نشرت جريدة الشرق الأوسط اللندنية مقالا للكاتب العراقى وليد خدورى، يوضح فيه الفجوة بين الأهداف الطموحة وهى تصفير الانبعاثات والواقع العملى، الذى يتسم بنقص التمويل الموجه نحو الطاقة النظيفة، وغياب أكبر المستهلكين (الولاياتالمتحدة)، وظهور قناعة جديدة بضرورة استمرار الاعتماد على الوقود الأحفورى كعنصر أساسى فى مزيج الطاقة العالمى.. نعرض من المقال ما يلى: يصادف هذا الأسبوع الذكرى العاشرة لانعقاد مؤتمر الأممالمتحدة فى باريس خلال عام 2015 الذى وافقت فيه الغالبية العظمى من دول العالم على ما بدأت تسميته «تصفير الانبعاثات»، أو انكفاف العالم عن استهلاك النفط لأجل إيقاف الانبعاثات الكربونية. لكن، رغم الدعوات المتعددة لهذه الحملة، وبالذات انعقادها حاليًا فى البرازيل (كوب 30)، ودعوة الرئيس البرازيلى لولا دا سيلفا إلى حماية غابات الأمازون التى تغطى البرازيل والتى يطالب لولا بتأسيس صندوق جديد متخصص لحماية الغابات رأسماله 25 مليار دولار، ورغم التصريحات الفرنسية والألمانية بالتبرع للحفاظ على الغابات الاستوائية التى تلعب دورًا أساسيًا فى توفير الأكسجين للكرة الأرضية، فإن التجارب العملية خلال العقد الماضى تشير، بكل وضوح، إلى أن تبرعات الدول الصناعية التى تم الإعلان عنها لمشاريع عدة فى حينه، ولمساعدة دول العالم الثالث فى برامج تحول الطاقة المقترحة، قد تم تحويلها للصناعات الحربية، كما هو الأمر فى الأقطار الأوروبية والولاياتالمتحدة. صرّح لولا قبيل المؤتمر: "نحن بحاجة إلى خرائط طرق لكى نعكس مسار تقليص حجم الغابات، ونكف عن اعتمادنا المستمر على الوقود الأحفورى (النفط، والغاز، والفحم الحجري) ونلتزم بتعهداتنا تجاه السياسات التى نعتقد بأهميتها". يتم انعقاد «كوب 30» فى غياب أمريكى واضح عن المؤتمر، أو بالأحرى أى مساندة له من الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الداعم لإنتاج واستهلاك الوقود الأحفورى فى الولاياتالمتحدة، الأمر الذى سيعنى غياب أكبر دولة منتجة ومستهلكة للطاقة عن قرارات المؤتمر، أو أى إمكانية لتبرع الولاياتالمتحدة لأى التزامات مالية جديدة قد تنتج عن المؤتمر، وهى المعروف عنها أنها الأكثر تعهدًا ماليًا فى هذه المناسبات. كما يواجه المؤتمر عقبة كبرى، لربما الأهم، وهى القناعات التى توصل إليها كبار مسئولى الطاقة ورؤساء كبرى شركات النفط العالمية؛ هذه القناعة التى بنيت على تجربة استهلاك الطاقة خلال فترة «كوفيد-19»، والتى أخذت تستحوذ على اتفاق واسع بين المسئولين عن شركات الطاقة، بمختلف قطاعاتها. تشكل القناعة الجديدة أنه فيما سيحتاج العالم إلى الطاقات المستدامة، فإن هناك ضرورة لازمة فى نفس الوقت إلى الوقود الهيدروكربونى (النفط الخام والغاز الطبيعي). تتوقع هذه المدرسة الطاقوية الجديدة استمرار استهلاك الوقود الهيدروكربونى مستقبلًا مع انخفاض نسبة الوقود الهيدروكربونى فى سلة الطاقة المستقبلية لتتراوح نسبة هذا الوقود ما بين 40 و50 فى المائة لسلة الطاقة المستقبلية. وتبنى هذه المدرسة الطاقوية الجديدة استنتاجها على الآتي: إن الطاقات المستدامة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، غير وافية لتلبية مجمل الاستهلاك العالمى. والأهم من ذلك، أن طاقتى الرياح والشمسية تعتمدان إلى حد كبير على توفر الأنواء الجوية المناسبة، فمن دونها تعتمد طاقتا الرياح والشمسية على الهيدروكربون، حيث سيتوجب الاستمرار فى الاعتماد على طاقة متواصلة، الهيدروكربون. إن فحوى قول المدرسة الطاقوية الحديثة، التى برزت بعد عام 2015، أنه مع الحاجة إلى الطاقات المستدامة، ستكون هناك حاجة أيضًا إلى الهيدروكربون لملء الفوارغ والشواغر الناتجة عن استعمال الطاقات المستدامة، هذا بالإضافة إلى استكمال الإنتاج الصناعى اللازم من الخزانات لاستيعاب الطاقة واستهلاكها بعد فترة من إنتاجها. ومن ثم، يمكن القول إن عدم مساهمة الولاياتالمتحدة، برئاسة دونالد ترامب، فى نتائج «كوب 30»، يعنى تقلص إمكانية تحقيق تصفير الانبعاثات المنشودة فى هذا الأمر.