الصورة الأولى ليست بعيدة عن التخيل إلى هذا الحد، ببساطة أثناء سيرك فى الشارع يقوم التليفون المحمول الذكى بتنبيهك إلى ميعاد مهم سيحين وقته بعد فترة كافية للحاق به، ثم عن طريق البحث فى سجلات البحوث السابقة التى أجريتها يقوم بمعرفة تفضيلاتك المختلفة، وعن طريق البحث الآلى فى مواقع المحال على الإنترنت ينبهك إلى وجود محل قريب فى طريقك لديه البدلة التى تبحث عنها كثيرا ولم تجدها بعد، وقبل أن تهم بالدخول إلى المحل للشراء يصدر التليفون المحمول صوتا مزعجا لينبهك إلى وجود صديقتك القديمة فى الكوفى شوب المجاور للمحل عن طريق تقنية تحديد المواقع الجغرافية، لتتخذ القرار الصائب وتكمل طريقك إلى الموعد فى صمت مستعوضا الله فى البدلة! هذه هى الصورة الأولى التى تحدث عنها إريك شميدت الرئيس التنفيذى لشركة جوجل فيما يتعلق بتوقعاته للمستقبل القريب فى ظل الثورة التكنولوجية التى تتصاعد بشكل جارف فى العقدين الأخيرين، حيث قال شميدت إن مستخدمى التقنيات الحديثة فى المستقبل لن يشعروا بالوحدة على الإطلاق، وذلك نتيجة للتطور المستمر للتليفونات المحمولة الذكية ووسائل الاتصال بالإنترنت وتقنية الحوسبة السحابية الآخذة فى الانتشار بقوة مؤخرا، حيث سيجد المستخدمون بعض أصدقائهم على الإنترنت بشكل دائم، وهو ما يحدث حاليا بالفعل، وإن كان التواصل المكانى بين الأطراف المختلفة هو الدافع الأكبر للتغلب على الشعور بالوحدة وليس التواصل عن طريق التقنيات الحديثة كما يرجح علماء النفس حاليا. أما الصورة الثانية التى وصفها شميدت فهى صورة السيارات التى تستطيع القيادة بشكل آلى واحترافى فى نفس الوقت، حيث قال شميدت أن اختراع السيارات قبل اختراع أجهزة الكمبيوتر يعتبر غلطة تاريخية كبيرة! وأضاف: «إنه من المذهل بالنسبة لى أننا نسمح للبشر بقيادة السيارات»! فحسبما يرى شميدت يجب أن تقوم السيارات بقيادة نفسها بشكل آلى للوصول من مكان إلى آخر، فى حين يجلس البشر للقيام بأى شىء يتوجب عليهم أو يريدون القيام به أثناء الوصول إلى وجهتهم، فقيادة البشر للسيارات مضيعة كبيرة للوقت كما يرى شميدت، وإن كان لا أحد يعرف على وجه التحديد هل ستقل أم ستزيد نسبة الحوادث فى حالة غياب العامل البشرى عن قيادة السيارة، وبالتأكيد لن يكون هذا الانتقال إلى القيادة الآلية بشكل كلى متاحا أو معقولا حتى فى شوارع القاهرة فى المستقبل القريب كما يتوقع شميدت. وبالنسبة للسيارات التى تقود نفسها بشكل آلى دون تحكم بشرى فيها، فقد أعلنت جوجل بالفعل منذ يومين عن أول تجربة لاختبار القيادة الآلية للسيارات دون تدخل من البشر، حيث نشرت الشركة فى مدونتها الرسمية على الإنترنت إعلانا عن نجاح أول تجربة للسيارات التى تستطيع قيادة نفسها، واستطاعت السيارة تمضية أكثر من 140 ألف ميل على الطريق دون أى تحكم بشرى فيها، وحسبما أعلنت جوجل على المدونة بالسيارة الآلية التى تمت تجربتها تستخدم ضمن تقنياتها الأساسية كاميرات الفيديو، ومجسات الرادار، مع الاستفادة من أشعة الليزر لتحديد المسافات، بالإضافة إلى الخرائط التفصيلية التى تقوم جوجل بجمعها وتنقيحها بشكل مستمر، وكل هذه المعلومات يتم ربطها والاستفادة منها عن طريق مشغل آلى بداخل مراكز البيانات الخاصة بجوجل. وكانت آخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية WHO قد قدرت عدد الأشخاص الذين يفقدون حياتهم نتيجة لحوادث الطرق ب 1.2 مليون شخص فى كل سنة، وهو الرقم الذى تأمل جوجل فى أن تساعد التقنية الجديدة للسيارات التى تستطيع قيادة نفسها بشكل آلى إلى خفضه إلى النصف تقريبا، ولحرص الشركة على السلامة أولا، فقد أوصت جوجل بضرورة وجود قائد خبير دائما خلف عجلة القيادة فى السيارات الجديدة بشكل دائم، يستطيع أن يغير نمط القيادة من النمط الآلى إلى النمط اليدوى فى لحظات معدودة، وذلك للتغلب على أى عطل قد يحدث فى نظام الملاحة الآلى للسيارات الجديدة. وتأتى هذه التوقعات أو الأمانى من إريك شميدت فى نفس الأسبوع الذى صدر فيه تقرير من مجموعة من الباحثين فى شركة إنتل ومؤسسات أخرى، وأفاد التقرير أن نسبة بين 20% و30% من التطبيقات التى يتم تطويرها للعمل على نظام التشغيل أندرويد مفتوح المصدر الذى تقدمه جوجل تقوم بجمع وإرسال المعلومات الخاصة عن المستخدمين بشكل سرى لشركات الإعلانات ولمطورى البرامج التكميلية، وتشمل هذه المعلومات أرقام تليفونات الأصدقاء، والرقم الكودى للشريحة، ومكان وجود التليفون المحمول، وغير ذلك من المعلومات والبيانات التى من المفترض أن تكون خاصة بالمستخدم. فى عالم المستقبل الذى يراه شميدت فسوف توجد العديد من البرامج والتطبيقات التى تقوم بما حدده التقرير السابق بشكل مستمر، وفى الوقت المعاصر مازالت أدوات تحكم المستخدمين فى مثل هذه النوعيات من سرقة البيانات ونقلها بشكل سرى إلى جهات خارجية مازالت بدائية إلى أقصى حد، وإذا استمرت أدوات تحكم المستخدمين وسيطرتهم على هذه التطبيقات بشكلها البدائى الحالى فقد يتحقق المستقبل بشكل أسرع مما نظن، على الأقل فيما يتعلق بموضوع التليفونات المحمولة الذكية التى تستطيع التنبؤ بحاجات مستخدميها قبل السيارات التى تقود نفسها بشكل آلى!