تعليم الجيزة تطلق "26 قرائية" لدعم مهارات الطلاب    جدول مواقيت الصلاة غدًا الجمعة 10 أكتوبر بمحافظات الصعيد    «مش فيضان».. عباس شراقي يكشف سبب ارتفاع منسوب مياه النيل    الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا تحتفل بتخريج دفعة جديدة من كلية الدراسات العليا    شركات الوقود الأحفوري بأوروبا تزعم أنها تستثمر في مصادر الطاقة المتجددة.. هل تم تنفيذها؟    موعد بدء العمل بالتوقيت الشتوي في مصر 2025.. وفوائد تغيير الساعة    حماس: مفاوضات شرم الشيخ أسقطت صفقة القرن وأحبطت المشروع الصهيوني    هند الضاوي: ترامب أخذ اللقطة من نتنياهو    هولندا تكتسح مالطا برباعية نظيفة في تصفيات كأس العالم 2026    أحمد عبد القادر يطلب 130 مليون جنيه لتجديد عقده مع الأهلي    مصر ترفع رصيدها إلى 9 ميداليات في اليوم الأول لبطولة العالم للسباحة بالزعانف    المعمل الجنائي يباشر فحص حريق شقة بالنزهة لتحديد أسبابه وحصر الخسائر    أخبار الفن اليوم: كاظم الساهر يحيي حفلا في الرياض 30 أكتوبر.. راغب علامة يعلق على إنهاء الحرب بغزة.. هناء الشوربجي تكشف حقيقة خلافها مع محمد هنيدي    شاب من ذوي الهمم يسأل أمين الفتوى: هل الوقيعة بين الناس حرام؟ (فيديو)    وصفة يوم الجمعة.. البطاطس المحشية باللحمة المفرومة «جددي بدل المحشي»    تعرف علي موعد أول أيام شهر رمضان 2026 فى مصر والدول العربية فلكيا    زيارة الأب بطرس دانيال للكابتن حسن شحاتة..صور    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يتفقد إدارة المعامل والمعمل المشترك    رسالة النني للاعبي منتخب مصر بعد التأهل للمونديال    نوكيا تطلق هاتف Nokia Premium 5G بمواصفات رائدة وتقنيات متطورة    "متحدث فتح": نتنياهو حاول مرارًا نسف اتفاق وقف إطلاق النار ومصر لم تيأس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    على أنغام السمسمية.. مسرح المواجهة والتجوال يحتفل بانتصارات أكتوبر فى جنوب سيناء    إصابة 4 أطفال فلسطينيين برصاص جيش الاحتلال في الخليل وجنين    مصدر من اتحاد الكرة ل في الجول: من السابق لأوانه تحديد المرشحين لتدريب مصر للشباب    جهاز تنمية المشروعات ينظم معسكر للابتكار ضمن معرض «تراثنا 2025»    خبيرة أمن: ترامب واضح في التزامه بجلب السلام للشرق الأوسط    بيت الزكاة والصدقات يثمّن جهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة    بارليف.. نهاية وهم إسرائيل.. تدريبات الجيش المصري على نماذج مشابهة ببحيرة قارون    ساليبا: نريد الثأر في كأس العالم.. والإصابة مزعجة في ظل المنافسة الشرسة    نتائج مباريات اليوم الخميس في دوري المحترفين    الاحتلال الإسرائيلي يطلق قنابل غاز مسيل للدموع وسط الخليل بعد إجبار المحلات على الإغلاق    جامعة قناة السويس ضمن تصنيف التايمز البريطاني لعام 2026    محافظ كفر الشيخ: تجربة مصر في زراعة الأرز نموذج يُحتذى إفريقيا    إعلان عمان: ندين ما خلفه الاحتلال من أزمة صحية كارثية بقطاع غزة    وزير التنمية النرويجي يلاطف الأطفال الفلسطينيين خلال زيارته لمستشفى العريش العام    «الجمهور ممكن يحب الشخصية».. سليم الترك يكشف عن تفاصيل دوره في لينك    بتكليف من السيسي.. وزير الصحة يزور الكابتن حسن شحاتة للاطمئنان على حالته الصحية    أطعمة تضر أكثر مما تنفع.. احذر القهوة والحمضيات على معدة فارغة    بالأسماء تعرف علي أوائل الدورات التدريبية عن العام 2024 / 2025 بمحافظة الجيزة    التضامن: مكافحة عمل الأطفال مسؤولية مجتمعية تتكامل فيها الجهود لحماية مستقبل الأجيال    النيابة العامة تصدر قرارًا عاجلًا بشأن المتهمين بقتل البلوجر يوسف شلش    استبعاد معلمة ومدير مدرسة بطوخ عقب تعديهما على تلميذ داخل الفصل    بالأسماء.. 24 مرشحًا تقدموا بأوراقهم لخوض انتخابات مجلس النواب بالإسماعيلية    نادي جامعة حلوان يهنئ منتخب مصر بالتأهل التاريخي لكأس العالم 2026    لترشيد استهلاك الكهرباء.. تحرير 134 مخالفة لمحال غير ملتزمة بمواعيد الإغلاق    بعد معاينة الطب الشرعي.. جهات التحقيق تصرح بدفن طفل فرشوط بقنا    قسطنطين كڤافيس وشقيقه كيف يُصنع الشاعر؟    زيلينسكى يتهم روسيا بمحاولة زرع الفوضى فى أوكرانيا بقصف منشآت الطاقة    انتخابات النواب: 73 مرشحًا في الجيزة بينهم 5 سيدات مستقلات حتى الآن    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    إصابة 12 شخصا فى حادث انقلاب سيارة بطريق العلاقى بأسوان    إطلاق قافلة زاد العزةال 47 من مصر إلى غزة بحمولة 3450 طن مساعدات    9 أكتوبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    التقييمات الأسبوعية للطلاب فى صفوف النقل عبر هذا الرابط    محمود مسلم: السيسي يستحق التقدير والمفاوض المصري الأقدر على الحوار مع الفلسطينيين والإسرائيليين    شاهيناز: «مبحبش أظهر حياتي الخاصة على السوشيال.. والفنان مش إنسان عادي»    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورات فى مصر القديمة
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 01 - 2012

تحتفل مصر فى هذا الشهر بمرور عام على قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة التى أعادت الكرامة والعزة لكل مصرى ومصرية وضربت للعالم اجمع أروع الأمثلة على حضارة هذا الشعب ورقيه. وليس ذلك بالأمر الغريب على الشعب المصرى الذى يعد صاحب أقدم دولة ونظام حكم مدنى بين شعوب البشرية كلها.

فلقد أرسى المصريون القدماء نظاما للحكم يعتمد على شخص الفرعون كممثل لسلطة الإله على الأرض وذلك ليحكم بين الناس بالعدل، وأقام المصريون جهازا للدولة يتكون من عدد من الوزارات والدواوين الحكومية التى تعين الملك فى تسيير أمور الدولة وكذلك أسس المصريون جيشا قويا ليحفظ لأرض مصر هيبتها وكرامتها ويحفظ لشعبها أمنه واستقراره، ولما كان الملك مفوضا من قبل الإله لتحقيق العدالة بين السكان فقد كان ذلك دليلا على إدراك المصريين القدماء منذ عهد بعيد لقيمة العدالة بين البشر، بل لقد قدس المصريون قيمة العدالة واعتبروها صفة للإلهة ماعت ومثلوها على هيئة امرأة تضع على رأسها ريشة العدالة واعتبروها تجسيدا لذلك القانون الذى سنه الإله رع أول من حكم الأرض، والذى كان قوامه العدالة والصدق والحق، تلك المبادئ التى يحكم بها الملك بين الناس فيوجب عليهم طاعته طالما صلح فى حكمه، فإن حاد عن الصواب وحكم بين الناس بغير العدل فلا إثم عليهم إن هم ثاروا عليه دفاعا عن حريتهم وكرامتهم.

ولقد حفل التاريخ المصرى القديم بالعديد من النماذج التى دللت على إباء الشعب المصرى وسعيه للحصول على حريته وكرامته ويسجل لنا التاريخ المصرى القديم أقدم ثورة اجتماعية فى تاريخ البشرية والتى عاشت مصر خلالها قرابة قرن من الزمان فى حالة من التفكك والاضطراب الذى عم كل أرجائها. لقد وصلت إلينا أنباء هذه الثورة من بردية الحكيم إيبو ور المحفوظة فى متحف ليدن بهولندا، ويبدو أن إيبو ور قد عاصر أواخر عهد الملك ببى الثانى فى الأسرة السادسة (2278 2184 ق.م) الذى عانت مصر خلاله من طول فترة حكمه التى بلغت أربعة وتسعين عاما أدت إلى شيخوخة الملك وضعف السلطة المركزية وزيادة نفوذ الإقطاعيين وفساد حكام الأقاليم مع تمسكهم بتوريث مناصبهم لأولادهم، كذلك إغارة أعداء مصر على حدودها الشمالية وطرق تجارتها مما أدى إلى تدهور الحالة الاقتصادية وتفشى الفقر وظهور المجاعات بين السكان. ويفهم من حديث إيبو ور أن هذه الثورة بدأت بالعاصمة وصاحبها فى بدايتها نوع من العنف والرغبة فى الانتقام من الأغنياء واستغلها الغوغاء من أهل السوء فى تحقيق مآربهم وساد عدم استتباب الأمن واقتحمت الدواوين الحكومية وطرد الموظفون من وظائفهم ومزقت الوثائق الرسمية وألقيت فى الطرقات وهجر الناس البلاد وعمت الفوضى فى كل مكان وتوقفت الطقوس الدينية، ولم تقتصر النقمة على الأحياء من الأغنياء بل لقد امتدت إلى الموتى أيضا فنهبت مقابرهم وما أوقف عليها من هبات وعطايا لأرواح أصحابها.

وعلى الرغم مما صاحب تلك الثورة من بعض السوءات فى بدايتها فقد ترتب عليها نتائج طيبة حيث استثارت نوعا من الوعى القومى لدى المفكرين المصلحين الذين عز عليهم عجزهم عن دفع البلاء عن وطنهم قبل وقوعه فيذكر إيبو ور «ما أشق ذلك على نفسى بل وعلى كلى فليتنى رفعت صوتى فى ذلك الحين»، وحمل إيبو ور الملك وحده مسئولية ما حدث قائلا «لديك الوحى والبصيرة وأسباب العدالة ولكنك بعثت الفوضى فى البلاد مع أهل الفتن وليتك تذوقت بعض هذه المصائب وإذا لرويت خبرها بنفسك». ودفعت الثورة بالمفكرين المصلحين إلى تخيل صورة واضحة للحاكم الصالح الذى يتمناه وطنهم بعد أن جرب الحكم الملكى المطلق طوال العصور السابقة فيعبر عنه إيبو ور قائلا «إنه من يعمل للبناء ولا يفرق بين جرىء وهياب، رجلا يستطيع أن يحيل اللهب بردا وسلاما، ليس فى قلبه ضغينة وإذا تفرقت رعيته قضى يومه يجمعها».

وقد تركت هذه الفترة من التاريخ المصرى القديم صدى حزينا امتد أثره لسنوات طويلة فيما سجله الأدب المصرى ففى بردية تعود إلى نفس العصر وتسجل محاورة بين إنسان وروحه يتحدث كاتبها «نسو» عن فساد الناس فيقول: «لمن أتحدث اليوم... القلوب تميل إلى اللصوصية.. وكل إنسان يغتصب متاع جاره... لمن أتحدث اليوم... لا يوجد رجل عادل وقد تركت الأرض لأولئك الذين يرتكبون الظلم». واستمرت حالة الفوضى واضطراب الأمور واختلال الأمن طوال الفترة التى عرفت فى التاريخ بعصر الانتقال الأول، إلى أن استعادت مصر هيبتها مرة أخرى مع عصر الدولة الوسطى.

كذلك فقد سجل التاريخ المصرى القديم أحداث ثورة أخرى تعكس أصداؤها روحا شعبية مصرية لم تكن تهضم الضيم ولا تأبى أن تعارضه رغم أنف التقاليد الرسمية ومتملقى الحكام وتعود أحداث هذه الثورة إلى العام التاسع والعشرين من حكم الملك رمسيس الثالث (1184 1153 ق.م) فقد قام عمال بناء المقابر الملكية فى قرية دير المدينة بطيبة الغربية بالمطالبة بمستحقاتهم المالية المتأخرة إذ أنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر مما دفعهم إلى الإضراب عن العمل عدة مرات فى حادثة هى الأولى من نوعها فى التاريخ، واستمر إضرابهم فى إحدى المرات ثلاثة أيام خرجوا فيها من قريتهم واعتصموا خلف أحد المعابد ثم اتجهوا إلى مخازن غلال معبد الرامسيوم حيث يقع مركز الإدارة فى المنطقة وبرروا إضرابهم أمام الحراس والكهنة قائلين «لقد ساقنا إلى هنا الجوع والعطش فليس لدينا كساء ولا دهون ولا سمك ولا خضر فاخطروا مولانا الفرعون واكتبوا إلى الوزير المسئول عن أمرنا حتى يعطينا ما يقيم أودنا» ففتح موظفو الإقليم لهم المخازن وصرفوا لهم بعض مخصصاتهم عن شهر سابق، لكنه لم يكن بالكافى لهم مما دفعهم إلى أن يتجمعوا عند مركز الشرطة فى اليوم التالى فلم يجد رئيس الشرطة سوى التسليم بحقهم فيما طلبوه، ولكنه طلب منهم عدم الإخلال بالنظام ووعدهم بأن ينضم إليهم فى اليوم التالى مع وزوجاتهم وأولادهم إذا وجدوا ضرورة للاعتصام. وظل العمال مضربون عن عملهم حتى تدخل نائب الملك وقام بصرف مستحقاتهم المتأخرة كلها ليعود الهدوء إلى طيبة الغربية مرة أخرى.

ومع العصر المتأخر تزايدت ثورات المصريين نتيجة لضعف الدولة السياسى وتفككها مما أدى إلى اضطراب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية خاصة وأن مصر قد وقعت فى قبضة الاحتلال الأجنبى وتعاقبت عليها الغزوات المتتالية، ولم تفلح قبضة المستعمر فى أن تثنى الشعب المصرى عن الدفاع عن حقوقه المشروعة من أيدى المحتل وظلت الثورات المصرية بمثابة الشعلة التى تنير الطريق إلى الروح المصرية فى سعيها إلى الحرية والكرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.