لن تكون هذه هى المرة الأولى التى ينبغى لنتنياهو أن يهدئ فيها من روعه، وهو فى طريقه لمقابلة باراك أوباما. ففى هذه المرة على الأقل يقف إلى جوار رئيس أمريكى يحظى بشعبية غير مسبوقة ويختلف معه بصورة جذرية بشأن مستقبل الشرق الأوسط. وقد يكون بمقدور نتنياهو الاعتماد على ذكريات مواجهة اتسمت بتوتر مشابه فى عام 1996 عندما كان عليه، بعد يوم فقط من فوزه فى الانتخابات، أن يتودد إلى بيل كلينتون الذى كان بادى الفتور وفعل كل شىء اللهم إلا من الدعاية لخصم نتنياهو. الفتور الرئاسى، إذن، ليس جديدا على رئيس الوزراء الإسرائيلى الجديد القديم. فقد اعتاد التعامل مع الديمقراطيين الذين لا يفضلون كثيرا التعامل معه. وهو يعلم أن مهمته هى تجاهل هذا كله والعمل على إنجاح اجتماعه مع الرئيس أوباما. فلا شىء يعنى زعماء إسرائيل أكثر من علاقتهم بواشنطن. وإذا ما أساءوا التصرف فمن الممكن أن يجدوا أنفسهم خارج المنصب (مثلما حدث مع معلم نتنياهو، إسحاق شامير، عندما تعلم بالتجربة عند تصادمه مع بوش الأب). والناس عادة يميلون إلى انتقاد إسرائيل من حيث المبدأ. لكن الواقع أن هناك صوتا واحدا تنصت إليه إسرائيل باهتمام: ذلك الكائن فى 1600 بنسلفانيا أفنيو (البيت الأبيض). من هنا، فإن فرص النجاح قد لا تكون كبيرة أمام أول قمة بين نتنياهو وأوباما. لكن على الأقل ينبغى أن نعرف بحق كيف يخطط زعيم الليكود لإدارة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى والأهم هو أن نكتشف الشىء نفسه بالنسبة لباراك أوباما. وهناك الكثير من الحديث اللاهث عن «المواجهة» فى واشنطن. وهذا ما لا يتوقع حدوثه. فلا أحد من الجانبين يرغب فى هذا حتى الآن. ولكن نتنياهو رجل علاقات عامة من المهارة بحيث يحرص على ظهور الأمور بصورة جيدة. وسيبذل الصحفيون غاية جهدهم لانتزاع كلمتى «حل الدولتين» من بين شفتيه، نظرا لأنه لم يعترف بهذا حتى الآن. ومن المؤكد أنه سيفوز بمانشيتات كبيرة لو تمتم بالمعادلة السحرية، لكنه من الدهاء بحيث يمكنه أن يراوغ فى الرد عن هذا السؤال. وحتى لو بذل الزعيمان كل جهدهما للمداراة، فمن غير الممكن إنكار أن موقف إسرائيل والولاياتالمتحدة متباعد أكثر من أى وقت سبق خلال السنوات الثمانى الماضية. وبالنسبة للذين كانوا يعتقدون منا بأن جورج بوش كان كارثة على السلام الإسرائيلى الفلسطينى، سيعتبر أى تغيير عن تلك المرحلة أمرا جيدا. ودعونا ننظر فى الخطاب الذى ألقاه جو بايدن، نائب الرئيس، أمام اللوبى المؤيد لإسرائيل «آيباك». فقد استهل الخطاب بمطالبة إسرائيل بالعمل على تحقيق حل الدولتين وعدم إقامة «المزيد من المستوطنات، وإزالة المواقع القائمة، والسماح للفلسطينيين بحرية الحركة». ولن يكون بايدن مسرورا بالوعود وحدها. ف«هذه صفقة «العمل الفعلى» إنها لا تقوم على مجرد الأمنيات بل على العمل الملموس..». أو لنأخذ الكلمة التى تسربت عن مستشار الأمن القومى، جيمس جونز، وهو يعد بأن الإدارة الجديدة ستكون «متشددة» مع إسرائيل. ولاحظ أيضا قلق إسرائيل من إلقاء أوباما خطاب الشهر المقبل يفصل فيه رؤيته للشرق الأوسط من القاهرة وليس من القدس بدون أى وعد بزيارة إسرائيل سواء قبل أو بعد إلقاء الخطاب. وقد لا يعنى هذا الكثير، لكن القيادة العليا فى إسرائيل اعتادت على معاملة مختلفة: ففى سنوات بوش، كان التشاور معها مستمرا. والآن يتلقون رسائل مختلفة كل الاختلاف. وقد أبلغنى أحد كبار مسئولى الإدارة، وهو يتذكر قرار بوش فى 2001 بتجميد الموضوع برمته، بأن «الاهتمام الذى نعطيه للسلام فى الشرق الأوسط يشهد تغييرا حقيقيا». ويضيف: «فالتحدث مع الطرفين على قدم المساواة يعد تغييرا». ويؤمن أوباما بحق، وقبل أى شىء، بأن الدعم الحقيقى لإسرائيل لا يكون ببيانات التأييد المكررة. ويقول ذلك المسئول، مشيرا إلى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى: «إن جانبا من مساعدة إسرائيل يتمثل فى حل هذه المشكلة المستعصية». وكل هذا يدل على الإصرار على التخلص من آثار عهد بوش. لكن البعض فى إسرائيل يرى فى هذه التحركات مجرد تنويعات على نفس اللحن، وهم على ثقة من أن موقف الولاياتالمتحدة الأصيل لن يتغير. لكن علينا أن نتحلى بالحذر، فهذا الصراع لن يحل ببساطة بانتهاج طريقة بوش القديمة بمهارة أكبر. ولا ينبغى أن يكون أوباما هو أوباما من الخارج وبوش من الداخل. فطريقة التعامل ومنهج التفكير يجب أن يتغيرا وبصورة جذرية. ولنبدأ بفرضية بوش بأن السلام يمكن أن يتحقق بحكم فتح للضفة الغربية وحدها، واعتبار غزة وحماس كأن لا وجود لهما. بالتأكيد هذه الطريقة محكوم عليها بالفشل: إذ يجب إقامة السلام بالشعب الفلسطينى ككل، وليس بنصفه. وقد دفعت الإدارة السابقة بهمة باتجاه الانقسام بين فتح وحماس، مفضلة الأولى ورافضة القبول بحكومة وحدة فلسطينية. وعلى إدارة أوباما كذلك تفادى الوقوع فى ذلك الشرك. كما أن إدارة بوش لم تعر أدنى اهتمام لمبادرة السلام العربية التاريخية، التى بمقتضاها يقيم العالم العربى ككل علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967. وبالعكس، رحب مبعوث أوباما للشرق الأوسط، جورج ميتشل، بالخطة التى أعلنها الملك عبدالله عاهل الأردن التى قال إنها ستشكل جوهر رؤية أوباما. والميزة الكبيرة لهذه الطريقة هى أنها ستقلل من حدة الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، وتجعله يتضاءل أمام الفوز بسلام إقليمى أوسع. بل يمكن لإسرائيل التوصل إلى اتفاق مع حماس، التى ستكون مجرد واحدة من 57 دولة عربية أو مسلمة ستتصالح مع إسرائيل. والأهم، أن هذا سيعد ابتعادا مطلوبا عن المحادثات الثنائية العقيمة، التى لا تنتهى، بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والتى شكلت قوام عملية أنابوليس الفاشلة التى اتفق عليها فى عهد بوش. ويحذر المحلل الإسرائيلى دانييل ليفى، المقيم بالولاياتالمتحدة، من أن «مشكلة المحادثات الثنائية لم تكن فى غياب الدول العربية وإنما فى غياب الولاياتالمتحدة». وأكبر تغيير يمكن لأوباما أن يحدثه هو إسهام الولاياتالمتحدة بطريقة مباشرة ونشطة فى صنع السلام. ويعنى هذا أكثر من مجرد ترؤس المحادثات. بل إنه من الممكن تبديد مخاوف إسرائيل الأمنية بالوعد بقوة عسكرية تقودها الولاياتالمتحدة لمراقبة المناطق التى تجلو عنها: على غرار قوات الأممالمتحدة فى تيمور الشرقية. وهو ما يقودنا إلى التسوية. لقد دلل بوش الإسرائيليين، وسمح بزيادة الكتل الاستيطانية. وكانت الإدارات السابقة تسعى إلى تجميد الاستيطان لكنها كانت تسمح ب«النمو الطبيعى». وفتح هذا ببساطة الباب لمفاوضات لا تنتهى مع إسرائيل حول التعريف المحدد للنمو، ومناقشة وضع وحدات سكنية بعينها. إنه طريق مسدود. وعلى أوباما أن يطلب ببساطة إنهاء أشكال التوسع الاستيطانى كافة وأن يرفض الدخول فى جدل لا جدوى منه. ولن يكون نتنياهو راغبا فى الحديث عن أى شىء هذا الأسبوع. وسيفضل التركيز على إيران وبرنامجها النووى. وعلى أوباما أن يراعى تلك المخاوف الإسرائيلية، وهى مخاوف حقيقية. لكن عليه أيضا أن يصر على عدم رهن السلام الإسرائيلى الفلسطينى بالمسألة الإيرانية. فيجب متابعة الاثنين فى الوقت نفسه. والحقيقة أن أوباما، لو نجح فى إحراز أى تقدم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فسيفوز بدعم عربى وإسلامى أوسع لكبح جماح إيران. إن أوباما يتمتع برصيد سياسى عالمى كبير. ولديه اليوم فرصة أكبر من معظم سابقيه لو أنه أبدى عزما قويا على تجنب الوقوع فى نفس أخطائهم. Guardian news Service