خبير عسكري: مصر تمتلك أوراق ضغط دولية لم تستخدمها بشأن سد النهضة    وزير البترول: الغاز الإسرائيلي أرخص من "سفن التغييز" والصفقة تجارية بحتة    المؤتمرات الدولية.. ركيزة الحوار البناء والشراكات الاقتصادية بين الدول    إعلام الاحتلال: الجيش ينهي عملية نزع السلاح من غزة داخل الخط الأصفر    وزير خارجية روسيا: ناقشنا مع الشركاء إصلاح مجلس الأمن وتعزيز ميثاق الأمم المتحدة    حماس تؤكد التزامها باتفاق غزة وتبحث مع الاستخبارات التركية ترتيبات المرحلة الثانية    مجلس القضاء الأعلى العراقي: لا يمكن تأجيل أو تمديد جلسة انتخاب الرئاسات الثلاث    أمريكا: اختفاء 16 ملفا على الأقل من ملفات قضية إبستين من الموقع الإلكتروني لوزارة العدل    اتحاد الكرة: حسام حسن وعدنا بلقب أمم إفريقيا.. وفينجر رشح مدير فني لتعيينه    ينافس الأهلي والزمالك، بيراميدز يسعى لخطف حامد حمدان ويعرض 50 مليون جنيه    مجاهد: تقسيم القارة ل 4 مناطق لدوري الأمم الإفريقية.. وسبب إلغاء بطولة المحليين    إيدي هاو يثني على ثنائية فولتمان أمام تشيلسي ويؤكد: أفضل مباراة له    قبل كأس الأمم الإفريقية.. تامر أمين لجماهير الكرة المصرية: الدعم ثم الدعم حتى نهاية البطولة    وزارة الداخلية تنفذ أكثر من 60 ألف حكم قضائي في حملات أمنية مكثفة    أخبار مصر اليوم: أسعار السلع المخفضة بأسواق اليوم الواحد، تدعيم أسطول النقل بالشركات التابعة للقابضة ب529 أتوبيسا.. غدا الأحد غرة شهر رجب، الأرصاد تحذر من انخفاض درجات الحرارة فى الصباح الباكر    الصيام تطوعا في رجب وشعبان دون غيرهما.. الإفتاء توضح التفاصيل    9 عادات يومية تعيق بناء العضلات    برنامج «دولة التلاوة» يكرم الشيخ المقرئ أحمد نعينع    إيمي سمير غانم تمازح الجمهور: «لو حسن الرداد اتجوز عليّا ده حقه»    تامر حسنى يقدم ميدلى من أغانى العندليب الأسمر فى حفل عابدين    مقتل 5 متهمين بترويج المخدرات بعد ساعتين من تبادل إطلاق النار مع الأمن في أسوان    وزير البترول: فاتورة استيراد المواد البترولية ترتفع في الصيف ل 2 مليار دولار    أسماء ضحايا ومصابي حادث تصادم تريلا وموتوسكلين بقنا    مصرع طالبه جامعية أسفل عجلات قطار المنوفية    إعلام عبرى: إسرائيل تدرس إقامة سجن أمنى جديد محاط بالتماسيح بطلب من بن غفير    مجدي مرشد نائب رئيس حزب المؤتمر ل"صوت الأمة": التدخل الرئاسي أنقذ الانتخابات.. ولا يوجد أي غبار على مجلس النواب الجديد    المصل واللقاح: انتشار الفيروسات التنفسية طبيعي في الخريف والشتاء.. و65% من الإصابات إنفلونزا    وزير خارجية بوتسوانا: المنتدى الروسي - الأفريقي منصة مهمة لتحديد أولويات التعاون    6 أعراض مبكرة للإصابة ب الذئبة الحمراء    محمد صبحي يكشف كواليس لقائه بأم كلثوم: «غنّت لي وحدي وأهدتني 50 جنيهًا»    تحسين حياة المواطن بالأقصر تتصدر اهتمامات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة    سوريا.. إحباط تهريب مسيّرات ومتفجرات إلى قسد والسويداء وداعش    زعم أن أخاه يسيء معاملته.. تفاصيل واقعة إشعال شقيق ناصر البرنس النيران في نفسه بالشيخ زايد    أمين مجمع البحوث الإسلامية يحاضر علماء ماليزيا حول ضوابط الإيمان والكفر    النائب العام يوافق على رفع اسم علاء عبد الفتاح من قوائم الممنوعين من السفر    خلال 10 أيام.. التفتيش على 3605 منشآت يعمل بها أكثر من 49 ألف عامل    أهالى البلد اتبرعوا بسيارة هدية فوزه بالمركز الأول عالميا فى حفظ القرآن.. فيديو    رئيس جامعة بنها يحيل طبيبين بالمستشفى الجامعى للتحقيق    النبراوي أول نقيب مهندسين مصري يتقلد رئاسة اتحاد المهندسين العرب    وزير التعليم العالي يشهد حفل تخريج أول دفعة من خريجي جامعة المنصورة الجديدة الأهلية    أمن الجيزة يلقي القبض على "راقص المطواة" بالبدرشين    وزير الصحة يتفقد مستشفى الخانكة للصحة النفسية ويوجه بسرعة الانتهاء من أعمال التطوير    محافظ أسوان يبحث توصيل الخدمات والمرافق ل40 مصنعا.. اعرف التفاصيل    «مصر للسياحة» تخطط لتطوير الفنادق التابعة والتوسع في تطبيقات التحول الرقمي    رئيس جامعة الأزهر: الجميع مع القرآن فائز.. والإمام الأكبر حريص على دعم الحفظة    تعليم جنوب سيناء تعلن جدول امتحانات الفصل الدراسي الأول لمرحلة الثانوية العامة صباحي ومسائي    النيابة الإدارية تواصل تلقى طلبات التعيين بوظيفة معاون نيابة إلكترونيا.. المواعيد    غزة.. ارتفاع حصيلة ضحايا خروقات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار إلى 401 شهيد و1108 مصابين    بعد إعلان ارتباطه رسميا.. هذا هو موعد زفاف أحمد العوضي    حقيقة فيديو تجاوز إحدى الرحلات الجوية طاقتها الاستيعابية من الركاب    ليلة حاسمة في البريميرليج.. مانشستر سيتي يواجه وست هام في مواجهة القمة    قمة إنجليزية نارية.. ليفربول يحل ضيفًا على توتنهام في الجولة 17 من البريميرليج    مباراة الزمالك وحرس الحدود اليوم والقنوات الناقلة في كأس عاصمة مصر 2025    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    محاكمة 37 متهما بخلية التجمع.. اليوم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    متحف القرآن الكريم بمكة المكرمة ُيقدم تجربة تفاعلية تحاكي نزول الوحي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الولايات المتحدة فى مواجهة فنزويلا
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 12 - 2025

خلال الأسابيع القليلة الماضية، تصاعدت حدة التوتر فى العلاقات بين إدارة الرئيس ترامب ورئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، الذى يحكم البلاد منذ عام 2013. فالإجراءات التى اتخذتها واشنطن مؤخرًا، سواء تلك المتعلقة بمصادرة شحنات نفط فنزويلية أو تشديد القيود على حركة ناقلات مرتبطة بكاراكاس، هى ببساطة محاولة أمريكية لإعادة صياغة قواعد اللعبة، ليس فقط فى سوق النفط، بل أيضًا فيما يتعلق بالسيادة وحدود القوة، حيث تسعى واشنطن إلى استغلال ضعف قواعد النظام الدولى لتوسيع هيمنتها فى أمريكا اللاتينية، وهو الأمر الذى ترجمته إدارة الرئيس الأمريكى فى وثيقة الأمن القومى التى صدرت منذ عدة أسابيع.
وإن كان المشهد فى ظاهره يبدو وكأنه صراع تقليدى متعلق بالنفط والناقلات وشبكات التهريب، فإن الموضوع أعمق من ذلك بكثير. فالولايات المتحدة تريد قطع شريان مالى تعتبره عنصرًا أساسيًا فى بقاء نظام مادورو المناوئ لها، فيما ترى فنزويلا أن ما يجرى ليس «تطبيقًا للعقوبات»، بل يرتقى إلى أن يكون حصارًا بحريًا غير معلن، يضع سابقة خطيرة فى التعامل مع الملاحة والتجارة الدوليتين. وفى هذه المواجهة، يتعرض الاقتصاد الفنزويلى، وهو اقتصاد يقوم على النفط بصورة شبه كاملة، لهزة كبيرة قد تؤثر أيضًا فى استقرار سوق الطاقة العالمية، الذى يتأثر بدوره بأى توتر بحرى، ولا سيما أن احتمالات تصاعد هذا التوتر ما زالت تلوح فى الأفق!
الحقيقة أن سياسة العقوبات المطبقة على النفط الفنزويلى ليست من اختراع الإدارة الأمريكية الحالية، لكنها تشكل العمود الفقرى للسياسة الأمريكية تجاه فنزويلا منذ عقدين من الزمان. بدأت بحظر إمداد الحكومة الفنزويليّة بالسلاح، ثم أخذت تتصاعد تدريجيًا حتى أصدر الرئيس ترامب قرارًا فى عام 2017 بفرض عقوبات جديدة تمنع حكومة كاراكاس من التعامل مع الأسواق المالية فى الولايات المتحدة. وما يحدث الآن ما هو إلا مواجهة جديدة بين الدولتين، ولكن بلهجة وسياسة أكثر تصعيدًا. تدرك واشنطن جيدًا أن الضغط باستخدام سلاح النفط هو أقوى أسلحتها ضد مادورو، لأنه سيكلفه منصبه وشرعيته ببساطة! ولكن، وكما هى عادة ترامب، فقد قرر أيضًا التصعيد على المستوى العسكرى من خلال القوات البحرية الأمريكية فى منطقة الكاريبى، وأظهر ترامب إرادة واضحة بأن المواجهة هذه المرة لن تكون مجرد توتر دبلوماسى أو اقتصادى، بل قد تصل إلى حظر بحرى وتجارى شامل يعزل الدولة الفنزويلية ونظامها تمامًا عن العالم!
• • •
فى المقابل، يدرك الرئيس مادورو خطورة الوضع، وقد اعتبر أن تلك التصعيدات العسكرية الأمريكية تمثل انتهاكًا واضحًا للسيادة الوطنية، ومن ثم فإن التحرك الأمريكى يُعد خارج إطار القانون الدولى. وهذا صحيح بالفعل، لكن منذ متى كان القانون الدولى مهمًا أو معتبرًا لدى الإدارات الأمريكية عمومًا، وإدارة ترامب على وجه الخصوص؟ ومن ثم، فإن استخدام مادورو لهجة حادة تتحدث عن «القرصنة الدولية» لا يخيف الولايات المتحدة، بل على العكس، فهذا تمامًا هو ما يريده ترامب. الرسالة واضحة: إن أردت أن تعتبرها قرصنة دولية فليكن الأمر كذلك، ولكن ذلك لن يغير من سلوكنا تجاهك إلا إذا استجبت لطلباتنا. والحقيقة أن المطالب الأمريكية من فنزويلا باهظة الثمن؛ فترامب يرى أن قيام فنزويلا بتأميم النفط منذ سبعينيات القرن الماضى هو بمثابة سرقة للأصول المالية الأمريكية، ويطالب ببساطة بالتعويض. لكن ما هذا التعويض؟ لا يحدد ترامب قيمًا محددة، لكنه يدعى أن الولايات المتحدة أصبحت ذات حق أصيل فى السيطرة على البترول الفنزويلى بشكل كلى.
غير أن قراءة أعمق للموقف الأمريكى تكشف أن فنزويلا ليست سوى جزء من معادلة أوسع لواشنطن لإعادة ترتيب أولوياتها الاستراتيجية عالميًا. فبعد سنوات من الانشغال بملفات كبرى مثل الصين وروسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط، ترى إدارة ترامب أن الوقت قد حان للانتباه إلى المصالح الأمريكية فى الكاريبى وأمريكا اللاتينية. والحقيقة أن ترامب، بشكل أو بآخر، لا يرى أن إعادة ترتيب هذه الأولويات تعنى الابتعاد عن الملفات السابقة، ولا سيما فى ظل تصاعد النفوذ الصينى والروسى فى أمريكا اللاتينية، فى دول مثل فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا.
• • •
فى هذا السياق، يشير عدد من المحللين الأمريكيين إلى أن الضغط على النفط الفنزويلى لا يستهدف فقط تقليص عائدات الدولة، بل كسر منظومة الولاءات الاقتصادية والسياسية التى يقوم عليها نظام مادورو. فحرمان الحكومة من الموارد يعنى إضعاف قدرتها على الحفاظ على تماسكها الداخلى وتمويل شبكات الدعم الاجتماعى والسياسى التى تُعد إحدى أهم أدوات الحفاظ على شرعية النظام. غير أن هذا الرهان، الذى جُرّب فى حالات أخرى مثل إيران، لم يُفضِ دائمًا إلى النتائج التى توقعتها واشنطن، بل أدى فى كثير من الأحيان إلى نتائج عكسية، أبرزها تعزيز خطاب السيادة داخليًا وإعادة ترتيب التحالفات الخارجية، وهو ما يترقبه المعنيون بالسياسات الأمريكية.
اقتصاديًا، لا يمكن فصل التصعيد الحالى عن أوضاع سوق الطاقة العالمية. صحيح أن فنزويلا لم تعد لاعبًا رئيسيًا فى السوق كما كانت فى السابق، لكن أى اضطراب فى صادراتها يظل عاملًا مؤثرًا فى سوق تعانى أصلًا من تقلبات حادة. كما أن تشديد القيود على النفط الفنزويلى ينعكس مباشرة على سلوك الأسواق عبر زيادة الخصومات، ورفع تكلفة التأمين، وتردد الوسطاء. وحتى التهديد وحده، دون تنفيذ كامل، يكفى لإرباك سلاسل التوريد العالمية وخلق حالة عدم يقين مستمرة، وهو ما يعنى أن هذا الحصار قد يضر دولا وقطاعات اقتصادية أخرى بخلاف فنزويلا.
من الناحية السياسية، يوظف الطرفان الصراع لخدمة سردياتهما الداخلية. فمادورو يقدم نفسه مدافعًا عن السيادة والوطنية والكرامة فى مواجهة الهيمنة الأمريكية الإمبريالية، مستثمرًا هذا الخطاب لحشد التأييد الداخلى وتهميش المعارضة. وفى المقابل، تستخدم واشنطن ملف فنزويلا لإظهار الحزم فى السياسة الخارجية، ولربط الأزمة بملفات أخرى مثل الهجرة والمخدرات والاتجار بالبشر، بما يمنح الخطاب الرسمى شرعية إضافية فى الداخل الأمريكى، خاصة فى لحظة سياسية داخلية لا يعوزها الاستقطاب.
لكن ماذا عن المعارضة الفنزويلية؟ الحقيقة أن الأخيرة تجد نفسها فى مأزق حقيقى؛ فهى من جهة ترفض العقوبات التى تزيد من معاناة المواطنين، ولا يمكنها التخلى تمامًا عن خطاب الإمبريالية والسيادة الوطنية، وهو الخطاب نفسه الذى يستخدمه النظام، وإلا فقدت المعارضة شرعيتها هى الأخرى. ومن جهة ثانية، لا تستطيع هذه المعارضة الدفاع عن نظام فقد كثيرًا من شرعيته منذ عقود. هذه المعضلة نعرفها جيدًا فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، حيث تؤدى التدخلات الخارجية عادة إلى إعادة ترتيب المشهد السياسى الداخلى بطريقة لا تخدم بالضرورة أهداف التغيير والإصلاح، بل قد تؤجلها أو حتى تعقد مساراتها، لكن ترامب، ببساطة، لا يعنيه أمر الإصلاح والتغيير من قريب أو بعيد!
فى خلفية كل ذلك، تبرز الصين بوصفها لاعبًا لا يمكن تجاهله. فجزء كبير من قدرة فنزويلا على الاستمرار فى تصدير النفط خلال السنوات الأخيرة ارتبط بأسواق قادرة على تحمل المخاطرة، وعلى رأسها السوق الصينية. لذلك فإن أى تشديد أمريكى على ما يُعرف ب«أسطول الظل» لا يضغط فقط على كاراكاس، بل يرفع تكلفة وصول النفط إلى هذه الأسواق، ويمس جزءًا من التنافس الأوسع بين واشنطن وبكين، ولو بصورة غير مباشرة، فى ملف الطاقة وسلاسل الإمداد.
فى النهاية، لا يبدو أن المواجهة بين أمريكا وفنزويلا تتجه نحو حل سريع. فالسيناريو الأرجح هو استمرار الضغط بصيغة تقترب من الحصار دون الاعتراف به صراحة، مع محاولة فنزويلا الحفاظ على الحد الأدنى من التصدير عبر قنوات بديلة. لكن الخطر الحقيقى يظل فى التفاصيل؛ فمواجهة بحرية واحدة، أو مصادرة كبيرة إضافية لإحدى شحنات النفط، قد تنقل الأزمة من مستوى الرسائل السياسية إلى مستوى المواجهة المفتوحة. وفى عالم مضطرب أصلًا، لا يحتاج الشرر إلى كثير من الوقود كى يستعر!
أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.