وزير الأوقاف: نصطف خلف رمزنا الجليل فضيلة الأمام الأكبر شيخ الأزهر    جداول الترم الثاني «أبناؤنا في الخارج» لجميع الصفوف    وزير التعليم العالي يُكرّم سامح حسين: الفن الهادف يصنع جيلًا واعيًا    وزير الخارجية يشارك في افتتاح المؤتمر العاشر لمنظمة المرأة العربية    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    سعر الدولار اليوم يتراجع في 10 بنوك بنهاية تعاملات الاثنين    وزير الاتصالات يغادر إلى طوكيو للمشاركة في فعاليات مؤتمر "سوشي تك"    «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» يشارك في معرض أبو ظبي للكتاب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 75 مليار جنيه وسعر الفائدة يصل إلي 26.62%    منتدى الأعمال العُماني الروسي يوقع اتفاقيات تعزيز فرص التعاون التجاري والاستثماري    بن غفير: المساعدة الوحيدة التي يجب أن تدخل إلى غزة هي الهجرة الطوعية    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    وزيرا خارجية قطر والعراق يبحثان سبل تعزيز العلاقات الثنائية    مؤتمر إنزاجي: لاوتارو لم يتدرب مع الفريق.. وأخطاء الذهاب كلفتنا 3 أهداف    مصدر من اتحاد الكرة يكشف ل في الجول موقف الأهلي من قيد صفقاته قبل مونديال الأندية    أشرف نصار: اسم طارق مصطفى ارتبط بالزمالك منذ تواجده في البنك.. ومعنديش لاعب استخرج تأشيرة أمريكا    تطورات مفاوضات الزمالك لضم المغربي كريم البركاوي    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    فريق ملاكمة الناشئين بأسيوط يحصد فضيتين وبرونزيتين في بطولة الجمهورية بالإسكندرية    مراجعات نهائية لطلاب الشهادة الإعدادية بتعليم الوادي الجديد قبل الامتحانات    الأرصاد الجوية : ارتفاع فى درجات الحرارة وشبورة صباحا والعظمى بالقاهرة 32 درجة غدا    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    كأنه هو، أحد تلاميذ الطبلاوي يحاكيه في ذكرى رحيله الخامسة بمدفنه (فيديو وصور)    أفضل الخروجات لموعد غرامي.. هذه الأبراج تفضل الأماكن المفتوحة    الشارقة القرائي للطفل يشهد تكريم الفائزين في مسابقة فارس الشعر 2025    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    مدير التأمين الصحي بالقليوبية توجه بالمتابعة وتطبيق المعايير بشكل صحيح لتحسين بيئة العمل    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    "الغرف التجارية": إصلاحات الدولة تحفز تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم عدة قرى وبلدات جنوب مدينة نابلس    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    كارول سماحة تقيم عزاء ثانيا لزوجها وليد مصطفى فى لبنان الخميس المقبل    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    جامعة بنها تحصد المراكز الأولى فى مهرجان إبداع -صور    مدرب نيوكاسل: لن ننتظر الهدايا في صراع التأهل لدوري الأبطال    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    «الصحة» تنظم دورات تدريبية للتعامل مع التغييرات المناخية وعلاج الدرن    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    "دينية النواب" تناقش تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    محمود ناجي حكما لمواجهة الزمالك والبنك الأهلي في الدوري    مروراً بالمحافظات.. جدول مواعيد قطارات الإسكندرية - القاهرة اليوم الاثنين 5 مايو 2025    مصرع طالبة صعقًا بالكهرباء أثناء غسل الملابس بمنزلها في بسوهاج    ترامب يدرس تعيين ستيفن ميلر مستشارا للأمن القومي    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    بكام الشعير والأبيض؟.. أسعار الأرز اليوم الإثنين 5 مايو 2025 في أسواق الشرقية    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الشروق) تنشر حوار الرئيس مبارك مع مجلة القوات المسلحة بمناسبة ذكرى أكتوبر
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 10 - 2010

تمر السنوات وتثبت أن نصر أكتوبر المجيد لم يكن نصرًا عاديًّا، وأن حرب أكتوبر لم تكن حربًا من أجل الحرب، ولكنها كانت حربًا من أجل السلام، غيرت الخريطة السياسية للمنطقة والعالم، وبدّلت الفكر التقليديّ في نظم التسليح والقيادة والسيطرة، وطوّرت الإستراتيجيات العسكرية على مستوى العالم، وأكدت تأثير منطقة الشرق الأوسط على أوضاع السلم والأمن الدوليين.. بما لذلك من انعكاسات على التوجهات السياسية والإستراتيجية للقوى الدولية الكبرى والقوى الإقليمية بالمنطقة.
وعندما نسترجع ذكرى أكتوبر، ونتعمق في نتائجها، ونستشرف المستقبل الذي يتحقق في أعقابها.. متمثلا في المشروع الحضاري المصري القائم حاليًّا، فليس لنا من سبيل إلا أن نعزز الوعي بقيمة هذا النصر، ونتوجه إلى مَن فتح الطريق إليه من خلال أول ضربة جوية استباقية في تاريخ العسكرية المصرية. نتوجه إلى قائدنا محمد حسني مبارك.. الذي شارك -بعد النصر- الرئيس محمد أنور السادات في تحمل مسؤولية إعادة بناء مصر وصنع السلام، ثم تولى المسؤولية كاملة في إحدى أهم المراحل التي مرت بها مصر، وكما كان عبور أكتوبر من الهزيمة إلى النصر، كان العبور العظيم الذي قاده الرئيس محمد حسني مبارك -منذ أكتوبر 1981- من أجل الاستقرار والتنمية وبناء مصر الحديثة، وهي المرحلة التي نعيش فيها الآن، وننطلق منها وبها إلى مستقبل أفضل لكي تشغل مصر مكانتها اللائقة بها في القرن الحادي والعشرين.
واليوم، وكما تعودنا، تتشرف جريدة القوات المسلحة بلقاء السيد الرئيس محمد حسني مبارك، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، في حديث من القلب، يختص به الجريدة في ذكرى النصر، ويضع من خلاله النقاط فوق الحروف حول بعض القضايا التي تشغل أبناء القوات المسلحة، وشعب مصر الذي أنجبهم وينتمون إليه.
* سيادة الرئيس.. كلّ عام وسيادتكم بخير بمناسبة احتفال مصر وقواتها المسلحة بالعيد السابع والثلاثين لنصر أكتوبر المجيد.. هذا النصر الذي رفع هامات الشعب المصري وأثبت أن العسكرية المصرية -صاحبة الجذور الضاربة في التاريخ- لا تقبل المساس بأمن مصر أو انتقاص حبة رمل من أرضها.
سيادة الرئيس.. ماذا يمثل هذا الاحتفال لسيادتكم.. وهل حقق نصر أكتوبر أهدافه كاملة؟
- كلّ عام ورجال قواتنا المسلحة وشعب مصر بخير.. احتفالنا بنصر أكتوبر هو احتفال بيوم مجيد في تاريخنا.. استعاد العزة والكرامة لمصر.. الدولة والشعب.. واستعاد للعسكرية المصرية العريقة مجدها وشرفها العسكري.. واسترد سيناء لسيادة الوطن بعد سنوات الاحتلال.
أما عن ما يمثله لي الاحتفال بذكرى النصر.. فيكفي أن أقول لك إن أسعد لحظات حياتي كانت عندما تلقيت تقارير نجاح الضربة الجوية يوم 6 أكتوبر.. فقد أدركت ساعتها أن الطريق أصبح مفتوحًا أمام أبطال القوات المسلحة للعبور من الهزيمة إلى النصر.
إحساس الشعب بحجم نصر أكتوبر وعظمته جاء في حجم الصدمة من هزيمة عام 1967 وفداحتها وتداعياتها.. كما جاء النصر ليعكس الجهد الضخم الذي تم لإعادة بناء قواتنا المسلحة.. تخطيطًا وتدريبًا وعتادًا.. والخبرات والدروس المستفادة التي اكتسبها المقاتل المصري خلال حرب الاستنزاف.. فدخل حرب أكتوبر مؤمنًا بالنصر أو الشهادة.
احتفالنا بذكرى النصر يأتي تخليدًا لأرواح الشهداء، وتكريمًا لكل من شارك في ملحمة أكتوبر من أبناء القوات المسلحة، ولجيل عظيم من شعب مصر وقف إلى جانبهم وقدم العديد من التضحيات من أجل تحرير الأرض واستعادة العزة والكرامة.. وفضلا عن ذلك.. فإن الاحتفال بذكرى النصر يضع أمام أجيالنا الجديدة هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الوطن.. لسنوات الهزيمة والنصر.. لكي لا ننسى.. ولكي تظل مصدر إلهامٍ لشعبنا في بناء مستقبل الوطن. علينا أن نستعيد (روح أكتوبر) ونحن نجتهد لصنع المستقبل الأفضل.. وعلينا أن نؤمن بأن أي إنجاز نحققه هو انتصار للإرادة المصرية ولأبناء الوطن.. فالقوة العسكرية -رغم أهميتها- لا بد أن تصاحبها قوة الاقتصاد والبحث العلمي والثقافة.. بما يحقق في النهاية القوة الشاملة للدولة.
أما عن التساؤل عن ما إذا كان نصر أكتوبر قد حقق أهدافه كافة؟ فيكفي أنه استعاد لمصر أرض سيناء، وفتح الطريق إلى السلام ولتوجيه مواردنا للتنمية ولخير شعبنا بعد سلسلة من الحروب استنزفت ثروات مصر ومواردها.. خرجنا منها ببنية أساسية متهالكة؛ أعدنا بناءها وحققنا انجازات عديدة بقطاعات الإنتاج والخدمات كافة. إنجازات أتاحت لنا استيعاب زيادة سكانية تقترب من الضعف.. بين تعداد شعبنا عندما رُفِعَ علمُ مصر فوق سيناء.. وبين تعدادنا اليوم.
* سيادةَ الرئيس.. مع ذكر سيادتكم لعملية السلام كاستثمار رئيسي لنصر أكتوبر العظيم، وتحمل مصر مسؤوليتها كاملة في ذلك، واتصالا بكل الأطراف، والسعي لإقناع الجميع بأهمية السلام، سواء كاستثمار لنتائج الحرب، أو من أجل مستقبل أفضل للمنطقة.
سيادة الرئيس.. تبدو جهود سيادتكم واضحة، سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي، وقد تحملتم مسؤوليات عظيمة من منطلق أن مصر هي الراعية الرئيسية للسلام في المنطقة، وشاركتم في اجتماع واشنطن لإطلاق المفاوضات المباشرة التي استقبلت مصر جولتها الثانية يوم 14 سبتمبر الماضي في شرم الشيخ، وبذلتم الجهد لتقريب وجهات النظر ما بين الأطراف.. فما هي رؤية سيادتكم لعملية السلام برمتها، وهل ستحقق المفاوضات المباشرة أهدافها في إقامة الدولة الفلسطينية؟
- نعم.. مصر فتحت الطريق للسلام في الشرق الأوسط.. ولم تدخر جهدًا -خلال الأعوام الماضية- لدفع مسيرتها وإقالتها من عثراتها. نحن نؤمن بالسلام العادل والشامل والدائم كشرط ضروري لتحقيق الأمن والاستقرار لدول وشعوب المنطقة كافة.. والسلام لن يتحقق إلاّ بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية. القضية الفلسطينية هي جوهر النزاع العربي الإسرائيلي ومفتاح تسويته.. وتحقيق تقدم، وصولا لاتفاق سلام على المسار الفلسطيني، يفتح الطريق أمام تحقيق تقدم مماثل واتفاقات مماثلة على المسارين السوري واللبناني.
مواقفنا معروفة.. وما نقوله في العلن هو ما نقوله داخل الأبواب المغلقة.. نتمسك بثوابت الموقف الفلسطيني والعربي.. ونحن مع السلام العادل الذي يعيد الحقوق لأصحابها.. على نحو ما تضمنته مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام 2002.
لقد بذلتُ جهودًا كبيرة لتهيئة الأجواء لإطلاق المفاوضات المباشرة في واشنطن.. وطرحتُ رؤية مصر بقوة ووضوح في كلمتي بالبيت الأبيض.. كما عاودت طرحها خلال استضافة الجولة الثانية من المفاوضات في شرم الشيخ. من غير المعقول أن تنطلق المفاوضات ثم تتوقف بسبب استئناف بناء المستوطنات.. فالنشاط الاستيطاني يلتهم الأراضي المحتلة على نحو ينال من أهم مقومات الدولة الفلسطينية المستقلة.. وهو الأرض.
نواصل اتصالاتنا مع الجانب الإسرائيلي والولايات المتحدة وأوروبا لإنقاذ عملية السلام.. وزيارتي السريعة لألمانيا وإيطاليا جاءت في هذا السياق، وقبل أيام معدودة من انتهاء مهلة تجميد الاستيطان اتصل بي رئيس الوزراء الإسرائيلي مرتين في محاولة لإيجاد مخرج من المأزق الراهن.. وقلت له: إن استئناف بناء المستوطنات يعرقل المفاوضات ويقوض عملية السلام. أبو مازن طلب اجتماع لجنة المتابعة العربية بالقاهرة يوم 4 أكتوبر.. وأتطلع إلى مواقف إيجابية ومسؤولة من إسرائيل تنقذ مفاوضات السلام.
عملية السلام لا تحتمل فشلا جديدًا.. وأحذر -فيما أقوم به من اتصالات- من تصاعد العنف والإرهاب في المنطقة وعلى اتساع العالم؛ إذا انهارت المفاوضات.
* سيادة الرئيس.. الوضع في الشرق الأوسط يحتاج إلى وقفة لمحاولة الفهم، فالمحللون يشيرون إلى تراجع قوى إقليمية، وبروز قوى أخرى، والبعض يشير إلى اختلال التوازن الإقليمي لصالح الدول غير العربية التي تسعى إلى توسيع نفوذها من أجل فرض هيمنتها على المنطقة على حساب القوى العربية ذاتها. كما ظهرت خلال المرحلة الأخيرة تحالفات ومحاور واستقطابات تخل بالأمن القومي العربي، وأدت إلى تدخل القوى العالمية في تسيير أمور المنطقة. كل ذلك يدفعنا -سيادة الرئيس- إلى محاولة فهم ما حولنا، وأثره على أمن مصر القومي.
- الشرق الأوسط يتمتع بأهمية جيوستراتيجية فائقة لأسباب عديدة.. هكذا كان دائمًا.. وسوف يظل لدى هذه المنطقة البترول والغاز والممرات البحرية لإمدادات الطاقة عبر خليج (هرمز) و(باب المندب) و(قناة السويس).. كما أن المنطقة تمثل نقطة التقاء آسيا وأفريقيا مع أوروبا ومنطقة القوقاز.
نحن في مصر نعي كل ذلك تمامًا.. ونعي ارتباطه بأمن مصر القومي بمفهومه الشامل.. وفي صلته بأمن الخليج، وأمن البحر الأحمر والقرن الأفريقي، والأمن الأورومتوسطي والأوروأطلنطي.. وندير تحركاتنا وعلاقاتنا الخارجية بما يحفظ أمن الوطن، ويحقق المصالح المصرية على دوائره ومحاوره كافة. نتعامل بمنطق الصداقة والصراحة مع الجميع.. بما في ذلك القوى الكبرى.. وعندما اختلفنا مع مفهوم (الشرق الأوسط الكبير) الذي طرحته الإدارة الأمريكية السابقة.. أعلنّا موقفنا بقوة ووضوح.
الدور المصري الإقليمي سيظل دورًا أساسيًّا لاعتبارات عديدة.. وبحكم التاريخ والجغرافيا والمكانة. مصر تمارس دورها كقوة اعتدال.. بدون صخب أو ضجيج.. وكالتزام قومي تجاه أمتها وهويتها ومنطقتها العربية.. وأيضًا كمتطلب من متطلبات الأمن القومي المصري.. فمصلحة مصر وأمنها يقتضيان العمل من أجل سلام وأمن واستقرار هذه المنطقة الصعبة والحساسة.
نحن في مصر نرحب بأي إسهام يعزز استقرار الشرق الأوسط. إيران دولة إقليمية هامة وعضو بمنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز.. ويمكنها أن تصبح جزءًا من حل أزمات الشرق الأوسط بدلا من أن تكون أحد أسباب مشكلاته. مصر لم تبادر بقطع علاقاتها مع إيران.. وإنما كانت إيران المبادرة إلى ذلك بعد توجه الرئيس السادات إلى السلام.. لا يزالون في طهران يطالبون مصر بإلغاء اتفاق (كامب دافيد).. في حين أنه لا يعدو أن يكون (اتفاق إطار) انتهى عندما تمت بلورته في معاهدة سلام نحرص عليها ونلتزم بها.. ما دامت إسرائيل تبادلنا حرصًا بحرص، والتزامًا بالتزام. استقبلت خلال الأعوام الماضية العديد من كبار المسؤولين في إيران.. الرئيس خاتمي عندما كان في موقع الرئاسة، وبعد أن غادره.. والدكتور علي لاريجاني عندما كان مسؤولا عن الملف النووي الإيراني، والسيد علي ناطق نوري كبير مستشاري المرشد الأعلى، والسيد حداد عادل الرئيس السابق
للبرلمان، وغيرهم.. والملفات المطروحة تتجاوز مجرد اسم الشارع والجدارية في طهران التي تمجد قاتل الرئيس السادات، وإنما في ملفات أخرى بعضها له طابع أمنى، والبعض الآخر يتصل بسياسات إيران المناهضة للسلام والحاضنة لقوى التطرف.
المشكلة الآن هي أن تصاعد المواجهة حول برنامج إيران النووي يجر المنطقة بأكملها إلى حافة الهاوية. إيران لها الحق في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية مثلنا ومثل جميع أطراف معاهدة منع الانتشار.. وأتطلع مخلصًا إلى أن تستمر إيران في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي.. لتثبت الطابع السلمي لبرنامجها النووي.. ولتجنب شعبها وشعوب المنطقة تداعيات كارثية نحن جميعا في غنى عنها.. فالشرق الأوسط ليس في حاجة للأسلحة النووية، سواء جاءت من إسرائيل أو من إيران.. فهذا يفتح الباب أمام سباق للتسلح النووي في المنطقة.. بكل ما يحمله ذلك من مخاطر وتبعات.
أما بالنسبة إلى تركيا، فإنها تمثل هي الأخرى دولة إقليمية هامة بالشرق الأوسط.. تربطنا بها علاقات متميزة تشهد تشاورًا مستمرًّا على المستوى السياسي.. وتعاونًا مضطردًا في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة.. والزيارة الأخيرة للرئيس عبد الله جول.. ومشاركته في حفل تخرج الدفعة الأخيرة للكلية الحربية.. خير شاهد على ذلك.
يحلو لبعض الدوائر الغربية أحيانًا أن تصور تركيا وكأنها تتباعد عن الغرب وتتجه للاصطفاف مع الراديكاليين في العالمين العربي والإسلامي. كما يحلو للبعض في منطقتنا أن يحاول الإيحاء بتنافس الدورين المصري والتركي في الشرق الأوسط.. خاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية بوجه عام، والوضع في (غزه) بوجه خاص.. وأنا لا أتفق مع هذا الطرح أو ذاك.. فتركيا عضو هام في حلف شمال الأطلنطي.. وتسعى لاستكمال مقومات انضمامها للاتحاد الأوروبي.. بل وتربطها بإسرائيل علاقات وطيدة للتعاون بالمجالات كافة، بما في ذلك التعاون العسكري. صحيح أن العلاقات فيما بينهما تضررت بالاعتداء الإسرائيلي على (قافلة الحرية).. إلاّ أن كلا الجانبين يسعيان لاحتواء هذا الضرر.
الدوران المصري والتركي يتكاملان ولا يتنافسان.. فتركيا تتجه لاستعادة عمقها الجنوبي بالمزيد من الاهتمام بقضايا العالمين العربي والإسلامي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.. ولأن هذا الاهتمام حديث العهد نسبيًّا، فإن الأمر يقتضي توضيح بعض خلفيات المواقف وتعقيداتها للأصدقاء في تركيا.. وهو ما يتم من خلال التشاور المستمر فيما بيننا.
* سيادة الرئيس.. تتعدد الأخطار المؤثرة على الأمن القومي العربي، والتي تترك آثارًا على أمن مصر القومي، فهناك مشكلات خطيرة في السودان وفي الصومال، وهناك أزمات في لبنان وفي العراق، وهناك أخطار تتعرض لها دول الخليج، كما كان هناك أزمة بين مصر والجزائر، هذا إلى جانب ما يحدث في فلسطين.
سيادة الرئيس.. يدعونا ذلك إلى الاستماع إلى رؤية سيادتكم لمسار ومستقبل تلك الأزمات وأثرها على الأمن القومي المصري.
- أزمات المنطقة ليست جديدة عليها.. فنحن نعيش في منطقة صعبة.. والمهم أن نتعامل مع هذه الأزمات بما يحفظ الأمن القومي المصري والعربي.
السودان الشقيق يمر بمرحلة دقيقة في تاريخه مع اقتراب موعد الاستفتاء يناير المقبل وفق اتفاق السلام الشامل الموقّع في (نيفاشا) يناير العام الماضي. ولقد بذلت مصر قصارى الجهد مع الأشقاء في الخرطوم وحكومة الجنوب ليصبح خيار الوحدة جاذبًا، وليس الانفصال.. وإنني أتطلع مخلصًا إلى أن تأتي نتيجة الاستفتاء -أيًّا كانت- محققة لصالح كل أبناء السودان.. بعيدًا عن أي مظاهر للعنف أو المواجهة. أما الوضع في (دارفور) فإنه يشهد تحسنًا مضطردًا؛ آمل أن يتواصل تحقيقًا لسلام أبناء الإقليم وأبناء السودان كافة.
أما الصومال.. فإنه لا يزال نهبا لعدم الاستقرار.. ولا يزال أبناؤه تتنازعهم الخلافات والانقسامات.. مع ضآلة قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي.. وعزوف الأمم المتحدة عن نشر قوة تابعة لها.. أو قوة مهجنة مع الاتحاد الأفريقي على نحو ما تم في دارفور.. ومن المؤسف حقًّا أن نرى هذا البلد العربي والأفريقي الشقيق معرضًا -طوال هذه السنوات- للعنف وغياب الأمن والاستقرار بما يهدد وحدته وسلامته الإقليمية بالنظر للوضع القائم في (بونت لاند) و(صومالى لاند).
وبالنسبة إلى لبنان.. هناك سُحُبٌ تتجمع في سمائه خلال الأشهر القليلة الماضية.. ندعو الله أن يقي الشعب اللبناني الشقيق عواقبها وشرورها. الحركة على الساحة اللبنانية الآن تدور حول القرار الظني المتوقع للمحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري.. ومصير الوفاق اللبناني وتعايش كل طوائفه وأبنائه لا يصح أن يصبح رهينة لهذا القرار الظني.. أيًّا كان محتواه.
أما العراق.. فالأمل معقود على توافق أبنائه على تشكيل حكومة متسعة القاعدة.. تمثل قواه وأطيافه السياسية كافة.. تعكس نتائج الانتخابات التشريعية بدون تهميش لأحد.. تحفظ هوية العراق العربية.. وتستكمل العملية السياسية واستعادة الهدوء والاستقرار.. بعيدًا عن الطائفية.
وحول الأخطار التي تتعرض لها منطقة الخليج.. فمصر على اقتناع راسخ بارتباط أمنها القومي بأمن الخليج.. وتربطها بدوله العربية علاقات تشاور وتنسيق مستمر.
وبالنسبة إلى فلسطين.. فقضية شعبها هي الشغل الشاغل.. ومصر تتحرك على مسارين، أولهما: هو ضمان استمرار وإنجاح مفاوضات السلام ودعم المفاوض الفلسطيني.. والثاني: هو إنهاء الانقسام الراهن بما يتيح رفع الحصار المضروب على (غزه) وإنهاء معاناة أهاليها.. وبما يوحد الصف الفلسطيني.. ليتحدثوا بصوت واحد دفاعًا عن قضيتهم وحقوقهم المشروعة.
أما عن علاقات مصر والجزائر.. فهي علاقات بين إخوة أشقاء.. لا ينال منها حدث عارض مهما يكن.. خاصة إذا تعلق بمباريات رياضية المفترض أن تقرب بين الشعوب.. وليس العكس. هذا ما قلته لأخي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عندما التقيته في (نيس) خلال قمة فرنسا/ أفريقيا شهر مايو الماضي، وعندما زرته بالجزائر شهر يوليو اللاحق.. وقد بادلنا الرئيس بوتفليقة هذا الاقتناع والمشاعر نفسها.. فهو صديق عزيز تمتد صداقتي به لسنوات عديدة مضت.
* سيادة الرئيس.. عودة إلى الموقف الدولي، وفعالية الدور المصري في محيطنا الإقليمي والنظام العالمي، قمت -سيادتكم- خلال هذا العام، بالعديد من الزيارات الخارجية، كما استقبلتم العديد من زعماء العالم والعديد من كبار المسؤولين العرب والأجانب، اسمح لي -سيادة الرئيس- بفتح ملف العلاقات المصرية الدولية.
- عن الدور المصري.. يكفي أن أقول إن مصر تتولى حاليًّا الرئاسة المشتركة للاتحاد من أجل المتوسط مع فرنسا، ورئاسة (حركة عدم الانحياز) منذ العام الماضي ولثلاث سنوات.. وسوف تستضيف قمة دول (منظمة المؤتمر الإسلامي) شهر مارس المقبل، وتتولى رئاستها لثلاث سنوات. تربطنا علاقات صداقة وتعاون مع القوى الكبرى والتجمعات الاقتصادية الرئيسية كافة.. ونجحنا في إبرام العديد من اتفاقات التجارة الحرة لتفتح أمام صادراتنا أسواقًا جديدة بمزايا تفضيلية.. وآخرها مع تجمع (الميركسور) لدول أمريكا اللاتينية.
أضع لزياراتي الخارجية دائمًا أهدافًا محددة.. سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي.. وأسعى إلى تحقيق مصالح لمصر وشعبها.. أينما كانت.. ولطرح مواقفنا من قضايا وأزمات منطقتنا العربية.
* سيادة الرئيس.. تصاعدت في بداية هذا العام أزمة مياه النيل، ووصلت إلى ذروتها عندما وقّعت خمس دول من دول المنبع -بصورة منفردة- الاتفاق الإطاري لدول الحوض، والذي اعترضت عليه مصر والسودان، في حين امتنعت دولتان من دول الحوض عن التوقيع عليه.
سيادة الرئيس.. هل يمكن لنا فتح هذا الملف كي يطمئن شعب مصر تجاه هذه الأزمة التي لعب فيها الإعلام دورًا كبيرًا لتصويرها بأنها تمسُّ بأمن مصر القومي؟
- هذا صحيح.. الإعلام على كلا الجانبين ساهم في تضخيم هذا الموضوع.. الإعلام لدينا تناول الأمر وكأن مياه النيل في سبيلها للتوقف عن التدفق إلى مصر.. والإعلام في دول المنبع تعامل مع الموضوع وكأن مصر تريد حرمانهم من مياه النهر.. ومن حقهم في تنمية بلادهم.
لدينا اتصالات لا تنقطع مع دول الحوض.. سواء من قام بتوقيع الاتفاق الإطاري في إثيوبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا، أو من امتنع عن التوقيع في بوروندي والكونغو الديمقراطي. وتتواصل هذه الاتصالات، سواء من خلال رسائلي لقادة تلك الدول، أو من خلال إيفاد الوزراء المصريين إلى عواصمهم.. ونقوم بهذه الاتصالات بالتنسيق المستمر مع الإخوة في السودان.
عندما طرحت مبادرة حوض النيل.. كنت -ولا أزال- على اقتناع بأن مياه النيل يجب أن تكون مجالا للتعاون والتنمية المشتركة.. وليس محلا للتنافس أو الخلاف. مياه النهر تكفي وتزيد عن حاجة دول الحوض.. إذا ما أُحسِنَ استخدامُها بتطوير إدارتها وتقليل الفاقد منها.. ونحن في مصر نعزز علاقات التجارة والاستثمار مع دول الحوض.. ونتمنى لهم المزيد من النمو والتقدم.. ولا نعارض أي مشروعات لتوليد الكهرباء.. ما دامت لم تؤثر على حصة مصر من المياه.
وعلى أية حال.. فإنني على ثقة بأنه عندما يحين الوقت لتناول الأمر على مستوى القيادات السياسية، فسوف يتم حسمه على نحو يحقق مصالح الجميع.. فعلاقتي بهم جميعًا أكثر من ممتازة.. وتقوم على الصداقة والاحترام المتبادل.. والاقتناع بالمصالح المشتركة بين مصر ودولهم.
* سيادة الرئيس.. كما ذكرتم، فإن نصر أكتوبر فتح الطريق للتركيز على التنمية.. ولقد حققتم لمصر إنجازات عديدة في البنية الأساسية وشتى قطاعات الإنتاج والخدمات.. وفي مجال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. هل لنا أن نفتح هذا الملف بشيء من التفصيل؟
- مصر تغيرت كثيرًا منذ حرب أكتوبر ومنذ تحملي المسؤولية.. التحدي الأول كان إعادة بناء مرافق البنية الأساسية المتهالكة، ومواجهة قوى الإرهاب والتطرف.. وقد نجحنا في مواجهة كلا التحديين. مضينا في توسيع البنية الأساسية الجاذبة للاستثمار.. من الطرق وخطوط التليفونات وشبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وغيرها، ومضينا في إقامة المجتمعات العمرانية والمدن الصناعية الجديدة وتطوير خدمات التعليم والرعاية الصحية والنقل والمواصلات والإسكان.. وحققنا في هذه المجالات وغيرها إنجازات عديدة غيرت وجه الحياة على أرض مصر.
نجحنا في ذلك رغم الزيادة السكانية الضخمة التي تلتهم -أولا بأول- قدرًا كبيرًا من ثمار ما يتحقق من إنجازات، وتلقي بضغوط متزايدة على مواردنا.. ويكفي أن أشير هنا لارتفاع قيمة إجمالي الدعم من (2) مليار جنيه عام 1981 إلى ما يزيد عن (مائة) مليار جنيه حاليًّا.. بكل ما يعنيه ذلك من ضغوط على موارد الدولة والموازنة العامة.
وأنا أتابع -أولا بأول- تنفيذ البرنامج الذي خضت به الانتخابات عام 2005، وشددت في اجتماعي بمجلس الوزراء -بكامل هيئته شهر أغسطس الماضي- على ضرورة استكماله خلال العام المتبقي من إطاره الزمني المحدد.
وبالنسبة إلى الإصلاح.. فالتعديلات الدستورية عامي 2005 و2007 فتحت أمام حياتنا السياسية والحزبية أبوابًا جديدة.. وأنا حريص على أن تأتي الانتخابات المقبلة لمجلس الشعب حرة ونزيهة، وأدعو الأحزاب للتقدم بأفضل ما لديها من المرشحين، كما أدعو اللجنة العليا للانتخابات لممارسة صلاحياتها بأقصى قدر من المسؤولية والفعالية.
أما الإصلاح الاقتصادي، فقد صحح اختلالات عديدة دامت عقودًا.. وأصبح معها اقتصادنا أكثر قوة وأكثر قدرة على مواجهة الأزمات العالمية بإمكاناته الذاتية.. على نحو ما حدث خلال أزمة الغذاء العالمي عام 2008 والأزمة المالية والاقتصادية العالمية العام اللاحق لها. والأكثر أهمية من ذلك.. أن مصر أصبحت بين أكثر الدول الجاذبة للاستثمار في الشرق الأوسط وأفريقيا.. بما حققته من تطوير في بنيتها الأساسية وبنيتها التشريعية.. وبما حازته من مصداقية. المصداقية هنا عامل أساسي وضروري.. وإن فقدتها إحدى الدول لسبب أو آخر، فإن الأمر يستغرق سنوات لاستعادة ثقة المستثمرين.. والاستثمارات تعني مشروعات جديدة والمزيد من الصادرات وفرص العمل وفتح أبواب الرزق والعيش الكريم لأبنائنا.
الإصلاح الاجتماعي يمثل لي أولوية قصوى.. فالنمو الاقتصادي لا بد وأن يصاحبه توسيع لقاعدة العدل الاجتماعي لتصل ثمار النمو والتنمية لكل شرائح المجتمع والمحافظات كافة.. ولكي تقف الدولة إلى جانب الفقراء والبسطاء وسكان القرى الأكثر فقرًا والعشوائيات. والتشريعات التي اعتمدتها الدورة البرلمانية الماضية بشأن تطوير قانون الضمان الاجتماعي، وقانون التأمين والمعاشات، خطوة في الاتجاه الصحيح.
* سيادة الرئيس.. أنتم تقودون مسيرة الوطن منذ نحو ثلاثين عامًا.. وعشتم سنوات الحرب والسلام.. كيف تستشرفون مصر ومنطقتها.. بعد عشرة أو ثلاثين عامًا من الآن؟
- نعم.. لقد عشت سنوات الحرب بآلامها وضراوتها.. وعشت مراحل عملية السلام منذ بدايتها.. وأعلم تمامًا أن السلام يصنعه قادة يمتلكون الشجاعة والرؤية الواضحة للمستقبل.. يؤمنون بأن السلام يحقق مصالح شعوبهم.. ويستطيعون اتخاذ القرارات الصعبة التي تحقق هذه الرؤية وهذه المصالح.
أقول ذلك لأن مستقبل منطقة الشرق الأوسط الذي أستشرفه يرتبط بتحقق أو غياب السلام.. فهو المفتاح لأمن وتنمية دول وشعوب المنطقة.. والعكس بالعكس.
إنني آمل ألاّّ نترك للأجيال القادمة تركة ثقيلة من النزاع وعدم الاستقرار.. وأتطلع لأن نترك لمن يأتون بعدنا منطقة أكثر استقرارا وأمنًا وسلامًا.. ونحن في مصر معنيون بذلك تمامًا.. فمن الصعب أن تنعم بالهدوء والاستقرار والحياة الآمنة، والنيران تشتعل في بيت جارك.. والسلام والأمن كُلٌّ لا يتجزأ.. فإما أن تصبح المنطقة ساحة للتعايش والتعاون، وإما أن تظل مسرحًا للصراع والعنف والإرهاب.
أما عن مصر.. فإنني أستشرفها دولة قوية آمنة.. ومجتمعًا متطورًا متماسكًا.. أكثر رسوخًا في ديمقراطيته.. وأكثر قوة في اقتصاده ومؤسساته وجيشه. هذا ما أراه لمصر ومستقبلها.. فقد وضعنا أقدامنا على الطريق الصحيح.. وقطعنا عليه شوطًا كبيرًا.. لكنني أرى مصر -أكثر ما أراها- دولة مدنية حديثة.. ترعى الاعتدال.. وتواصل دورها باعتبارها رمانة الميزان في منطقتها.
* سيادة الرئيس.. اسمح لنا –سيادتكم- أن ننتقل إلى الجزء الأخير من الحديث، والذي تركناه لنختتم به هذا اللقاء الذي نعتز به ونعتبره وسامًا على صدر جريدة القوات المسلحة نفتخر به كل عام.. ألا وهو القوات المسلحة التي تتحمل المسؤولية الأولى في الدفاع عن أمن مصر القومي.. ورؤية سيادتكم لقدرتها على إحداث التوازن في المنطقة، وعلى درء أي تهديدات مستقبلية؟
- إنني -كرئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة- أثق ثقة كاملة في أبنائي القادة والضباط والصف والجنود.. وفي قدرتهم على الاضطلاع بما يكلفون به من مهام.. بأقصى قدر من المسؤولية.. وبأعلى مستوى من كفاءة الأداء.
أبناء قواتنا المسلحة يعلمون مدى اعتزازي بهم وبمؤسستنا العسكرية العريقة.. فقد قضيت عمرًا بين صفوفها.. وخضت معاركها وحروبها.. وهي الصرح الذي تعلمت فيه قيم الولاء والانتماء للوطن ورايته.. وتعلمت فيه أسس الإدارة والقيادة والانضباط منذ التحاقي بالكلية الحربية عام 1947.
أعلم ما يعيشونه من حياة خشنة، وما يقدمونه من تضحيات.. ولا ينسى شعب مصر أن نصر أكتوبر تحقق ببسالتهم ودمائهم وأرواح شهدائهم.. وبما بذلوه من جهود شاقة لسنوات استعدادًا لحرب التحرير.. فحققوا انتصارًا عظيمًا أدى إلى تغيير جذري في العلوم العسكرية، ونظم التسليح والقيادة والسيطرة على مستوى العالم.
أقول -بكل الثقة- إن قدرات وإمكانيات قواتنا المسلحة أفضل -بمراحل- الآن عما كانت عليه عندما حققنا نصر أكتوبر عام 1973.. وهى أكثر قوة -تسليحًا وتدريبًا وعتادًا- بما يواكب التطور الهائل الذي شهدته جيوش العالم خلال السبعة وثلاثين عامًا الماضية.
هذه الثقة لا تأتي من فراغ.. وإنما ألمسها في متابعتي المستمرة لأوضاع وإمكانيات قواتنا المسلحة.. وأنا حريص على توفير احتياجاتها من التسليح والمعدات وكل ما يلزم للارتقاء المتواصل بقدراتها واستعدادها القتالي، وأتلقى تقارير عما تجريه من تدريبات ومناورات، وعن مشاركة أبنائها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي حازوا خلالها ثقة المنظمة الدولية لما لقواتنا المسلحة من خبرات منذ عملية الكونغو عام 1960، ولما يتمتع به أبناؤها من كفاءة وانضباط.
مرة أخرى.. أعبّر عن تقديري وثقتي الكاملة في قواتنا المسلحة.. فهم درع الوطن.. وحماة السلام.. وسند أمتنا.. ودورهم في حرب تحرير الكويت لا يزال ماثلا في ذاكرة مصر ومنطقتنا العربية.. كما أن إسهامهم في بعض المشروعات الهامة للبنية الأساسية يدعم جهود التنمية، ويحظى بتقدير الشعب.
* سيادة الرئيس.. في ختام اللقاء التاريخي، ما هي الرسالة التي تود -سيادتكم- توجيهها لأبناء القوات المسلحة وشعب مصر بمناسبة احتفالنا بذكرى الانتصار العظيم في أكتوبر 1973؟
- أقول لأبناء قواتنا المسلحة: إنكم أبناء هذا الشعب العظيم.. ونصر أكتوبر قد فتح الطريق إلى السلام.. لكن السلام في حاجة مستمرة لمن يحميه.. فلتكونوا دائمًا على أهبة الاستعداد للدفاع عنه.. وللذود عن أرض مصر وسيادتها ضد أي عدوان أو تهديد.
وأقول لأبناء الشعب: إن نصر أكتوبر قد برهن على المعدن الحقيقي للمصريين.. وسيظل دليلا على أصالتهم وصلابتهم وقوة عزيمتهم وقدرتهم على صنع المستحيل. لتكن ذكرى النصر زادًا نستلهم منه كل ذلك عامًا بعد عام.. ولتكن (روح أكتوبر) حافزًا لنا جميعًا.. في سعينا للحاضر والمستقبل الأفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.