بالنسبة إلى رجل يدير شركة صغيرة، حظى مايكل أرينجتون بالكثير من الاهتمام خلال الأسبوعين الماضيين. وعندما وافق على ترك «إيه أو إل» الأسبوع الحالى، أثار اضطرابا هائلا داخل وادى السليكون وعالم الإعلام الرقمى. فقد أصبح استخدام أرينجتون شركة تيك كرنش التى يعمل بها، والمتخصصة فى أخبار التكنولوجيا، لأجل إيجاد استثمارات لصالح صندوق رأس المال المخاطر الجديد التابع له بقيمة 20 مليون دولار حقل ألغام من المصالح المتصارعة. وفى البداية، قال تيم أرمسترونج، الرئيس التنفيذى لإيه أو إل إن تيك كرنش «ملكية مختلفة» ذات «معايير مختلفة» عن تلك السائدة فى المواقع الإخبارية الأخرى التابعة لإيه أو إل وأهمها هافينجتون بوست. لكنه سرعان ما أُجبر على تغيير رأيه. ماذا كان أرمسترونج يتوقع من أرينجتون الذى اشترت إيه أو إل شركته العام الماضى بثلاثين مليون دولار؟ وكان أرينجتون قد كتب يقول خلال نزاع سابق فى 2006: «تيك كرنش هى نوع جديد من الإصدارات. إنها تتعلق كلية بالمعلومات وصراعات المصالح الداخلية. يجب ألا يعتقد أحدٌ أن تيك كرنش تتسم بالموضوعية، وتخلو من الصراعات. إننا لسنا كذلك».
والأمر الأكثر أهمية هو ماذا يمكن أن يتوقع المرء فى عالم حلت فيه المدونات المجانية التى تعتمد على حصيلة إعلانات منخفضة محل الاشتراك فى النشرات الإخبارية؟ إذا لم يكن بوسع الناشرين كسب المال بالطرق الشرعية، فسوف يحاول أحدهم اختراع وسائل مريبة لتحقيق ذلك. وفى عام 1985، كتب ستيوارت براند، أحد منظمى الأعمال فى مجال التكنولوجيا: «تريد المعلومات أن تكون مجانية. وتريد المعلومات أيضا أن تكون مرتفعة الثمن. لن يزول هذا التوتر». وقد أثبت السيد أرينجتون صحة هذا القول. وتشهد شركات الأخبار تطورا مشابها لذلك الذى شهدته بنوك الاستثمار بعد رفع القيود عن وول ستريت فى 1975، وعن حى المال فى لندن فى 1986. فقد أدى التخلى عن العمولات الثابتة إلى القضاء على بحوث الاستثمار التى كانت المؤسسات تدفع نظيرا لها، والبحث عن مصادر جديدة للإيرادات. وفى النهاية، توصلت بنوك الاستثمار متجاهلة تضارب المصالح إلى فكرة جعل الشركات، وليس المستثمرين، الطرف الذى يدفع للمحللين عن طريق استخدامهم فى تسويق عروض الاكتتاب العام. وبلغت ذروة هذا الوضع من خلال ظهور فضيحة بحوث الاكتتاب العام مع انفجار فقاعة الإنترنت فى التسعينيات. وفى الواقع، هذا ما أراد السيد أرينجتون القيام به. ذلك أنه نظرا لافتقاره إلى الاشتراكات وحصيلة إعلانات الإصدارات المطبوعة التى كانت تدعم الناشرين فى الماضى، فقد حاول «تسييل» وهو اللفظ الكريه الذى يُعبر عن الحصول على أموال من مجالات مجانية الشبكة التى يعمل بها، عن طريق استخدامها فى دفع أصحاب رأس المال المخاطر نحو الاستثمار فى شركة كرنش فند التابعة له.
وكان الطُعم الذى أغواهم هو أن الوصول إلى المعلومات السرية المتاحة لدى تيك كرنش سوف يسمح لهم باكتشاف جوجل أو فيس بوك التالى مبكرا. وفى غضون ذلك، ألن ترغب أية شركة جديدة طموح فى مجال التكنولوجيا فى تقديم قصص إخبارية حصرية لتيك كرنش من أجل زيادة فرصتها فى التمتع بمحاباة السيد أرينجتون وزملائه المستثمرين؟ سوف يكون ذلك أمرا جيدا بالنسبة لأى شخص. إلا، بالطبع، إذا كان هذا الأمر يعج بصراع المصالح. ألن تميل تغطيات الأخبار العالمية نحو المواقع التى قام كرنش فند أو السيد أرينجتون بالاستثمار فيها؟ ألن يشعر أصحاب رأس المال المخاطر بالاضطرار إلى دفع الأموال بغرض ضمان تغطية الصفقات الخاصة بهم على تيك كرنش؟ أيا كانت الطبيعة الإنسانية والحوافز المالية، فإن الاحتمالين واردان تماما.
وقد أنكر ذلك السيد أرينجتون بقوة قبل طرده بضغط من أريانا هفينجتون، التى أصبحت الآن واحدة من رؤساء التحرير فى إيه أو إل. ويقول أرينجتون إن أنماط الإعلام القديمة التى تنتقده الآن لديها صراعات أيضا، كما أنها تشعر بالغيرة من نموذج المعلومات الجديد الذى اخترعه. ويضيف أن بوسعه أن يكون مستثمرا ومراقبا نزيها فى الوقت ذاته.
ومن بين العوامل التى تأتى فى مصلحة أرينجتون، سمة «الرجل المجنون»، بمعنى أنه سريع الانفعال وضيق الخلق إلى حد يصعب على أحد الاعتماد على ولائه. إنه بطبيعته لا يستطيع الامتناع عن التعبير عن رأيه علانية. وحتى إذا كان يمتلك استثمارات أو مواقع فى مجلس إدارة شركة ما، فإن ذلك لن يمنعه من انتقادها. كما أنه محق فى أن المواقع الإخبارية التقليدية لديها صراعات أيضا. ذلك أنه حتى إذا قامت هذه المواقع رسميا بالفصل بين العمليات التجارية والتحريرية، فإن المراسلين العاملين بها يواجهون إغراءات كى يميلوا نحو تغطيات بعينها. لكن الانحراف الفردى شىء، وانحراف نموذج أعمال متكامل شىء آخر. ذلك أن الحجة التى يطرحها أرينجتون هى نفسها التى كان يطرحها جولدمان ساكس والبنوك الأخرى المدرجة على وول ستريت: «نعم نحن لدينا صراعات مصالح ضخمة، لكن وجودنا على الجوانب المختلفة للصفقات يعطينا ميزة على صعيد تدفق المعلومات تفيد عملاءنا. ويمكنك الوثوق بنا فى إدارة النزاعات، لأننا أناس طيبون». نعلم جميعا النهاية التى أوصلنا إليها هذا المنطق فضيحة الاكتتاب العام حيث جرى صياغة تحليلات المراقبين على نحو يشجع المستثمرين على شراء الأسهم، ثم أزمة 2008 التى اتُهم فيها جولدمان ساكس بالاحتيال فى الأوراق المالية، وأقر بأنه لم يكشف على نحو تام تصارع المصالح فى صفقات الرهون التى عقدها.
والحقيقة أنه مهما علا صوت البعض فى التأكيد على قوة الضمانات المتوفرة لديهم، والتعهد بعدم إساءة استخدام سلطتهم، فإن تضارب المصالح يؤدى بالقطع إلى انحرافات، مثلما تصب الأنهار بالقطع فى البحار. وحتى إذا انكشف تضارب المصالح عبر عمليات إبراء الذمة، كما تفعل البنوك حاليا مع بحوث الاستثمار، فسوف تحدث أشياء سيئة.
توجد وسائل أخرى للتربح من منافذ الأخبار الرقمية لا تسبب هذه الصراعات. وتتمثل إحدى هذه الوسائل فى ربط الأخبار بالبيانات، وهى الوسيلة التى اختارتها تومسون وبلومبرج. ومن بين الحيل الأخرى بيع موقع يحقق نموا سريعا لكنه مازال يحقق ربحية هامشية، إلى شركة كبرى بسعر متضخم، كما فعل السيد أرينجتون والسيدة هفينجتون.
لكنه إذا كان ليس مطلوبا من القراء دفع ثمن الأخبار، وكانت إيرادات الإعلانات غير كافية، تصبح النتيجة بالقطع فجوة يجب ملؤها بطريقة أو أخرى. وقد أضطر السيد أرينجتون إلى ترك تيك كرنش لأن طريقته فى كسب المال من الأخبار والمعلومات أصبحت محرجة إلى حدود لا يمكن تحملها بالنسبة إلى إيه أو إل. وسوف يواجه آخرون الإغراء نفسه.