«القومي للطفولة والأمومة»: تمكين الفتيات في التعليم والصحة استثمار في مستقبل الوطن    استمرار تلقي طلبات الترشح لانتخابات النواب بالأقصر لليوم الرابع على التوالي    «التضامن» تقر تعديل قيد جمعيتين في محافظتي الجيزة والقليوبية    أسعار الخضراوات اليوم السبت 11 أكتوبر في سوق العبور للجملة    بعد مكاسب 130 دولارًا.. أسعار الذهب اليوم 11 أكتوبر في بداية التعاملات    «المشاط»: «السردية الوطنية» تُركز على قطاعات الاقتصاد الحقيقي    مصر تستهدف زراعة 3.5 مليون فدان من القمح    شعبة الأدوات الكهربائية: مصر تستهدف 145 مليار دولار صادرات    اسعار الدينار الكويتي اليوم السبت 11اكتوبر 2025 فى بداية التعاملات    الري: إعادة استخدام المياه وتطبيق مبادئ WEFE Nexus    استقرار وانخفاض طفيف في أسعار الحديد بأسواق المنيا السبت 11 أكتوبر 2025    غارات إسرائيلية على جنوب لبنان تسفر عن شهيد و7 جرحى.. والرئيس اللبناني: عدوان سافر بعد وقف الحرب في غزة    شهيد و7 مصابين جراء غارة لجيش الاحتلال على جنوبي لبنان فجر اليوم    مستشار ترامب: اتفاق «شرم الشيخ» سيفتح باب الأمل لسلام دائم بالمنطقة    أيمن محسب: الصلابة السياسية للرئيس السيسى منعت انزلاق المنطقة إلى فوضى جديدة    بيان رسمي بشأن إصابة مبابي في تصفيات كأس العالم.. يعود لمدريد    تصفيات آسيا لمونديال 2026.. عمان يواجه الإمارات والعراق أمام إندونيسيا    نجم تونس: علاء عبد العال مدرب كبير.. ومبارياتنا مع الأهلي والزمالك "عرس كروي"    اليوم.. ختام منافسات الكبار والناشئين ببطولة العالم للسباحة بالزعانف في المياه المفتوحة    مصر تتوّج ب13 ميدالية في منافسات الناشئين ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي    سكالوني يكشف سبب غياب ميسي عن ودية فنزويلا    اليوم.. غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة مصر باتجاه الواحات    قبل ثاني جلسات محاكمة المتهمة.. والدة أطفال دلجا: «الإعدام مش كفاية»    مصرع شخص أسفل عجلات القطار بطنطا    تحرير 164 مخالفة تموينية.. وضبط أسمدة وسلع مدعمة في حملات بالمنيا    وزارة الداخلية تبدأ في قبول طلبات التقدم لحج القرعة لهذا العام غدا    أجواء خريفية منعشة.. سحب وأمطار خفيفة تزين سماء السواحل الشمالية    عرض جثث 3 أطفال شقيقات غرقن بالبانيو نتيجة تسرب الغاز بالمنوفية على الطب الشرعى    تشميع مخزن مواد غذائية بساحل سليم فى أسيوط لمخالفته اشتراطات السلامة    في عيد ميلاده.. عمرو دياب يحتفل ب40 عامًا من النجومية وقصة اكتشاف لا تُنسى    من هو زوج إيناس الدغيدي؟ الكشف هوية العريس الجديد؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    هل فيتامين سي الحل السحري لنزلات البرد؟.. خبراء يكشفون الحقيقة    الصين تعتزم فرض قيود شاملة على تصدير المعادن الأرضية النادرة    قتلى ومفقودين| انفجار مصنع متفجرات يورد منتجات للجيش الأمريكي بولاية تينيسي    غدًا.. ثقافة العريش تنظم معرض «تجربة شخصية» لفناني سيناء    بالأرقام.. ننشر نتيجة انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء بقنا    مواقيت الصلاه اليوم السبت 11اكتوبر 2025فى محافظة المنيا    الجمعية المصرية للأدباء والفنانين تحتفل بذكرى نصر أكتوبر في حدث استثنائي    تعرف على فضل صلاة الفجر حاضر    30 دقيقة تأخر على خط «القاهرة - الإسكندرية».. السبت 11 أكتوبر 2025    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    «علي كلاي» يجمع درة وأحمد العوضي في أول تعاون خلال موسم رمضان 2026    فتاوى.. عدة الطلاق أم الوفاة؟!    فتاوى.. بلوجر إشاعة الفاحشة    ملك زاهر: ذهبت لطبيب نفسي بسبب «مريم»| حوار    تصفيات كأس العالم 2026| مبابي يقود فرنسا للفوز بثلاثية على أذربيجان    «الوزراء» يوافق على إنشاء جامعتين ب«العاصمة الإدارية» ومجمع مدارس أزهرية بالقاهرة    محمد سامي ل مي عمر: «بعت ساعة عشان أكمل ثمن العربية» (صور)    برد ولا كورونا؟.. كيف تفرق بين الأمراض المتشابهة؟    وصفة من قلب لندن.. طريقة تحضير «الإنجلش كيك» الكلاسيكية في المنزل    أحمد فايق يحذر من خطورة محتوى «السوشيال ميديا» على الأطفال    والدة مصطفى كامل تتعرض لأزمة صحية بسبب جرعة انسولين فاسدة    متطوعون جدد في قطاع الشباب والرياضة    العراق: سنوقع قريبا فى بغداد مسودة الإتفاق الإطارى مع تركيا لإدارة المياه    من المسرح إلى اليوتيوب.. رحلة "دارك شوكليت" بين فصول السنة ومشاعر الصداقة    الوساطة لا تُشترى.. بل تُصنع في مدرسة اسمها مصر    صحة الدقهلية: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الأمريكى دانيال عبدالحى مور: الخواء الروحى دفعنى للبوذية فى الستينيات.. والصوفية طريقى لمحبة الله
لأول مرة فى الصحافة العربية..
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 11 - 2014

• محمود درويش شاعر عالمى والترجمة ظلمت رباعيات الخيام
• من المدهش مقارنتى بالصوفى الكبير النفرى
• لم يكن اعتناقى للإسلام قفزة فى الفراغ وتأثرت بحرب فيتنام
• والت ويتمان أهم شاعر أمريكى واستفدت منه كشاعر مسلم متصوف
بين الشعر والدين جسور بلاغية، يقطعها المتصوفة بصمت الخرقة، وهى تطوف حول فكرة، ويقطفها الشعراء بفرحة الكشف.. فتأتى قصائدهم خرقة العهد بين الصمت والصراخ، همسا إلى الله عندما رأوه واكتشفوا طريقه عبر طريقة تطلع من صحراء خالية لكنها مشعة بالحنين، لا تعانى رغم كل خوائها من الخواء، فتصبح الصحراء لمن يبحث عن ملاذ قصيدة الملاذ.
هكذا عاش الشاعر الأمريكى دانييل مور ابن بيركلى المتمرد على ستينيات أمريكا، ضمن من تمردوا، رحلة المعراج إلى القصيدة متكئا حينا على صورة إنسانية رحبة للمسيح، وعلى التأمل جلوسا على طريقة «الزن»، قبل أن يرتحل إلى المغرب فيلتقى شيخ طريقة فيطوف معه ويعود مسلما إلى أرضه، وشاعرا ذاق نكهة الحقيقة فى الحب الإلهى.
فى الستينيات كان دانيال مور من أبرز شعراء «بيركلى» الحالمة بأمريكا أكثر إنسانية وعالم أكثر عدلا. وتعتبر دواوينه «رؤيا الفجر» و«القلب المحترق: مرثاة لموتى الحرب» و«جسد النور الأسود» و«حكمة المحارب»، ثورة فى حركة الشعر الأمريكى الحديث كما يقول الكاتب السورى الكبير منير العكش مؤسس مجلة جسور الثقافية بالولايات المتحدة كذلك كانت مسرحياته «اللوتس العائم» و«الحيتان المدماة» و«قيامة إبليس» التى عرضت لسنوات فى مسرحه الذى أنشأه هناك فى قلب كاليفورنيا مدرسة إبداعية وإنسانية. لكن الستينيات لم تمض على دانيال مور حتى زار المغرب وتعرف على الشيخ محمد بن الحبيب الفاسى ليعود إلى بيركلى مسلما يتوهج شعره بأسمى روحانية عرفها الشعر الإنجليزى المعاصر.
ويقول العكش ان معظم مجموعاته الشعرية فى هذه المرحلة («الصحراء باب النجاة» و«حوليات الآخرة» و«صاح كما لم أصح من قبل» و«ورد» و«مولد») نشرت فى طبعات يدوية محدودة جدا من عمل الشاعر ذلك لأن ناشريه لم يرق لهم «دانيال مور» الجديد.
بدأ دانيال مور بكتابة «سونيتات رمضان» فى أول ليالى رمضان 1406 (1986) ليكتشف صباح العيد أنه أنجز مجموعة كاملة من 62 قصيدة كانت كما يقول: «فضاء روحيا لتجربته الرمضانية وتصويرا شعريا لعالم الصيام والعالم من حول الصيام».
نقطة تحول
• هل كان اعتناقك الإسلام نوعا من رد الفعل أو التمرد النفسى والفلسفى على هزيمة مجتمع يحاول أن يخرج من مأزق حرب فيتنام؟
كل ما عشته فى حياتى له علاقة بإسلامى فلم يكن اعتناقى الإسلام قفزة فى الفراغ. قادتنى حياتى كشاعر يبحث عن مغزى للحياة، ومعنى للحقيقة إلى الإسلام. وقادنى عملى فى تأسيس مسرح لتقديم الصائد بطقوسية، وقادتنى رحلتنى مع البوذية التى تعلمتها على يدى معلمى الروحى الكبير وأستاذ فلسفة الزن فى الولايات المتحدة سينساى شونريو سوزوكى 1904-1971.
تأثرت كثيرا بتجربة فيتنام، كغيرى من الأمريكيين الذين كانوا يبحثون عن حل أو بديل لذلك النوع من الخواء الروحى الذى أدى بالبلاد إلى تلك الحرب القاسية عديمة الجدوى وما خلفته هذه الحرب.
كنت أسعى دائما لأن أبقى فى الجانب الإيجابى للحياة، وأعثر على خير حقيقى أتمسك به. وكنت قد خلقت فى أعماقى شخصية ترتكز على شخصية المسيح كما يرسمها الشاعر الإنجليزى ويليام بليك (1757-1828). ولكن ذلك لم ينقذنى من الشعور بالفراغ بسبب حرب فيتنام التى اندلعت بجنون خلال عقدى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى، وكانت عاملا حاسما فى حياة العديد من الناس. كانت الحرب أمرا مأساويا لمن خاضها وبالقدر نفسه بالنسبة لمن لم يخضها. وقد عكست الفنون جميعها من رسم وشعر وموسيقى هذه المأساوية والخواء الروحى للأمة وأنا كنت جزءا من ذلك العالم وجزءا من التمرد على هذه الحرب والقيم التى قادت إليها.
كانت أمريكا فى عيوننا شرا مستطيرا، ووحشية وآلية، وكان قادتها ممن خلفوا الرئيس كنيدى أباطرة تلك الوحشية التى كنا نواجهها بالقصيدة. لكن كثيرا منا مع نهاية عقد الستينيات وبداية عقد السبعينيات كانوا يعيشون فى نوع من العالم البديل، وقد سئموا الطبيعة الوهمية الزائفة للوجود خارج طقوسنا الفنية والروحية. أما أنا فكان لقائى بمتصوف مغربى فى ذلك الوقت «دلوا» إلهيا معجزا تدلَّى فى بئرى الشخصية ليخرجنى من غيابات الجُبِّ إلى النور.. من الخواء إلى الامتلاء بالنور. كان كل شىء فى محله: البئر، والحبل، والدلو، وحتى سيور وبكرات الرفع كانت مشحمة وجاهزة. كل شىء لدى كان جاهزا لهذه اللحظة، ولذلك لم يكن إسلاميا قفز فى فراغ.
• فى كثير من قصائدك تشير إلى الصحراء كملاذ أو خلاص. هل هو الخلاص من المدنية الزائفة أم أن صحراءك نوع من المهرب الرومانتيكى إلى «يوتوبيا «خيالية؟
«الصحراء هى المهرب الوحيد».. هكذا كتبت فى عام 1984، وكانت الكتابة بسبب العودة إلى أمريكا الحضرية بعد زيارة طويلة للمغرب وانتابنى شعور بالحاجة إلى ذلك النقاء الشفاف لكل الأشياء التى تمثلها الصحراء وخاصة فى جانبها الدينى: الإسلام الأصلى للنبى وصحابته، والبيئة المختلفة التى اكتشفتها فى المغرب والجزائر، وذلك «الطهر» النسبى لأناس لم يتلوثوا بالمادية الغربية.
وعندما أقول «أناسا» فإننى فى الواقع أشير إلى أولئك الفقراء من أتباع الطرق الصوفية، الذين التقيناهم فى قرى صحراوية وفى مدن شمال أفريقيا أيضا، والذين يلخصون وجودهم فى اتباع تعاليم شيخ الطريقة، وفى القلب منها العشق الإلهى، وحب النبى صلى الله عليه وسلم.
الحياة، كما رأيتها هناك، كانت تدور حول الطقوس الأساسية للإسلام، كالصلاة والصوم، والقيم المرتبطة بالدين والتى يطبقها هؤلاء كطقس يومى للحياة مثل الكرم، والبر، والتسامح الجميل، مع التركيز على القوة المركزية لذكر الله فى كل حين.
وعندما عدت إلى أمريكا بعد سفر طويل، رأيت من حولى حضارة حادت عن النقاء. رأيت هذا كأزمة للحضارة والروح فكانت الصحراء هى المهرب الحقيقى الوحيد فى رأيى من هذا المأزق الحضارى.. «إلى حيث الهواء أكثر شفافية» (مستعيرا هنا عنوان رواية المكسيكى الشهير كارلوس فوينتس التى كتبها فى العام 1958 وصارت أيقونة أدبية عالمية).
• يصفك الباحث ألان جودلاس أستاذ علم الاديان فى جامعة جورجيا بأنك شاعر أمريكا وشاعر الإسلام، فأى أمريكا وأى إسلام تقدمهما فى شعرك؟
كانت مقدمة دكتور جودلاس لكتابى «سوناتات رمضان» قصيدة بحد ذاتها، ويبدو أنه كان يسائل نفسه بصوت عالٍ: كيف تتناسب تلك المجموعة الشعرية مع الإطار الإسلامى / أو الأمريكى، وتتحداهما معا لينفتحا على المفاجآت، والعمق، ويشير إلى أنواع من الطاقة والحيوية الموجودة فى قصائدى.
وكأمريكى أنا لست جزءا من النظام الحاكم، وكمسلم أدعو القراء لأن يسمحوا لأنفسهم بالانتشاء بالبهجة والإلهام والخيال وربما يكون فى هذا خرق للصورة النمطية عن المسلمين.
أنا أمريكى مغموس ومصبوغ بعمق فى هذه الثقافة وأدبها ونشوة الحركة الأدبية التى أعتقد أننى تغذيت عليها، فى الستينيات من القرن الماضى والتى اتسمت بالتمرد، لكنى آخذ كل تلك اللمحات التى اكتسبتها طوال مشوارى إلى رؤيتى الإسلامية، فأنا أيضا مسلم بعمق، وأعبر دائما عن حقائق إسلامية حتى فى أغرب قصائدى، ولا أجد تعارضا بين تركيبتى كشاعر أمريكى وكونى شاعرا مسلما متصوفا.
• الشاعر السورى المعروف أدونيس كتب «قبر من أجل نيويورك» ليدين توحش الحضارة الأمريكية التى تقول أنك رغم قسوتها تنتمى إليها.. كشاعر أمريكى كيف تقرأ أمريكا وتاريخها؟
فى الترجمة الأمريكية لكتاب أدونيس «كتاب التحولات والهجرة فى أقاليم النهار والليل»، والتى قدمها صمويل هازو، تحمل القصيدة التى أشرت إليها عنوان «جنازة نيويورك». وأنا أجد القصيدة، فى نسختها المترجمة، مشتتة ومناهضة للحداثة، ومناهضة للمدن الكبرى، ومناهضة للثقافة الأمريكية، لكنها لا ترقى إلى مستوى قصيدة جارسيا لوركا الشهيرة «شاعر فى نيويورك» أو قصيدة «عواء» للشاعر الأمريكى المعروف آلان جينسبرج، رغم أنى ألمس الضغط وأكاد أسمع طقطقة أسلاك إلهام ادونيس عالية الشحن، فى محاولة للحاق بهما.
وسأفترض أن القصيدة أفضل فى لغتها الأصلية – العربية – التى لا استطيع قراءتها بها، لكن على أى حال يبدو لى فى أعمال أدونيس نوع من «النبوءاتية» أو التبشير، يبدو فيه الشاعر وكأنه دائما فى منافسة مع الإسلام، أو القيم الاسلامية.
لقد شاهدته وهو يقرأ الشعر بنفسه وسمعته فى منتديات للحوار، وقرأت مقاله عن الشعر بعنوان «الشعر والثقافة غير الشعرية»، وأجدنى دائما مختلفا مع ما يتوصل إليه من نتائج، ومحبطا نوعا ما من قصائده التى يبدو فيها نوع من الحيادية التى تفتقر إلى التركيز،
ولا شك أن امريكا مكان مجنون. صحيح أنها بلد جديد وحضارة جديدة تأسست على مثل عليا ولها دستور يفترض أن يؤمن العدالة للجميع فى الحاضر والمستقبل، وكثير من قادتها القدامى كانت لهم صفات جيدة مثل النبل والأمانة واتساع الأفق، والرؤية الفكرية الثاقبة.. ولكن لا شك أيضا أن هناك دماء أريقت فى أنحاء العالم على أيدى أمريكا أو الأمريكيين، ولا يبدو فى الأفق نهاية تغسل يديها من هذه الدماء. كانت الدماء الأولى التى أريقت هى دماء السكان الأصليين، من يطلق عليهم (الهنود الحمر)، والمؤسف أن التاريخ يقول لنا أن الهنود قد قتلوا فعلا، وأحيانا لمجرد القتل من باب التسلية، وتم اقتلاعهم من أراضيهم ووضعهم فى ما يشبه السجون، تلك المعروفة باسم «المحميات».
ولاشك ان استعباد الأفارقة سقطة أخرى فى تاريخنا الأمريكى، أدت إلى مشكلة عدم المساواة الاجتماعية والتى لم تحل أيضا بشكل كامل حتى الآن.
فى التاريخ الحديث، استطاعت أمريكا أن ترسم لنفسها صورة براقة كدولة ساعدت أوروبا فى مواجهة غزو الفاشية فى الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن هذه الصورة تم تلويثها بسبب حرب فيتنام، وازدواجية المعايير فى صنع نموذج للديمقراطية مع دعم الديكتاتوريات فى أنحاء العالم طالما كان هذا فى مصلحتها.
ثم جاءت كارثة حربى أفغانستان والعراق وتداعياتهما لتفسد صورة أمريكا فى العالم ولا ننسى هنا تأثير الدعم المادى والمعنوى الدائم لإسرائيل عبر عقود، رغم علمنا بأن إسرائيل ترتكب جرائم بحق السكان الأصليين (الفلسطينيين) مثلما فعلنا نحن بهنود أمريكا وهو ما يلوث صورة أمريكا أكثر وأكثر.
• ورغم ذلك تفخر بكونك أمريكيا؟
مع هذا كله أنا أمريكى، وأحمل فى داخلى الامتنان لكونى أعيش فى دولة «حرة» – كما يطلق عليها – وأتمنى أن تكون كذلك وتظل كذلك حقا، مثلما أحمل الشعور بالذنب لكونها القوة العظمى والتى تسىء استخدام قوتها فى الشر فى بعض الأحيان..
أما فى مجال الفن فهناك شىء من روح المغامرة والانطلاق والتحدى فى الفن الأمريكى، خاصة لدى الشعراء القدامى أو المعاصرين. هناك عبقرية وإثارة فى التعبير فريدة من نوعها وطازجة وأنا سعيد بكونى جزءا من هذه البيئة الاجتماعية والفنية، مع استيائى مما نفعله ببقية العالم من تأثير يشبه إبرة الوشم التى ترسم وشما مسموما على جسد خارطة العالم.
• بعض النقاد يرون تشابها بين شعرك وشعر والت ويتمان، وان كان لشعرك نكهة التجربة الروحية لاعتناق الإسلام، كيف ترى تجربة ويتمان وإرثه الشعرى؟
تعرفت إلى شعر ويتمان عن طريق شعراء جيل ال Beats فى أمريكا.. (الجيل الذى بدأ الكتابة المتمردة انطلاقا من رواية الطريق لجاك كوراك والذى يرفض الوجه غير الحضارى لأمريكا ومن اهم كتابه الآن جينسبرج).. وقد قدر هؤلاء الشعراء إبداع ويتمان لصراحته وأيضا للمحة الملحمية عنده، ولجرأته فى التعبير عن نفسه وعن بلاده، وروحانيته الطبيعية وحسيته الرائعة. كان هناك شىء ما له قداسة فى شعره، وقد جذب هذا شعراء جيل ال Beat أيضا، مع اهتمامهم بالديانات الشرقية خاصة البوذية، وتعطشهم للتجارب التنويرية. وويتمان هو شاعر أمريكا الأول، وهو الذى يعطى المعنى والصوت للرؤية الروحية المتاحة للأمريكيين ولكنهم قليلا ما يلتفتون إليها أو يستخدمونها.. كما أنه اخترع لغة جديدة، نوعا من الكلام البسيط والمتسامى فى آن، والذى لم يستعمله أى من معاصريه، باستثناء إميلى ديكنسون.. فلم يستخدمه هنرى ميلفيل بشكسبيريته العبقرية، ولا إيمرسون بشعره الرائع الذى يخلو من تكثيف وملحمية و«ديمقراطية» رؤية ويتمان.
هذا الاتساع بالنسبة لى كشاعر مسلم متصوف، خاصة فى الجانب الصوفى لويتمان، يجعل صاحب «أوراق العشب» وطاقته الشعرية الهائلة ملهما لى. وربما كانت كلمة الطاقة هى التعبير الذى كنت أبحث عنه هنا.. الطاقة الأمريكية والحيوية التى تفرض نفسها، وأجدها تغيب فى ثقافات أخرى ولغات شعرية أخرى..
وقد عثرت على هذه الطاقة لدى ويتمان واستخدمتها للتعبير عن نفسى ومحبة الحياة، والالتزام من القلب، والعشق الإلهى ومحبة النبى الكريم. وهذا العشق له تأثير ملحمى بحد ذاته.
• بعض النقاد يقارنوك أيضا بالشاعر الباكستانى محمد إقبال، وآخرون قارنوا بين رحلتك الشعرية وبين عمر الخيام. والبعض يقارن بعض قصائدك بالمواقف والمخاطبات للنفرى..
فكرة أن يقارن أحد شعرى بمواقف ومخاطبات الصوفى الكبير محمد عبدالجبار النفرى أمر مدهش بالنسبة لى، وهو ليس سوى هدف روحى أسعى إليه، وأطمح له فى لحظات «الشطح» اللاعقلانية.. أما عن إقبال فأنا لست خبيرا بعمله لأن معظم ترجمات أعماله تعانى من تلك اللغة الانجليزية الفيكتورية القديمة التى أتصور أنها لا تنقله بشكل جيد للمتلقى الغربى.
وقد قرأت أعمال الخيام فى ترجمة فيتزجيرالد الجليلة والتى ربما كانت مغلوطة، حيث تقدم الخيام من وجهة نظره الاستشراقية، رغم أن رباعيات الخيام ترجمة إدوارد فيتزجيرالد من درر الشعر الانجليزى، بغض النظر عن أمانتها من عدمه فى نقل النص الأصلى.
• لك تجربة خاصة مع الشاعر الفلسطينى محمود درويش، كيف ترى شعره؟ وهل تصنفه كشاعر فلسطينى يتعامل مع قضية شخصية، أم شاعر إنسانى يتعامل مع قضايا العالم؟
عرفت محمود درويش من خلال مجلة جسور التى يصدرها الباحث السورى منير العكش – صاحب كتاب أمريكا والإبادة الجماعية – وتصدر فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لجأ إلى لتحرير الترجمات الشعرية للشعراء العرب والمسلمين ليقدمهم إلى الجمهور الأمريكى.
وكان العكش هو الذى يقوم بدور همزة الوصل بين الكتاب العرب والأمريكيين..
أعمال محمد درويش واسعة جدا، من بدايات شعره النضالى، وكان الأكثر بلاغية وشعبية، إلى شعره الأحدث الأكثر تكثيفا ورمزية والأكثر غنائية وأحيانا ملحمية، والذى يتسم بملامح من السوريالية والرمزية، والمتشح دوما بالحنين للوطن المفقود، والحنين للتفاصيل الصغيرة التى تعنى له كفلسطينى الكثير مثل رائحة القهوة وأشجار الزيتون، وبعض أوقات النهار والمواسم. وقد أجاد فى التقاط هذه التفاصيل وصنع منها أعمالا ملحمية غنائية.
ربما بدأ كشاعر بالتعامل مع قضايا شخصية، رغم أن فقد الوطن والأرض والمعاملة الوحشية من قبل القوى الاستعمارية الإسرائيلية، تنقل الشخصى إلى مستوى العام. لكنه بعد سنوات من الكتابة صار شاعرا عالميا بكل معنى الكلمة، مشغول بآمال وانكسارات القلب الإنسانى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.