تستعد أوروبا حاليا لاستقبال أكثر الساسة شعبية فى القارة. ففى أبريل، سيذهب باراك أوباما للقاء أنصاره ما وراء الأطلنطى، أولا لحضور القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين فى لندن، وبعدها قمة الناتو فى ستراسبورج. حتى ذلك الحين، فإن «فى انتظار باراك» يصلح ليكون اسما لمسرحية جديدة، فى ظل تطلع أوروبا بقلق نحو واشنطن طلبا لحلول لمشكلات العالم المستعصية على الحل: تجميد الأنشطة المصرفية، وانكماش فرص العمل، وشرق أوسط بلا حل فى الأفق، وسباق إيرانى للتسلح النووى، والمستنقع الأفغانى، وروسيا التى تتعامل مع الاتحاد الأوروبى بأسلوب فرق تسد. لكن أوباما هو أول رئيس أمريكى منذ عقود تنقصه الخبرة والمعرفة بأوروبا. فسلفه كان أبوه من أطلسى الساحل الشرقى، بينما كان كلينتون باحثا بأوكسفورد ويعرف أوروبا معرفته لأصابع يده. على أن أحدا لا يعرف ما الذى يمكن أن تطلبه أوروبا من أوباما ولا ما يمكن أن يقدمه. لكن هناك شيئا واحدا واضح. فبدلا من اتباع نهج أوروبى موحد، هناك خليط من الشكاوى المتفرقة. ومنذ وقوع الأزمة الاقتصادية الخريف الماضى، تعقد قمة أوروبية كل ثلاثة أسابيع تقريبا. وعلى غرار كونجرس فيينا، الذى اجتمع ليقرر مصير أوروبا فى 1814، فإن قادة الاتحاد الأوروبى اليوم يجيدون تسجيل النقاط بدلا من تبنى سياسة مشتركة. فنيكولا ساركوزى على سبيل المثال، وفى لقاء تليفزيونى أعد على عجل بعد المظاهرات الضخمة الغاضبة من الرئيس الفائق النشاط، شن هجوما عنيفا على إدارة جوردن براون الاقتصادية، ولم يلتفت إلى أن كبار الاقتصاديين الفرنسيين تبنوا بالفعل حوافز براون المالية أو أنه فعل ذلك من أجل إنهاء البرود، الذى شاب العلاقة بين تونى بلير وجاك شيراك، وقد تصدر هجوم ساركوزى على براون الصحف فى بريطانيا، وأظهر عودة الخلاف البريطانى الفرنسى حول القضايا الاقتصادية. وانزعج براون بالفعل من الانتقادات العلنية لخطة الإنعاش المالى من جانب وزيرى مالية ألمانيا وهولندا، اللذين ينتميان ليسار الوسط. لذلك كانت لحظة فارقة تماما عندما أظهرت التنبؤات الأوروبية ألمانيا، وهى تواجه انكماشا أكبر من إجمالى الناتج المحلى من التى يواجهها بريطانيا. وسرعان ما خرجت ردود الفعل من 10 داوننج ستريت لتشحن التعليقات الصحفية المعادية لألمانيا، مثيرتا الشقاق فى صفوف الاتحاد الأوروبى. والمعارضة ليست أفضل حالا. فقد أعلن حزب المحافظين البريطانى، الذى تتصاعد حظوظه فى استطلاعات الرأى، عزمه قطع علاقاته بكل الأحزاب اليمينية الشقيقة فى أوروبا، وهى صفعة على وجه ساركوزى، وميركل، وبيرلسكونى ورؤساء الوزارات المنتمين ليمين الوسط. فبدلا من توحيد الجهود، يتدافع زعماء القارة فوق بعضهم البعض للقاء أوباما. وعندما انتُخب ساركوزى، روجت جوقته أنه كان أول زعيم أوروبى يستمتع بثلاثين دقيقة مع الرئيس التنفيذى الجديد للولايات المتحدة. والآن، يستمتع براون بكونه أول زعيم أوروبى يتوجه إلى واشنطن للقاء أوباما وإلقاء كلمة أمام لجنة مشتركة من الكونجرس، لكن فى حين يعلن أوباما عن نشر 17 ألف جندى إضافى فى أفغانستان، يرفض الأوروبيون إرسال المزيد من القوات. هذا فى حين ينهج الفرنسيون سياستهم المعتادة فى أفريقيا. وتتبنى ألمانيا سياسة شرقية جديدة، توافق على معظم الطلبات الروسية. وتركيا تنتظر، بينما الساسة الأوربيون المصابون بالإسلام وفوبيا يهاجمون المسلمين ودينهم. إن أوروبا لم تكن يوما على هذا الحال من الخلاف، والتفرق بشأن القضايا الاقتصادية والأمنية والسياسة الخارجية. مسكين أوباما. وقد أخذ بال200 ألف ألمانى وبتصفيقهم الحاد عندما خطب فى برلين الصيف الماضى، كما لو كان المرشح «برلينيا» جديدا، كما سبق وأعلن جون فيتزجيرالد كيندى يوما فى برلينالغربية. ويدعى كل سياسى أوروبى، سواء من اليسار أو اليمين، إنه أوباما المحلى، و«نعم، نحن قادرون» هو الشعار الدائم على ألسنة الساسة الأوروبيين. إن انتظار باراك لا يكفى. فبعد 1945، جمع ونستون تشرشل الجماهير حول الدعوة إلى الولايات الأوروبية المتحدة، وقاد ويلى برانت العالم بسياسات تحث على الوفاق، وأقام جاك دلورس السوق الأوروبية الواحدة ذات التوجه الاجتماعى، وأسهم فى التوصل إلى العملة الموحدة (اليورو). ويجرى قادة أوروبا اليوم وراء استطلاعات الرأى، تقودهم التقلصات العاطفية القومية بدلا من أن يجتهدوا لوضع رؤية جديدة. فلماذا كُتب على أوباما التصدى لمشكلات أوروبا الصعبة فى حين أن القادة الأوروبيين لا يفكرون فى إعادة صياغة قارتهم؟