الصوم فعل يلجأ إليه كل الأحياء. عرفته الطيور والحيوانات والأسماك قبل الإنسان. فمنهم من يلجأ إلى الصوم الاختيارى فى فترات محددة من دورة حياته التى تتابع ما بين حرارة الحركة وبرودة الكمون والبيات الشتوى. عرفه الإنسان أيضا حينما تعددت حضاراته المختلفة فى أنحاء الأرض وتكونت العقائد وترسخت الأديان. اعتنق الإنسان الأديان ولم يختلف معنى الصوم وإن اختلفت طريقة أدائه. يصوم المسلمون والمسيحيون بمختلف طوائفهم واليهود وأصحاب معتقدات الشرق من البوذيين والهندوس والسيخ حتى طائفة المورمون كل له طقوسه فى الصيام الذى يعكس إيمانا بالله ورغبة فى طاعته والتقرب إليه. هل يختلف الصيام فى شهور الصيف ونهاراته الطويلة عن الصوم فى أيام الشتاء قصير النهارات؟ الإجابة: نعم فى أيام الصيف مشكلتنا الجوهرية الماء وعطش الخلايا، أما فى الشتاء فنقص الطاقة سببه غياب الغذاء. يأتى شهر رمضان هذا العام فى أكثر أوقات السنة حرارة ليصوم المسلمون عن الطعام والشراب فى بدايته فترة لا تقل عن ست عشرة ساعة يوميا. حقا لقد فرض سبحانه وتعالى المشقة على من يطيقها ومنح بسخاء رخصا عديدة للمريض والمسافر وغير القادر فمن غيره أعلم بمن خلق فسوى. قد يبدو صوم الشهر الكريم محتملا فى نهار الشتاء القصير أما المشقة الحقيقية فتأتى فى نهارات الصيف قاسية الحرارة فكيف يمكن للقادرين منا مواجهة تلك المشقة وأداء الفريضة فى يسر وصحة؟ تأثيرات الصيام على الجسم الجلوكوز هو وحدة الطاقة فى جسم الإنسان فإذا امتنع الإنسان عن الطعام لفترة تتراوح بين 4 8 ساعات بدأ البحث عن مصدر داخلى للطاقة فيبدأ باستخدام ما يدخره الكبد من الجليكوجين glycogen ليتم تكسيره فى عملية من عمليات الهدم المهمة يطلق عليها glycogenolysis فى صورة أقرب لسلسلة متشابكة حلقاتها تماثل وحدة الجلوكوز تتكسر إلى حلقاتها الأولية. يحصل الجسم على ما يحتاجه من طاقة بتكسير الجليكوجين إلى جلوكوز لكنه يحتاج لاحتياطى يستمده من عملية مماثلة يتكسر فيها البروتين وإن كان بصورة أقل. إذا مرت اثنتا عشرة ساعة تقريبا ولم يتحقق القدر الكافى للجسم من سكر الجلوكوز فإن الجسم يبدأ فى استخدام الجليكوجين المدخر فى العضلات. نظرا لأهمية العضلات لتوازن وحركة الإنسان فإن الجسم يبدأ فى استخدام الدهون المدخرة فى الجسم التي تقدر ب7٪ من وزن الجسم لدى الرجال، و10٪ لدى النساء هذا إذا استمر الصيام بلا انقطاع لأيام تالية واقتصر ما يتناوله الإنسان على الماء فقط حتى يصل الإنسان لنقطة لا رجعة منها هى المجاعة Starvation فتبدأ مضاعفات عديدة فى الظهور أهمها اضطراب نبض القلب، اختلال نسب السوائل فى جسم الإنسان وتساقط الشعر وتراجع وظائف المخ والفشل الكلوى. صيام رمضان يختلف فى أثره فهو صيام يتبعه إفطار لذا فيه يمكن الإنسان السليم صحيا الذى لا يعانى من أى خلل فى وظائف أعضائه كالإصابة بمرض السكر أو أمراض القلب والشرايين أو الفشل الكلوى وغيرها من الأمراض التى تسبب خللا واضحا فى عمليات التمثيل الغذائى.. أن يصوم إذا أدرك كيف يمكنه خلال فترة الإفطار أن يعيد التوازن إلى جسده فيمده بكل ما افتقده ويعده لصيام يوم جديد وأن يراجع معلوماته عن الصيام حتى لا تضيع الفرصة فى أن يؤدى الفريضة ولا يحصل على بعض ما أراده إلى جانب ذلك. هل الصيام يحقق نقصا فى الوزن؟ يجب أن نعى الفرق بين الصوم وانتهاج نظام غذائى قليل السعرات بغرض إنقاص الوزن. حينما نصوم فإن الجسم يعمد إلى ترشيد إنفاق طاقته فتنخفض معدلات الهدم والبناء فى الجسم ويلجأ لمدخراته من الطاقة فيبدأ بالجليكوجين فى الكبد. ربما تفقد بعضا من الوزن فى البداية لكن جسم الإنسان وراثيا مبرمج على مقاومة أثر الصيام. حينما تأكل أقل فإن الجسم يقابل ذلك بتخفيض معدلات عمليات التمثيل الغذائى فإذا عدت للأكل بالطريقة الطبيعية عاد مرة أخرى لمعدلاته الطبيعية. إذا لا تنتظر أن ينخفض وزنك بصيام رمضان ولا تسعى لأن يزيد إلى درجة قد تضر إذا ما استسلمت للعديد من أطباقه الشهية خاصة الغارقة فى الزبد والسكر. انتبه للخضراوات الطازجة والفواكه والحبوب الكاملة والمكسرات ومنتجات الألبان قليلة الدسم والأسماك واللحوم الحمراء. هل يخلِّص الصيام الجسم من السموم؟ الجلد والكبد والكلى والقولون هى أعضاء الجسم بالغة الذكاء التى تخلص الجسم من السموم أولا بأول، الأمر الذى ينتهى بها فى العرق والبول والبراز. كل الدراسات الموسعة الحديثة تشير إلى أن الجسم لا يحتاج لقوى خارجية للتخلص من السموم بل هو يهيئ لذلك إلا فى حالات الخلل فى وظائف تلك الأعضاء. لكن الصيام قد يعطى فرصة لتلك الأعضاء للراحة بعض الوقت من تبعات العمل الدءوب المستمر. هل الصيام يطيل العمر ويقى من الأمراض؟ يتمهل العلم قليلا أمام أثر الصيام على جهاز المناعة إذ تذكر دراسات حديثة أن الصيام يدعم جهاز المناعة. رغم أن الأعمار بيد الله سبحانه إلا أن العلم يقارن متوسط أعمار من يصومون ممن لا يقدمون عليه فتأتى النتيجة لصالح من يصومون. الصيام أيضا له أثر على نسبة الدهون فى الدم فهو يتسبب فى خفض معدلات الكوليسترول الردىء وزيادة النوع الجيد الأمر الذى يحتسب لصالح الوقاية من أمراض الشرايين سواء شرايين المخ أو التاجية للقلب. هل يختلف الصيام فى يوليو وأغسطس؟ نعم بلا شك يختلف الصيام فى الشهور الحارة إذ يفقد الإنسان قدرا من الماء قد يعرضه للجفاف ومعه يفقد أيضا قدرا مهما من الأملاح قد يعرض لاختلال توزيع السوائل فى الجسم. فقد سوائل الجسم دون تعويضها قد يتسبب فى هبوط ضغط الدم الحاد الذى قد ينتهى بالإغماء. طول ساعات النهار التى تتجاوز خمس عشرة ساعة وغياب السكر قد يتسبب فى نقص نسبة الجلوكوز فى الدم الأمر الذى يعد من المتاعب الصحية الخطرة لذا فعلى الإنسان أن يتنبه إلى ما يحقق له التوازن البيولوجى أثناء الصيام. الماء الماء هو العنصر الغذائى الذى لا يستطيع الجسم السليم إدخاره لذا فمن الممكن أن يعيش الإنسان أياما طويلة بلا غذاء لكن غياب الماء فيه نهايته فى فترة قصيرة. الماء هو الوسط الذى تجرى فيه كل العمليات الحيوية فى الجسم ويدخل فى تركيب الدم وكل الأنسجة والخلايا حتى السائل الليمفاوى والنخاع. نقصان الماء فى الجسم هو أول ما يجب أن يسعى الإنسان لتعويضه فى فترة الإفطار لكن بصورة حكيمة لا تتعارض مع عملية الهضم التى تبدأ بعد الأكل مباشرة. تناول الماء على فترات منتظمة من الإفطار إلى الإمساك أمر حيوى وضرورى. قد يتناول الإنسان الشاى والقهوة والعصائر والصودا مدركا أنها تحتسب فيما يحتاجه من ماء. بالفعل تحتسب لكن يجب التنبه أن الشاى والقهوة من مدرات البول وأن الصودا من الصوديوم الذى يساهم فى احتباس الماء فى الجسم وارتفاع الضغط وأن العصائر سكريات لذا فشرب الماء الصافى هو ما يروى الجسم حقا ويحافظ على ترويته السليمة. الماء أيضا فى الفواكه والخضراوات خاصة الخيار، الكرفس، الهليون، البطيخ والشمام والكانتلوب. العصائر الطازجة مصدر مهم للمعادن خاصة عصير الخضراوات الذى نتجاهله دائما فى حضور العصير الرسمى للفاكهة. عصير الجزر والطماطم مع الكرفس، أو التفاح الأخضر مع الجزر والكرفس والبرتقال أحد العصائر عالية القيمة قليلة السكر. كوب واحد منه فى السحور يمدك بكل ما تحتاجه من معادن وفيتنامينات لليوم التالى. الحساء: هو أول ما تبدأ به الطعام كمقدمة للهضم الجيد، إذ إن الحساء الدافئ يهيئ المعدة للعمل وإفراز الإنزيمات الهاضمة. الماء فى الحساء يحتسب لصالح تروية الجسم ويمكن بالطبع اختيار أنواع منه أكثر فائدة مثل شوربة الطماطم وعيش الغراب التى تعلو فيها قيمة البروتين إلى درجة تقارب اللحم إلى جانب حساء البروكلى، الكرفس، الخرشوف. غذاء متوازن بعد ساعات من الصيام يجب أن يبدأ الإنسان بما يطلق عليه قدر سريع من الطاقة يحتاجه. الإفطار على التمر عادة صحية متوارثة أو نصف كوب من عصير الفاكهة. أما السحور فيجب أن يضم الأطعمة التى يتمهل الجسم فى هضمها حتى تطلق طاقتها بصورة بطيئة تغطى ساعات الصيام من أهم أمثلتها البقول خاصة الفول والحمص إلى جانب النشويات المعقدة مثل الحبوب الكاملة، البطاطس، المكرونة المصنوعة من القمح الكامل. يجب أن تحفل مائدة رمضان بباقة من كل ألوان الخضراوات الطازجة والمطهوة على البخار إذا أردت بالفعل صوما صحيا: الجزر، الفاصوليا الخضراء، السبانخ، البروكلى، القرنبيط، الباذنجان، الطماطم، الخرشوف، الهليون كلها أمثلة لمفردات صحية تنوعها قادر على أن يمد الإنسان بكل ما يحتاجه من فيتامينات وعناصر نادرة. يمكن بلا شك أن تحل الفواكه إلى حين محل ما نعرف من الحلويات الشرقية التى قد لا يخلو منها الأمر بالطبع. منتجات الألبان قليلة الدسم وأهمها الزبادى واللبن الرايب لا تقف عند حدود المعاونة على الهضم إنما أيضا تعد مصدرا مهما للكالسيوم الذى يسهل امتصاصه عندما يتناول كأقراص إذا ما أخذ من منتجات الألبان. المكسرات خاصة عين الجمل واللوز والفستق. الحبوب الكاملة: الحمص المسلوق، رقائق الشوفان، القمح. الصوم فرصة ذهبية للتوقف عن التدخين ربما كان التوقف عن التدخين هو أهم ما تفعله لنفسك ومن حولك إذا كنت مدخنا. لك أن تعتمد على قدراتك الذاتية الروحية وأن تستنهض فى نفسك القدرة على الامتناع عن التدخين ما دمت قادرا على الامتناع عن الطعام. لا تنقطع عن الجهد البدنى بزعم أن الصيام يقعدك عنه الجهد البدنى المنتظم يمكن أن تمارسه متى كنت قادرا. جهد متوسط القوة كالمشى أو بعض التمارين الخفيفة التى لا تفقد معها الكثير من العرق. يمكنك أن تفعل ذلك قبل الإفطار مباشرة أو بعده بثلاث ساعات. قد يبدو الصيام فى يوليو وأغسطس مشقة لكنها مشقة محتملة ومن الممكن تجاوزها بل والاستمتاع بها متى صدق العزم وخلصت النية وانتبهنا إلى ما يدعم صحتنا ويعززها فى مواجهة نهاراته الطويلة وحرارته القاسية.. كل عام وأنتم بخير.. رمضان كريم.