احتفالا بقدوم شهر رمضان المعظم، تعرض "بوابة الشروق" يوميا حديثا من أحاديث الأربعين النووية، مع شرحها شرحا مفصلا من كتاب جامع العلوم والأحكام للحافظ ابن رجب الحنبلي. الحديث السادس: البعد عن مواطن الشبهات عن أبي عبدِ اللهِ النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما قالَ:( سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: {إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، ومَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وهِيَ الْقَلْبُ})رواه البخاريُّ ومسلمٌ. شرح الحديث هذا الحديث صحيح متفق على صحته من رواية الشعبي عن النعمان بن بشير وفي ألفاظه بعض الزيادة والنقص والمعنى واحد متقارب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر وعمار بن ياسر وجابر وابن مسعود وابن عباس، وحديث النعمان أصح أحاديث الباب فقوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس معناه أن الحلال المحض بين لا اشتباه فيه، وكذلك الحرام المحض ولكن بين الأمرين أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من الحلال أم من الحرام وأما الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك ويعلمون من أي القسمين هي فأما الحلال المحض فمثل أكل الطيبات من الزروع والثمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيبة ولباس ما يحتاج إليه من القطن والكتان والصوف والشعر وكالنكاح والتسري وغير ذلك إذا كان اكتسابه بعقد صحيح كالبيع أو بميراث أو هبة أو غنيمة والحرام المحض مثل أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وشرب الخمر ونكاح المحارم ولباس الحرير للرجال ومثل الاكتساب المحرم كالربا والميسر وثمن مالًا يحل بيعه وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب ونحو ذلك وأما المشتبه فمثل بعض ما اختلف في حله أو تحريمه إما من الأعيان كالخيل والبغال والحمير والضب وشرب ما اختلف في تحريمه من الأنبذة التي يسكر كثيرها ولبس ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السباع ونحوها وإما من المكاسب المختلف فيها كمسائل العينة والتورق ونحو ذلك وبنحو هذا المعنى فسر المشتبهات أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة وحاصل الأمر أن الله تعالى أنزل على نبيه الكتاب وبين فيه للأمة ما يحتاج إليه من حلال وحرام كما قال تعالى {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} النحل قال مجاهد وغيره كل شيء أمروا به ونهوا عنه وقال تعالى في آخر سورة النساء التي بين فيها كثيرًا من أحكام الأموال والأبضاع {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} النساء وقال تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} الأنعام الآية وقال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ} التوبة ووكل بيان ما أشكل من التنزيل إلى الرسول كما قال تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} النحل وما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكمل له ولأمته الدين ولهذا أنزل عليه بعرفة قبل موته بمدة يسيرة {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} المائدة وقال صلى الله عليه وسلم تركتكم على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك