للمرة الأولى تهل ذكرى ثورة 23 يوليو المجيدة، وهناك ثورة جديدة اسمها 25 يناير. الآن عندما نقول الثورة فإن الإحالة لا تذهب إلى 23 يوليو بل إلى 25 يناير. وعندما نتحدث عن يوليو لم نعد نستطيع أن نقول كلمة الثورة وفقط، بل نشير إلى تاريخها حتى نميزها عن 25 يناير. بعد تولى أنور السادات الحكم عقب وفاة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر عام 1970 اخترع أكثر من ثورة مثل ثورة التصحيح فى مايو 1971 والثورة الإدارية، ثم سمعنا فى عهد حسنى مبارك مصطلح الثورة الخضراء وأحد رموزها المظفرين يوسف والى، وكلنا يعرف أن أكثر بلد استفاد من هذه الثورة كان عدونا الإستراتيجى إسرائيل. فى كل مرة كانت تهل ذكرى ثورة يوليو كان هناك سؤال يتكرر بطريقة مملة هو: ماذا بقى من ثورة يوليو؟!. الآن يحق لنا أن نسأل: هل انتهت «يوليو» تماما وصارت جزءا من التاريخ أم أنها لاتزال قادرة على الفعل والتأثير؟!. تقديرى الشخصى أن «يوليو» كفكرة لم تمت ولن تموت وخصوصا فى قضايا محددة مثل العدالة الاجتماعية وبناء مشروع وطنى شامل يعيد مصر إلى قيادة أمتها العربية ويستطيع مواجهة إسرائيل. هناك أخطاء قاتلة ارتكبها جمال عبدالناصر ونظامه أهمها نكسة 1967 وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان، الأمر الذى كرس لاحقا دولة الحاكم الفرد. لكن ناصر كان وطنيا فعلا وكان منحازا لغالبية الجماهير المطحونة، ولو التفت لبناء حزب حقيقى يدافع عن المشروع الوطنى الذى بناه، ما كنا قد انهزمنا أمام إسرائيل، وما كان نظامه قد انهار مثل قصر من الرمال على يد السادات فى 15 مايو 1971. المنجز الرئيسى لثورة 25 يناير، حتى لو كان على الورق، هو رفع شعارات الحرية والكرامة وحقوق الإنسان، وهى انطلقت أساسا احتجاجا على مقتل خالد سعيد بالإسكندرية بفعل تعذيب الشرطة، ولاحقا صارت مصطلحات مثل دولة القانون والمساواة والحريات مطالب رئيسية للثورة ويصعب على أى نظام حكم قادم أن يتجاهل مثل هذه المطالب. فى المقابل فإن ثورة يوليو 1952 أنجزت على الأرض مشروعا وطنيا شاملا بقى منه مفهوم العدالة الاجتماعية التى نرى بعض تجلياتها ماثلة حتى الآن مثل مجانية التعليم والعلاج والمشروعات الإستراتيجية الكبرى، قبل أن يتمكن نظام حكم السادات ومبارك من الإجهاز على معظم هذه التجربة وتدميرها. والسؤال الآن: هل يمكن المزاوجة بين المنجزين؟. الإجابة لابد أن تكون ب«نعم»، لأن البديل يعنى الفشل. لا يمكن لثورة 25 يناير أن تكتفى فقط بترديد شعارات مثل الحرية والكرامة وحقوق الإنسان فقط.. لأن هذه الشعارات لا قيمة لها وسط شعب جائع ومطحون فى دوامة الفقر والبؤس والمرض والجهل. العدالة الاجتماعية ليست أيضا شعارات ترفع بل تعنى تعليما جيدا للجميع وخدمات صحية ذات كفاءة وفرص عمل بأجور معقولة. كنا نتمنى وجود ناصر ديمقراطى هذه الايام ليحل معضلة غياب الرأس عن جسد الثورة، لكننا نأمل أن نصل إلى صيغة يكون البطل فيها هو الشعب أو الناس بصفة عامة أو الحزب، لا نريد بطلا فردا حتى لو كان يقترب من أخلاق الأنبياء. نريد ونحلم بدولة مدنية يكون فيها القانون هو الحاسم، دولة حرة تحترم حقوق الإنسان وتوفر الخدمات الأساسية لكلم مواطنيها.