي الذي صور لنا بشاعة الحرب الأهلية اللبنانية والأحداث الدامية ومظاهر الحرب وإطلاق الرصاص بين أبناء الوطن الواحد ووفاة بطلة الفيلم - التي ظلت في ذاكرة البطل طوال الأحداث حتي النهاية - في إحدي الغارات، أيضا فيلم عمر 2000 بطولة خالد النبوي إخراج أحمد عاطف تناول الحرب الأهلية، وأيضا المسلسل التليفزيوني امرأة من زمن الحب بطولة سميرة أحمد. مصر والسودان والسودان الذي كان قطعة من مصر حتي بداية الخمسينيات تناولت قضاياه وكفاحه ضد الاستعمار الإنجليزي السينما المصرية من خلال فيلم زينب عام 1952 إخراج محمد كريم بطولة يحيي شاهين، حيث يتطوع إبراهيم بطل الفيلم ضمن الجيش السوداني لتحرير الأرض، ورغم أنه جندي مصري، إلا أنه يعتبر نفسه واحدا من أبناء الشعب السوداني. وفي فيلم مصطفي كامل عام 1952 ظهر علي كامل شقيق مصطفي كامل، وهو يتهم بأنه شارك في تمرد دنقلة والثورة المهدية التي عرفتها السودان عام 1899 فجاء كلامه ردا علي اتهامات الاستعمار الإنجليزي : أنا أكرم لي أروح أحارب في السودان برتبة نفر، إنتوا حاولتوا تضربوا السودان بأياد مصرية، لكن ح يفضل أبناء وادي النيل رمزا للوحدة ثم يهتف بكل حماس داخل المحكمة العسكرية تعيش وحدة أبناء النيل. القضية الفلسطينية وتبعاتها من حروب ومجازر كان لها النصيب الأكبر من الأفلام العروبية بداية من حرب 1948 الذي اغتصبت فيه الأراضي الفلسطينية والتي كتب عنها إحسان عبد القدوس أن سبب الهزيمة هو الأسلحة الفاسدة، فصنعت السينما المصرية في هذا الشأن العديد من الأفلام منها فتاة من فلسطين عام 1948 بطولة وإخراج محمود ذو الفقار شاركته البطولة سعاد محمد، وأرض الأبطال عام 1953 بطولة جمال فارس وكوكا وإخراج نيازي مصطفي والحياة الحب عام1954 لسيف الدين شوكت والله معنا عام 1955 لأحمد بدرخان بطولة عماد حمدي، ووداع في الفجر لحسن الإمام عام 1956 بطولة كمال الشناوي وشادية، ونهر الحب لعز الدين ذو الفقار بطولة عمر الشريف وفاتن حمامة اللذين قدما أيضا أرض السلام عام 1957 غدا يوم آخر لألبير نجيب عام ,1961 وفي نفس العام تم تقديم فيلمي صراع الجبابرة وطريق الأبطال لمحمود إسماعيل بطولة هند رستم وشكري سرحان عن نفس القضية والناصر صلاح الدين عام 1963 ليوسف شاهين بطولة أحمد مظهر ونادية لطفي والدخيل عام 1967 لنور الدمرداش والأقدار الدامية عام 1982 لخيري بشارة، وناجي العلي عام 1991 لنور الشريف وإخراج عاطف الطيب. القضية الكبري هذه الأفلام تم تقديمها إيمانا بقضية وطنية عروبية هي القضية الفلسطينية، التي تنادي جميعها بتحرير القدس وجميع الأراضي الفلسطينية ليعود الحق إلي أصحابه، كما نوقشت القضية الفلسطينية في أشكال كثيرة، فجاءت فانتازيا في فيلم يا مهلبية يا عام 1991 إخراج شريف عرفة وبطولة ليلي علوي وبشكل تاريخي في امرأة هزت عرش مصر عام 1995 لنادر جلال بطولة نادية الجندي وفي فتاة من إسرائيل عام 1999 لإيهاب راضي وبطولة محمود ياسين وفاروق الفيشاوي ناقش مسألة التطبيع وهل يمكن تقبل السلام مع عدو اختطف الأرض بالقوة أيضا بالقوة، كما شارك المسرح في القضايا العروبية أيضا من خلال واحدة من أهم المسرحيات التي قدمت في أواخر الثمانينيات بعنوان واقدساه صرخة لتحرير القدس من تأليف سعد الدين وهبة، وشارك في بطولتها نجوم من الوطن العربي. أمجاد غنائية الغناء والموسيقي كان لهما الأثر الأكبر في التعبير عن القضايا العربية والتأثر بها والتأثير فيها، يذكر أن أول فرقة موسيقية وأول مطربين ينطقون باللغة العربية دخلوا الجزائر ووقفوا علي خشبة مسرح ابن خلدون للاحتفال بالعيد الأول لاستقلال الجزائر عام 1962 هم المصريون من خلال الفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرام ومعها عبد العزيز محمود ومحمود شكوكو وفرقة الثلاثي المرح الفرقة - حسب كلام قائدها الموسيقار صلاح عرام قدمت فقراتها عقب خطبة لزعيم الثورة الجزائرية أحمد بن بيلا الذي احتفل بالفرقة وبالمطربين احتفالا ضخما، وقال لهم بالحرف الواحد : أنا سعيد أن أري الغناء العربي علي أرض الجزائر بعد أن ظل لعشرات السنين غناء باللغة الفرنسية ، كان قد سبق قدوم الفرقة إلي الجزائر العديد من الأعمال الغنائية التي ساندت الثورة الجزائرية منها السلام الوطني الجزائري، والذي كان في الأصل أغنية للموسيقار الراحل محمد فوزي بعنوان يا جزائر يا جزائر ثم تحولت إلي السلام الوطني بناء علي رغبة بن بيلا شخصيا، كذلك أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ الملتهبة والتي شحنت الشعب الجزائري معنويا منها أغنية أم كلثوم خذوني معكم إلي الجزائر وأغنية عبد الحليم حافظ شعب الجزائر، سبقهم أيضا بيرم التونسي كلاما ومحمد القصبجي لحنا عندما قدما أغنية المجد ليكم والتي تقول كلماتها : رحتوا للميدان وجيتم والشرف والمجد ليكم.. جرحكم شاهد عليكم والجراح أحسن وسام.. العلاقة الفنية بين مصر والجزائر ازدادت مكانة عندما استدعي الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين كل النجوم الذين ساندوا الثورة الجزائرية عام 1972 في عيدها العاشر لتكريمهم، وأعرب بومدين - خريج الأزهر -0 للمصريين عن سعادته بتأثير الأغاني المصرية في الشعب الجزائري، والذي كانت نسبة كبيرة منه لا تتحدث العربية، كذلك أشاد بصوت الإذاعي الكبير أحمد سعيد ودوره الكبير في معركة التحرير، وقال لهم : أن أحمد سعيد لم يكن فقط يمثل صوت العرب، ويقصد إذاعة صوت العرب التي كان ينتمي إليها سعيد، ولكنه يمثل صوت الثورة ويقصد الثورة الجزائرية . يذكر لنا صلاح عرام أنه في أواخر التسعينيات اتصل به أمين بشيش وزير الإعلام الجزائري - آنذاك - والذي كان سفيرا للجزائر بالقاهرة قبل توليه وزارة الإعلام وطلب منه تأسيس فرقتي موسيقي واحدة للجيش وواحدة للشرطة، وبالفعل اصطحب عرام معه عناصر من مصر وتأسست الفرقتان. لم توجه بوصلة الفن المصري إلي الجزائر فقط، بل الفن المصري يضرب في جذور الوطن العربي بأكمله، فالسلام الوطني الليبي هو سلام مصري من ألحان محمود الشريف، وهو الله أكبر فوق كيد المعتدي الذي كان سلامنا الوطني أيضا قبل أن نستبدله ب بلادي بلادي لك حبي وفؤادي لسيد درويش، أيضا محمد قنديل غني لسوريا : أنا واقف فوق الأهرام... قدامي بساتين الشام وغني عبد الحليم حافظ وهاني شاكر وكثير من المطربين المصريين لفلسطين ولبنان وغنت أم كلثوم للعراق أغنية بغداد وغني محمد عبد الوهاب في أواخر الأربعينيات للسعودية احتفالا بالملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية - عندما غني له يا رفيع التاج من آل سعود.. يا مني أجمل أيام الوجود، وهو أيضا محمد عبد الوهاب الذي قدم للوطن العربي أجمل أغانيه والتي كان يتمني من خلالها أن تصير بالفعل وحدة عربية حقيقية وهي أغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر!!