قطعت الأديبة والمخرجة والعاملة فى مجال الطفل فاطمة المعدول، مشوارًا طويلًا وثريًا، منذ كانت طالبة بالمعهد العالى للفنون المسرحية يملؤها الحماس بالنصر ثم صدمتها بهزيمة 1967، وتقول عن ذلك: (لم نصدق النكسة، كنت رومانسية فى وطنيتى، فلجأت إلى الطفل باعتباره بداية جديدة لتحقيق ما نحلم به، بالصدفة كانت د.لطيفة الزيات مسئولة عن ثقافة الطفل ومن وقتها وعملت فى هذا المجال)، وبعد ما يقرب الستين عامًا من العمل والكتابة فى مجال الطفل، تُتَّوج بحصولها على جائزة الدولة التقديرية الأسبوع الماضى وسط احتفاء كبير من الوسط الثقافى ، وبين العاملين فى مجال الطفل خصوصًا، وهو نفس الاحتفاء الذى شهده إعلان اسمها باعتبارها شخصية معرض كتاب الطفل فى مستهل هذا العام، وتضيف بهذا الشأن: «لم أدفع أثمانًا لنجاحى، ولم يسحقنى أحد، فكنت حنونة على مَن حولى، لذلك حظيت بكل هذا الحب، والجائزة بمثابة رسالة لى فى مرضى وتذكير بما قدمته للطفل المصري». عقود من العمل فى المجال الذى أحبته منذ بداية حياتها العملية، بعد أن أختارت الثقافة الجماهيرية عام 1972 فور تخرجها، ثم تمثيلها مصر فى المجلس العالمى لكتب الأطفال لثلاث دورات، 2004، و2006، و2010، وإخراج العديد من المسرحيات، وكانت أول امرأة مدير عام ثقافة الطفل، وأول امرأة رئيسًا للبيت الفنى للفنون والشعبية والاستعراضية، وكتبت أكثر من 100 كتاب أدبى، ومسرحيات، وسيناريوهات أفلام قصيرة للأطفال فى مراحلهم العمرية المختلفة، وحين سألتها قبل الجائزة عن علاقتها بالكتابة قالت: «الكاتب بطبيعته أنانى لكن الناشط أو الذى يعمل فى مجال الثقافة والفنون، والمخرج الفنان، لابد أن يكون موضوعيًا يهتم بالآخر، أنا فنانة، ونفسيتى نفسية مخرجة ،وناشطة، ومهتمة بفنون وثقافة الطفل»، إلا أن كتابتها للطفل قد شكلت نقلة فى هذا المجال فى الشكل، والمضمون، وهو ما تفصله أكثر فى حوارنا معها عقب حصولها على التقديرية: «أنا جيل مستقل بذاته، بدأت مشوارى مع الكتابة فى التسعينات، وكان أساتذتى يعقوب الشارونى، وعبد التواب يوسف وغيرهما، ولم أعمل معهما، قبل ذلك كنت أعمل فى المسرح منذ السبعينات ورش عمل وفنون، وكتبت عن التسامح، والمشاركة، والمرأة والأجيال، وتبادل الخبرات، والملكية الفكرية، وغيرها من الموضوعات التى لم تكن مطروحة»، امتد تأثير «المعدول» على الكتابة للطفل فى إدارتها لمواقع ثقافية مهمة قدمت من خلالها كُتابًا كبارًا مرموقين، كتبوا لأول مرة للأطفال مثل: محمد المخزنجى، وزين العابدين فؤاد، وجمال بخيت، وشوقى حجاب، وفاروق شوشة، وقدمت أشعار أمل دنقل، وصلاح جاهين للأطفال، بل ود.عماد أبو غازى ود.أحمد مجاهد، قدموا كُتبًا للأطفال تحت إدارتها، كما شجعت شبابًا للكتابة للأطفال، مثل أحمد طوسون، هبة سلام ،هجرة الصاوى، انتصار عبد المنعم، إيمان سند، نجلاء علام، أحمد قرنى، أسماء عمارة، رضا سلام، وآخرين. وأسألها عن تعدد الوسائط الآن، ومنافستها للكتاب، وما تطلع إليه بخصوص كُتب الأطفال، فأجابت: الوسائط الجديدة لا تلغى الكتاب الورقى، فلم يلغ وسيط آخر من قبل، وليس هناك متعة تضاهى قراءة كتاب ورقى، وكتاب الأطفال المصرى تطور، لكن ليس هناك سوق مصرى للكتاب، ما أحلم به وجود القوة الشرائية المصرية التى تضمن استمرار، وتطوير كُتب الأطفال» أحلام «فاطمة» للطفل لا تنتهى، فهى تعتبر قاطرة للعمل الثقافى للطفل، وعملت أول مسرح للمعاقين، وكانت محركًا لنشر إصدارات للطفل بعدد من المؤسسات، ومازالت تحلم للطفل وتسعى الى عمل مساحة للإبداع للطفل مثل مركز الإبداع، وتكمل فكرتها قائلة: ليس الهدف احتراف الطفل للإبداع فى المستقبل، لكن الهدف خلق شخصية سوية، وقادرة على الحب والعطاء، لذلك أرغب فى مركز إبداع للأطفال على غرار مركز الإبداع الذى يديره خالد جلال، ليكون مساحة لتقديم سينما ومسرح وكُتب للأطفال، وسأظل أطالب بذلك»، تحلم أيضًا بأن تكون صناعة الأفلام السينمائية، والعروض المسرحية للطفل أولى من إقامة المهرجانات. عقب الإعلان عن اسمها كشخصية معرض القاهرة لكتاب الطفل، سألتها سؤالًا تقليديًا عن مَن تهديه الجائزة، فأجابت إجابة غير تقليدية، وقالت إنها تهديها لنفسها، أما هذه المرة فقد فكرت قليلًا كأنها تستعرض شريط حياتها قبل أن تعدد كل الشخصيات المؤثرة فى حياتها، وتقول عن بعضهم: «أهديها إلى أبى الذى كان تاجرًا يقرأ ويكتب فقط، ولم يأخذ شهادات، لكنه كان يقرأ لنا الكُتب والمجلات، ويعاملنا_ باحترام_ وكنا نستمع معه إلى الإذاعة، حيث تعرفت على أعمال عظيمة، وأنا طفلة مثل مسلسل ثلاثية نجيب محفوظ قبل أن أقرأها وسمعنا أم كلثوم، وألف ليلة وليلة، وأهديها إلى زوجى المفكر والكاتب الراحل «لينين الرملى» الذى شجعنى على أن أعمل فى مجال الأطفال ووضع قدمى على جوهر الفن، وجوهر الناس، وعلى أساتذتى بالمعهد، مثل فوزى فهمى وآخرين الذين احتضنوا موهبتى، وأنا مازلت شابة، وجهونى للعمل مع الأطفال، وأهديها لمَن عمل معى لأنى محظوظة فى الناس، مثل سعد وهبة الذى شجعنى منذ أول مرة، ويعقوب الشارونى، وحمدى غيث وغيرهم، وأيضًا مَن كتب عنى من كُتاب ونُقاد كبار، مثل سعيد عبد الخالق الذى شجعنى على الكتابة للأطفال، ومدينة لأولادى فى وزارة الثقافة المركز القومى للطفل، وقصر الطفل والمجلس الأعلى للثقافة، وأشكر د.بهى الدين واللجنة التى اختارتنى، ود.أحمد زايد مدير مكتبة الاسكندرية الذى رشحنى للجائزة، ولا علاقة شخصية تجمعنى به».