تدخل الزيارة الجديدة التى يقوم بها الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد للقارة الإفريقية حاليا، وتحديدا لدول غرب إفريقيا (غانا وبنين والنيجر)، التى تعتبر من أكبر منتجى اليورانيوم، ضمن مساعى طهران لتحقيق جملة أهداف متداخلة ومتشابكة، من بينها تأكيد حضورها بالقارة السمراء عن طريق ما يسمى بالقوة الناعمة التى تعتمد على تعزيز العلاقات فى مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية. اهتمام إيران بالقارة السمراء بدأ منذ الثورة الإيرانية عام 1979، ولكنه تصاعد بشكل بارز فى ظل حكم الرئيس أحمدى نجاد، إذ قام عام 2009 كبار المسئولين الإيرانيين بما يقارب من 20 زيارة لعدد من الدول الإفريقية، فى محاولة لكسر الحصار الغربى المفروض عليها، بواسطة اكتساب مناطق نفوذ جديدة فى القارة الإفريقية. وأصبحت طهران تتمتع بعلاقات وثيقة مع كل من موريتانيا، وجامبيا، ونيجيريا، والسودان، والسنغال؛ حيث تعد كما يقول بعض المراقبين أكبر مصدرى السلاح للسودان، ووقعت معه عام 2008 اتفاقية للتعاون العسكرى بين البلدين، كما تصدر نحو أربعة ملايين طن من النفط الخام سنويا إلى كينيا، إضافة إلى تقديمها منحا دراسية للكينيين للسفر والتعلم فى إيران، بجانب البعد النووى؛ حيث تسعى للحصول على اليورانيوم من الدول الإفريقية، وهو ما استهدفته زيارة نجاد لكل من أوغندا وزيمبابوى سابقا وحاليا النيجر. وستكون مسألة الطاقة من أهم القضايا على أجندة نجاد خلال جولته، وقالت بنين إن محادثات الرئيس الإيرانى مع الرئيس ثوماس بونى يايي ستتركز على التعليم والزراعة، وحسب "الرابطة العالمية النووية" الصناعية فإن اليورانيوم المنتج فى النيجر التى ليس لها أى منافذ بحرية، ينقل إلى بنين المجاورة لتصديره، ويتم إرسال معظمه إلى شركة كومورهيكس فى فرنسا. وتحتاج إيران لليورانيوم لاستخدامه فى برنامجها النووى، إلا أن وزير خارجية بنين قال إن زيارة نجاد لبلاده لا علاقة لها بزيارته للنيجر، وقام نجاد بزيارة بنين يوم الاثنين الماضى، ثم زار النيجر أمس الثلاثاء، وتوجه إلى غانا محطته الأخيرة؛ حيث يغادرها اليوم الأربعاء، واختتم الرئيس الإيرانى زياته بغانا التى تعد مثالا نادرا على الديمقراطية المستقرة فى منطقة غرب إفريقيا المضطربة، وهى منتج كبير للذهب والكاكاو، ولديها صناعة نفط ناشئة. أهداف عديدة ويرى مراقبون أن الاهتمام بالقارة الإفريقية أصبحت علامة بارزة فى عملية صنع وصياغة السياسة الخارجية الإيرانية، وبخاصة فى عهد أحمدى نجاد، ويرجع ذلك لتحقيق جملة من الأهداف المتداخلة والمتشابكة، من بينها تأكيد جدارة طهران بلعب دور قوى فى القارة ينافس القوى الإقليمية الأخرى، ويقطع الطريق على المحاولات الأمريكية الإسرائيلية لإفساد العلاقات الإيرانية- الإفريقية. وأضافوا أن إيران تريد الحصول على تأييد الدول الإفريقية لمواقفها، خاصة أحقيتها فى امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، بجانب رغبتها فى القيام بدور يتجاوز الإطار القومى بل الإقليمى، الأمر الذى يساعدها على امتلاك العديد من الأدوات التى تمكنها من مساومة الضغوط الدولية المتزايدة والملحّة عبر بناء عدة محاور تؤثر فى إعادة تشكيل توازنات القوى. وأشار المراقبون إلى أن هناك جانبا اقتصاديا أيضا متمثلا فى الحفاظ على علاقات طهران بالدول الإفريقية النفطية وعلى أسعار النفط، وكذلك الانفتاح الاقتصادى وجذب الاستثمارات الإفريقية إليها، وتعزيز التبادل التجارى والاتفاق على التنسيق فى استكشاف الموارد الاقتصادية، فى ظل احتفاظ القارة الإفريقية باحتياطات ضخمة من المواد الخام الطبيعية، كما أن القارة سوق مواتية لتسويق المنتجات الإيرانية. وتشير تقديرات إلى أن حجم التبادل التجارى بين إيران والدول الإفريقية يصل إلى نحو 500 مليون دولار سنويًّا، وهو مرشح للارتفاع خلال السنوات المقبلة، كما تسعى إيران لإقامة بعض التكتلات مثل التكتل الإفريقى- الأسيوى. فالتحركات الإيرانية فى القارة الإفريقية انعكاس للتطورات الداخلية التى شهدتها طهران، التى دفعت فى اتجاه البحث عن أدوار خارجية للحفاظ على هيبة الدولة من ناحية، ومن ناحية أخرى عبرت هذه التحركات عن حاجة إيرانية إلى كسر حالة العزلة التى فرضها عليها الغرب، وتنفيذا للتوجهات الإيرانية لنشر المذهب الشيعى. بجانب سعى إيران لكسب أصوات الأفارقة فى المنظمات الدولية، سواء فى الأممالمتحدة، أو فى منظمة المؤتمر الإسلامى أو المنظمة الفرانكفونية أو حركة عدم الانحياز لمواجهة ضغوط تمارسها القوى المناوئة لإيران فى هذه المنظمات، فإيران تنظر لجنوب إفريقيا على أنها عضو رئيسى فى حركة عدم الانحياز، وقاومت هذه الحركة مساعى إعاقة إيران عن تخصيب اليورانيوم.