يبحث التركي مراد أوزيلدريم في كتابه "وحدة الموسيقى العربية والتركية في القرن العشرين" في أشكال التفاعل بين الموسيقى العربية والتركية من نهاية القرن 19 إلى منتصف القرن العشرين. ويرى الباحث التركي أن السينما المصرية عززت في الماضي صورا لهذا التفاعل، لكنه أبدى أسفه لأن الشباب التركي ليست لديه معرفة بأي ممثل مصري، بينما أصبح الوضع معكوسا بفضل انتشار المسلسلات التركية في العالم العربي. وصدرت الترجمة العربية في 288 صفحة عن مركز اللغة العربية في أبوظبي، بترجمة التركية ملاك أوزدمير ومراجعة المصري أحمد زكريا. أوزيلدريم باحث وأكاديمي تركي متخصص في السينما العربية والإنتاج الموسيقي، وأطلق أول موقع على الإنترنت عن أم كلثوم باللغة التركية، أما المترجمة فهي صحفية تركية ترجمت إلى العربية عدة أعمال منها كتاب "ثلاث سنوات ونصف مع ناظم حكمت"، ونالت مع زوجها زكريا جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلات عن ترجمتهما لكتاب "الدنيا قدر كبير وأنا مغرفة.. رحلة مصر والعراق" للكاتب التركي البارز عزيز نيسين. يحلل الكتاب الفكرة السائدة حول خروج الموسيقى العربية وتمردها على القوالب التركية مع بداية القرن العشرين، ويؤكد أنه على الرغم من المكانة المركزية التي تمتع بها إسطنبول باعتبارها عاصمة للدولة العثمانية، فإنها كانت تتأثر بالموسيقى الشرقية المنتجة خارجها. ويلاحظ الكتاب أنه بحلول القرن 19 كان الذوق الموسيقي التركي معتمدا في أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وتم تبنيه بشغف كامل من الحكام المحليين، مما ساعد على استقرار عدد كبير من الموسيقيين الأتراك في مصر ورسم ملامح المشهد الموسيقى بها. وخلال تلك الفترة، أظهر الحكام المصريون من أسرة محمد علي باشا ولعا بالموسيقى التركية، ودعوا الكثير من الفنانين الأتراك للغناء في مناسبات رئيسية، وسار على خطاهم حكام الشام والعراق. ويشدد الكتاب على أن الموسيقى التركية لم تكن بنفس التأثير في دول شمال أفريقيا ربما بسبب البعد الجغرافي، كما أن السيادة التركية في مصر والشام كانت أقدم من وجود الدولة العثمانية بفضل وجود المماليك في هذه البلاد، وعندما سيطر العثمانيون على الشرق الأوسط كان التفاعل العربي التركي في الذوق الموسيقى قد بلغ أعلى مستوياته. ويرصد المؤلف كيف انعكس سعي الدول العربية للاستقلال بعد سقوط الدولة العثمانية على تجارب الكثير من فناني هذه البلاد في إنتاج موسيقى محلية بديلة، وعلى الرغم من ذلك "تلقت تلك التجارب المساعدة والدعم من أساتذة الموسيقى التركية، خاصة في تشكيل مؤسسات تعليم الموسيقى". ويرى الكتاب أن تمثيل الموسيقى التركية في أول مؤتمر عقد للموسيقى العربية عام 1932 كان إيجابيا وأظهر أن أقرب نظام للموسيقى التركية الكلاسيكية في العالم هو بلا شك الموسيقى العربية الكلاسيكية. ويشير الكتاب أيضا إلى أن الثورة التي أدت لإنهاء عهد الدولة العثمانية في 1922 وإعلان الجمهورية عام 1923 وشيوع الرغبة في فصل الدولة والمجتمع عن الهوية الشرقية دفعت الأتراك فيما بعد إلى الاستماع للإذاعات العربية والتعرف على تجارب منيرة المهدية وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وليلى مراد، فضلا عن تجارب سيد درويش وغيره من الموسيقيين الرواد. * حظر يذكر الكتاب أن الموسيقى التركية اتهمت بعد التحولات التي نتجت بعد سقوط الدولة العثمانية بأنها "تعود إلى الشرق والشرقيين"، وفي نهاية عام 1934 تم حظر بث الموسيقى التركية في الإذاعات الرسمية. ويرصد الكتاب في أحد فصوله صور النقاشات ذات الطابع الفكري داخل الصحافة التركية بشأن أشكال التمايز بين الموسيقى التركية والعربية، وهي لم تكن بعيدة عن نقاشات أخرى حول هوية تلك الموسيقى ومدى القدرة على إحداث قطيعة مع موسيقى الشرق. وجرت محاولات لتغريب الموسيقى التركية في إطار خطة أشمل لتغريب المجتمع التركي بأكمله، وكان قرار حظر الموسيقى التركية أحد تجليات تلك الخطة. ويؤكد مؤلف الكتاب أن أجهزة الراديو كانت أداة مهمة في مقاومة تلك القرارات، كما كانت المقاهي مكانا مهما للتعايش إلى أن تم رفع الحظر عام 1936. ويتوقف المؤلف أمام الدلالات التاريخية لنقاش جرى في البرلمان التركي عام 1940 حول قانون المعهد الموسيقي الذي كان من المزمع تأسيسه، حيث جرت فيه الإشارة إلى تفاعلات الموسيقى التركية مع الموسيقى الشرقية والثقافات الأخرى المجاورة. وعلى الرغم من الشهرة التي تحظى بها الموسيقى الدينية، أو موسيقى الدراويش، في تركيا فإن الكتاب يشير بوضوح إلى أن هذه الموسيقى بالذات استبعدت من مناهج الدراسة في معهد "كونسرفاتوار إسطنبول". ويقول المؤلف "ساهم عرض أفلام السينما المصرية في تركيا خلال نفس الفترة الزمنية في دفع الأتراك إلى التعرف على الأصوات التي استمعوا إليها في الإذاعات، كما حظيت أفلام المطربين المصريين بشعبية كبيرة داخل تركيا، لدرجة أنه صدرت تسجيلات لأغاني تلك الأفلام باللغة التركية". وأجرى المؤلف داخل الكتاب عدة مقابلات تعزز استنتاجاته مع بعض الأسماء التركية التي عاشت سنوات التحول، ويرى المؤلف أن دراسات التاريخ الشفوي مع هؤلاء الشهود ينبغي أن تؤخذ بجدية بالغة.