محطة مياه «وردان» التى تغذى نحو 80 ألف مواطن بمياه الشرب، ليست إلا واحدة من بين 1709 محطات شبيهة تابعة للشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى وتستمد مياهها من الآبار الجوفية أو الإرتوازية، ناهيك عن محطات أُخرى مماثلة منتشرة فى الريف المصرى ولا تشملها إحصاءات الشركة القابضة لأنها لم تدخل تحت إشرافها بعد. هذا النوع من «محطات» أو «عمليات المياه» كما يُطلق عليه الأهالى أحيانا، والذى ميز أسلوب معالجة المياه فى الريف المصرى نظرا لانخفاض تكلفته، يُنظر إليه الآن ليست فقط باعتباره «موضة قديمة» وإنما أيضا باعتباره أسلوبا أقل كفاءة وأمانا مقارنة بأساليب معالجة المياه بمحطات المياه السطحية «المُرشحة» التى تستمد مياهها من النيل، والتى تخدم بشكل أساسى حتى الآن القاهرة والمدن الرئيسية. وبالرغم من أن د.صابر حسن خليل، رئيس قطاع المعامل بشركة الجيزة لمياه الشرب التى تخدم محافظات الجيزة و6 أكتوبر وأجزاء من حلوان، يشير إلى أن الشركة القابضة أدخلت تطويرات كبيرة على هذا النوع من المحطات بعد أن تسلمته من المحليات، وذلك من قبيل وضع خطة دورية لأخذ عينات منها للاطمئنان على سلامة المياه بها، والتأكد من إضافة الكلور فى جميع هذه المحطات لقتل الميكروبات الموجودة به، إلا أن خبراء يرون أن ذلك غير كافٍ لإنتاج مياه صالحة للشرب. وعلى سبيل المثال يشير د.أحمد محمود شعبان، رئيس شعبة بحوث البيئة بالمركز القومى للبحوث وهى الجهة المُكلفة من جهاز تنظيم مياه الشرب بالمراجعة البيولوجية والكيميائية لنوعية وجودة المياه فى مصر، إلى أن المياه الجوفية فى الريف المصرى الآن بها مشكلة كبيرة نتيجة لأن معظم القرى غير مخدومة بالصرف الصحى وتصرف فى باطن الأرض فيما يسمى بالترنشات، وهو ما يؤدى إلى اختلاط المياه الجوفية بالصرف. ويوضح رئيس شعبة البيئة أن أسلوب المعالجة المتبع مع مياه هذه الآبار، والذى يقتصر على حقنها بالكلور غير كافٍ، بل ويمكن أن ينتج عنه أضرار ومخاطر صحية أكثر، حيث إن الكلور يتفاعل مع المواد العضوية والمعادن والأملاح الموجودة بشكل طبيعى فى مياه هذه الآبار أو الناتجة عن اختلاطها بمياه الصرف الصحى والزراعى، وتحدث له عملية أكسدة ينتج عنها مركبات مسرطنة، وما يتبقى منه بعد ذلك لا يكفى لقتل البكتيريا، وهو ما يجعل «معظم مياه الريف غير صالحة للشرب». وإذا كان رئيس قطاع المعامل بشركة الجيزة للمياه يعود ويؤكد على «أنه لا يتم استعمال أى من الآبار الإرتوازية فى حال تبين أنها مختلطة بمياه الصرف، وأن كل العينات التى تم أخذها من المحطات التابعة لشركة الجيزة مطابقة من الناحية البيكتروليجية» إلا أنه يعترف بأن بعض هذه المحطات بها مشكلات من الناحية الكيميائية حيث توجد بها نسب مرتفعة من الحديد والمنجنيز والأملاح، وأن الشركة بصدد تركيب وحدات ترشيح كبيرة للتخلص من هذه العناصر». وتظل طرق معالجة المياه السطحية التى تحدث فى المحطات الكبرى «هى الأفضل والأكثر أمانا» كما يؤكد رئيس قطاع المعامل بشركة الجيزة لمياه الشرب، الذى يشير أيضا إلى أنه مع افتتاح مزيد من محطات الشرب النيلية بدأت الشركة شيئا فشيئا فى إغلاق عدد كبير من المحطات الإرتوازية، مثلما حدث بعد تشغيل محطة أبوالنمرس فى أغسطس الماضى، وما أدى إليه ذلك من أن قرى كثيرة أصبحت تشرب مياها مطابقة للمواصفات الصحية. أما فيما يتعلق بالتوقيت الذى يتم فيه الاستغناء كليا عن المحطات الإرتوازية والتحول إلى الاعتماد على محطات المياه السطحية أو النيلية، فيجيب المهندس حسين فضل، رئيس قطاع التشغيل والشبكات بشركة الجيزة للمياه، قائلا: «تكلفة إنتاج المياه السطحية مرتفعة، وبناء محطة لمعالجة هذه المياه يستغرق 4 5 سنوات وقد يحتاج إلى 350 مليون جنيه كما هو الحال فى محطة إمبابة مثلا، لكن لدينا مشروعات لاستبدال كل الآبار الإرتوازية بنهاية 2010». لكن بخبرته فى مجال تطوير أوضاع مياه الشرب ومتابعته للمشروعات الحكومية الكثيرة التى يتم الإعلان عنها، ينبه د.أحمد محمود شعبان إلى أن القضية الأساسية هنا ليست الحديث عن وجود مشروعات وإنما الالتزام بتنفيذ هذه المشروعات فعليا».