فى الفترة من 11 إلى 13 يوليو من هذا العام، زار الرئيس الإيرانى، إبراهيم رئيسى ثلاث دولا أفريقية، وهى كينياوأوغندا وزيمبابوى. فى ضوء ذلك، نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا اشترك فى إعداده باحثو المركز، أشاروا فيه إلى أبعاد وأهداف هذه الزيارة... نعرض من المقال ما يلى. أجرى الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى، فى الفترة من 11 حتى 13 يوليو 2023، جولة أفريقية شملت ثلاث دول هى؛ كينياوأوغندا وزيمبابوى، بدعوة من رؤساء الدول الثلاث ويليام روتو، ويويرى موسيفينى، وإيمرسون منانجاجوا، وذلك على رأس وفد ضمّ النائب الأول للرئيس الإيرانى، محمد مُخبر، ووزير الخارجية، حسين أمير عبداللهيان، ووزير الصحة، بهرام عين الله، ووزير الجهاد الزراعى، جواد ساداتى نجاد، وعددا من كبار المسئولين ورجال الأعمال الإيرانيين. • • • تأتى هذه الزيارة باعتبارها الأولى لرئيس إيرانى إلى أفريقيا، منذ 11 عاما، وشملت عددا من الأبعاد، يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالى: 1 توقيع اتفاقيات اقتصادية وتجارية: أكدّ الرئيس الإيرانى، قبيل بدء جولته الأفريقية، ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إيران والدول الأفريقية، والتى ما زالت عند مستوياتها الدنيا، إذ لا تتعدى حاجز المليار و200 مليون دولار. وأوضح رئيسى، خلال المؤتمر الصحفى الذى جمعه بنظيره الكينى، وليام روتو، فى أولى محطات جولته الأفريقية، ضرورة السعى لمضاعفة نسبة التجارة بين طهران ونيروبى إلى 10 أضعافها كمرحلة أولى و20 و30 ضعفا فى المستقبل، وفى هذا الإطار تم توقيع 5 مذكرات تعاون بين الجانبين فى مجالات الاتصالات والصحة وتربية المواشى والصيد البحرى. هذا إلى جانب التوقيع على أربع وثائق للتعاون مع أوغندا، التى مثلت المحطة الثانية للرئيس الإيرانى، وشملت تلك الوثائق الإعفاء من التأشيرات، والتعاون الزراعى، وإنشاء اللجنة المشتركة الدائمة، هذا فضلا عن افتتاح الرئيس الإيرانى مكتب الابتكار والتكنولوجيا بهدف التسويق للمنتجات الإيرانية المعرفية فى مجالات الأدوية والمعدات الطبية واللقاحات وغيرها. كما شهدت زيارة الرئيس الإيرانى، إلى زيمبابوى، التوقيع على 12 مذكرة تفاهم، تشمل مجالات الطاقة والزراعة والأدوية والاتصالات، بالإضافة إلى مشروعات تتعلق بالبحث والعلوم والتكنولوجيا. 2 نقل الخبرات الإيرانية: تسعى طهران لنقل خبراتها فى بعض المجالات إلى السوق الأفريقية، بهدف زيادة الحضور الاقتصادى فيها، إذ قدّم الرئيس الإيرانى خططا لنظيره الكينى، لإقامة منشأة فى مدينة مومباسا الساحلية لتصنيع عربة إيرانية أطلق عليها اسم «وحيد القرن». هذا إلى جانب اتفاق رئيسى مع موسيفينى على دعم إيران لمشروع أوغندا فى بناء مصفاة تكرير النفط بعد اكتشاف آبار جديدة للخام، وخط أنابيب بطول 1443 كيلومترا. وشهدت زيارة رئيسى إلى هرارى كذلك التوقيع على مذكرة تفاهم بشأن تسليم الجانب الإيرانى 200 جرار زراعى كمرحلة أولى، ويتبع ذلك نقل التقنية الإيرانية فى إنتاج تلك الجرارات وتدشين خط الإنتاج فى زيمبابوى. وبالتوازى مع ذلك، فقد قام رئيسى بتفقد مزرعة إيرانية فى أوغندا، بالتزامن مع احتفال إيران بالبداية الرسمية لمشروع الزراعة خارج الحدود الإيرانية فى أوغندا. 3 التعاون فى الطائرات المسيرة المدنية: شهدت زيارة الرئيس الإيرانى إلى نيروبى، إزاحة الستار عن طائرة مسيرة إيرانية تسمى «بليكان 2»، مُخصصة للأغراض الزراعية، حيث تتميز بامتلاكها برنامجا ذكيا للكشف عن مسار التحليق، وتطبيقات مزدوجة لرسم الخرائط ومعالجة الصور ورش المحاصيل واكتشاف الآفات الزراعية. وربما يُعزز ذلك اتجاه إيران، نحو تصدير الطائرات المسيرة ذات الاستخدامات العسكرية، إلى الدول الإفريقية، ولاسيما فى ظل ما أشارت إليه بعض التقارير من تقدم بعض تلك الدول بطلب الحصول على طائرات مسيرة من إيران، مثل مالى، وحصول بعضها الآخر فعليا عليها مثل إثيوبيا. • • • فى ضوء المعطيات السابقة، فإن طهران سعت من خلال الزيارة إلى تحقيق عدد من الأهداف يتمثل أبرزها فى التالى: 1 إيجاد شركاء جُدد: تأتى تلك الزيارة فى إطار سعى إيران إلى تقوية علاقاتها وإيجاد حلفاء جُدد لها فى القارة الأفريقية، وذلك فى ظل ما تتعرض له من ضغوط من قبل واشنطن والأطراف الأوروبية، على خلفية تصاعد الملفات الخلافية معهم، خاصة ما يتعلق منها باستمرار تصعيد إيران فى برنامجيها النووى والصاروخى، ومواصلة إمدادها روسيا بالطائرات المسيرة من طراز «شاهد 136» فى الحرب مع أوكرانيا. وتتشارك أوغندا وزيمبابوى، مع إيران فى الخضوع لعقوبات غربية. وأكد رئيسى خلال زيارته كمبالا أن مناهضة ما وصفه ب«قوى الاستكبار العالمى» فى إشارة إلى الغرب، هو هدف إيرانوأوغندا على السواء. كما تم استقبال رئيسى فى هرارى بفرقة تردد أناشيد منتقدة للغرب. وسبق تلك الجولة للرئيس الإيرانى، جولة أخرى قام بها إلى ثلاث دول فى أمريكا اللاتينية هى: فنزويلا ونيكاراجوا وكوبا، فى الفترة من 12 إلى 16 يونيو 2023، وهى الدول التى وصفتها طهران ب«الدول الصديقة»، وتشاطرها مناهضة ما تصفه ب«القوى الإمبريالية»، ولاسيما الولاياتالمتحدة. هذا إلى جانب زيارة أخرى قام بها رئيسى إلى إندونيسيا، فى 23 مايو 2023. وقد تم التوقيع على اتفاق بين الجانبين، يقضى بزيادة التبادل التجارى بينهما. وتؤشر تلك المحاولات من جانب إيران، على رغبتها فى تقليل أثر الحصار الاقتصادى والسياسى المفروض عليها من جانب الغرب. 2 تهميش المفاوضات النووية: تهدف طهران من توجهها للقارة الأفريقية إلى إيصال رسائل لواشنطن والأطراف الأوروبية فى الاتفاق النووى معها بأنها لا تعول كثيرا على التوصل إلى اتفاق معهم حول برنامجها النووى، على الرغم من المباحثات التى جرت بين إيران والأطراف الغربية خلال الفترة الأخيرة، سواء فى نيويورك، أو فى عدد من العواصم الخليجية، الأمر الذى يعزز موقفها فى تلك المباحثات، ويخفف من الضغوط التى تفرضها عليها تلك الأطراف، لتقديم تنازلات خلال المفاوضات، على أساس أن إيران هى من تسعى إلى التوصل لاتفاق بهدف رفع العقوبات عنها. وعلى الرغم مما سبق، فإنه ما تزال عقبات تطوير التجارة بين إيران وتلك الدول قائمة. ويأتى على رأسها تخوفها من الدخول فى شراكات مع الجانب الإيرانى، حتى لا تتعرض لعقوبات من جانب الولاياتالمتحدة، فضلا عن استمرار العقبات الخاصة بالتحويلات النقدية والمالية، نظرا لاستمرار رفض طهران القبول بشروط مجموعة العمل الدولية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (فاتف)، وهو ما يحرمها من استخدام النظام المصرفى الدولى، فضلا عن هشاشة اقتصادات الدول الأفريقية بجانب تراجع البنية التحتية الصناعية لإيران، الأمر الذى قد يحرمها من الاستفادة من المواد الخام فى تلك الدول، وهو ما يقلص من حجم الاستفادة الفعلية من التعاون بين إيران والدول الأفريقية، ومن ثم يمنح وجاهة لوجهة نظر بعض الدوائر الإيرانية التى تقول إن التوصل لاتفاق مع الغرب، هو بداية الإصلاح الحقيقى لأزمات الاقتصاد الإيرانى المأزوم. 3 تعزيز الانفتاح الإيرانى على المنطقة: تصب جولة رئيسى الأفريقية فى اتجاه تعزيز إيران علاقاتها بدول المنطقة، والذى بدأته باستئناف علاقاتها مع السعودية والإمارات، وتسعى لاستكماله مع باقى دول المنطقة، إذ شهدت تلك المساعى، خلال الفترة الأخيرة، الاتفاق على عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والجزائر، وذلك عقب زيارة وزير الخارجية الجزائرى أحمد عطاف، إلى طهران، فى 8 يوليو 2023، ولقائه نظيره الإيرانى وإبراهيم رئيسى. هذا إلى جانب إبداء عبداللهيان، فى أواخر يونيو 2023، رغبة بلاده فى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وكذلك لقاؤه مع نظيره السودانى، على الصادق على، على هامش اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز فى العاصمة الأذرية باكو، فى 6 يوليو 2023، وبحث عودة العلاقات المقطوعة بين الجانبين منذ سبع سنوات. وفى التقدير، يمكن القول إن هناك اهتماما مكثّفا للحكومة الإيرانية الحالية بقيادة رئيسى بتعزيز الحضور الإيرانى فى القارة الأفريقية، وتجلى ذلك فى الزيارة التى قام بها وزير الخارجية الإيرانى، فى 27 أغسطس 2022، إلى مالى وتنزانيا وزنجبار، بل إن جولة رئيسى الأخيرة قد تزامنت مع لقاء رئيس وزراء مدغشقر كريستيان انتساى، مع السفير الإيرانى حسن على بخشى، وتأكيد ضرورة تطوير العلاقات بين الجانبين من خلال تشكيل لجنة مشتركة. ويلاحظ أن تهويل طهران لأهمية تلك العلاقات باعتبارها بديلا عن توقيع اتفاق مع الغرب حول برنامجها النووى هو مجرد مبالغات، إذ إن إيران لن تستطيع تعزيز علاقاتها بالدول الأفريقية بسبب العقوبات المفروضة عليها. النص الأصلي