"الرحمة يا ملياردير" عنوان اختاره توماس فرانك، لكتابه الجديد الذى يتناول فيه التغيرات العميقة فى الثقافة السياسية الأمريكية وأسباب تعاظم مايعرف بالنزعة الشعبوية اليمينية التى تتوشح بمظاهر التدين بصورة محمومة فيما يشحب "الحلم الأمريكى" ويتراجع . ويوضح فرانك أن هذه النزعة اقترنت وتزامنت مع تزايد المتاعب التى يواجهها المواطن الأمريكى فى حياته اليومية والتى تصاعدت حتى انفجار الأزمة المالية الأخيرة والمستمرة بتداعياتها السلبية فضلا عما كشفت عنه من انحرافات أخلاقية وقيمية.
وقال: "ها هى القيادات المصرفية تفلت من العقوبات والرئيس الأمريكي باراك أوباما يجفل ويتراجع مكتفيا بكلمات عن الاصلاح المالى، بينما دافع الضرائب هو الذى يدفع ثمن كل الأخطاء والخطايا التى أدت لانفجار هذه الأزمة المالية والتى تحولت لأزمة عالمية" .
وأضاف أن الأزمة تتحول إلى شعور عميق بخيبة الأمل لدى قطاع كبير من الأمريكيين الذين منحوا أصواتهم لأوباما فى الانتخابات الرئاسية على أمل تحسين ظروف معيشتهم، فإذا به يخذلهم وينتهج سياسات لاتتوافق مع أمانيهم ويبدى ضعفا أمام الشركات العملاقة على حساب مصالح رجل الشارع.
وهنا يكون اللجوء للدين والاغراق فى مظاهر التدين ملاذ المواطن الأمريكى فى مواجهة كوارث لم يكن سببها، كما يوضح توماس فرانك فى كتابه الجديد، مشيرا إلى أن هذا المواطن راح ينظر بغضب لتدخل إدارة أوباما لحماية الشركات الكبرى الخاصة من الانهيار، بينما لا تولى الاهتمام الكافى لمطالبه واحتياجاته بعيدا عن الشركات العملاقة والاحتكارات الهائلة.
والكتاب يشرح أسباب انبعاث "الشعبوية اليمينية" مجددا فى السياسة الأمريكية بعد أن بدا أنها انحسرت لفترة ومن ثم فهو يتطرق لظواهر هامة فى الثقافة السياسية بالولايات المتحدة مثل ظاهرة صعود حركة أو حزب الشاى المدفوع برؤية مثالية أقرب لليوتوبيا الرأسمالية .
والغريب أن ذلك حدث ويحدث فى وقت بدت فيه نظرية السوق الحرة ترادف الخراب والنصب والتدليس تماما، كما أنه من الغريب والمثير للتساؤل أن إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش هى التى شرعت فى توسيع منح الضمانات الائتمانية دون ضوابط وجاءت ادارة باراك أوباما لتمضى على النهج ذاته وكأن الادارة والسياسات لم تتغير أو لايوجد مايدعو لتغييرها.
وتوماس فرانك هو صاحب كتاب :"ما الخطب فى كانساس؟ " الذى تناول فيه تصاعد الانحراف نحو التطرف اليمينى فى السياسات الأمريكية وأسباب تراجع ما يوصف بالنزعة التقدمية وتعرض لما يعرف بتزييف الوعى والعلاقة بين التحيزات والأهواء والمصالح الذاتية.
وها هو يخلص فى كتابه الجديد إلى أن "الطريقة الأمريكية فى الحياة" قد ثبت أنها خلافا للتصورات الرائجة تفرز أعدادا كبيرة من المحرومين الذين عليهم أن يعوضوا سوء الحظ والمنقلب فى الحياة الدنيا باللجوء للتدين على أمل أن ينعموا بما حرموا منه بعد أن يرحلوا من هذه الدنيا.