عدت الي ارشيفي الخاص.. لكي أجد مجموعة من الأوراق والصور احتفظ بها منذ سنوات وجاء وقت نشرها بمناسبة مرور 051 سنة علي مولد كاتب عظيم. السبت: في كل مرة ازور فيها موسكو، أشعر برغبة في زيارة مكان يرتبط باسم ساحر القصة القصيرة الانسانية الساحرة، الأديب الروسي العظيم انطون تشيكوف.. أو »تشيخوف« كما يسميه الروس. انه المنزل الذي عاش فيه قرابة اربعة اعوام - من اغسطس 6881 حتي ابريل 0981، وتحول الي متحف من أشهر متاحف موسكو. يقع المنزل في حي كودرن مقابل المدرسة رقم »4« ويشبه خزانة متعددة الأدراج، علي حد تعبير تشيكوف وهو عبارة عن مبني حجري مؤلف من طابقين تم تشييده عام 4781. السنوات التي قضاها تشيكوف في هذا البيت كانت من أهم فترات حياته التي كان لها تأثير مباشر علي مستقبله. في تلك السنوات الأربع التي عاشها في ذلك البيت، كتب حوالي مائة قصة ورواية مثل »السهب« و»قصة حملة« ومسرحية ايفانوف. هنا - في هذا البيت - زاره الموسيقار العظيم تشايكوفسكي ونجد علي مكتب تشيكوف صورة لهذا الفنان العملاق موقعة باسمه، فقد كان الأديب الكبير من اكبر المعجبين به، وكرس له مجموعة من قصصه. بمناسبة مرور خمسين عاما بعد المائة علي مولد تشيكوف -وهي مناسبة يحتفل بها العالم كله هذه السنة- عدت الي ارشيفي الخاص لكي أجد مجموعة من الصور التي التقطتها خلال زيارتي لمنزل هذا العبقري المبدع. أتذكر كلمات مرافقي الروسي وهو يقول ان السنوات التي قضاها تشيكوف في هذا البيت هي التي قرر خلالها ان يتفرغ تماما للأدب بعد ان قدم الي موسكو، وهو في ريعان شبابه.. فقد كان في التاسعة عشرة من عمره، وشرع في دراسة الطب، وأخذ يكتب المقالات للصحف لكي يعيل نفسه وعائلته التي كانت تعاني من ضائقة مالية. هنا -في هذا البيت- عاشت معه والدته وشقيقته وشقيقه الاصغر. وبقيت حجرات المنزل كما كانت عليه خلال حياته. هذا هو مكتب الاديب وغرفة نومه وغرفة شقيقه وشقيقته ووالدته وغرفة الضيافة. وتمت اعادة ترتيب الحجرات وفقا للوصف الذي قدمه اقرباؤه. وما ان تضع قدمك داخل البيت حتي تعود الي الاجواء التي عاشها وعمل فيها تشيكوف. وتلفت انتباهك فوق مكتبه محبرة علي شكل حصان برونزي. انها هدية من أحد المرضي الذين رفض تشيكوف ان يتقاضي منه أجره، بل وقدم له مالا لشراء الدواء. وتحتوي غرفة الضيافة علي الكثير من اللوحات الطبيعية التي رسمها شقيقه الأصغر نيكولاي، الذي توفي في وقت مبكر، كما تحتوي علي لوحات أو »بورتريهات« لتشيكوف رسمها الفنان الروسي سيروف. وثمة مجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية للاديب وللاشخاص الذين اختلطوا به آنذاك. وثمة ملصقات ومسودات لاعماله المسرحية وتحتوي إحدي الحجرات علي مجموعة اعمال وصور مخصصة لرحلة تشيكوف الي جزيرة سخالين. اتذكر الآن كلمات السيدة الروسية التي تشرف علي هذا المتحف، وهي تودعني: »تشيكوف حالة شاعرية فريدة لأديب رائد وانسان نبيل.. انسان عاش ليناضل من أجل حياة جديدة فاضلة بعد ما أيقن زيف الحياة التي تحيط به.. وتفاهتها.. وسخر قلمه وعمره للدعوة لهذه الحياة الجديدة، ولم يكف عن شحذ الهمم للتضحية من أجل خلق هذه الحياة والتمتع بها، ولكنه مات واصبح تحت الثري قبل ان تشرق شمس هذه الحياة حتي الآن«. ضد »البهرجة« الأحد: يقول مكسيم جوركي اديب روسيا الشهير: »يخيل لي ان كل امريء كان يشعر في مجلس تشيكوف برغبة غير واعية في ان يكون اكثر بساطة وصدقا.. وعلي سجيته. وكان تشيكوف يضيق بكل بهرجة وبالنزهات الرخيصة التي يزين بها الروس انفسهم نتيجة شغفهم بان يظهروا بمظهر الاوربيين، كما يزين البدائيون انفسهم بالأصداف وأسنان السمك! وكنت ألاحظ انه ما ان يقابل انطون بافلوفتش »تشيكوف« واحدا من هؤلاء »المتبهرجين« إلا ويشعر بحافز غلاب لأن يحرره من زخارفه الثقيلة المتطفلة التي تشوه وجهه الحقيقي وروحه الحية«. ويقول جوركي: »كان انطون بافلوفتش يتقن فن هتك الأقنعة عن وجه السوقية في كل مكان، وهو فن لا يتفوق فيه غير رجل لا يطلب من الحياة سوي كل ما هو رفيع وسام وراق، وهو فن ينبع من رغبته الملحة في ان يري البساطة والجمال والاتساق في الانسان لقد كان قاضيا قاسيا وعديم الرحمة بالابتذال«. وسمع جوركي شخصا يشكو امام تشيكوف من ان المقالات »الجادة« في المجلات »الثقيلة« صعبة ومملة، ونصحه أنطون بافلوفتش، في اقتناع تام، قائلا: »لا تقرأ هذه المقالات، انها من الأدب التعاوني.. الأدب الذي يكتبه السادة كرازنوف وتشيرنوف وبيلوف »يعني الأحمر والأسود والابيض«.. فانا تجد واحدا يكتب مقالا وينقده الآخر، ويوفق الثالث بين القضايا غير المنطقية التي طرحها الأول والثاني! وهذا يشبه لعب الورق مع دمية، ولكن أحدا من الثلاثة لا يسأل نفسه: ما حاجة القاريء لكل هذا؟«. البساطة والعمق الاثنين: عندما تلتقي بالكتاب والممثلين والممثلات والمخرجين الروس، يدور الحديث عن مسرح تشيكوف.. مسرحيات مثل: »بستان الكرز« و»النورس« و»الخال ڤانيا« و»الشقيقات الثلاث« و»مبارزة«.. وغيرها. انهم يقولون »ان ثلاثة من الكتاب الروس تمكنوا من التوغل في العقل الباطن للشعب الروسي واكتشاف أصول مشكلتنا التي لا نستطيع التخلص منها حتي الآن«، وهم »جوجول« و»دستويفسيكي« و»تشيكوف«. ويقولون ان تشيكوف هو اكثر الكتاب الروس ثقيفيا وتهذيبا ورقة وحنانا، فقد أدخل شيئا جديدا لمفهوم الانسان، وعرض العلاقات الانسانية بشكل جديد. ويلفت النظر ان هناك ما يشبه الاجماع علي ان تشيكوف سيبقي كاتبا معاصرا، لانه لا يرتبط بوقت معين.. بل بما يمكن ان يقال انه ما وراء الطبيعة، فهو كاتب لا مثيل له من حيث عمق المشاعر، لأنه عاش الكثير من المعاناة وأحس بها. وهناك من يري ان ثمة شيئا مدهشا لدي تشيكوف، وانه من الصعب التوغل في عالمه العميق.. فها هو أحد الممثلين يقوم بدر كوميدي، والآخر حزين.. هذا يضحك والآخر يبكي. وقد وصف تشيكوف نفسه مسرحيته »بستان الكرز« بأنها كوميدية، لكن هذا التقييم أثار اسئلة وتأملات جدية لدي مخرجين مسرحيين وقراء عاديين خلال اكثر من مائة عام بعد إبداع تلك المسرحية.. ذلك ان الأديب والكاتب المسرحي يظهر فيها مأساة الحياة كلها بمنتهي العمق.. ويطرح آمالا لم تتحق.. ويشيع احساسا بفقدان الفرص والحسرة علي ضياعها. ويحاول اليكسي نورودين، المدير الفني لمسرح الشباب الاكاديمي الروسي، الاقتراب من تشيكوف.. يقول: لاشك ان حياتنا دراماتيكية، ولكن من غير الممكن فقدان روح الدعابة.. واذا كانت الحياة دراماتيكية الطابع، في حد ذاتها، كما انها مضحكة، فإن تشيكوف ينظر اليها بروح التعاطف، لأنه كان قادرا علي فهم الناس، لذلك عندما نشاهد اليوم مسرحية »بستان الكرز«.. فإننا نتعرف علي انفسنا في العرض، كما لو كنا ننظر في المرآة، ولكنها ليست مرآة عادية.. بل ابداعية. وهناك من النقاد الروس من يعتبرون بستان الكرز كوميديا تراجيدية تعكس حياتنا، بما فيها من انفعالات آنية وقوي خارقة وعدم اطمئنان وآمال وأحزان ومباديء وأخطاء. مخرج روسي كبير يقول: اتوجه الي تشيكوف كلما شعرت بانني مريض -واقصد هنا المرض الروحي- في فترات الاحباط وفقدان الأمل والتعرض للأسئلة عن معني حياتي، وأجد أفضل الأدوية في الوصفات الأدبية للطبيب تشيكوف. كان أديبنا من الذين وضعوا الاسئلة التي يصعب علينا ان نجيب عليها، وأعماله تجمع بين بساطة الحديث وعمق المعاني. .. فالبطلة في »بستان الكرز« امرأة حقيقية رقيقة وحنونة تحاول انقاذ كل هذا العالم الذي ينهار من حولها، فهي مدهشة تحب الدنيا وكل شيء في الحياة، وذكية وتفهم ما يجري حولها وتدرك صعوبة الأحوال، ولكن حيويتها دافقة بلا نهاية. انها الحب نفسه. ويبدو ان تشيكوف غير شيئا جذريا في مفهوم الانسان ذاته، كما يبدو ان جمالية أسلوبه أثرت علي طريقة تعبير الناس عن مشاعرهم. لقد جدد هذا الأديب العالمي المسرحي بشكل ملموس، وابتكر شخصيات لا تشيب علي مدار العقود. وما كتبه سيظل معاصرا طالما يوجد الانسان وعالمه الداخلي وعلاقته مع الاخرين. انها عبقرية الكاتب الفذ، الذي سيظل يعطي للفنانين الموهوبين من كل العصور غذاء الروح ومصدر الالهام. وفي مناخ النفعية والقسوة.. لا تزال ينابيع تشيكوف فياضة. عندما تسطع الشمس الثلاثاء: قراءة أدب تشيكوف تثير في النفس تلك المشاعر التي تثيرها أحد أيام الخريف المتأخرة الحزينة، بهوائها الشفاف حيث تقف الاشجار عارية مرتاحة في جسارة امام السماء والبيوت متراكمة معا، والناس مكتئبون ومعتمون. كل شيء هناك غريب حقا، ووحيد جدا، بلا حراك، فاق القوة، والمسافات السحيقة زرقاء فارغة، وغائصة في السماء الشاحبة.. تتنفس الوحشة والبرد فوق الوحل ونصف المتجمد. ولكن عقل المؤلف كسطوع الشمس في الخريف.. ينير الدروب المطروقة والشوارع الملتوية والبيوت القذرة المتشنجة، التي يلهث تحت سقوفها الناس التعساء ويزفرون حياتهم في سأم وكسل، ويملأون بيوتهم بلغط كسلان لا معني له. هناك تعيش »الحبيبة« - بطلة قصة الحبيبة لتشيكوف- وهي عصبية كفأر رمادي صغيرة، امرأة حلوة بسيطة تحب بلا حدود، وفي عبودية.. حتي اذا ضربتها علي خدها فانها لن تجرؤ -وهي الجارية الوديعة - حتي علي ان تبكي. هذا ما يقوله مكسيم جوركي عن تشيكوف. أما الكاتب الروسي العملاق تولستوي، فانه يمتدح قصة تشيكوف »الحبيبة« علي طريقته، فيقول: »انها كالدانتلا التي تنسجها عذراء فاضلة. كان من المألوف قديما ان تجد بنات ينسجن الدانتلا. وكن طوال حياتهن ينسجن أحلامهن بالسعادة في القماشة. كن ينسجن أعذب أحلامهن. وكانت الدانتلا التي ينسجنها تتشرب بتلهفهن الغامض الصافي.. علي الحب. كان تولستوي يتحدث بحرارة.. من قلبه، والدموع في عينيه. شكر وتقدير الاربعاء: عندما تتصرف مديرة ادارة المعلومات والتوثيق والحاسب الآلي في الهيئة العامة للتأمين الصحي »فرع القاهرة« السيدة عبير السيد احمد خليل بروح المسئولية، وتهتم بمعالجة مشكلة المواطن نسيم يوسف الذي طرحنا قضيته في هذه اليوميات.. وما عاناه من متاعب من أجل نقل تأمينه الصحي من مكان الي مكان.. فانها تستحق الشكر والتحية والتقدير. وياليت المسئولين عن مصالح الناس في اجهزة الدولة يحذون حذو السيدة عبير. وزيرة شجاعة الخميس: وقع اختيار لجنة التضامن الافريقي - الآسيوي برئاسة احمد حمروش علي الوزيرة فايزة ابو النجا -وزيرة التعاون الدولي- لتكريمها في عيد المرأة. كان الاختيار موفقا. وكانت كلماتها تعبيرا عن استعداد وقدرة المصريات علي تحمل المشاق لتحقيق اهداف كبري. والوزيرة فايزة أبو النجا تتصدي بالفعل لهدف كبير جدا، هو إزالة الالغام في صحراء مصر الغربية، التي تستوطن هناك منذ الحرب العالمية الثانية »أي منذ اكثر من 56 سنة«! وهذه الالغام لها ضحايا من البشر في كل عام. كما ان هذه الالغام تعوق تنمية مساحات هائلة من الاراضي المصرية. والمؤسف ان الدول المسئولة عن زرع هذه الالغام تتهرب من تحمل مصاعب وتكاليف إزالة هذه الألغام التي فرضت وجودها في أرضنا. ولكن فايزة أبو النجا وعدتنا في كلمة رائعة -ردا علي تكريمها- بانها سوف تقوم بهذه المهمة وتتصدي لهذه المسئولية الجسيمة. والآمال كلها معقودة علي ان تتمكن من إزالة هذه الألغام خلال العامين القادمين. وهذا، علي الأقل، ما وعدتنا به الوزيرة النشطة.. الواثقة من نفسها. ونتمني لها النجاح في هذه المهمة التي تنتظر من ينجزها منذ عقود طويلة.