كتاب زياد فهمى مهم ويجب ترجمته والمؤلف يؤكد أن القومية المصرية الحديثة تأسست بلغة لا يفهمها رجل الشارع القومية المصرية بدأت عام 1870 واكتملت ونضجت عام 1919.. والثقافة الشعبية أظهرت مقاومة المصريين للمستعمر ولكبار الأغنياء زياد فهمى فى كتابه لا يكتب تاريخ مصر عبر طه حسين ولطفى السيد.. ويهتم بحكايات الموسيقيين والممثلين وكتاب المسرحيات الشعبية المجلات المكتوبة بالعامية وأزجال عثمان جلال وأعمال يعقوب صنوع وعبدالله النديم شكلت الوعى المصرى وكانت صاحبة التأثير فى الشارع تاريخ مصر الحديث من أيام الخديوى إسماعيل وافتتاح قناة السويس والاحتلال البريطانى لمصر والحرب العالمية الأولى وثورة 1919 يمثل فترة مهمة من تاريخ الأمة. ويعتقد د. زياد فهمى وهو مصرى أمريكى، ويعمل أستاذا مساعدا لتاريخ الشرق الأوسط الحديث فى جامعة كورنيل العريقة فى نيويورك فى كتابه المأخوذ من رسالته للدكتوراه فى جامعة ستانفورد أن القومية المصرية الحديثة قد تأسست بلغة لا يفهمها رجل الشارع، والسبب أن رجل الشارع والفلاح المصرى غير ممثل فى التاريخ المكتوب عن هذه الفترة لأنه كتب باللغة الفصحى. ولأن 93% من الشعب المصرى كان أميا، فلم يعلم شيئا عما كتب بدقة. فالتاريخ الذى نعرفه كتبه المتعلمون وقرأه المتعلمون، أما لغة الشعب التى تعبر عن تاريخه فهى العامية، وهى محتوى هذا الكتاب. تاريخ ثورة 1919 فى أغلبيته العظمى عن سعد زغلول ورجال حزب الوفد من الباشوات الذين زاملوه والذين انشقوا عنه، وكذلك السلطان فؤاد واللورد كرومر وسير وينجت وليس عن البسطاء الذين هم وقود الثورة. يقول المؤلف لن أتحدث عن محمد حسين هيكل ولطفى السيد وطه حسين، ولكنى سوف أكتب عن الموسيقيين والمغنين والممثلين وكتاب المسرحيات الشعبية، سوف أتحدث عن عثمان جلال وبديع خيرى وأمين صدقى ونجيب الريحانى وسيد درويش وغيرهم. القومية المصرية فى تقديره بدأت فى التكوين عام 1870 واكتملت ونضجت عام 1919، وقد وصل إلى ذلك عن طريق دراسة التاريخ الثقافى الشفهى والمكتوب وهى الطريقة الوحيدة للوصول إلى أغلبية المصريين وكيف أظهرت الثقافة الشعبية مقاومة المصريين للمستعمر وكذلك لكبار الأغنياء. وحدث فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين انفجار ثقافى هائل فى مصر تزامنا مع ظهور القومية المصرية ممثلا فى عدد هائل من المجلات والصحف والمسرحيات والأغانى وكلها باللغة العامية، وأصبحت العامية القاهرية هى اللغة غير الرسمية للمصريين. وكانت طرق المواصلات وخدمة السكة الحديد المميزة فى أوائل القرن العشرين سببا فى نقل الثقافة لجميع المدن الصغيرة والقرى والتقدم فى الطباعة والتصوير واختراع التلغراف والفونوجراف، كل ذلك سمح بإصدار الصحف والمجلات وتوصيلها لجمهور واسع. وكان تأثير المجلات المكتوبة بالعامية، والتى كانت معظمها فكاهية وساخرة، كبيرا. وشكلت أزجال عثمان جلال وأعمال يعقوب صنوع وعبدالله النديم وعيا مصريا. وكان لتمصير المسرحيات الأوروبية ومجلات الكارتون إلى العامية دور إيجابي. ويقول لطفى جمعة فى كتابه لقد شاهدت الحكائين والحواة وعازفى الربابة والأراجوز وقارئى الصحف العامية للجماهير فى المقاهى وعلى الأرصفة وكذلك استمعت إلى الفونوجراف قبل أن أبلغ العاشرة. وأسس يعقوب صنوع مجلة أبو نظارة زرقاء فى عام 1877 وهى مجلة فكاهية بالعامية وبعدها أسس عبدالله النديم مجلة التنكيت والتبكيت فى عام 1881 ونجحت المجلتان نجاحا باهرا. وتُرجمت مسرحيات موليير من الفرنسية للعامية المصرية. أسس صنوع أول فرقة مسرحية وقدم أعماله على مسرح الخديوى إسماعيل بحضوره وكان ناقدا للأوضاع الاجتماعية، وانتقد بصراحة تعدد الزوجات وحذر المصريين فى مسرحية الأميرة السكندرية من تقليد الأجانب تقليدا أعمى. ثم بدأ مسرحياته التى انتقد فيها الخديوى إسماعيل والطبقة العليا ومنع الخديوى مسرحه عام 1872 فأنشأ محفل التقدم وجمعية محبى العلم وحضر أحمد عرابى اجتماعات الجمعيتين ثم أوقف الخديوى نشاطاتهما. ويعتبر صنوع وعثمان جلال هما اللذان أسسا وكتبا مسرحيات يفهمها الجمهور. ونجحت المجلات الهزلية بسبب استخدام اللغة العامية والفكاهة والكاريكاتير. وصدرت أكثر من ألف مجلة وصحيفة خلال مائة عام، وأغلقت السلطات صحيفة أبو نظارة وأوقفت جميع نشاطات صنوع الذى انضم إلى المحفل الماسونى البريطانى فى عام 1875 وكان دور الحركة الماسونية فى بداية ظهور القومية المصرية مهما وأتاح الفرصة للنقاش مع مختلف فئات المصريين والأجانب، وانضم للمحفل جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده وعبدالله النديم ووصل أعضاء المحفل إلى 300 عضو. وأصدر الخديوى إسماعيل أمرا بنفى صنوع إلى فرنسا عام 1878. وأصدر صنوع فى باريس أبو نظارة زرقا واستمر فى تهريبها فى مصر وقال صنوع إنه يوزع 15 ألف نسخة، ولكن المؤلف يعتقد أن فى ذلك مبالغة كبيرة. أما عبدالله النديم الذى كان تلميذا للأفغانى، فنشر مقالات نارية وطنية وأسس الجمعية الخيرية الإسلامية وأنشأ مدرسة وكتب مسرحيتين وطنيتين تم تمثيلهما فى المدارس. وباع العدد الأول من مجلة التنكيت والتبكيت ثلاثة آلاف نسخة وكان تأثيرها الشعبى ضخما، مهد إلى انطلاق حركة عرابى، واستمر فى تأييد عرابى، وهرب النديم عشر سنوات فى الريف من الانجليز. ثم قبض عليه وحكم عليه بالنفى، وعفا عنه الخديوى حسين كامل، ثم أصدر صحيفة الأستاذ إلى أن نفاه الانجليز مرة أخرى فى 1910. كتب عبدالله النديم فى صحيفة الأستاذ أننا خسرنا كل شىء، الأجانب يسيطرون على الاقتصاد، الاستيراد أنهى الصناعة المصرية، والمصريون أصبحوا عاطلين. ولأن يعقوب صنوع كان يكتب من باريس فكان هجومه على الانجليز والخديوى قويا ومباشرا. وهاجمت الصحيفة الهزلية الانجليز وملكة بريطانيا والشيخ محمد عبده مفتى الديار واتهم بأنه عميل للانجليز، وأغلقت السلطات 97 صحيفة هزلية عقابا من عام 1897 إلى 1902. حادثة دنشواى ويتحدث المؤلف عن حادثة دنشواى التى وقعت فى 11 يونيو 1906 والتى سببها أن مجموعة من الضباط الإنجليز ذهبوا لصيد الحمام فى القرية فأصابت طلقة القش فوق سطح بيت وأشعلت النيران فغضب الفلاحون وهاجموا الضباط بالعصيان ورد الضباط بإطلاق النيران لتخويف الفلاحين وأصابت طلقة سيدة وقتلتها. وهرب الضباط الإنجليز وجرى أحدهم 8 كيلومترات ثم سقط مغشيا عليه ومات بسبب ضربة شمس. وعندما رآه أحد الفلاحين يسقط حاول إنقاذه ولكن الإنجليز ضربوه حتى مات. وشكلت المحكمة برئاسة بطرس غالى وحكمت يوم 27 يونيو بالإعدام شنقا علنا فى القرية على خمسة من الفلاحين وبالسجن مدى الحياة لاثنين، والباقى مدد مختلفة من السجن بالإضافة إلى الجلد. وقام مصطفى كامل بحملة ضخمة فى مصر ضد الإنجليز وحدث هياج شديد فى الرأى العام، ثم سافر إلى فرنسا وأكمل الحملة على الانجليز هناك ونشر مقالا عنيفا فى صحيفة الفيجارو، ومنها سافر إلى انجلترا وأجرى حوارات مختلفة مع الصحف البريطانية. وفى 26 يوليو ألقى خطابا تضمن مطالب المصريين فى لوكاندة كارلتون فى لندن، ثم قابل رئيس الوزراء السير كامبل بانرمان والذى طلب من مصطفى كامل قائمة بأسماء يرشحهم للوزارة تكون مختلفة عن الوزراء التقليديين فقدم أسماء على رأسها اسم سعد زغلول وكانت نتيجة المقابلة أنهاء خدمة لورد كرومر فى مصر وتعيين سعد زغلول وزيرا للمعارف العمومية. وكان واضحا من مذكرات اللورد كرومر غضبه من مصطفى كامل المتسبب فى فصله، فلم يذكر اسمه فى كتبه عن مصر باستثناء فقرة يقول عنه الفتى الأحمق المتهور. وتلا ذلك صحوة شعبية مصرية فى الصحف المصرية. ونشر حافظ إبراهيم قصيدة عن دنشواى وتلاه شوقى بقصيدة أخرى. وأنشد الشعب عددا من المواويل أنشدها الفلاحون عن دنشواى وغناها الشعب فى كل مصر. ونشرت الصحف عن كرومر أنه «غبى إنجليزى يستحق الضرب بالنعال» وبعد أسبوعين من الحادث أعلن عن افتتاح مسرحية دنشواى فى حديقة الأزبكية ولكن الإنجليز منعوا المسرحية وسارع مخرج المسرحية حسن رمزى بتغيير عنوانها إلى «صيد الحمام» ونجح فى عرضها عدة أسابيع إلى أن أغلق الإنجليز المسرح فى أغسطس وكان للحوار بالعامية المصرية. وكتب محمود طاهر رواية اسمها عذراء دنشواى نشرت مسلسة فى جريدة المنبر ويقول يحيى حقى أن الرواية وزعت آلاف النسخ وطبعت عدة طبعات فى وقت قصير وكانت باللغة العامية. وخلال السنوات التالية استمرت كتابة الأزجال والأغانى عن دنشواى. ظهور الميديا المسموعة واكتسحت الأسطوانات مصر كلها وتحول كتاب الصحف الهزلية بالعامية إلى كتابة الأغانى والقفشات والأزجال والقافية المسجلة على أسطوانات تذاع فى المقاهى والشوارع والبيوت وكان أشهر المؤلفين بيرم التونسى ويونس القاضى وبديع خيرى. ثم أصبحت هذه الميديا وسيلة لتحريك الجماهير بقيادة مصطفى كامل. انتشرت المظاهرات الشعبية والتى كان يعلن عنها فى الصحف والمقاهى وتكون الحزب الوطنى الذى تمت إعادة تنظيمه عام 1907 وفى نفس العام تكون حزب الأمة من الباشوات أصحاب الأراضى وكذلك حزب الإصلاح الدستورى بقيادة على يوسف وهو الحزب المؤيد للخديوى. وبعد وفاة مصطفى كامل لم يستطع محمد فريد أن يسيطر على الحزب وكان واقعا تحت تأثير الشيخ عبدالعزيز جاويش زعيم الجناح الإسلامى فى الحزب وقام بطرس غالى رئيس الوزراء المكروه بإعادة قانون الرقابة على الصحف فى مارس 1909. وقامت مظاهرات عنيفة احتجاجا على الرقابة وتهاجم الخديوى وتمت محاكمة جاويش مرتين وسجن، وحتى فى ظل الرقابة قام بحملة صحفية على بطرس غالى وعلى الأقباط عموما واتهمهم بأنهم عملاء للانجليز وردت عليه صحيفتا الوطن ومصر بالهجوم على الإسلام والمسلمين، واستمر تبادل الهجوم من الناحيتين وكلما هدأت الأمور أشعلها الشيخ جاويش مرة أخرى. واتهم الصحفى القبطى اللامع ميخائيل شاريبيم كتاب اللورد كرومر مصر الحديثة بأنه السبب فى الفتنة لأن الكتاب يهاجم بشدة الإسلام، وفى 20 فبراير 1910 وصل الخلاف إلى أشده باغتيال بطرس غالى الذى لم ينس المصريون دوره كرئيس لمحكمة دنشواى واعتبروا أن تعيينه رئيسا للوزراء بعد ذلك يعتبر احتقارا للمصريين، وزاد الغضب بسبب قانون الرقابة على الصحف والموافقة على امتداد عقد قناة السويس. وأرسل المندوب السامى سير جورست للخارجية البريطانية أن الاغتيال لأسباب سياسية وليست دينية ولكن الأقباط اعتبروها عنصرية ضدهم. ولم يكن جورست متعاطفا مع الأقباط ولكن غضب الأقباط كان مفهوما بسبب مقالات جاويش التحريضية والشعور العام بأن الوردانى بطل وليس قاتلا. عصر الطقطوقة من 1907 إلى 1919 كان عصر الطقطوقة حيث أحبتها كل الطبقات بغض النظر عن مستوى التعليم وكان انخفاض سعر الجرامافون سببا فى انتشاره الواسع وكتب الطقاطيق كتاب الصحف الساخرة والمسرح الكوميدى، وكانت منيرة المهدية هى النجمة الأوسع انتشارا ثم ظهرت نعيمة المصرية وبعدها أصبح سيد درويش هو النجم الكبير فى التلحين والغناء وقام بتحديث الموسيقى وتجديدها. الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 أعلنت بريطانيا حالة الطوارئ والأحكام العرفية والرقابة على الصحف وعم الهدوء مصر خلال الحرب وبدأت الصحف بقيادة بيرم التونسى وجريدة المسامير تنشر أزجالا عن حالة الفقر الشديدة للمصريين وعادت المونولوجات مثل التى بدعها النديم فى الانتشار وظهرت النكت اللاذعة. وانتشر مسرح الفودفيل والفكاهة بقيادة نجيب الريحانى وعلى الكسار ومنيرة المهدية وسلامة حجازى وأسس عزيز عيد فرقته وظهرت روز اليوسف على المسرح وانتقلت منه إلى تأسيس صحيفة ومجلة. وكانت مسرحية كشكش بك للريحانى هى الأكثر شهرة. ويقول الريحانى إن سعد زغلول كان يذهب إلى المسرح وكانت موسيقى سيد درويش مطلوبة بشدة للمسرح وطلب منه نجيب الريحانى تلحين مسرحية «قولوا له» ثم مسرحيات أخرى كثيرة منها مسرحية «رن». وكانت المسرحيات تتهكم على الكلام باللغة الفصحى التى لم تستخدم أبدا فى التواصل واستخدمت فقط فى الكتابة الأدبية وفى الصحف. وكانت المسرحيات لها توجهات وطنية واضحة وفى مسرحية «إيش» رسالة واضحة بأنه لا فرق بين المسلم والمسيحى واليهودى كلنا إخوة وأبناء هذا الوطن ولا يفرقنا الدين. وتنتهى مسرحية ايش بغناء عن حب مصر ووحدة المصريين التى يجمعها النيل. والمسرح كان فى القاهرة وأيضا فى الاسكندرية وخاصة فى الصيف. الحروب الثقافية وانحدار مستوى لغة مسرح الفودفيل والأغانى منذ البداية رفضت الطبقة العليا المثقفة استخدام العامية فى المسرح والغناء ولكن الغالبية العظمى من الشعب كانت تعرف فقط العامية وأدى ذلك إلى انفصام بين الطبقة المثقفة وعامة الشعب ولم يكن الأمر فقط فروقا فى الثقافة ولكن كان خوف الطبقة المثقفة الغنية من انتشار ثقافة أخرى بالعامية وقادرة على تحريك جماهير كبيرة سياسيا وادعى المثقفون أن استخدام العامية فى المسرح والغناء سوف يؤدى إلى انحدار الثقافة والأخلاق. ونشرت الأهرام فى 8 يونيو 1915 مقالا انتقدت مسرح الفودفيل واعتبرت أن معظم المسرحيات غير مناسبة للمصريين. وشدد على أن المسرحيات بها كثير من الألفاظ الخارجة والجارحة.. ونادت جريدة المنبر بإغلاق هذه المسارح لأنها خطيرة. ودافع على الكسار والمؤلف أمين صدقى فى الصحف عن اللغة العامية، وقد قيل عن يونس القاضى مؤلف أغانى سيد درويش ومنيرة المهدية بأن لغته خارجة ودافع عن نفسه وعن أعماله بأنها الحداثة فى مواجهة الأعمال القديمة. كان شارع عماد الدين هو شارع المسرح وبه كانت هناك مقاه شهيرة مثل قهوة الفن وقهوة البارون وقهوة مصر. الشارع المصرى الثقافى وثورة 1919 أغنية باردون يا ونجت (المندوب السامى البريطانى بعد كرومر) باردون يا ونجت بلدنا غلبت خدتو الشعير وجمال وحمير والقمح كتير اعتقونا طلبوا الإعانة يا غلبى يانا شوفوا المدير ياما لم كتير من غير تقدير ارحمونا انفار تسافر وكمان عساكر سابوا الغيطان وراحوا الميدان لجبل لبنان فى الخنادق قال بيلومونا شوفم رزونا لولا العمال ما مثيلهم حال وسط الرمال بالبنادق بردون يا ونجت بلدنا غلبت قتلوا ولادنا نهبوا بلدنا أخدوا دريسنا اعتقونا (من أرشيف وزارة الخارجية البريطانية رقم 271 / 3722) هذه الأغنية التى كان ينشدها الثوار فى الشارع تعبر عن سبب غضب المصريين الفقراء الذين ازدادوا فقرا وجوعا وتم تجنيدهم فى فيلق العمال مع الجيش البريطانى والطبقة الوسطى عانت من ارتفاع الأسعار وملاك الأراضى تضرروا من خفض الإنجليز لسعر القطن عن السعر العالمى فى مصر فالجميع أضير وكان إعلان الطوارئ وفرض الرقابة على الصحف سببا لغضب الجماهير فكان القبض على سعد زغلول يوم 8 مارس 1919 سببا فى مظاهرات 9 مارس التى انقلبت إلى ثورة عاتية وقام. الرقص فى الشوارع نشر وليم إليس فى الواشنطن بوست أن كرنفالات أمريكا الضخمة لا يمكن مقارنتها بمهرجان الرقص المصرى الذى حدث عند الإفراج عن سعد زغلول حين خرجت الأمة كلها إلى الشوارع تهتف يحيا الوطن يعيش سعد وتحيى أيضا أمريكاوفرنسا وإيطاليا وويلسون رئيس أمريكا ومؤتمر الصلح فى باريس. كان الفرح والرقص جنونيا وشاركت النساء لأول مرة ويقول عبدالرحمن فهمى سكرتير عام الوفد بأن الرقص فى الشوارع استمر يومين على الأرض وفوق عربات تجرها الحمير أو عربات نقل وكانت النساء البسطاء ترقصن بجانب بنات الأمراء وكبار الأعيان فى مظهر ديموقراطى لم تشهده مصر من قبل. وفى اليوم التالى 8 إبريل 1919 كانت المظاهرات منظمة حاملة أعلام الثورة وأعلام الوحدة الوطنية الهلال والصليب وصورة البابا يحملها شيخ الأزهر. ويصف أليس مشهدا شاهده بنفسه عبارة عن عربتين محملين بعدد من اليهود ومن بينهم أحد الحاخامات الكبار وكانوا يحملون علم مصر ملتصقا به علم عليه نجمة داود. الميادين وشوارع المدن النظاهرات طافت بشوارع القاهرة وكانت نقط الوقوف والخطابة هى بيت الأمة وفى استقبالهم تقف صفية زغلولو أمام فندق الكونتينينتال حتى يشاهد الأجانب المقيمين ثم أمام كل السفارات الأجنبية. مقاهى القاهرة يعتقد المؤلف أن القاهرة من أكثر المدن التى بها مقاهى وفى كتاب على مبارك الإحصائى وجد 1067 مقهى فى القاهرة. وكانت المقاهى مكان للنقاش السياسى وقراءة الصحف وكانت المقاهى مكانا لتجميع الثوار. وكانت المخابرات البريطانية تراقب المقاهى لقياس الرأى العام. وكان الانجليز يهاجمون المقاهى لمنع التجمهر المساجد والكنائس جامع الأزهر كان مكانا مفضلا للثوار يجتمع فيه الشيوخ والقسس الأقباط والأرمن ومعهم الأطباء والمحامين والأساتذة ومن أشهر الخطباء القس سرجيوس والسيدة الوحيدة التى خطبت فى الأزهر كانت سيدة يهودية. حتى لا يقول الانجليز أن هذه مظاهرات عنصرية حرص المسلمون والأقباط على أن يتواجدوا معا فى بيوت العبادة وشاركت السيدات فى الاجتماعات وفى عيد شم النسيم حضر القسس والشيوخ داخل الكنائس وجاء تقرير المخابرات البريطانية أن القسيس خطب خطبة وطنية ضد بريطانيا وقال المسيحيين والمسلمين يد واحدة وفى يوم 3 مايو 1919 خطبت سيدة مسلمة فى الكنيسة الموجودة فى شارع كلوت بك وفى اليوم التالى ذهبت مجموعة من السيدات إلى حى السيدة زينب حيث ألقوا خطبا. وفى تقرير المخابرات البريطانية يقول أن خطب الأقباط كانت أكثر حدة وقوة وتشدد. وانتشرت فى مصر كلها مقولة القمص سرجيوس «لأننى خادم لله فإن واجبى هو أن أحضر حفلات الزواج وكذلك الجنازات وأنا فى انتظار أن أقوم بدفن السلطة البريطانية وأن أزوج مصر للحرية والاستقلال». وفى يوم الجمعة 4 إبريل 1919 ذهب سرجيوس عند صلاة الجمعة ليحرض المصريين على الوحدة والوقوف أمام الانجليز. فى عيد الفصح عام 1919 امتلأت الصحف بتهانى للأقباط من المسلمين وفى رمضان هنأ الأقباط المسلمين بكثافة فى الصحف. وأعلن بعض الأقباط أنهم سوف يصومون عشرة أيام فى رمضان ليوضحوا للانجليز درجة وحدة المصريين وفى دمنهور يوم 13 إبريل حدث اجتماع وطنى كبير للمسلمين والمسيحيين داخل كنيسة دمنهور وقال مندوب المخابرات البريطانية فى تقريره أن هذه الوحدة حقيقية ونابعة من القلب وليست مفتعلة. الصحافة أيام الثورة بسبب قانون الطوارئ والرقابة على الصحف كانت معظم المواد محذوفة وتصدر الصحيفة وأجزاء كبيرة منها بيضاء بدون كتابة بسبب الرقابة وكانت صحيفتى المقطم والوطن تؤيد بريطانيا وضد التظاهر والثورة وكانت صحف الأهرام ومصر ووادى النيل والمحروسة والمسامير تؤيد الثورة ولكن بحذر. وتحت ضغط زعماء الوفد أعلنت صحف مصر ووادى النيل والنظام وأخيرا بعد فترة تردد الأهرام تأييدها للثورة وأوقفت بريطانيا صحف مصر والمحروسة والأفكار وفى تقرير للمخابرات البريطانية كانت بعض الصحف تنشر دعاية للانجليز مدفوعة الثمن ولكن بعد فترة أصبح ذلك مستحيلا ورفضت الصحف المصرية نشرها. المنشورات بسبب الرقابة على الصحف انتشرت المنشورات والمطبوعات التى طبعت سريا فى مطابع صغيرة أو فى مطابع بعض الصحف وفى أوائل مايو 1919 نشر الوفد الكتاب الأبيض وبه معلومات عن سعد زغلول وصور له وخطابات ومراسلات وتلغرافات أثناء الثورة وقال بديع خيرى وكان عضوا فى الجمعية السرية لطباعة المنشورات الثورية أنه كان يطبع المنشورات فى عزبة الأمير إسماعيل داود فى قرية محلة روح بجوار المحلة الكبرى. ونشر تقرير مخابراتى بريطانى أن أى زائر للمناطق الشعبية سوف يشعر بروح الثورة واحتمال الانفجار. وكانت الصحف الصغيرة المعارضة تطبع من صفحة واحدة وتوزع كالمنشورات وفيها هجوم عنيف على بريطانيا ومنها أبو الهول، الرعد المصرى، البلابل، المصرى الحر والاستقلال التام. وأشهر هذه المجموعة كانت صحيفة المسلة التى أصدرها بيرم التونسى وكان بها عدد كبير من الأزجال التى تهاجم الانجليز والمتعاونين معهم وكانت تهاجم الملك فؤاد بشدة. وكان بيرم لأنه تونسى تحت الحماية الفرنسية بعيدا عن بطش الإنجليز والحكومة المصرية. وفى النهاية ضغطت بريطانيا على فرنسا فأغلقت الصحيفة بعد أن نشر زجلا مهاجما العائلة المالكة وصدر أمر بنفى بيرم التونسى فى 21 أكتوبر 1919. ووزعت آلاف من المنشورات التى تحض على الثورة والمقاطعة للبضائع البريطانية وبعضها يهاجم بريطانيا بشراسة وبذلت بريطانيا جهدا كبيرا لمعرفة مصدر هذه المنشورات. وكانت الأغانى والأزجال التى يغنيها المصريون فى الشوارع أقوى سلاح أضر بالانجليز وكان المكان المفضل لالقاء الأزجال والأغانى ميدان الأوبرا أمام فندق الكونتننتال. وكان المغنى يقف فوق لورى أمام الكونتننتال ومعه طبلة وحوله الجماهير. صاغ بديع خيرى كلمات بسيطة يفهمها الفلاح والعامل ويعجب بها المثقف ولحنها سيد درويش وانطلق الريحانى فى الشوارع والجميع يغنى خلف موسيقى سيد درويش وكانت الأغنية التى ألهبت الشعب المصرى كله هو: قوم يا مصرى مصر دايما بتناديك خد بنصرى نصرى دين واجب عليك يوم ما سعدى راح هدر قدام عينيك عد لى مجدى اللى ضيعته بأيديك شوف جدودك فى قبورهم ليل نهار من جمودك كل عضمة بتستجار صون أثارك ياللى دنست الاثار دول فاتولك مجدو أنت فوت عار شوفت أى بلاد يا مصرى فى الجمال تيجى زى بلادك اللى ترابها مال نيلها جى السعد منه حلال زلال كل حى يفوز برزقه عيشته عال يوم مبارك تم لك فيه السعود حب جارك قبل ما تحب الوجود ايه نصارىو مسلمين قال ايهو يهود دى العبارة نسل واحد م الجدود ليه يا مصرى كل أحوالك عجب تشكى فقركو أنت ماشى فوق دهب مصر جنة طول ما فيها أنت يا نيل عمر أبنك لم يعيش أبدا ذليل يوم مبارك تم لك فيه السعود حب جارك قبل ما تحب الوجود ايه نصارىو مسلمين قال ايهو يهود دى العبارة نسل واحد م الجدود وفى مايو أعاد الريحانى افتتاح مسرحه بمسرحية قولوا له، ومن ضمن أغانيها قوم يا مصرى التى ألهبت الجماهير. وعلى الرغم من أن أغنية قوم يا مصرى كانت تنشد وحدة المصريين ضد الاحتلال فإن كلماتها تذكر بطريقة غير مباشرة اسم سعد زغلول وهو ما ألهب شعور المواطنين. الكتاب يوضح أن الشعب المصرى بدأ ينادى بالقومية المصرية منذ عام 1870 وظهر ذلك أيام ما يسمى بهوجة عرابى، ثم قاوم الشعب الإنجليز بعد الاحتلال مباشرة بطرق مختلفة يذكرها الكتاب حتى انتهى الأمر بغضب الفلاحين عام 1918 ثم بثورة 1919 التى شارك فيها الجميع من فلاحين وعمال وطلبة وموظفين وملاك أراض.