هل نحن علي أعتاب ثورة جديدة؟ هل نحن علي أعتاب ثورة جديدة؟ سؤال تردد في الأوساط السياسية والإعلامية عقب حريق مجلس الشوري وربطه بحريق القاهرة في يناير 1952 الذي كان مقدمة لاشتعال ثورة يوليو وتباينت اجابته بين النفي القاطع والاحتمالية والتأكيد.. وكان جون برادلي الكاتب الصحفي الإنجليزي قد ألف كتابًا ظهر في الولاياتالمتحدةالأمريكية يوم 25 أبريل 2008 بعنوان «داخل مصر.. أرض الفراعنة علي شفا الثورة» أكد من خلاله انتظار مصر لثورة مضادة لثورة الضباط الأحرار. وفي تعليقه علي الكتاب قال د. عماد عبدالرازق - الناقد والأكاديمي المصري المقيم في واشنطن: إن أبشع ما في نظام مبارك هو حالة الإفلاس التي جعلته يتخبط علي نحو أعمي، فليس هناك إطار عقلاني يحكم فلسفة النظام أو سياساته، وليس هناك أهداف ولا حتي شعارات حقيقية يمكن له أن يحشد الناس وراءها، فالفكرة القومية العربية أو دور مصر الريادي في العالم العربي أخذ في التآكل والتراجع مع صعود قوي اقليمية منافسة، والمعارضة تبدو في المأزق ذاته، لأن البديل الوحيد المطروح عليها هو «الإسلاميون» الفصيل الأكثر تنظيما وانضباطا وقدرة علي تحريك الشارع، وحتي القليل من الإصلاح الاقتصادي الذي تحقق لم تعد فوائده إلا علي أرباب النظام وأتباعه من حزب المنتفعين من رجال الأعمال إلي أباطرة الإعلام وصبيانه من جنود «البروباجندا» الحكومية والأجهزة الأمنية، ومع حرمان الغالبية العظمي من هذه الفوائد، تزداد حالات التذمر وتختمر تحت السطح عوامل الاضطراب والتمرد ولم يعد أمام النظام سوي أساليب الترهيب والقمع لضمان إحكام السيطرة علي الشعب والتشبث بالحكم، وما مظاهر توحش أجهزة الشرطة في المظاهرات والاحتجاجات وسجن المعارضين سوي أمثلة علي هذه الأساليب التي نجح النظام من خلالها في زرع الخوف بنفوس غالبية المصريين، مشيرا إلي أن المصريين قد يكونون علي موعد قريب مع ثورة أو انتفاضة جديدة، في المقابل يري د. سمير نعيم أحمد - أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس - إن القول بأن تشابه المقدمات يؤدي إلي نفس النتائج يعتبر تفسيرا غير واقعي، فاختلاف السياق العالمي وظهور متغيرات جديدة محلية وعالمية يجعل من الوصول إلي نفس النتيجة أمرا بالغ الصعوبة ولم يحدث في التاريخ أن قامت ثورة شعبية واستطاعت تغيير النظام دون أن تكون مدعومة بقوة مسلحة، إما في شكل حركة يقودها الجيش كما حدث في ثورة يوليو، أو في شكل ميليشيات مسلحة كما الحال في بعض دول أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، أما التغيير المدني السلمي فإنه لن يحدث إلا من داخل النظام نفسه، نتيجة ما يمكن أن يمارس عليه من ضغوط خارجية أو داخلية، فأساليب النضال ووسائل التغيير اختلفت تماما عن ذي قبل، مشيرا إلي أن ما يحدث في مصر الآن من احتجاجات متكررة لفئات عديدة من الشعب قد يكون المقدمة لإحداث التغيير، فهذه الاحتجاجات الفئوية إذا استطاعت أن توحد نفسها وتندمج تحت قضية عامة واحدة يلتف حولها كل فئات المجتمع ويجمع عليها أغلب تياراته المتعارضة، يمكنها أن تصبح بداية لحركة شعبية احتجاجية شاملة قد تتخذ في النهاية شكل عصيان مدني يقود للتغيير. ويتفق الدكتور إبراهيم البيومي غانم - خبير أول العلوم السياسية ورئيس قسم بحوث الرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية - مع هذا الرأي، مؤكدا أن اختلال موازين العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع أدي إلي تزايد مظاهر الاحتجاج والرفض والتململ الاجتماعي في معظم أنحاء مصر، وشملت فئات متنوعة من بينها جهات حكومية كإضراب موظفي الضرائب العقارية والذي مثل - كما أكد البعض - تغيرا جذريا في السيكولوجية الساكنة للموظف المصري تدفعه للثورة. ******** المصريون لا يعرفون «حاجة» عن الثورةوانشغلوا بلقمة العيش! · الثورة لم تقدم سوي الشعارات وإلغاء الألقاب! · 23 يوليو يوم أسود الثورة لا تمثل لي شيئاً.. · وعاوزين ثورة تانية عشان الفقير مات من الجوع هبة جعفر في الوقت الذي تحرص فيه الدولة علي الاحتفال بثورة يوليو نجد أن الشارع المصري لا يعرف ما هي ثورة يوليو؟! بل إن الكثير من المصريين أرجعوا تدهور الأوضاع الحالية للثورة، فقد أكد «محمد حسن» بائع بسوبر ماركت أنه لا يعلم شيئاً عن الثورة وكل علاقته بها تنحصر في مشاهدة المسئولين يتحدثون عن الثورة وإنجازاتها. والتي لا نجد منها شيئاً علي أرض الواقع وإذا كان للثورة أي مبادئ فقد انتهت بانتهاء عهدها فنحن الآن نسعي وراء لقمة العيش لنواجه الأزمة الحالية مع الحكومة التي ترفع الأسعار كل يوم في حين أن الأجور كما هي فالثورة لم تقدم سوي الشعارات وإلغاء الألقاب! وأخرجت الملكية من الدولة ليكون نظام الجمهورية الذي عاد بتوريث الحكم كما يتردد الآن!. وأكد أحمد إسماعيل يعمل بمحل أحذية أن يوم 23 يوليو تاريخي في حياة أي إنسان فهو الذي عادت لنا فيه كرامتنا وحريتنا وعندما يعرض فيلم «ناصر 56» أشاهده وأنا سعيد لأتعرف علي هذه المرحلة من تاريخ مصر وأحاول أن أكون جزءاً منها لتخليد ذكراها. وعلي العكس تماماً يري هيثم جمال -طالب بحقوق القاهرة- أن 23 يوليو كان يوماً أسود فلم نجن من الثورة أي شئ يذكر بل امتلأت السجون بالمعتقلين ودخلنا عصر الانفتاح والذي ارتفعت فيه الأسعار بشكل جنوني وازداد الفقير فقراً، ومن يقدر علي العيش هم الأغنياء فقط!. الثورة لا تمثل لي أي شئ هكذا قال حسين علي عامل بمحل ملابس بوسط البلد مضيفاً لم أعاصرها وكل ما أعرفه أن ضباط الجيش تمردوا علي الأوضاع القائمة وألغوا الملكية ورحل الملك عن البلد وتم توزيع الأراضي الزراعية علي الفلاحين ولسوء الأوضاع حالياً أنا نفسي البلد دي يحصل فيها ثورة جديدة للإصلاح دا الواحد بدل ما كان بيحتمي في الشرطة أصبح يخاف منها أحسن تاخده اشتباه ظلم وينضرب في القسم. أما خالد محمود- بائع خضراوات - فقال: العلاقة بيني وبين الثورة كانت من خلال والدي فهو دائماً كان يحكي أنها غيرت أوضاع فساد كثيرة كانت منتشرة في البلد أيام الملك والإنجليز لكن لو عاوزة الصراحة احنا عاوزين ثورة تانية علشان الغلبان في البلد دي خلاص مات من الجوع ونفسنا نعرف نعيش وسط أصحاب الملايين. ثورة إيه اللي انت جاي تقول عليه بهذه المقولة بدأ المحاسب نبيل عبدالرازق حديثه قائلاً: اللي البلد بتمر بيه خلانا نسينا الثورة وذكرها ولم يعد منها سوي فيلم في التليفزيون فلم يتبق منها شئ غير مصانع تم بيعها كما أنها قضت علي الديمقراطية والقت بالناس داخل السجون فكل من يعترض علي الثورة يتهم بالخيانة ويكفي ما فعله صلاح نصر مع المواطنين، أما بائع الكبدة حسن عبدالفتاح فقال: لا بلاش كلام في السياسة أنا معرفش حاجة عن الثورة ولا من قام بها فحياتي هي عربية الكبدة والمثل قال «ابعد عن الشر وغني ليه» ويضيف محمود سعد - موظف - قائلاً: الثورة أضافت لهموم المواطن ولم تأخذ منها فالموظف اللي كان زمان ليه دور كبير وكلمة وله من يحافظ علي حقوقه هو فين الآن؟! كل شوية قاعد يعمل مظاهرات واحتجاجات ومحدش بيسأل فيه!. ويقول فتحي عوض - عامل نظافة- محدش فاكر حاجة عن الثورة لأننا طول النهار والليل بنلف في الشوارع علشان النظافة وبدل ما نجد حد يشكرنا أو يزود مرتبنا شوية تحول عامل النظافة في مصر لشحات، فأيام الملك كان الغلبان عارف يعيش لكن قوللي دلوقتي الفقير في مصر عايش إزاي؟ تحت خط الفقر وأنا بلعن اليوم اللي طلعت فيه مصري، حسبنا الله ونعم الوكيل. السيد السنهوتي - عامل بإحدي الشركات الخاصة - قال: «ثورة يوليو هي اللي خرجت الملك بره مصر عشان الفساد اللي كان بيعمله، وكمان أعلنت الجمهورية يعني ابن الرئيس ميبقاش رئيس وطبعًا هيرجعوا فيها دلوقتي وابن الرئيس هييجي رئيس»! حسين قريطم - مندوب مبيعات - قال: «هي اللي عملت الإصلاح الزراعي وأعطت الفلاحين الأراضي وقضت علي الإقطاع، وحررت مصر من الاحتلال الإنجليزي فسألناه: هل تتذكر عدد أعضاء مجلس قيادة الثورة؟ فقال: تقريبًا 12. وفاجأنا محمد مهند محمد - طالب في الصف الأول الثانوي - الذي قال: «ثورة يوليو قامت للقضاء علي الإقطاع وسيطرة رأس المال علي الحكم وعلي الاستعمار وأعوانه وإقامة عدالة اجتماعية وجيش وطني قوي وحياة ديمقراطية سليمة. واستطرد مهند: يعني 3 قضاء و3 إقامة، الأستاذ بتاع الدراسات كان بيعلمنا كده، فسألناه: هل تعرف من هو زكريا محيي الدين فرد قائلاً: «لامخدتهوش في المدرسة، بس ممكن ناخده السنة الجاية! سعيد الديب - فلاح عمره 74 عامًا - قال: هي فين يابني أيام الثورة وعبدالناصر، القرية بتاعتنا دي كان فيها عائلة إقطاعية ومكانش أبويا يقدر يعدي من قدام فيلا الباشا الحمزاوي، وبعد الثورة وزعوا علينا الأراضي وبقينا نعدي من قدام الباشا وإحنا راكبين الحمير، ومحدش يقدر يقولنا حاجة عشان كده عملنا تمثال لجمال عبدالناصر في البلد. أما أمينة عبدالناصر أحمد - عاملة بالمجلس المحلي - فقالت: 23 يوليو بناخد فيه أجازة، ودي الحاجة الوحيدة اللي بنستفيد فيها من ثورة يوليو، لكن التعليم المجاني كان زمان دلوقتي مبقاش فيه تعليم مجاني، كمان زمان مكانش فيه ناس أغنياء جدًا وناس فقراء جداً، لكن دلوقتي فيه ناس غناها فاحش وناس مش لاقية تاكل، يعني لم يبق شيء من ثورة يوليو غير الأجازة. أما أغرب الإجابات فهي من طالبة بالمعهد العالي للخدمة الاجتماعية اسمها حنان علي حيث قالت: هي محطة المترو اللي قبل المرج، وبحماس تدخلت صديقتها أمنية زغلول لتصحيح معلوماتها قائلة: لا يا بنتي ده قصده 23 يوليو بتاعة سعد زغلول والتوكيلات! أما حسين سالم علي - عامل بالسكة الحديد - فبمجرد سؤاله امتلأت عيناه بالدموع وقال بتأثر: الله يرحم ثورة يوليو ورجالتها، يا ريتها ترجع تاني عشان ناخد الفلوس من أحمد عز وتوزعها علي الفقراء، عشان تاخد القصور بتاعة الأغنياء وتعمل بها مشاريع للشباب تشغلهم، ياريت ثورة يوليو ترجع حتي لو كان في تعذيب أرحم كتير من الموت والفقر اللي إحنا شايفينه. وقالت حنان حمدي - طالبة بكلية الآثار - إنها لا تعرف السنة التي قامت فيها ثورة 23 يوليو وتعتقد أن قائدها هو سعد زغلول! أما عوض الله فتيح - عامل - فقال إنه لا يعرف شيئًا عن موعد قيام الثورة ولكن قائدها هو محمد بك القفاص! وقالت زينب عبدالرحمن - دبلوم تجارة تعمل بمحل ملابس بالمعصرة - إنها لا تعرف ميعاد الثورة وأن قائدها هو سعد زغلول.. أما محمد نجيب فقالت إنه شاعر أو صحفي معروف! *********** خبراء السياسة يرصدون مراكز القوي بين ناصر ومبارك · كانوا جميعاً مجموعة من الشرفاء والوطنيين ولم يكونوا فاسدين أو محتكرين مرفت الشيخ أطلق «السادات» مصطلح «مراكز القوي» علي رموز الحكم في عصر الرئيس عبدالناصر، وحاكمهم واتهمهم بأنهم تحولوا من مسئولين بالنظام إلي مراكز قوي تتحكم في النظام.. لكن هل انتهي عصر مراكز القوي علي يد السادات؟ الواقع المرير الذي يعانيه الشعب الآن يؤكد أن مراكز القوي عادت من جديد بوجه أكثر قبحاً جعل الكثيرين يعتبرون مراكز القوي في عهد عبدالناصر «ملائكة رحمة» مقارنة بمراكز القوي في عهد مبارك.. فما وجه الشبه والاختلاف بين مراكز القوي في العهدين؟! أمين إسكندر - القيادي بحزب الكرامة - قال: لم يكن لثورة يوليو مراكز قوي بالمعني الحقيقي للكلمة ولكن من الممكن القول إن هناك قوة مراكز، باستثناء حالة المشير عبدالحكيم عامر التي خرجت عن النص، أما باقي هؤلاء مثل شعراوي جمعة فقد كان مثقفاً بالمعني الحقيقي للكلمة وكذلك سامي شرف وعلي صبري والقبض عليهم كان «مخططا» من السادات وانقلابا منه، لذلك دأب النظام علي تشويه سمعتهم واطلاق هذا المصطلح عليهم ورغم هذا لم يتم اكتشاف حالات فساد لأي منهم ولم يتهمهم أحد بأنهم تقاضوا رشاوي أو كدسوا ثروات من أموال المصريين. وأضاف إسكندر: «أما الآن فالنظام عبارة عن جماعات ومراكز «مافيا» بل والأكثر أنه لا يمكن وصفه علي أنه نظام، بل هو جماعات لها مصالح تقاتل من أجلها، فهم رجال أعمال تحالفوا مع السلطة ومثال ذلك أحمد عز وهشام طلعت مصطفي، كل هؤلاء مراكز مافيا أو مراكز حقيقية تسيطر علي المصريين، وحتي الإعلام فالحكومة تتحكم فيه والقنوات الفضائية الخاصة فتجد أن رجل أعمال له علاقة مع لجنة السياسات أو عضو بها وله علاقات أمنية فتكون هذه مؤهلاته لامتلاك قناة، لذلك فلا يوجد أي وجه للمقارنة بين من سموهم مراكز قوي إبان الثورة وبين مراكز القوي الحقيقية الموجودة الآن. أما أحمد ناصف - أستاذ التاريخ بجامعة طنطا - فقال: «هناك فرق كبير بين مراكز القوي في عهد جمال عبدالناصر وبين الموجودة الآن، فإذا كان هناك مراكز قوي في عهد عبدالناصر فما هي إلا تحالفات تكونت نتيجة للفراغ الكبير الذي تركه عبدالناصر وكانت تعمل لصالح الشعب، وليس لها أي مصالح اقتصادية أما الآن فالعكس تماماً فمراكز القوي ما هي إلا نتيجة التحالف والتزاوج بين السلطة ورأس المال، فالوزراء عبارة عن رجال أعمال ومستثمرين، والاحتكار هو السمة الرئيسية، ولا ينكر أحد أن شخصاً مثل أحمد عز تحول إلي مركز قوي وكذلك رجال الأعمال بالحزب الوطني، حتي المنافسة أصبحت بغرض المصلحة الشخصية ولكن قديماً كان التنافس لصالح الشعب فقط، واختتم ناصف بقوله: «إن مراكز القوي في عهد ثورة يوليو هم «ملائكة رحمة» بالنسبة لمراكز القوي في عهد مبارك.. من جانبه قال أبوالعز الحريري عضو مجلس الشعب السابق: «مراكز القوي في الماضي مصطلح أطلقه السادات علي التحالفات التي قامت ضده، لأنها كانت تري أنه انحرف عن مبادئ الثورة وبدأ يسلك طريقاً آخر وكانوا جميعاً مجموعة من الشرفاء والوطنيين ولم يكونوا فاسدين أو محتكرين. وأضاف الحريري: «قديماً اتهموا مجموعة أشخاص بأنهم مراكز قوي، أما الآن فالنظام كله تحول إلي مراكز قوي يجب القضاء عليها فوراً، لأنها توغلت وأصبحت تشكل خطراً علي مصر كلها، وأنا أتحدي أن يكون هناك شخص في النظام مثقفاً مثل علي صبري أو سامي شرف لأن هذه الجماعات الموجودة الآن تبحث فقط عن مصالحها وكيفية تدعيم نفوذها، أما من سموهم مراكز القوي فكانت تبحث عن مصلحة الوطن وتدعيم نفوذ الثورة.