هل يعلم أى منا كيف يتخذ القرار فى مصر.. أعنى القرارات الكبرى خارجيا وداخليا؟ أغلب الظن أن معظمنا لا يعرف ذلك تفصيلا، قد نملك تصورات أو أخبارا متناثرة هنا وهناك. لكن من شبه المؤكد أن أعضاء الحزب الوطنى الحاكم هم آخر من يعلمون مثلنا نحن الشعب تماما. لنفرض أن الرئيس مبارك قرر قطع العلاقات مع إسرائيل أو إعادتها مع إيران أو تغيير نمط العلاقة مع جماعة الإخوان المسلمين.. فالغالب أنه قد يستشير مجموعة صغيرة وضيقة من المستشارين، وبعدها سيجد القرار طريقه للاعتماد عبر الإجراءات الروتينية من قبل الموافقات حتى يصبح قانونيا. فى بداية الأسبوع الماضى نشرنا فى «الشروق» قصة خبرية تفيد بوجود صفقة أو عرض أو تفاهمات بين الحكومة والإخوان تتضمن الإفراج عن معتقلى الجماعة مقابل عدم خوضها الانتخابات البرلمانية المقبلة، وعدم معارضتها للتوريث. القصة نقلها لنا مسئول ذو وزن داخل الحكومة والحزب، والأهم أن مرشد الإخوان نفسه محمد مهدى عاكف أكدها، وبالتالى فصحة القصة من عدمها تعود لهذين المصدرين، وكان يكفينا مهنيا أن ننقل القصة على لسان عاكف وحده، لأن الرجل لا يعقل أن يخترع شيئا من خياله. المهم.. فوجئنا فى صباح اليوم التالى بالدكتور على الدين هلال يرسل بيانا لكل وسائل الإعلام نافيا القصة. وبالطبع فإن من حق الدكتور هلال أن ينفى لكن الغريب أنه استند إلى دليل خطير وهو أن الحزب الوطنى وأمانته العامة لم يبحثا هذا الموضوع، أى موضوع الصفقة أو العرض أو الغزل غير العفيف بين الحكومة والإخوان. فى الأحوال العادية يشعر الصحفى والصحيفة بالأسى والتقصير عندما يتم تكذيب أى خبر، باعتبار ذلك يعكس خللا مهنيا، لكن فى الحالة الأخيرة، لم أملك إلا الضحك، لأن الاستناد إلى أن الحزب لم يناقش هذه الصفقة، يعنى بداهة أن الصفقة لو كانت موجودة جدلا فسوف يضعها الحزب فى بنود وجدول أعمال المناقشات. وتغطيها صحيفة «الوطنى اليوم» وتذيعها القناة الثالثة المحلية، ويخرج الدكتور هلال ليحللها. معنى كلام د. على الدين هلال أن الحزب وأمانته العامة وقواعده الحزبية فى النجوع والقرى والبنادر قد ناقشوا قبل سنوات الصفقة مع الجماعات الإسلامية ومراجعاتها، أو أن الحزب هو الذى حسم أمر مشاركة مصر فى حرب الخليج عام 1991، والتعديلات الدستورية قبل سنوات بشأن المادة 76، وما بينهما من قرارات كبرى. بالطبع كل ذلك لم يحدث، والذى فعل ذلك آخرون غير الحزب. الذين تابعوا فترتى حكم الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الابن يعرفون أن ديك تشينى نائب الرئيس ومعظم أركان الحكومة أقاموا حكومة موازية وخفية أقرب إلى المافيا خططت ونفذت غزو العراق، وتجاوزت الجميع من الكونجرس حتى وكالة المخابرات المركزية.. حدث ذلك فى أمريكا.. بلد المؤسسات الفعلية، وبالتالى فنفس الأمر يمكن أن يحدث فى أى دولة بالعالم الثالث، بمعنى أن القرارات الكبرى سواء كانت جيدة أو سيئة لا يعلم بأمرها الجميع دائما. ليس عيبا أن الدكتور على الدين هلال لم يعلم أو يسمع بالصفقة أو التفاهمات أو حتى التسريبات بين الحكومة والإخوان، فهذه أمور تحدث كثيرا يكون طرفها الرئيسى فى الغالب أجهزة الأمن. لكن عدم علم د. هلال بها لا يعنى أنها لم تحدث وتلك هى المعضلة. وأخيرا هل هناك فعلا كيان حقيقى اسمه الحزب الوطنى؟! [email protected]