بهى الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وعضو سابق فى المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى استقال منه لاقتناعه بأنه لا يقوم بالدور المنوط به، وهى نفس القناعة المستمرة معه بعد الثورة. يصف حسن حكومة عصام شرف بأنها «حكومة ثورة مضادة» لما يصدر عنها من قرارات وتشريعات مقيدة للحريات، محذرا فى ذات الوقت من التخبط فى سياسات المرحلة الانتقالية التى يخشى أن تؤدى إلى تصاعد الإرهاب والعنف المبنى على أساس دينى. خلال 18 يوما من 25 يناير إلى 11 فبراير كانت هناك آمال وتوقعات واسعة بشأن الوضع فى مصر، ماذا كانت توقعات المجتمع المدنى فى هذا الوقت وما ترونه من الواقع الحالى؟ توقعاتنا يوم 12 فبراير فى اليوم التالى لخلع مبارك صدرت تحت عنوان «خارطة طريق»، موجودة على موقع المركز توضح أن المجتمع المدنى فى اليوم التالى كان لديه نظرة استراتيجية لما يجب أن يحدث فى المرحلة الانتقالية، وتطرح خطوات بعينها، على رأسها «محاسبة مبارك على جرائمه، وتقول إنه وإذا كان المجلس العسكرى تورط فى وعد بألا يتم ذلك فعليه أن يسحب هذا الوعد»، لأن هذا يحدث فى دول أخرى، وهذا يوضح أهمية التعلم من تجارب الدول الأخرى حتى لا نعيد اختراع العجلة من جديد. كنا نتطلع إلى نقلة حقيقية فيما يتعلق أولا باحترام حقوق الإنسان، وفيما يتعلق بالديمقراطية، وأن يكون هناك انفتاح ديمقراطى حقيقى، وأن تحدث عملية إصلاح مؤسسى حقيقى للمؤسسات الأساسية فى البلد التى كانت ركائز للدولة البوليسية فى مصر وعلى رأسها الشرطة، ووزارة العدل بأجهزتها المختلفة، وإصلاح تشريعى ودستورى، ولكن للأسف الأمور لا تسير فى مصر فى الاتجاه الصحيح، فمن المفارقات أن مبارك يُحاكم بينما المجلس العسكرى يدير البلد «بنفس دليل السياسات الذى كان يتبعه» وكذلك حكومة عصام شرف. كنا نتحدث قبل شهور عن أن المجلس العسكرى فى جانب وحكومة عصام شرف فى جانب، لكنهما صارا الآن وجهين لعملة واحدة، المجلس العسكرى يحيل للمحاكمات العسكرية، ويقوم بالتعذيب فى مراكز الاحتجاز ومجلس الوزراء صامت، «شاهد ما شفش حاجة». وعندما تقدم له الشكاوى والبلاغات، يحدث نفس ما كان يحدث فى عهد العادلى ونظيف، إما أن تلقى فى سلة المهملات أو أن تصبح كأن لم تصل. ● كيف تقيّم أداء حكومة عصام شرف؟ هناك فجوة هائلة صار من الصعب معها التساؤل كما كنا نفعل منذ شهور، هل نحن أمام حكومة للثورة أم حكومة للثورة المضادة؟ بعض ما تقوم به الحكومة هو نفس ما كانت وزارة أحمد نظيف تمارسه، لكن الأخيرة كانت تصنف على أنها وزارة مبارك أو العهد البائد، والأولى وزارة ثورة، لكن هذا غير صحيح، هو مجرد اختلاف فى الوجوه، الأساس هو السياسات والممارسات وليس أنها جاءت من الميدان. فمثلا عندما توصف حركة 6 أبريل أو كفاية بأنهم عملاء ويتلقون أموالا من الخارج، هو وصف لم يطلق على مبارك حتى هذه اللحظة، والذى قال عنه أحد كبار المسئولين فى إسرائيل يوم خلعه «خسرنا كنزا استراتيجيا»، كما وصفه رئيس تحرير جريدة هاآرتس الإسرائيلية بأنه كان بمثابة الحارس الشخصى لإسرائيل لثلاثين عاما. لو لعصام شرف موقف مختلف يعلنه للناس، لكننا أمام كتلة واحدة المجلس العسكرى والحكومة. وعندما يقرر مجلس وزراء أن يحقق مع المجتمع المدنى وأن يضع المجتمع المدنى كله متهم بأنه صار رأس جسر للتدخل الأجنبى فى السيادة الوطنية والشئون الداخلية، نقول إن مبارك لم تصل به البجاحة إلى هذه الدرجة. إذا رجعنا أيضا إلى التعامل مع العنف الطائفى والدينى الجارى منذ 25 يناير، نجدها نفس السياسات، الفريق سامى عنان رئيس الأركان يقول إنه ستشكل مجالس عرفية للتوفيق فى الحالات، لم يأت بجديد لذلك أقول: «مازلنا نعمل وفقا لدليل السياسات الذى وضعه نظام مبارك وحبيب العادلى»، وأخشى أن تؤدى طريقة إدارة الأمور فى ظروف مختلفة كثيرا عن الظروف التى كانت محيطة بمبارك، للسير بنا على طريق السادات عندما تملك الإرهاب بمصر بهذه الصورة فى عهده. ● الفترة الأخيرة شهدت تصاعد الحديث عن تمويل منظمات المجتمع المدنى ومصادرها، وتم التضييق على بعض المنظمات بحجة مخالفة قانون الجمعيات الأهلية، ما الجديد الذى حدث؟ هل من الطبيعى أن تحصل المنظمات على التمويل بدون موافقة الحكومة؟ فى الماضى كان هناك استثناء خاص بالمعونة الأمريكية منذ جاء أوباما، حيث تم التوقيع على مذكرة وحدث تفاهم بأن التمويل من خلال هيئة المعونة الأمريكية يكون فقط للمنظمات، ليس فقط المسجلة فى التضامن ولكن التى تعطى الحكومة المصرية الموافقة عليها، وهذا كان تنازلا كبيرا من إدارة أوباما ومحل نقد شديد فى الكونجرس لأنه لم يكن متبعا مع أى دولة أخرى فى العالم وبعده بدأت عدة دول من العالم الثالث تطالب بالمعاملة بالمثل. هذه لم تكن القاعدة بل استثناء. النقطة الثانية، كما أقول دائما نحن لا نخترع العجلة، لننظر لباقى دول العالم، هل تتخيلون أن منظمة مثل «هيومان رايتس ووتش» أو أى منظمة أخرى تحصل على تمويل من أوروبا مثلا، تطلب موافقة من الحكومة الأمريكية؟ أو الحكومة الأمريكية تتهمها بالعمالة؟ هو موضوع لا يناقش أصلا. هناك عدد من المسئولين فى منظمات المجتمع المدنى فى مصر هم أعضاء فى منظمات دولية وكل منهم يمكن أن يقول إذا كانت هناك شروط من هذا النوع فى أى دول أوروبية تتبعها المنظمة التى ينتمى لها. هذا أمر غير مطروح بالمرة. ● منظمة المرأة الجديدة حصلت على جائزة والتضامن الاجتماعى رفضت حصولها على التمويل، ما التبرير القانونى لرفض هذا التمويل؟ ليس هناك تبرير قانونى لكن هذا انعكاس لعلاقة السيد بالعبد الموجودة فى قانون الجمعيات الأهلية الموضوع فى عهد مبارك والذى تريد حكومة الثورة المضادة إضافة مزيد من القيود إليه بدلا من تحرير المجتمع المدنى. القانون الحالى يتيح للحكومة ممثلة ليس فقط فى وزارة التضامن، لكن قبلها الأمن، التدخل فى أى شىء بما فيه أن يقول لأى منظمة أهلية «أعملى عجين الفلاحة». للأسف الشديد مازالت وزارة التضامن حاليا تديرها مباحث أمن الدولة، الدكتور جودة عبدالخالق فى الواجهة، ورغم أن قانون الجمعيات الأهلية ليس فيه نص واحد يشير لوزارة الداخلية أو أمن الدولة لكن مثلما كان يحدث فى عهد مبارك، عندما تقدم طلبا سواء لتسجيل جمعية أو الموافقة على تمويل أو الانضمام لشبكة دولية أو جائزة يقال «بمنتهى البجاحة حتى الآن، ليس لدينا مشكلة لكن ننتظر موافقة أمن الدولة»، لذلك أقول إن جودة عبدالخالق مجرد صورة فليس هو من يجلس على كرسى الوزارة بل أمن الدولة. وما حدث مع مؤسسة المرأة الجديدة هو فضيحة سياسية لكنه متكرر بعشرات العناوين مع مئات المنظمات. ● المحاكمات العسكرية أثارت حفيظة الكثيرين، لكن فى المقابل يتقبلها البعض بدعوى أننا فى وقت الثورة ولا يوجد سبيل لمواجهة الانفلات الأمنى وانتشار البلطجية سوى المحاكمات العسكرية، ما ردك على هذا؟ هذا التبرير هو نفس ما كان يقال لنا فى عهد مبارك، إن المحاكم العسكرية لمحاكمة الإرهابيين، تغير المصطلح فقط لتغير الظروف فبدلا من إرهابيين يقال بلطجية، لكن كيف تعرف أنه بلطجى أو إرهابى بدون محاكمة عادية. نقطة البداية فى التبرير، وهو كلام غير دستورى قبل أن يكون منافيا ومناقضا لمبادئ حقوق الإنسان، فوفقا للدستور، المتهم برىء حتى تثبت إدانته، بينما من يبررون ذلك بأنه بلطجى هم أثبتوا التهمة قبل بدء المحاكمة مثلما كان يقول مبارك أنهم إرهابيون. المحاكم العسكرية فى العالم كله موضوعة للمحاسبة على الجرائم العسكرية بل فى الدول الديمقراطية الحقيقية أصبحت الآن، بشكل تدريجى، تمنع محاكمة العسكريين أمام محاكم عسكرية إلا فى وقت الحرب باعتبارها محكمة ميدان ولا يوجد حل آخر. ● هل قناعتك بأن الحكومة الحالية هى حكومة ثورة مضادة كان السبب فى رفضك لمنصب مساعد وزير الداخلية خلال التعديل الوزارى الأخير؟ السبب الأساسى للرفض أن تفضيلى أن يكون دورى فى الدفاع عن حقوق الإنسان من خلال المجتمع المدنى، لكن من جهة أخرى ليس هناك شىء يجعل المرء يعيد التفكير فى قناعة راسخة لديه مثل هذه لأننا إزاء كما قلت «سياسات وتوجهات حكومة ثورة مضادة». حكومة صمتت على ما حدث فى التحرير بداية رمضان، ومررت تشريعات دورها الأساسى هو تحجيم قوى الثورة مثل تعديل قانون الأحزاب وقانون الاعتصامات والاحتجاجات. بدون شك لا يمكن أن أسمح لنفسى أن أكون طرفا فى حكومة هذه هى سياساتها. لابد من تغيير جذرى مختلف لا صلة له بعملية المكياج الجارية الآن، وفى هذا الإطار من الصعب القبول بأى دور فى هذا السياق. ● بالحديث عن المكياج والديكور، لقد كنت عضوا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان، وتركته لنفس السبب، هل ترى تغييرا فى أداء المجلس بعد الثورة؟ ما ينطبق على المجلس القومى ينطبق على الحكومة، وأود أن أعبر عن تقديرى لعدد من الأعضاء فى المجلس، لكنه كمؤسسة مثل الوزارة للأسف الشديد غير مؤهل لأن يحدث تغييرا فيما يتعلق بوضعية حقوق الإنسان، خاصة أنه فى ذلك مثل وزارة الداخلية لم يجر تحقيقا داخليا عما كان يجرى فى داخله. ● هل لدى منظمات المجتمع المدنى رؤية لما يجب أن تكون عليه عملية الإصلاح فى القطاع الأمنى والقضائى؟ بالتأكيد هذا موجود، هناك عدد من المنظمات التى تعمل على هذه المواضيع بجدية، ومثل أى دولة أخرى يوجد فى هذه المنظمات خبرات مهنية هائلة. وعلينا أن نلاحظ أن منظمات المجتمع المدنى، وخاصة حقوق الإنسان، حتى 2004 كانت الصوت الناقد الوحيد قبل ظهور «كفاية» وغيرها من الحركات السياسية، لكن المشكلة فى غياب الإرادة السياسية للإصلاح، فهناك قناعة لدى القائمين على الأمر أن المشكلة كانت فى عدد من الأشخاص سواء مبارك أو بعض من حوله وعدد من الفاسدين وإذا تخلصنا منهم تصبح البلد على الطريق الصحيح، لكن الحقيقة أن ما أنتج هذا القدر من الفساد الذى لم تعرفه مصر طوال تاريخها ليس سوء أخلاق بعض الأشخاص لكن سياسات خاطئة وإجرامية وأوضاع لا مؤسسية ساعدت على ذلك. الأمر الآخر أن هناك حساسية، أقول إنها مقصودة ومفتعلة، تجاه الاستفادة من أى خبرة أجنبية. علينا أن نتواضع وأن نعرف أننا لنحو ستة عقود تخلفنا عن العالم كله فى أمور كثيرة وأساسية هى التى أوصلتنا للوضع الذى وصلنا له الآن، علينا أن نبحث عن الخبرة والتعلم من الآخرين سواء داخل مصر أو خارجها بدون أى حساسية. ● فى ظل الأوضاع الحالية، وضبابية وفوضى المشهد السياسى، هل لدى منظمات المجتمع المدنى خارطة طريق للتعامل معه؟ كمنظمات لدينا تصورات وقدمناها سواء فيما يتعلق بالإصلاح الأمنى، أو التشريعات سواء التى صدرت فى صورة مراسيم عسكرية أو التى طرحت للمناقشة مثل قانون الانتخابات، أو حتى فيما يتعلق بمشكلة وجرائم العنف الطائفى التى قيل فيها وعود ولم تنفذ. فى كل هذه الأمور منظمات حقوق الإنسان قدمت بدائل وخيارات وليس مجرد انتقادات، لكن للأسف أيضا ليس هناك أى قناة للحوار مع المجتمع المدنى أو منظمات حقوق الإنسان. للأسف الشديد مصر فى وضع قاسٍ للغاية، وأريد أن أربط أن أخطر لحظة فيما يتعلق بالفوضى أنها قد تترافق مع صعود خطر الإرهاب الدينى، وهذه أفضل بيئة حاضنة تساعد على ترعرعه، مصر كانت مهددة بذلك منذ عهد مبارك وبشكل خاص من خلال سيناء بسبب السياسات الأمنية الخاطئة التى اتبعت، وتفاقم الأمر وتزايد بسبب استمرار نفس السياسات بعد 25 يناير. ما سيفاقم الأمر أكثر هو الطريقة التى يجرى بها الإعداد للانتخابات القادمة، أخشى أن يصبح العنف الذى كان يحدث أثناء الانتخابات فى عهد مبارك حلما بالنسبة للمصريين، لأن العنف القادم فى الانتخابات القادمة سيرتكز بالأساس على دوافع دينية، يجب ألا تمحى من الذاكرة أن العلم الذى يقود عملية الهجوم المسلحة مساء الجمعة 29 يوليو هو نفس العلم الذى كان يقود المظاهرات فى صباح نفس اليوم، العلم الأسود الذى يحمل كلمة لا إله إلا الله، هذا هو علم الجهاد.