كما لو أن أبطال هذا الفيلم خرجوا حالا من صفحات تشيكوف، تكاد تتطابق ملامحهم الجوهرية مع ملامح شخصيات الكاتب الروسى الكبير، الذى قدم نماذجه الإنسانية، بحنو، وتفهم عميق، جعلها، برغم محليتها، تتجاوز حدود بلادها، وزمانها، ليغدو حضورها مستمرا، ومنتشرا، تقدم نفسها صريحة، واضحة، مهما تغيرت لغتها أو ملابسها.. هنا، فى إحدى مناطق مصر الجديدة، نتعرف على عابرى سبيل، ووافدين، وسكان أصليين، قد يختلفون عن بعضهم بعضا فى المظهر، والمستوى الاجتماعى، ولكن يربط بينهم خيط شفاف من أمل لا يتحقق، مشروع لا يتم، فلا يبقى أمامهم إلا الانتظار. كاتب السيناريو، المخرج، أحمد عبدالله، صاحب أسلوب خاص، متميز، اعتمد فى بناء الفيلم على شخصيات تأملها بخبرة ودراية، معظمها فى سنوات الشباب، زملاء جيله، وبمهارة، تلمس أمانيهم التى تكاد تتحول إلى ما يشبه الكوابيس، فثمة ثلاثة مشروعات للزواج، نشهد تفككها وانهيارها، لأسباب موضوعية خارج إرادة الأحبة. نتابع محاولتين للهجرة: الطبيب «هانى» بأداء ممثل جديد، واعد، اسمه «هانى عادل»، يتعرض لمهانة الرفض فى السفارة التى تعيد له أوراقه الناقصة.. و«إنجى»، الوافدة من أحد الأقاليم تحلم بالهجرة إلى فرنسا، تعمل فى فندق صغير وتزعم لأهلها أنها تعيش فى باريس، ترسل لهم بعض النقود ورسائل تؤكد فيها أنها تكتبها من عاصمة النور. حنان مطاوع، تجسد «إنجى»، الريفية أصلا، على نحو موفق، خاصة حين يخفق قلبها وهى تتابع قبلات معتادة بين اثنين من السياح، ويطالعنا خالد أبوالنجا، فى شخصية «إبراهيم» الذى يجرى دراسة على الأقليات فى مصر، يلتقى «فيرا»، اليهودية بأداء عايدة عبدالعزيز التى تعيش وحيدة، ويتعرض «إبراهيم» للمهانة عندما يؤنبه ضابط الشرطة؛ لأنه يقوم بالتصوير، فى الشارع، من دون ترخيص. وعلى نحو تشيكوفى تماما، يتضمن الفيلم نموذجا لعسكرى أمن مركزى بائس، بلا اسم، يقف ويجلس أمام وداخل كشك مهترئ الخشب، لا ينطق بكلمة واحدة، يعيش منسيا، لا صديق له سوى ذلك الكلب العليل، الذى هو أيضا بلا اسم، على العكس من كلب الطبيب المدلل، المرتفع النباح، الذى اسمه «فولت». «هليوبوليس»، فى بعد من أبعاده، أقرب للمرئية، سواء لذلك الحى الذى كان جميلا فى الأيام الخوالى، أو لأحلام أبطاله الضائعة. إنه أقرب للعرض حال. لكن مشكلته تكمن فى غياب العمود الفقرى الذى يربط أجزاءه المبعثرة، حتى إنه يبدو كمجموعة من أفلام قصيرة يجرى سردها متقاطعة.. بعبارة أخرى، يعانى الفيلم من ضعف قدرته على إثارة حب استطلاع المشاهد، الأمر الذى تسبب فى الإحساس بالملل، فالواضح أن معرفة المخرج الجرىد بفن «الدراما» جد قليل، وإلا كان قد استوعب درس «حياة أو موت» الذى خرج به كمال الشيخ إلى الشارع، واستعرض العديد من النماذج البشرية، وفى ذات الوقت، جعل الجمهور يتابع، بشغف، ما يجرى أمامه، على الشاشة.