وزير خارجية الأردن: إسرائيل تدفع المنطقة لمزيد من الصراع والتوتر    جيش الاحتلال يعتدي ضربا على 6 فلسطينيين بينهم سيدة في الضفة    الترجي يحقق 3 أرقام تاريخية في كأس العالم للأندية    جاكسون يعتذر بعد طرده أمام فلامنجو في مونديال الأندية    للخلاف على جمع القمامة.. إحالة متهم بإنهاء حياة زميله بالعجوزة للجنايات    ترامب عبر "تروث": سد النهضة الإثيوبي تم تمويله بغباء من الولايات المتحدة    النائب محمد الفيومي: مشروع قانون الإيجار القديم هو العدالة والرحمة.. وأطمئن المستأجرين بأنه لن يُطرد أحد    مؤمن سليمان يقود الشرطة للتتويج بالدوري العراقي    ترامب: إيران هي من تعاني حالياً ولا اعلم كيف يمكن وقف القتال    استمرار البحث عن ضحايا أسفل أنقاض عقارات حدائق القبة المنهارة    شديد الحرارة.. بيان هام من الأرصاد يكشف حالة الطقس أول أيام الصيف    روبي تتألق في إطلالة مبهرة قبل صعود حفل افتتاح موازين    ترامب عن سد النهضة: بُني بتمويل غبي من الولايات المتحدة    بعد قرار المركزي الأخير.. حدود السحب من البنوك وatm وانستاباي ورسوم الاستعلام عن الرصيد    كروفورد عن نزال القرن: "في 13 سبتمبر سأخرج منتصرا"    خلال ساعات نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة البحيرة 2025.. رابط الاستعلام    «الصدمة الأولى كانت كريم وابنه».. «أحمد» يروي ما حدث في شارع الموت بمنطقة حدائق القبة    ملف يلا كورة.. كواليس بعثة الأهلي.. مطالب ريبيرو.. وحكم مباراة بورتو    نائب الرئيس الأمريكى: الوقت بدأ ينفد أمام الحلول الدبلوماسية بشأن إيران    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    رغم فوائدها الصحية.. ما هي أبرز الأسباب التي تمنع الولادة الطبيعية؟    الحكومة الباكستانية تعلن ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام لعام 2026    منظمة حقوقية تكشف أحدث حصيلة لضحايا إيران من ضربات إسرائيل    تفاصيل جديدة في واقعة العثور على جثة طبيب داخل شقته بطنطا    انتشال جثمانى طفلين من مياه البحر المتوسط بكفر الشيخ    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة الكيمياء    الوداد المغربي يعلن ضم عمر السومة رسميًا    بوتين: أتفق مع تقييم أوبك بشأن الطلب المرتفع على النفط    تقدم ملموس في الوضع المادي والاجتماعي.. توقعات برج العقرب اليوم 21 يونيو    هنا الزاهد وتامر حسني وزينة يواسون المخرجة سارة وفيق في عزاء والدتها (فيديو)    «هروح بالعيال فين؟».. أم «مريم» تروي لحظات الانهيار وفقدان المأوى بعد سقوط عقارات حدائق القبة    سعر البطاطس والبصل والخضار بالأسواق اليوم السبت 21 يونيو 2025    رسمياً.. مصروفات المدارس الرسمية والرسمية المتميزة للغات العام الدراسي الجديد 2025    إيران تمهل "عملاء إسرائيل" حتى الأحد المقبل لتسليم أنفسهم والاستفادة من العفو    بعد زيادته رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 21 يونيو 2025    البيئة: قدم «صون الطبيعة» دعمًا لدول جنوب غرب آسيا ب60 مليون دولار    وفاة رئيس لجنة امتحانات الثانوية بسوهاج في حادث.. وتحرك عاجل من نقابة المعلمين    تكليف مهم من نقيب المحاميين للنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي    لأول مرة.. بدء أعمال اللجنة العليا لاختيار عمداء المعاهد العليا |150 معهدًا يقدم ترشيحات العمداء وفقًا للضوابط الجديدة    قرار مهم من " التعليم" بشأن إعفاء الطلاب من المصروفات للمتفوقين بمدارس 30 يونيو    القنوات الناقلة مباشر لمباراة بايرن ضد بوكا جونيورز في كأس العالم للأندية.. والمعلق    عمرو أديب: نتائج الأهلي المخيبة للآمال تكشف ضعف اللاعب المصري    شاهد.. قناة السويس تنجح فى التعامل مع عطل سفينة 1 RED ZED.. فيديو وصور    الجمهور يهتف "الحرية لفلسطين" فى ثانى أيام مهرجان كناوة بالمغرب    بالصور- خطوبة مينا أبو الدهب نجم "ولاد الشمس"    تراجع أسعار الذهب في ختام تعاملات اليوم.. وعيار 21 يسجل 4780 جنيها    جيش الاحتلال: اعتراض طائرة مسيرة فى شمال إسرائيل تم إطلاقها من إيران    إنجاز طبي بمستشفى القصاصين.. استئصال ورم بالغدة النكافية بلا مضاعفات    "أعملك إيه حيرتنى".. جمهور استوديو "معكم" يتفاعل مع نجل حسن الأسمر "فيديو"    منها المساعدة في فقدان الوزن.. لماذا يجب اعتماد جوزة الطيب في نظامك الغذائي؟    طلب مناقشة أمام "الشيوخ" بشأن التنمر والعنف المدرسي الأحد    إدراج جامعة سيناء بتصنيف التايمز 2025..    مكافأة تشجيعية للمتميزين وجزاءات للمقصرين في المنشآت الصحية بالدقهلية    خطيب الجامع الأزهر: الإيمان الصادق والوحدة سبيل عزة الأمة الإسلامية وريادتها    الصحة: فرق الحوكمة والمراجعة تتابع 392 منشأة صحية وترصد تحسنا بمستوى الخدمة    أسرار استجابة دعاء يوم الجمعة وساعة الإجابة.. هذه أفضل السنن    حسن الخاتمه.. مسن يتوفي في صلاة الفجر بالمحلة الكبرى    الإسلام والانتماء.. كيف يجتمع حب الدين والوطن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والأتراك
نشر في الأهرام اليومي يوم 07 - 04 - 2010

إلي اليوم ما زالت بعض العائلات في مصر تتشدق بأنها من أصول تركية علي أساس أن ذلك دليل علي رقي الأصل وعلو المرتبة وأنهم ينتمون إلي طبقة أولاد الأكابر‏.‏ ويعلل الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي أمين عام منظمة المؤتر الإسلامي تلك الظاهرة بأن الأتراك كونوا بالفعل طبقة أرستقراطية راقية في مصر خلال عهد أسرة محمد علي وأن الانتماء إليها كان يعد مصدرا للمباهاة والمفاخرة خاصة وأنها كانت الطبقة الحاكمة حتي بدايات القرن العشرين‏.‏
وقد أشرت في مقالي السابق إلي كتابين قرأتهما في الأسابيع الماضية عن العلاقة بين مصر والأتراك وجدت فيهما إجابات عن أسئلة كثيرة تجول في ذهن الكثيرين منا‏.‏ الكتابان من تأليف الدكتور أكمل الدين أولهما بعنوان‏'‏ الثقافة التركية في مصر‏'‏ والثاني‏'‏ الأتراك في مصر وأثرهم الثقافي‏'‏ ونخرج منهما بأن العلاقة التاريخية بين مصر وتركيا أعمق كثيرا مما نتصور وأنها دامت لأكثر من ألف عام‏.‏
ولعل من أهم الأسئلة التي تتبادر إلي الذهن عند الحديث عن الأتراك هو مدي صحة النظرة الشائعة التي مؤداها أن الدولة العثمانية كانت مجرد آلة عسكرية باطشة بلا ثقافة ولا حضارة وأن الحكام الأتراك كانوا قساة متسلطين وغلاظ القلوب وأن الاستعمار الغربي جاء ليخلصنا من نير حكم الحديد والنار الذي فرضه الأتراك علي العالم العربي لما يناهز أربعة قرون‏.‏
ومن الواضح أن تلك الآراء المنتشرة في مصر والعالم العربي تثير غضب د‏.‏ أكمل الدين واستياءه‏..‏ وهو يسعي في كتابيه إلي تفنيدها مؤكدا أن الانجليز والفرنسيين وجدوا في الأتراك منافسا لهم في العالم العربي خلال مرحلة الاستعمار فقاموا بصناعة صورة مشوهة عن الأتراك لتدمير مصداقيتهم وإثارة كراهية الشعب المصري ضدهم‏.‏ ومن هذا المنطلق يسعي المؤلف في كتابيه إلي إبراز إيجابية التأثير الثقافي التركي في مصر والعكس‏.‏
ويعد الكتاب الأول تأريخا أمينا للوجود التركي في مصر منذ عهد أحمد بن طولون‏(868-884)‏ وهو أول حاكم تركي لمصر وأول من استقل بها عن الخلافة العباسية عندما بدأت تظهر عليها أعراض الضعف‏.‏ وما لا يستوعبه الكثيرون هو أن حكام مصر منذ ذلك العصر كانوا دائما من الأتراك أو من المتحدثين باللغة التركية باستثناء حقبة الفاطميين التي دامت في مصر أكثر قليلا من مائتي عام‏(969-1171).‏
ويقوم المؤلف في الجزء الأول من الكتاب باستعراض أسماء أهم العلماء الأتراك الذين عاشوا عندنا والمصريين الذين أقاموا في تركيا‏.‏ ومن الواضح أن د‏.‏ أكمل الدين مهتم كثيرا بالجانب اللغوي‏,‏ حيث أن ما لا يقل عن نصف الكتاب مخصص للكلمات والألفاظ التي أدخلها الأتراك إلي مصر‏.‏
وبصراحة فقد فوجئت بكم الكلمات التي نستخدمها في حياتنا اليومية ولا نعلم أنها من أصل تركي أو من جذور فارسية لكنها جاءت كلها عن طريق الأتراك‏.‏ وكما يقول الكتاب فإن اللغة الفصحي لم تتأثر كثيرا بالتركية علي عكس المصرية العامية‏.‏
فهناك كلمات مثل‏'‏ أوضه‏'‏ بمعني حجرة وأيضا‏:‏ حوش وفوطة وفستان وشنطة وجزمة وبرواز وبويا بمعني دهان كلها من أصل تركي‏.‏ وكلمة كراكون بمعني قسم بوليس وأدوات مثل‏:‏ الشاكوش والأجنة والكرباج‏.‏ وإذا قلت عن شخص إنه‏'‏ ترللي‏'‏ بمعني أن عقله‏'‏ مهزوز‏'‏ فاعلم أنك تتكلم اللغة التركية‏.‏
وعندما نقول‏'‏ طظ‏'‏ للتعبير عن الاستهزاء فربما لا يدري الكثيرون أنها كلمة تركية معناها‏'‏ ملح‏'.‏ وسبب التسمية أن الجمارك علي الملح كانت محدودة للغاية مقارنة بغيرها من السلع فكان التجار يقولون باستخفاف‏'‏ طظ‏'‏ عندما يأتي تاجر الملح ببضاعته‏.‏
ولتسمية‏'‏ الحنفية‏'‏ قصة ترتبط بالأتراك‏.‏ فغالبية المصريين كانوا من الشافعية أو المالكية‏,‏ أما الأتراك فكانوا من أتباع مذهب أبي حنيفة النعمان‏.‏ وكان الأوائل يتوضأون بمياه يأخذونها بأيديهم من أحواض أو خزانات‏.‏ أما الحنفية الأتراك فكانوا يرفضون ذلك ويصرون علي التوضؤ بالمياه الجارية‏.‏ وعندما شاع استخدام الصنبور أطلق عليه المصريون اسم‏'‏ حنفية‏'‏ ربما كنوع من السخرية المصرية الشهيرة علي أؤلئك الأتراك الذين يرفضون التوضؤ مثلهم‏.‏
وكنت أتساءل دائما عن أصل كلمة‏'‏ تملي‏'‏ بمعني دائما واكتشفت من الكتاب أنها كلمة تركية وكذلك كلمة بقشيش وكلمة بلطجي التي صارت متداولة في زمن ازدادت فيه البلطجة في مجتمعنا‏.‏
أما الكتاب الثاني‏'‏ الأتراك في مصر وتراثهم الثقافي‏'‏ وعلي غلافه صورة لمحمد علي باشا فيتناول حقبة الأسرة العلوية التي حكمت مصر من‏1805‏ إلي‏1952‏ وهي حقبة كما يقول الكتاب كان فيها التأثير الثقافي التركي أقوي كثيرا من ذي قبل‏.‏
ويصف د‏.‏ أكمل الدين كتابه الثاني في المقدمة بأنه‏'‏ هدف حياة ونتاج مصير‏'‏ ويؤكد أن تأليفه قد استغرق أربعين سنة من حياته‏.‏
ولا شك أن المؤلف قد استعان بمجموعة من الباحثين لأن الكتابين يحتويان علي معلومات وببليوغرافيا تحتاج إلي مؤسسة كاملة لتجميعها‏.‏ ولا يترك الكتابان صغيرة ولا كبيرة إلا ويغوصان في دور الأتراك بها‏.‏ فالعمارة والموسيقي والغناء والخط والطباعة والترجمة والصحافة والعسكرية والبنية الاجتماعية والتجمعات الحرفية قد تم تناولها باستفاضة وبتفصيلات لا أعتقد أنها مجمعة بهذه الصورة في أي كتاب آخر‏.‏
ولأن الكتاب الأول يتكون من نحو‏500‏ صفحة في حين يصل الثاني إلي نحو‏450‏ فمن المستحيل تلخيصهما في هذه المساحة المحدودة‏.‏
لكنه من الممكن النظر إليهما علي أنهما محاولة جادة ومخلصة لرد اعتبار الأتراك في الذهنية المصرية والعربية في وقت عادت فيه تركيا الحديثة إلي إحياء اهتمامها التقليدي بالعالم العربي بعد نحو قرن من التباعد وانفصام المصير‏.‏
وكانت تصريحات رئيس الوزراء التركي أردوغان في قمة سرت الأخيرة بأن مصير تركيا مرتبط بالعالم العربي بمثابة تأكيد وتكريس للفكرة الجوهرية الكامنة وراء كتابي د‏.‏ أكمل الدين إحسان أوغلي‏.‏ فتركيا‏,‏ مثلها مثل مصر‏,‏ تمتلك المقومات اللازمة لتكون همزة الوصل بين الشرق والغرب‏.‏

المزيد من مقالات شريف الشوباشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.