سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 15-6-2025 مع بداية التعاملات    8 قتلى و207 مصابا في هجومين صاروخيين شنتهما إيران على إسرائيل    مسؤول إسرائيلي: استمرار العملية العسكرية ضد إيران أسابيع.. وتُنفذ بموافقة أمريكية    "يخضع لجراحة عاجلة".. مصدر ل"يلا كورة": إمام عاشور تعرض لكسر في الترقوة    تصدى ل8 تسديدات.. قفازات أوستاري تحرم الأهلي من الفوز الأول بكأس العالم للأندية    أول تعليق من ريفيرو على تعادل الأهلي مع إنتر ميامي    بداية الانفراجة، انخفاض بدرجات الحرارة اليوم الأحد في مصر    نقابة الموسيقيين تحذر مطربي المهرجانات والشعبي بسبب الراقصات    «ظلم الأحمر».. خبير يقيم حكم مباراة الأهلي وإنتر ميامي    عودة القطاع الخاص تفتح خزائن الائتمان وتقود نمو محافظ الإقراض    محافظ قنا يشارك في الاحتفالية الرسمية لاستقبال الأنبا إغناطيوس بالمطرانية    بكام الفراخ النهارده؟.. أسعار الدواجن والبيض في بورصة وأسواق الشرقية اليوم الأحد 15 يونيو 2025    إصابات واستهداف منشآت استراتيجية.. الصواريخ الإيرانية تصل حيفا    مجدي الجلاد: الدولة المصرية واجهت كل الاختبارات والتحديات الكبيرة بحكمة شديدة    إعلام إسرائيلي: مصرع 5 وأكثر من 100 مصاب جراء القصف الإيراني على تل أبيب    اليوم.. طلاب الثانوية الأزهرية يؤدون امتحان مادة اللغة الإنجليزية    «زي النهارده».. وفاة وزير الداخلية الأسبق النبوي إسماعيل 15 يونيو 2009    ذكريات مؤثرة لهاني عادل: كنت بابكي وإحنا بنسيب البيت    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    احتفالًا برأس السنة الهجرية 1447.. أجمل صور لتصاميم إسلامية تنشر البهجة والروحانية    سبب دمارًا كبيرًا.. شاهد لحظة سقوط صاروخ إيراني في تل أبيب (فيديو)    إمام عاشور يسقط باكيا إمام إنتر ميامي.. وتدخل عاجل يفشل في إعادته للمواجهة    اليوم.. الأزهر الشريف يفتح باب التقديم "لمسابقة السنة النبوية"    "رفقة سواريز".. أول ظهور لميسي قبل مباراة الأهلي وإنتر ميامي (صورة)    أعراض السكتة القلبية، علامات صامتة لا يجب تجاهلها    سوريا تغلق مجالها الجوي أمام حركة الطيران    السفارة الأمريكية في البحرين تدعو موظفيها إلى توخي الحذر عقب الهجوم على إيران    المهرجان القومي للمسرح يعلن عن برنامج ندوات الدورة 18 بالإسكندرية    "العسل المصري".. يارا السكري تبهر متابعيها في أحدث ظهور    الجلاد: الحكومة الحالية تفتقر للرؤية السياسية.. والتعديل الوزاري ضرورة    القانون يحظر رفع أو عرض العلم المصرى تالفا أو مستهلكا أو باهت الألوان    3481 طالب يؤدون امتحانات نهاية العام بجامعة حلوان التكنولوجية    بداية العام الهجري الجديد 1447.. عبارات مميزة لرسائل تهنئة وأجمل الأدعية    ضبط كوكتيل مخدرات وأسلحة آلية.. سقوط عصابة «الكيف» في قبضة مباحث دراو بأسوان    رسميًا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 15 يونيو 2025    كهرباء قنا تفتتح مركزًا جديدًا لخدمة العملاء وشحن العدادات بمنطقة الثانوية بنات    بمشاركة 20 ألف.. مستقبل وطن يُطلق مؤتمر شباب الدلتا بالإسكندرية    شهادة أم وضابطين وتقارير طبية.. قائمة أدلة تُدين المتهم في واقعة مدرسة الوراق (خاص)    بالخطوات.. نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في الجيزة عبر الرابط الرسمي المعتمد    خبير تربوي عن الثانوية العامة 2025: السنة دي فرصة ذهبية لتحقيق نتائج متميزة    إصابة سيدتين وطفل في انقلاب ملاكي على طريق "أسيوط – الخارجة" بالوادي الجديد    «الإصلاح والنهضة» ينظم صالونًا حول المستهدفات الحزبية في الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    نتناولها يوميًا وترفع من نسبة الإصابة بأمراض الكلى.. أخطر طعام على الكلى    دون أدوية أو جراحة.. 5 طرق طبيعية لتفتيت وعلاج حصوات الكلى    ضمن مبادرة "100 مليون صحة".. صحة الفيوم تقدم خدمات المبادرات الرئاسية لأكثر من 18 ألف مواطن خلال عيد الأضحى    رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السابق: لا تأثيرات لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية على مصر    سر دموع عبد الفتاح الجرينى على الهواء فى "صندوق الذكريات" ب"آخر الأسبوع"    بدأت في القاهرة عام 2020| «سيرة» وانكتبت.. عن شوارع مدن مصر القديمة    كأس العالم للأندية| «ريبيرو» يعقد محاضرة فنية للاعبي الأهلي استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي    إصابة 10 أشخاص إثر حادث تصادم 3 سيارات في دمنهور (صور)    أسرار صراع المحتوى «العربي - العبري» في الفضاء الاصطناعي    وزيرة التخطيط تلتقي بمجموعة من طلاب كبرى الجامعات بالمملكة المتحدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    جامعة بدر تفتح باب التقديم المبكر بكافة الكليات لطلاب الثانوية العامة والأزهري والشهادات المعادلة    النيابة تدشن المرحلة الأولى من منصتها الإلكترونية "نبت" للتوعية الرقمية    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    فرصة للراحة والانفصال.. حظ برج الدلو اليوم 15 يونيو    الهلال الأحمر المصرى: تنظيم حملات توعوية لحث المواطنين على التبرع بالدم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصوليون الإسلاميون يعودون إلي المشهد السياسي في تونس
نشر في القاهرة يوم 11 - 01 - 2011

تعود جذور الحركة الإسلامية التونسية إلي الاصطام ما بين الإيديولوجيا البورقيبية التحديثية والمؤسسة الدينية الزيتونية العريقة في أواخر الخمسينات، وقد تمثلت البورقيبية شأنها في ذلك شأن الكمالية في تركيا علمانية الجمهورية الثالثة الفرنسية التي فصلت بشكل تام ما بين الدين والدولة عام 1905، ومن هنا يحضر مصطفي كمال في الخطاب البورقيبي بوصفه «صانع معجزة، والنمط المثالي للبطل والرئيس والقائد الأعلي - ومصدر الفخر الوطني لتركيا- رائد النضال الشعبي في تركيا- باني تركيا الحديثة- رجل حرب وميدان، وليس من باب المصادفة ان يركز الخطاب السياسي البورقيبي علي كمال أتاتورك في خلق الوعي الوطني، وبلورة إيديولوجيا قومية قادرة علي التعبئة، نظراً لتركيز السياسة الثقافية التونسية علي نفس الأطروحات ونفس التوجهات التي قامت في تركيا وأثبتت نجاحها، وقدرتها علي الاستمرارية».
إلا أن الخطاب البورقيبي جذر رؤيته تونسيا في إصلاحية خير الدين التونسي في القرن التاسع عشر، وبرز كأنه وريث له. فقد تمثلت استراتيجية كل من خير الدين وبورقيبة في «تحييد معارضة النشأة الدينية في تونس العاصمة بتضمين وتوريط ممثليها في عملية الإصلاحات المؤسساتية، وتقديم هذه الاصلاحات الأوروبية الإلهام بوصفها أفضل منظومة دفاع للأمة الإسلامية».
ان تمركز السلطة السياسية في أيدي الحزب الدستوري، المتكونة أساساً من الشرائح العليا من الطبقة الوسطي، ذات التكوين الثقافي الغربي، دفعت بالرئيس بورقيبة إلي خوض الصراع ضد الحركة اليوسفية التي عارضت الاتفاقيات التونسية الفرنسية التي وقعها بورقيبة بشأن استقلال تونس، حيث اتخذ هذا الصراع طابعاً دينياً وثقافياً وحضارياً، وهو ليس مجرد صراع سياسي علي السلطة فقط كما تصوره بعض الأطروحات، بل هو صراع حول الهوية بالدرجة الأولي، طالما ان صالح بن يوسف ينتمي إلي البرجوازية التجارية التقليدية، ويدافع عن الهوية العربية الإسلامية لتونس، ومرتبط بالحركة الناصرية وقادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية.
وكانت الحركة اليوسفية متحالفة حينئذ مع المؤسسة الدينية، بدليل ان خصوم بورقيبة، اتخذوا من جامع الزيتونة قاعدة لتنظيم أول لقاء جماهيري لهم وأعطوا لمعارضتهم طابعاً دينياً مستغلين القيمة التراثية لجامع الزيتونة كأداة لتعبئة الجماهير الشعبية، فمن المسجد الكبير أعلن بن يوسف في 7 أكتوبر 1955 قطيعة مع توجه الرئيس بورقيبة للدستور الجديد إزاء فرنسا، ويميل دباش إلي تفسير العامل السياسي من خلال العامل الديني، قائلاً إن الأبعاد التي اكتسبتها الحركة اليوسفية «ترينا ضخامة الظاهرة الدينية»، وقد دفعت المؤسسة الدينية ثمناً غاليا نتيجة مساندتها اللامحدودة للحركة اليوسفية، وكان هذا التحالف أحد أسباب الصدام بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية التقليدية، واتخذ بورقيبة قرارات غاية في الأهمية اتسمت من حيث مضمونها الإيديولوجي، وبعدها الحضاري المدني ب «الثورية البرجوازية» في إطار صراعه مع المؤسسة الدينية التقليدية، فقام بتصفية الأحباس أي الأوقاف عبر إصداره قراري 31 مايو 1956 و18 يوليو 1957، وبذلك أسهم بورقيبة بشكل جذري في تفكيك البنية التحتية الاقتصادية للمؤسسة الإسلامية.
وفي نطاق المواجهة الإيديولوجية ومحاصرة فاعلية الهياكل الثقافية للمؤسسة الدينية التقليدية، انتهج بورقيبة سياسة تعليمية قوامها العلمانية، وبناء المؤسسات الجامعية والتكنولوجية التي تعتمد تدريس ونشر العلوم والتقنيات الحديثة، أسوة بفرنسا، وتكوين كوادر تونسية تستطيع ان تتصدي لحل المعضلات التي تجابه الدولة التونسية الفتية علي الصعد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، ان هذه الرؤية الإصلاحية الجذرية للسياسة الثقافية التي قوامها التحديث والعلمانية كرست نوعاً من القطيعة بين السلطة السياسية ومؤسسة العلماء، خصوصاً عندما تم تحويل الجامعة الدينية الزيتونية العميقة الجذور في تاريخ المجتمع التونسي والمغاربي إلي مجرد كلية للشريعة وأصول الدين من الطراز الحديث في عام 1958، للحد من تأثير مركز المعارضة الرئيسية، وتحييدها عن كل إشعاع، وتغييبها عن العمل الثقافي.
تصفية المؤسسة
ولما كانت النخبة المثقفة الزيتونية «دينية» تفصلها هوة تاريخية عميقة عن التكوين الثقافي والإيديولوجي البرجوازي، والتعليم الحديث، فإنها ظلت عاجزة تاريخياً وسياسياً عن تقديم الخطاب الإيديولوجي الذي يتلاءم مع الطموحات الجديدة لفئات المجتمع المدني التونسي، فضلاً عن عجزها عن تقديم مشروع لبناء مجتمع بديل عن المجتمع التقليدي المتأخر، وتقديم كوادر تلبي حاجيات بناء الدولة العصرية، وتحقيق التنمية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتربوية، وبالمقابل فإن النخبة المثقفة ذات التكوين التعليمي والثقافي في الجامعات الفرنسية والتي تنحدر من الفئات الوسطي، اضطلعت بدور قيادي في الحركة الوطنية التونسية وفي مقاومة الاستعمار الفرنسي، وانتزعت «الاستقلال» وقامت ببناء دولة عصرية، وهكذا، فعندما استسلم الرئيس بورقيبة للسلطة «كان قد حدد مصيره وموقفه من الإسلام كمؤسسة قائمة ممثلة بالوسط الزيتوني، الذي اصطدم مع الحزب الدستوري في مناسبات عديدة قبل الاستقلال وتزعمته ارستقراطية دينية متكونة من بعض كبريات عائلات مدينة تونس، احتكرت بالوراثة والتزكية أهم مراكز التعليم والقضاء والافتاء»، علي حد بعض التقديرات.
وعلاوة علي تصفية المؤسسة الزيتونية الدينية عن كل دور ثقافي وسياسي، اتخذ الرئيس بورقيبة في الفترة الفاصلة ما بين 1956 و1958 قرارات راديكالية في المجالات القضائية، فقام بإصدار مجلة «الأحوال الشخصية» للمرأة التونسية، التي حددت الزواج بامرأة واحدة، ومنعت تعدد الزوجات، وحددت أيضاً سن الزواج للمرأة ب «17» سنة والمهر بدينار واحد، ونصت علي ان الطلاق لا يتم إلا أمام المحاكم، وأبطلت الطلاق من طرف الزوج، وتسامحت مع زواج المرأة المسلمة من رجل غير مسلم.
توحيد القضاء
وفي إطار هذه الاستراتيجية السياسية التي بنتها الدولة التونسية، والتي سعت إلي فرض البديل الإيديولوجي الذي يتخذ من التحديث والعلمانية أداة وشكلاً، قام بورقيبة بتصفية المؤسسة القضائية القديمة، وأنشأ جهازاً قضائياً منفصلاً، وبذلك تم توحيد القضاء في مؤسسة قضائية واحدة ضمت الغالبية العظمي من قضاة وطلاب الجامعة الزيتونية، ولكنها طبقت القوانين الوضعية العلمانية الفرنسية إلي جانب الشريعة الإسلامية، غير ان حركة الاجراءات التحديثية عند بورقيبة لم تقف عند هذا الحد، بل إن الخطاب السياسي، يشكك أيضاً في ذروة حيويته ونشاطه، بجدوي الفروض الدينية، فقام بحملة دعائية ضد صيام رمضان، وظهر وهو يحتسي كوباً من عصير الفواكه أمام الناس في شهر رمضان عام 1960، مبرراً ذلك بأن الصوم يشكل عائقاً أمام الإنتاج، ودعا العمال إلي الإفطار، وانتقد ظاهرة عيد الأضحي والحج وشكك في قيمتيهما، لما يسببانه من خسائر كبيرة في العملة الصعبة وفي قطاع المواشي كل سنة، لا تقدر البلاد علي تحمله، وقرر تثبيت تقويم الأشهر القمرية علمياً، والكف عن اتباع الأمر للرؤية البشرية للهلال.
ومع تعمق عزلة الأوساط الزيتونية التي أقصيت عن كل حضور في المؤسسات التقليدية باستثناء الكلية الزيتونية، نجح بورقيبة في تجريد المعارضة الدينية من أسلحتها، حيث تميزت السياسة الثقافية التي سادت في مرحلة الستينات بمجموعة من الخصوصيات:
أولاً: احتكار أجهزة الدولة للنشاط الديني وإشرافها عليه مباشرة من خلال مؤسسة الشعائر الدينية التابعة في البداية لرئاسة الجمهورية، وهي التي تضبط الوضع القانوني والاجتماعي لموظفيها.
ثانيا: تحويل العلماء التقليديين والمفتي إلي موظفين رسميين ومستشارين لدي السلطة السياسية وتحجيم قدرتهم علي المعارضة.
ثالثاً: إزاحة المؤسسة الدينية عن كل دور قيادي وروحاني علي المستوي الاجتماعي بحكم ان الأنتلجنسيا التقليدية أصبحت تخضع لوضع مهني معين يتبع الوظيفة العمومية ويتولي المفتي تمثيل رئيس الدولة في المؤتمرات والندوات.
رابعاً: احتكار الأجهزة السياسية لكل الأنشطة الدينية من حيث الاجتهاد والعبادة وتطبيق القوانين الإسلامية وتحويل المفتي إلي مجرد مستشار لدي السلطة السياسية.
علي الرغم من «الجذرية البرجوازية العلمانية» للاجراءات والقرارات التي اتخذها بورقيبة في إطار تدعيم المؤسسات الفوقية للنظام الجديد، وفي سياق سياسة التحديث والعلمنة علي المستويين الثقافي والاجتماعي، والأدلجة الظرفية والمرحلية للإسلام، إلا أنها في المحصلة النهائية لم تؤد إلي فصل الدين عن الدولة، بالشكل الجذري والعلماني كما حصل في الغرب.
فالخطاب السياسي والإيديولوجي للدولة التونسية رغم علمانيته، لم يؤد إلي قطيعة فكرية ومرجعية مع الإيديولوجية الإسلامية، لأن ما قام به بورقيبة هو ضرب المؤسسة الدينية التقليدية بغية تحجيمها، وجعلها مؤسسة دينية مجردة من أية سلطة، وتابعة بشكل مباشر للنظام السياسي القائم، في سبيل تأسيس وهيمنة الإيديولوجية الدستورية المتسمة بالعصرانية والتونسية. وهكذا أدمجت النخب المثقفة الدينية الزيتونية في دواليب المؤسسات الاجتماعية والثقافية للدولة التونسية الحديثة، ولم تعد وحدها الناطقة باسم الدين أو الممثلة لسلطته في جسم المجتمع.
حجة للشرعية
إذا كانت تونس قد عرفت الاستمرارية التاريخية للعلاقة بين الديني والسياسي قبل عهد الاستقلال باعتبارها علاقة حاضرة علي مر التاريخ ومارست مفعولها وتأثيرها علي نطاق المجتمع، فإن الخطاب السياسي للدولة ومشروعها «العلماني» الساعيان إلي إقامة المجتمع المدني المنفصل عن المجتمع الديني، قد أوجدا علاقة متوترة بين الدولة والدين، من دون أن يقود ذلك إلي القطيعة النهائية بينهما، بالمثل أن الدولة مارست الوصاية علي الشعائر الدينية، واستفادت من الرموز الثقافية التقليدية لتبرير الإيديولوجية الوطنية التي كانت تبحث عن موطئ لها وسط فضاء ثقافي تقليدي. فالعلمانية هي السمة المميزة للإيديولوجية الوطنية في تونس، خاصة في فترة الستينات حيث سعي النظام السياسي في إطار مفهومه للتونسة كترجمة لصيغة الدولة- الأمة، وفي مواجهة المد الناصري، إلي التمايز عن المشرق العربي الذي تسيطر عليه الإيديولوجية القومية واحتواء المؤسسات الدينية التقليدية. وهذا الاندفاع أدي إلي التنظير لمبدأ «الشخصية القومية التونسية» في مقابل الشخصية العربية الإسلامية، و«الأمة التونسية»، كخطاب بديل للخطاب القومي العربي في الستينات. فمبدأ العلمانية لم يمنع السلطة السياسية من الشعور بالحاجة في فترات معينة إلي الإسلام كحجة قصوي للشرعية، ولمواجهة الحركات الدينية التي تتبني قيمًا تعبوية مثل العدالة والحرية والمساواة. وهكذا تحول مفهوم القدسية من الإطار الديني التقليدي إلي مفهوم قدسية الدولة وقدسية الجهاد ضد التخلف «واللحاق بركب الحضارة»، ومعني ذلك أن علمانية الخطاب السياسي لا تتنافي مع منطق «براغماتي» موازٍ يخلع القدسية عن الرموز الإسلامية وأبعادها التقليدية ويوظفها في إطار المشروع التعبوي للسلطة السياسية Un Projet Démobilisation باعتبار أن المؤسسة الدينية هي جهاز إداري تابع نظريًا (من حيث قيمه ومراجعه الفكرية) وفعليًا (تبعيته المطلقة لسلطة الإشراف العليا). ولعل ذلك ما يوحي بأن للدولة إسلامًا غير الإسلام الشعبي المجسد في مؤسسة الزوايا والتكايا والمساجد.
ولعل الخاصة الأولي للخطاب التحديثي الجديد هي اتجاهه إلي إنجاز مشروع الدولة العلمانية المختلفة عن بقية الدول العربية والدفاع عن مبدأ استقلالية الذاتية التونسية مرجعيًا وفكريًا. كما أن هذا الخطاب يتصف بطابع شعبوي PoPulariste بحكم انتماء الطبقة السياسية في تونس إلي البرجوازية الصغيرة وإلي الطبقات الوسطي. ولهذا الخطاب نزعة توفيقية بين مختلف الشرائح الاجتماعية المكونة للمجتمع التونسي، بهدف توحيدها حول جهاز «الدولة الوطنية» وطمس الفوارق الاجتماعية والطبقية. أما الخاصة الثانية لهذا الخطاب فهي اعتماده مبدأ مركزية الدولة كجهاز سياسي لا تخترقه القوي الاجتماعية، باعتباره لا يستمد شرعيته من منظومة طبقية معينة بل من مراحل النضال التاريخي.
المحور المركزي
وكان التعليم بجميع مراحله الابتدائية والثانوية والجامعية، هو المحور المركزي للسياسة الإصلاحية والعلمانية، التي انتهجتها الدولة التونسية بعد الاستقلال، والمدخل الرئيسي نحو الصبوة الاجتماعية البرجوازية المتوسطة، والحصول علي وظيفة جيدة في مؤسسات الدولة، والتكيف مع نموذج الحياة الجديدة (العصرانية المستلهمة من الغرب)، بالنسبة لعموم طبقات الشعب، بحكم ديمقراطية التعليم التي كانت سائدة، وتعميمه علي صعيد كل القطر. غير أن نهاية الستينات التي شهدت سقوطًا عنيفًا لتجربة الاشتراكية الدستورية، بعد أن عبأت الدولة الفئات الاجتماعية الأكثر فقرًا حول الخيار الاشتراكي، وقبول التضحيات، من أجل تحقيق التنمية في البلاد، فقدت الدولة مصداقيتها الكاملة كمؤسسات وكخيارات اقتصادية اجتماعية، يمكن أن تؤمن المستقبل لأبناء الشعب. وفضلاً عن ذلك، فقد التعليم بريقه اللامع، واستتبع ذلك خيبة أمل لدي قسم من الشباب في التعليم، حيث رفع طلاب ثانوية تونس هذا الشعار «طلابًا أو غير طلاب المستقبل ليس لنا».
وهكذا، فإن المجتمع التونسي الذي عاش إرهاصات مرحلة ما بعد الاستقلال دخل في أزمة بنيوية عميقة في نهاية الستينات، هي أزمة اجتماعية وإيديولوجية شاملة للمدينة والريف معًا، وطرحت في الوقت عينه قضيتين رئيسيتين:
1- الصراع بين الخيار الإيديولوجي التغريبي الذي تبي الفرنكوفونية وشعار اللحاق بالغرب الرأسمالي باعتبار «أن كل ما هو مستورد من الغرب يمثل الرقي والتطور والمدنية»، وبين الموروث الثقافي العربي الإسلامي، الذي قوامه النزعة السلفية المحافظة والعودة إلي التراث، وأمام تعمق التبعية الثقافية للغرب الرأسمالي، طرحت محصلة الهوية الثقافة القومية للمجتمع وللشباب.
2- احتدام التناقضات الطبقية علي الصعيد الاقتصادي الاجتماعي، وتنامي عملية الاستقطاب للشباب في حركة الصراع الطبقي.
وفيما وجد قسم من الشباب ضالته في الاتجاه الماركسي اللينيني المتمرد أساسًا بالجامعة، إيمانا منه بأن الماركسية تمتلك الأجوبة الكافية لهاتين القضيتين، تلمست فصائل أخري من الشباب طريق العودة إلي الإسلام في مفهومه الكلي والشمولي. هذه التحولات القانونية والاجتماعية التي هزت النسيج التقليدي للمجتمع، وإقرار سياسة علمانية في التعليم مع مجانيته في المدارس العصرية، كانت عوامل خصبة لنشوء معارضة دينية حادة علي مقاس التغييرات الجذرية والسريعة التي شهدها المجتمع، لذا جاء رد الفعل الأول في شكل هبة واسعة ودامية قادها رجال الدين في مدينة القيروان (الانتفاضة الشعبية في 17 يناير 1961) معقل السلطة الدينية الإسلامية في المغرب العربي، وفي مقدمتهم إمام الجامع الأكبر عبدالرحمن خليف الذي صار فيما بعد من أبرز الرموز المعتدلة للتيار الديني.
وكانت نهاية الانتفاضة في سنة 1961 واعتقال كل من شارك فيها بمثابة إسدال الستار علي المعارضة الدينية للخط التحديثي، إذ لم تعد هذه المعارضة تجرؤ علي رفع صوتها والمجاهرة بعدائها للخيارات العلمانية، فضلاً عن فقدانها لجهاز حزبي يؤمن لها استمرار الوجود والعمل تحت الأرض. ولعل هذه الظاهرة هي إحدي خصوصيات مرحلة الستينات في تونس، ولم يكن هناك تنظيم سياسي ديني علي غرار حركة الإخوان المسلمين في مصر، ولم تفلح التيارات الدينية المشرقية في زرع فروع محلية لهما في تونس علي عكس ما حدث في الثمانينات.
الحركة الإسلامية المناضلة
عرفت تونس في الستينات انقلابات اجتماعية عميقة، غيرت- مع مرور السنوات- هياكل المجتمع التقليدي، ومع بداية السبعينات عرف الاقتصاد التونسي انفتاحًا واسع النطاق علي الخارج، واندماجًا متزايدًا في السوق الرأسمالية العالمية، وانعكست تلك العملية في نمط الاستهلاك والعيش، وفي تهافت الطلب علي السلع الرأسمالية، وفي انتشار ظواهر الأنانية والربح السريع، واستغلال الفرص واللصوصية الملازمة للمجتمع البرجوازي، مما أدي إلي انحطاط القيم الأخلاقية الموروثة من المجتمع القديم.
وفضلاً عن ذلك، فقد ترسخت خيارات الدولة القائمة علي التكامل مع السوق العالمية، وبناء الاقتصاد التصديري الذي يلبي حاجيات تلك السوق، مما أدي إلي تدمير الزراعة في الريف بعد فشل عصرنتها، وتنامي الثروات الفاحشة بطريقة مذهلة عند بعض الفئات الاجتماعية، وتزايد الفقر والعوز الاقتصادي لدي الطبقة الشعبية، وتفاقم تعقيدات الحياة المدنية، وهجرة أبناء الريف إلي المدينة مشكلين بذلك أحزمة الفقر. إن كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلي توليد أزمة القيم بكليتها وشموليتها علي صعيد المجتمع التونسي، في ظل طغيان نموذج الحداثة الذي قاده الرئيس بورقيبه. وما أدي إليه من تعميق الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وتوسيع الهوة بين المدينة والريف، واختلال في مسيرة «التنمية» غير المتكافئة، في تمركزها وشموليتها الاقتصادية الاستثمارية والاجتماعية، والثقافية، والترفيهية بين المناطق الساحلية وداخل البلاد، وهذا ما أدي بدوره إلي اشتداد التناقضات الطبقية بعمقها الاجتماعي.
لقد شكلت هذه الأسباب الرئيسية القاعدة الأساسية لنشوء الحركة الإسلامية في تونس، التي تشكلت تحديدًا في العام 1970، تاريخ تأسيس مجلة «المعرفة» الإسلامية الشهرية، التي تحلقت حولها أبرز العناصر الإسلامية (الشيخ راشد الغنوشي، وعبدالفتاح مورو) الرافضة للعمل من داخل جهاز الدولة. وفي مقابل تيار المعرفة، كان بعض شيوخ الجامعة الزيتونية بعد انقطاع التعليم فيها قد شكلوا حلقات الدرس في الجامع الأعظم. وكانت هذه الحلقات يديرها الشيخ أحمد بن ميلاد، والشيخ الخياري، وآخرون ممن كانت لهم جهود فردية.
وقد تكونت حول الشيخ أحمد بن ميلاد حلقة اعتاد الشبان الجلوس إليها،و وفي مقدمة هؤلاء عبدالفتاح مورو، واستمر الأمر علي هذا النحو مدة إلي أن أحس مورو بنفسه الاستقلال فصارت له حلقة خاصة به في جامع حمودة باشا، ثم في جامع سيدي يوسف. وكان الشبان المنتمون لهذه الحلقة، ليست لديهم تجربة كبيرة في التكوين الفقهي، لذا اقتصر نشاطهم علي الطواف في القري المجاورة لتونس علي طريقة جماعة التبليغ، يدعون الناس إلي الصلاة، وجاءت سنة 1969 التي شهدت فيها تونس أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية عامة في نهاية تجربة «الاشتراكية الدستورية» التي امتدت من العام 1962 وحتي أواخر 1969 لتعجل بولادة الحركة الإسلامية التي التقي في داخلها أبناء الملاكين الكبار والبرجوازيين التقليديين والتجار الذين زجوا قسرا في التعاونيات الزراعية في مرحلة الستينات بمناضلين منحدرين من فئات شعبية مدنية أو ريفية، أرهقهم الإيقاع اللاهث للانقلابات الاجتماعية السريعة في الحياة المادية والروحية. وتكونت في ذلك العام جمعية المحافظة علي القرآن الكريم القانونية بقيادة الشيخ الحبيب المستاوي، الذي يعتبر نفسه رائدا في العمل الإسلامي عبر تكوينه حلقة لنفسه بجامع الزيتونة، وبعثه مجلة «جوهر الإسلام» الدينية في منتصف عام 1968. وكان المستاوي متشيعا لصالح بن يوسف غير أنه عاد إلي صفوف الحزب وانتخب عضو لجنة مركزية للحزب الحاكم، ويذكر صلاح الجورشي أن الشيخ أراد أن يستدرج الإسلاميين كمجموعة شابة في إطار الحزب الحاكم، كان شعاره: ندخل الحزب لتغييره من الداخل، وهو من دعاة العمل من داخل جهاز الدولة، وكان يقول: نحن المسلمون يجب ألا نترك المجال للحزب الحاكم يتصرف كما يشاء، بل ندخل الحزب نسيطر علي الشعب واللجنة المركزية، ونصبح قوة مؤثرة في داخل الحزب اختلفنا معه في ذلك، ولكن باستثناء هذا الخلاف السياسي فقد كان يري فينا أملا للمستقبل.
راشد الغنوشي
كما شهد العام 1969عودة الشيخ راشد الغنوشي الذي سيلعب دورا رئيسيا في التأصيل الفكري النظري للاتجاه الإسلامي في تونس، وكان الشيخ راشد الغنوشي ولد في قرية صغيرة في الجنوب التونسي «الحامة» بمحافظة قابس عام 1941، ودرس بالمدرسة الزيتونية بقابس ثم انتقل إلي الخلدونية حيث نال شهادة التحصيل سنة 1962، وانتدب بعدها معلما في مدينة قفصة فمكث هناك سنة ثم التحق بالقاهرة لغاية الدراسة الجامعية في أوائل خريف 1963، ثم اضطر بعد عام ونصف العام للانتقال إلي سورية بسبب تدهور العلاقات التونسية المصرية وقد تخرج الشيخ الراشد الغنوشي بشهادة الأستاذية شعبة الفلسفة في جامعة دمشق سنة 1968، ثم انتقل إلي باريس وسجل دراسات عليا، إلا أنه انقطع عن الدراسة بعد عام لظروف عائلية، وعاد إلي تونس ليستقر فيها كمدرس للفلسفة.
لقد عاد الغنوشي من سورية بثقافة إسلامية لكنها غير مصحوبة بتجربة عملية في العمل الإسلامي، وكانت أول تجربة حركية عملية خاضها الشيخ راشد الغنوشي في العمل الإسلامي هي مع جماعة التبليغ في باريس سنة 1969 حيث يقول: فتعلمت منهم مخاطبة الناس، كنا نذهب للمقاهي، إلي الحانات في الحقيقة، محاولين استنقاذ العمال المغاربيين الذين لم يتسن لهم أي توجيه إسلامي، أخوة التبليغ أرسلوا نواة في باريس للعمل الإسلامي أدركتها عندما التحقت بباريس سنة 1969. وكان لنا مسجد صغير في بال فيل، وهناك كانت لي أول تجربة في العمل الإسلامي وفي مخاطبة عامة الناس وتحويل النظريات الثقافية إلي واقع حركي، بهذه التجربة عدت إلي تونس، عدت بثقافة إسلامية مصادرها الأساسية كتابات الإخوان وكتابات المودودي ومالك بن نبي إلي جانب الثقافة الفلسفية التي تكونت بها.
التقي الشيخ راشد الغنوشي مع عبدالفتاح مورو وحميدة النيفر الذي ينتمي إلي عائلة أخذت مكانا بارزا في المؤسسة الدينية، وصلاح الدين الجورشي، وكان لهذه النواة نشاط مع جمعية المحافظة علي القرآن الكريم، وقد تأسست سنة 1970 أول حلقة نقاش في جامع سيدي يوسف، وتضم حوالي ثلاثين أو خمسة وثلاثين شابا معظمهم كانوا طلابا عند الشيخ راشد الغنوشي في صف الباكلوريا في معهد ابن شرف، حيث اضطلعوا بنقل العمل الإسلامي إلي الجامعة التونسية.
ولما انعقد المؤتمر الأول والأخير لجمعية المحافظة علي القرآن الكريم سنة 1970، تم إقحام الجزء الأكبر من التيار الإسلامي الصاعد بقوة في الجمعية القانونية، وفرض توجها جديدا فيها، حيث جري صراع قصير بين الشيوخ الزيتونيين التقليديين وبين رموز الشباب الإسلامي، سرعان ما حسم لصالح هؤلاء الأخيرين، وأفضي إحكام القبضة علي هذه الجمعية إلي فتح أبواب المساجد أمام «دعاة» الحركة السياسية الدينية، فتحولت الخطب إلي خطابات سياسية معارضة للنظام الاجتماعي القائم وناقدة لقيمه الأخلاقية والحضارية في سياق رفض منهجي ومطلق للحضارة الغربية ولفلسفتها.
يقول الشيخ راشد الغنوشي عن بداية الانتقال بالفكرة الإسلامية من الجامع إلي الجامعة التونسية ما يلي: كان أول مسجد في الجامعة تأسس بفضل مجموعة من الشبان الأتراك الذين أرسلتهم الجامعة التركية لتونس لأجل أن يتدربوا في معهد بورقيبة للغات الحية، وأن يأخذوا دروسا في العربية. لم يكن الأتراك فقط يصلون، كان المسجد كبيرا وكانت لنا فسحة لنقيم الندوات ونحيي المناسبات كالمولد وسائر المناسبات. ولم تكن هناك معارضة تذكر لأن الإسلام لم ينظر إليها علي أنها يمكن أن تشكل خطرا في ذلك الوقت. الدولة التونسية لم تكن لها تجربة في مقاومة الحركة الإسلامية. كانت منشغلة بمقاومة اليسار، لا سيما وأن الحركة الإسلامية لم تطرح نفسها طرفا سياسيا، وإنما كانت تطرح نفسها طرحا ثقافيا اجتماعيا عقائديا.
موضة فكرية
إذن بحكم أن النظام لم تكن له تجربة، وبحكم الطرح الذي تطرحه هذه المجموعة، كان ينظر إليها علي أنها نوع من الموضة كسائر الموضات لا ينبغي أن يلقي لها بال. غير أنه لما رجعت المجموعة الطلابية سنة 1971 وجدت أن المسجد قد أغلق لأن مجموعة الأتراك قد عادوا إلي بلادهم. فناضلت الجماعة حتي استعادت مسجدها، وتأسس بعد ذلك مسجد آخر في رأس الطابية وبدأت عملية دخول الإسلام إلي عالم الحداثة. وكأنها نوع من الفتح الإسلامي لمؤسسات العلمنة ظل يكتسح بسرعة كبيرة نظرا لما أحدثته العلمنة من استفزاز للهوية وتحد للشعور الديني، ومن فراغ. فكان هناك نوعان من التعطش، نوع من الشوق، نوع من الحنين للإسلام، ولا سيما من طرف الشبان الريفيين الذين كانوا يأتون إلي العاصمة وكانوا يعيشون في حالة من الاغتراب فقدمت لهم الحركة الإسلامية معني لحياتهم، وقدمت لهم محضنا ووسعا يعيشون فيه دفء الإيمان والتراحم والتعاون.. أيضا كان يجمع هؤلاء الشبان رؤية في الواقع علي أن هذا الواقع القائم ليس إسلاميا. هذا التأطير السياسي والتربوي والثقافي الذي فرض علي البلاد هو تأطير ليس إسلاميا، هو تأطير علماني. كان يجمع بين هؤلاء الشبان أيضا رؤية في العمل الإسلامي تنطلق من ضرورة العمل الجماعي، ولذلك كانت النواة الأولي تنظيما. منذ البداية كنا مؤمنين أن العمل الإسلامي ينبغي أن يكون عملا جماعيا وأن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا في إطار جماعة، لأن المشروع العلماني ليس مشروعا فرديا وإنما هو مشروع منظم تشرف عليه مؤسسات، مقاومته لا يمكن أن تتم إلا بأداة مشابهة. فكانت فكرة الجماعة فكرة أساسية في النواة الأولي، ولذلك لم تكن هذه النواة بدون قيادة يوما ومنذ البداية كانت هناك قيادة.
مجلة المعرفة
ومع تأسيس مجلة «المعرفة» الشهرية في العام 1970 والتي كان يديرها الشيخ عبدالقادر سلامة أحد أبرز رموز التيار الديني التونسي، تحلقت حولها معظم الوجوه الإسلامية الرافضة للعمل من داخل جهاز الدولة، ومن هؤلاء الشيخ راشد الغنوشي وحميدة النيفر اللذان انخرطا في أسرة التحرير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.