لعل من أهم ما نسب للحضارة المصرية قدرة الفرد على الإبداع فى العديد من المجالات الفكرية والعقائدية وفى النشاطات المعمارية بجميع أنماطها. واللافت للنظر أيضا أن هذا الفرد/ المواطن كان متابعا لأمور وطنه، وناقدا سياسيا (بمفهومنا المعاصر) لحاكمه المؤله حين إحساسه بأن أمور الوطن تسير نحو الانهيار لدعائم المركزية ووحدة الوطن السياسية. ولم يجد المواطن بدًا من توجيه النقد (السياسى) لحاكمه فى فترة أواخر أول فترة من فترات المجد السياسى للحضارة المصرية القديمة المعروفة اصطلاحا باسم عصر الدولة القديمة أو عصر بناة الأهرامات والنقلة إلى ما عرف باسم أول فترة انهيار سياسى للحكومة المركزية أو عصر الانتقال الأول مثلما انعكس فى تلك البردية الشهيرة باسم بردية "ايبو – ور"، وقد أعلنها "ايبو - ور" صراحة ضد مليكه بأنه السبب فى انهيار الدولة، وأنه سبب الفوضى والاضطرابات التى سادت البلاد ذلك لأنه [الملك] وإن كان قد أعطى السلطة والحكمة إلا أنه بقى فى قصره [مقر الحكم] يحيط نفسه بمجموعة من رجاله لا تنقل له إلا صورة غير حقيقية للأمور حتى ساءت الأحوال، وفقد الناس الطمأنينة والعدل والأمان، بل يصل به الحال أن تمنى "ايبو – ور" لمليكه أن يتذوق البؤس وسوء الحال، مثلما لحق بالناس آنذاك خلال تلك المرحلة السياسية من التاريخ المصرى القديم. وحتى خلال تلك المرحلة من الانهيار السياسى واللامركزية للسلطة خلال فترة الانتقال الأولى وسيادة السيطرة السياسية لأسرتى أهناسيا على شمال ووسط صعيد مصر وأجزاء من الدلتا لم يجد أحد مواطنى مصر آنذاك من أرض الملح (وادى النطرون حاليا) المعروف ضمن نصوص برديته باسم القروى الفصيح، لبلاغة ألفاظه وإبداعه الأدبى من أن يحاجج الحاكم طلبا للعدل البشرى، وعندما يأس من تحقيقه هدد الحاكم بأن كليهما سوف يواجهان من لا يضيع الحق والعدل عنده فى عالم الآخرة الإله أوزيريس، وسوف يأخذ حقه منه لأن الجميع أمامه متساوون فى الخلق، وأن الفرق بين الحاكم والمحكوم ما اقترفته يداه إن خيرا فخيرا ينال به الثواب، وان شرا فشرا يلقى عليه الحساب. وتكررت مثل تلك اللحظات الفارقة فى الموقف السياسى للمواطن المصرى عبر عصوره، وإنه وإن ظهر فى بعض العصور مسالما - وخطأ مستكينا - إلا أنه فى الوقت المناسب يهب طلبا لحقه فى الحياة الكريمة.