فجرت البدلة المدنية التي ارتداها وزير الدفاع المصري المشير عبدالفتاح السيسي أثناء سفره من القاهرة متوجهاً إلى موسكو ينابيع التوقع وأشعلت بورصات التكهن وأججت تنظيرات التربص. فبين متربص بالسيسي محللاً كل صغيرة وكبيرة باعتباره «خائناً وقاتلاً»، ومتشوق له مستبشراً به باعتباره «مخلصاً ومنقذاً»، لم يخلُ حديث أو يمضي توك شو أو ينقضي مشوار دون أن يصول ويجول الجميع في تعمق فكري وتجذر ذهني حول الملابس المدنية التي ارتداها المشير السيسي. صحيفة «الحياة» اللندنية رصدت ردود أفعال المصريين حول الموضوع، حيث كتبت أمينة خيري في عدد اليوم السبت .. «شاهيناز» أثنت كثيراً على اختيار الأزرق الفاتح مع الأسود القاتم ورابطة العنق بلونيها الممتزجين برشاقة أنيقة، في حين استشاط «أبو إسراء» غضباً ملوحاً إلى المعنى الواضح والهدف الجائر في البدلة المدنية وهي قفز صاحبها على كرسي الشرعية. في الوقت نفسه، لم يألُ المنظّرون والمحللون جهداً في تفنيد معاني البدلة وتحليل مفاهيم ال«كرافتة». فبين «ترزي استراتيجي» متكهن بأن الرسالة موجهة إلى الولاياتالمتحدة لاستفزازها مدنياً واستثارة حنقها سياسياً، و «أسطى أمني» موضحاً الفرق بين البدلة وال«بليزر» فالأولى ذات صبغة أكثر رسمية، في حين أن الثانية تعني الراحة الجسدية، حيث الغاية الحقيقية والرسالة المنطقية هي أن السيسي رجل يمثل السهل الممتنع. وقد امتنع كل ذي عقل أو صاحب إدراك عن الانجراف في بحور البدلة المدنية وغياهب نقد الأزياء، تماماً كما فعلوا في عصر «بلوفر شفيق الكحلي» وزمن «قميص مرسي الواقي». لكن لم يكن في الإمكان عدم الانجراف إلى تحليل ما وراء الزيارة أو النأي بالنفس عن تفنيد ما يعنيه اللجوء إلى الدب بديلاً من النسر أو جنباً إلى جنب معه أو تقليلاً من بغيه ولو إلى حين. سيادة السفير السابق يقول إن عصر روسيا الذهبي في مصر عائد. وحضرة اللواء المتقاعد يشير إلى أن التحالف مع روسيا سيبعث قيمة العمل ومردود الإنتاج الستيني في مصر بديلاً من شغف الاستهلاك. والرفيق في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي الثمانيني يلمّح إلى أن ما يجري في مصر هو نهاية فعلية للتبعية المصرية للإمبريالية الغربية. وسائق الأجرة الستيني يؤكد أن شوربة الكرنب (الملفوف) التي أكلها صغيراً على يد سيدة روسية كانت تقطن في الشقة المجاورة عائدة لا محالة، مشيراً إلى أنه على رغم طعمها «السيئ» لكنها أقل كلفة وأعلى فائدة من ال «برجر» الأميريكي. المخاوف الشعبية من اندثار «البرجر» وخفوت نجم ال«كومبو» لمصلحة ال«تريموك» الروسي حيث الفطائر بأنواعها وربما الكافيار لا ينافسها هذه الأيام في التأجج والتكهن سوى التوقعات المستفيضة والتكهنات المستنيرة حول التحولات شبه الأكيدة في قبلة مصر الخارجية المتحولة من النسر الأمريكي الأصلع أكبر الجوارح إلى الدب الروسي الأعتى أضخم الثدييات. الشارع اشتعل منذ أُعلِن عن زيارة وزيري الدفاع والخارجية المصريين لروسيا بتساؤلات مستبشرة وتوقعات متفائلة، وهي ما تحولت إلى تحليلات منمنمة ومتابعات مركزة لكل همزة ولمزة منقولة عبر صورة فوتوغرافية أو سلامات بروتوكولية أو بدلات مدنية. «حين علمت بزيارة عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية لروسيا فرحت رغم أنني لا أعرف الكثير عن روسيا سوى أنها «بعبع» أمريكا، لكن شعرت أننا سنغيظ الأمريكيين، ولذلك أنا فرحانة». فرحة «أم تامر» العاملة البسيطة بالزيارة الرسمية للوزير الذي تحفظ اسمه عن ظهر قلب والآخر الذي لا تتذكره هو نبض شارع فطري يعكس رغبة عارمة في أن «يشم نفسه» بعيداً من دوائر الصراع المغلقة ويسترد عافيته رغم أنف قوى الشر والظلام المتربصة ويشعر بشيء من الأمل ولو كان مقتصراً على رحلة لم تتبدَ آثارها الفعلية بعد. الآثار الفعلية لزيارة الوزيرين المصريين لروسيا بدت ملامحها ووضحت بشائرها في تنابذات لفظية وتراشقات أيدويولجية بين فريقين متضادين، أحدهما يرى في كل ما يقدم عليه الحكم في مصر أو يفكر في الإقدام عليه خرقاً للشرعية ورفضاً للصندوقراطية، والآخر يرى في كل ما يقدم عليه المشير السيسي أو يخطط للإقدام عليه تجذيراً للوطنية ورفضاً للانتهازية.