فى مواجهة إيران، وقف الرئيس الفرنسى نيكولا ساركوزى كتفا بكتف إلى جانب الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطانى جوردن براون فى بتسبيرج الأسبوع الماضى. أو هكذا يمكن أن يقال على الأقل. كانت بيانات القادة الثلاثة منسجمة تماما فى شجبهم لقيام الجمهورية الإسلامية ببناء مرفق نووى سرى. غير أنه فى عرض التضامن المسرحى هذا، فإن لغة الجسد حملت رسالة مختلفة. فقد كان أوباما وبراون واقفين حقا جنبا إلى جنب. أما ساركوزى فقد كان يقف بعيدا عنهما، وبدا عليه وكأنه طُلب منه أن يكون الرجل الأفضل فى حفل عرس رجل غريب. منذ أن أصبح ساركوزى رئيسا فى صيف 2007، فإنه كان متقدما على موقف الولاياتالمتحدة فى قضايا عدة تتراوح بين القراصنة الصوماليين وإيران ومجموعة ال20، إلى قضية تعويض أصحاب السيارات القديمة المفرطة فى استهلاك الوقود لمساعدتهم على شراء سيارات أحدث وأكثر ترشيدا فى استعمال الوقود وقضية الضريبة على انبعاثات الكربون و«أفغنة» حرب أفغانستان والتعايش مع عدوانية روسيا وفتح الباب للسلام مع سوريا. أسلوبه يتمثل فى أن يكون فى كل مكان فى الحال وفى الأوقات جميعها فهو الرئيس الزائد النشاط كما تصفه الصحافة الفرنسية وفى هذا أيضا يبدو أوباما وكأنه يتبع خطاه. ولكنه ليس كذلك فى الواقع. بل حقيقة الأمر أن العلاقات بين الرجلين لم تكن مثالية بأى معيار كما لم تكن فعالة دائما. ومن غير الواضح أحيانا ما إذا كان أوباما يلاحظ نظيره المفرط النشاط. وهو ما يفسر هوس هذا الرجل الباريسى بأوباما. قليلون هم الناس من خارج فرنسا ممن يتوقعون من قائد الدولة صاحبة الاقتصاد الخامس الأكبر فى العالم أن يحدد الوتيرة العالمية بالنسبة إلى القضايا الرئيسية. ولكن ساركوزى، الذى يُشار إليه أحيانا بالأمريكى فى وطنه، غالبا ما حاول فعل ذلك. فى عهده أصبحت شراكة باريس مع واشنطن، بطرق عدة، العلاقة الثنائية الأكثر دينامكية فى التحالف الأطلسى، وعلاقة تساعد فى وضع الأجندة العالمية. وكما أوضحت خطاباتهما فى الأممالمتحدة وقمة ال20 الأسبوع الماضى، فإنه وأوباما قائدان ملتزمان بالعمل الدولى ويحتفظان بتصور متشابه للنظام الاقتصاد العالمى الجديد، الأكثر عدلا وتنظيما. ولكن وهذا هو جزء من المشكلة كل منهما أيضا يتوقع أن يكون فى موقع القيادة فى أى مبادرة: أوباما لأنه رئيس الولاياتالمتحدة وساركوزى لأنه طموح جدا. السؤال الذى يطارد ساركوزى هو ما إذا كان هناك أحد ينظر إليه على أنه جزء من فريق يقود العالم، وما إذا كان هذا الفريق سيصل يوما إلى تحقيق كامل قدراته الكامنة. شخصيتا الرئيسان المختلفتان جدا يمكنهما أن تصطدما: أوباما المبتسم دائما، إنما النائى بنفسه بعيدا، يعامل ساركوزى على أنه واحد من كثيرين لا يساوونه فى الأهمية فى أوروبا، فيما ساركوزى، الذى يربت على كتف من يلتقيهم دائما، يحب وصف الرئيس الأمريكى بأنه «صديقه الحميم»، مع أنه لم يتمكن من حمل أوباما على مبادلته ذلك القول. إن عقدة ساركوزى من أوباما باتت الآن موضع تكهن دائم فى وسائل الإعلام فى فرنسا، ويمكن أن تصبح مشكلة حقيقية إن لم تقم إدارة أوباما بمجهود أكبر لفهمها. ففى الأسبوع الماضى، تجرأ مقدم برنامج المقابلات التليفزيونية ديفيد بوجاداس أن يسأل ساركوزى مباشرة عما إذا كانت هناك «منافسة على القيادة» بينه وبين أوباما. ساركوزى أصر على أن «ليست هناك منافسة» من دون أن يحاول إخفاء غيظه من السؤال. وأضاف: «أنا أعرف مكانى. إننى أترأس دولة كبيرة ولكنه يترأس القوة الاقتصادية الأولى فى العالم. وإذ استشهد بالتاريخ الذى غالبا ما يُنسى من «روابط الصداقة» بين البلدين، أعلن ساركوزى «أن لدينا مصلحة فى أن ينجح أوباما». ولكنه بدا عليه عدم الارتياح لقوله إنه لن يتردد فى أن يختلف مع أوباما حول بعض القضايا مثل التجارة مشيرا إلى جهوده لإتمام صفقة مربحة من مبيعات الطائرات الفرنسية المقاتلة للبرازيل. وفى حين أن الأنباء ذكرت أن أوباما مارس الضغوط هاتفيا على الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا من أجل إقناعه بشراء طائرة إف 18 التى تصنعها الشركة الأمريكية «بوينج»، فإن ساركوزى زار برازيليا شخصيا لإتمام (أو لسرقة، كما يقول البعض) هذه الصفقة لحساب الطائرة الفرنسية الأوروبية رافيل. واضح أن هذا ليس هو نوع الشراكة التضامنية التى تمتعت بها رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر مع الرئيس رونالد ريجان. ولكن الواضح أيضا أن ساركوزى يتمنى لو كانت كذلك. ولا غرابة فى ذلك. المشكلة ليست أيديولوجية. فساركوزى وأوباما قائدان واقعيان متجهان نحو المركز البراجماتى فى الكثير من القضايا العالمية. قد يختلفان بشأن قضايا محددة، مثل تحديد المكافآت الممنوحة لكبار المسئولين فى المؤسسات المالية، ولكنهما يتفقان على القضايا الأساسية، مثل الحاجة إلى إنشاء نظام تنظيمى مالى عالمى أفضل. الرجلان خاضا حملتيهما الانتخابيتين على شعارات تقوم على الابتعاد بصورة حاسمة عن الماضى. وبعد انتخابهما، بدا أن الاثنين حاولا تغيير كل الأشياء فورا. فساركوزى دفع باتجاه إعادة التفكير بصورة جذرية فى السياسات البيئية لفرنسا، وهكذا فعل أوباما. ووضع ساركوزى برنامجا ناجحا جدا لشراء السيارات القديمة ومنح تعويضات لمشترى السيارات الأكثر حداثة واقتصادا فى استعمال الوقود، وهكذا فعل أوباما. ووضع ساركوزى الشرق الأوسط فى مركز مبادرات سياسته الخارجية، إذ فتح الأبواب أمام سوريا وركز على برنامج إيران النووى. وهكذا فعل أوباما. الفرق الوحيد هو أن ساركوزى فعل كل ذلك حتى قبل أن يؤدى أوباما اليمين الدستورية رئيسا. ساركوزى، الاستعراضى دائما، كان كذلك أكثر صراحة حيال إستراتيجية يمكن أن يبدو على أساسها أنه مهووس. ففى يناير 2008، حين كان قد أمضى ثمانية أشهر فى منصب الرئاسة (وقد فعل أوباما ذلك الآن أيضا) وكان يواجه الانتقادات بأنه يحاول القيام بعدد أكبر من اللازم من المشاريع وإنجاز عدد أقل من اللازم منها، قال للصحفيين: «لا يمكن للمرء أن يأمل فى الحصول على النتائج إلا إذا قام بتغيير كل الأمور مرة واحدة». وقال إن عملا عدا ذلك يعنى السماح للقوى المعارضة للتغيير أن تتجمع ضدك، بعدها يتوقف كل شىء. وأعلن: «على الفرنسيين أن يعرفوا هذا: إن لدى ولعا بالعمل وأريد أن أعمل». لكن أوباما بالمقابل، لا يستعمل كلمة أنا بل إن الأمر دائما بالنسبة له هو ما هو العملى. مثل هذا الاختلاف فى الأسلوب يجازف بأن يكون له تأثير إضافى على الجوهر. خذ أفغانستان مثلا. فى عهد ساركوزى انضمت فرنسا مرة أخرى إلى هيكلية القيادة المندمجة لحلف شمال الأطلسى (ناتو) هذا العام، واستجابت لمناشدات إدارة بوش بالدفع بالمزيد من القوات من الدول الحليفة إلى أفغانستان برفع عدد الوحدة الفرنسية المشاركة إلى نحو 3.000. ولكن الطريقة التى يلفت فيها ساركوزى الأنظار إلى هذه التغييرات فى العلن مرة تلو الأخرى تشير إلى أنه يشعر أنه لم يحصل على ما يكفى من تقدير عليها. وفى حين أن أوباما يريد المزيد من حلفائه، فإن ساركوزى الذى يشعر بالمرارة وبأنه لم يحصل على التقدير الكافى قد يغرى بأن لا يتعاون مع الرئيس الأمريكى. مثل هذه الخلافات قد يكون من السهل التغلب عليها لو كان الزعيمان يتشاطران الثقة الكاملة التى يصفها الفرنسيون بالتضامن الكامل. ولكنهما لا يفعلان ذلك. الرئيس الأمريكى هو زعيم شديد المراس، ولكنه ليس متشددا بما يكفى بالنسبة إلى الرئيس الفرنسى. ساركوزى تمكن من احتواء أو تدمير كل المعارضة له. (فقد تمكن حتى من جرجرة أشد منافسيه الديجوليين مرارة، رئيس الوزراء السابق دومينيك دوفيلبان، إلى المحكمة بتهمة شن الأخير حملة تشهير ضده). إن عجز أوباما عن القيام بعمل مشابه وتدمير معارضيه من أجل الدفع قدما بأجندته يبدو أنه يثير غضب ساركوزى. وقال ساركوزى فى إحدى المقابلات الأسبوع الماضى إن أوباما «رجل شجاع» وهو «يفهم ما هو على المحك»، ولكنه «يسير أمام بلاده». ويقال إن ساركوزى أبلغ فى الربيع الماضى مجموعة من أعضاء البرلمان الذين دعوا إلى حفل غداء فى الإليزيه أن أوباما «لم يكن على رأس وزارة واحدة فى حياته» وإنه «ليس دائما مستعدا لاتخاذ القرار ومتسما بالفعالية». يا للخسارة إذن إن الرجلين ليسا أقرب إلى أحدهما الآخر مما هو الواقع. لأنه حين تنجح الشراكة بينهما، فإنها تعود بنتائج بارزة، إذ إن ساركوزى يستطيع استقطاب لا الموارد فقط لفرنسا، بل موارد أوروبا معها. المثال الجيد على ذلك هو الصومال. ففى الشتاء الماضى حاولت أساطيل عدة متعددة الجنسيات مواجهة التهديد المتنامى ضد الناقلات البحرية الدولية الذى مثله القراصنة الصوماليون فى منطقة القرن الأفريقى. وأثبت الناتو عدم فعاليته فى ذلك، وهو ما كان حال قوة دولية عملت الولاياتالمتحدة على جمعها معا انطلاقا من البحرين. قادة البوارج الحربية أثبتوا أنهم مترددون فى إطلاق النار على القراصنة، وبدا أنهم غير متأكدين مما ينبغى عليهم فعله معهم لو ألقوا القبض عليهم. وواصل القراصنة الممتشقون لبنادق الكلاشينكوف رفع مستوى التحدى. وعليه قام ساركوزى بالعمل مع الاتحاد الأوروبى لتشكيل قوة أكثر جرأة وكذلك توصل إلى اتفاق مع كينيا لكى تسمح بنقل القراصنة الذين يلقى القبض عليهم إليها لمحاكمتهم. وحين سيطر القراصنة على الشاحنة مارسك ألاباما الأمريكية الطاقم وأخذوا قبطانها رهينة فى أبريل الماضى، اتبعت البحرية الأمريكية حينئذ ما كانت سابقة رسخها الفرنسيون. فقد أبقت على القراصنة بعيدين فى عرض البحر وحين بدا مختطفو الرهائن بوضوح لقناصة البحرية الأمريكية، ضغط هؤلاء على الزناد، ما أدى إلى قتل الصوماليين وتحرر الرهائن. وقال مسئول أمريكى يعمل عن كثب مع فرنسا بشأن الناتو وقضايا ذات علاقة ولكنه غير مخول بالحديث عنها علانية: «صارت الأمور الآن تسير بصورة سلسة جدا. إن ساركوزى هو قائد نشط نستطيع العمل معه». والأكثر من ذلك، فإن المقصود من الكلام هو أنه ليس شخصا تريده أن يكون يعمل ضدك. Newsweek