زراعة دمياط: إحالة جمعيتين زراعيتين إلى النيابة للتحقيق في مخالفات    الاتحاد الأوروبي يبحث تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني    مبابي يغادر معسكر منتخب فرنسا ويعود إلى مدريد بسبب الإصابة    القبض على متهم بالنصب على راغبي السفر للخارج بالجيزة    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات في إطار البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تشارك في جلسة «تعزيز العمل اللائق بمصر»    القوات الأمريكية تدمر قاربًا للاشتباه بنقله مخدرات في الكاريبي    اليوم.. "كأن لم تكن" في عرضه العالمي الأول ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    محافظ الجيزة: تصدر منشأة دهشور بمسابقة "بناء الثقة" للرعاية الأولية إنجازًا يعكس جهود القطاع الصحي    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    الأمطار الغزيرة تزيد معاناة النازحين في غزة وتغرق خيامهم    بسبب تغيرات المناخ.. 29 حريقا خلال ساعات الليل فى غابات الجزائر.. فيديو    محمد عبدالعزيز عن ابنه كريم عبدالعزيز: "ابني ينوي إعادة تقديم فيلم انتخبوا الدكتور"    فريق الخبراء المستقلين بشأن السودان: أعمال وحشية لا توصف حدثت بالفاشر    دعاء لأهل غزة.. «اللهم كن لهم عونًا ونصيرًا» سطور من القلب لنجاتهم وصبرهم    «الصحة» و«الاتصالات» تستعرضان دور الذكاء الاصطناعي في دعم التنمية البشرية    الداخلية تطلق مبادرة "سلامة عيونك" لفحص طلاب المدارس بالمناطق الأكثر احتياجًا    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    سلامة عيون أطفال مصر.. مبادرة الداخلية "كلنا واحد" تكشف وتداوي (فيديو)    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تنظم جلسة حول الاستثمار في الشباب من أجل التنمية    عالم أثار إسبانى: المتحف المصرى الكبير مبهر وفخم وكل زائر سيشعر بعظمة الحضارة    محافظ أسيوط: استرداد 264 فدانا و1722 متر مربع بالمرحلة الثالثة من موجة الإزالات 27    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    ضبط مصنع غير مرخص لإنتاج أعلاف مغشوشة داخل الخانكة    بعد رحيله المفاجئ.. تنطفئ آخر صفحات حكاية محمد صبري التي لم يمهلها القدر للاكتمال    رئيسة نايل تى فى: مقترح تغيير شعار القناة قدمه فريق التطوير والقرار للهيئة    العثور على جثمان غريق داخل ترعة مياه فى جنوب الأقصر    رحيل زيزو المجاني يدفع الزمالك للتحرك لحماية نجومه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سابق بالخيرات باذن الله ?!    وزراء التخطيط والزراعة والأوقاف يتفقدون المركز الزراعي المتكامل بسهل القاع    سيول وواشنطن أتمتا اتفاقهما بشأن بناء غواصات تعمل بالطاقة النووية    عيار 21 الآن.... تعرف على اسعار الذهب اليوم الجمعه 14نوفمبر 2025 فى محلات الصاغه بالمنيا    نشاط الرئيس الأسبوعي.. قرار جمهوري مهم وتوجيهات حاسمة من السيسي للحكومة وكبار رجال الدولة    أحمد سليمان ينعى محمد صبري: «فقدنا أكبر مدافع عن نادي الزمالك»    خطا بورسعيد والصعيد الأعلى في تأخر قطارات السكة الحديد    زيارة الشرع لواشنطن ورسالة من الباب الخلفي    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    توافد الأعضاء فى الساعة الأولى من التصويت بانتخابات نادي هليوبوليس    موعد مباراة جورجيا ضد إسبانيا فى تصفيات كأس العالم 2026    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    أسعار الفاكهة اليوم الجمعة 14 نوفمبر في سوق العبور للجملة    قيصر الغناء يعود إلى البتراء، كاظم الساهر يلتقي جمهوره في أضخم حفلات نوفمبر    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة في شمال سيناء    اليوم العالمي لمرضى السكري محور فعالية توعوية بكلية تمريض «الأزهر» بدمياط    زى النهارده.. منتخب مصر يضرب الجزائر بثنائية زكي ومتعب في تصفيات كأس العالم 2010    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية تشارك في احتفالية يوم الوثيقة العربية بجامعة الدول العربية    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    برباعية في أوكرانيا.. فرنسا تصعد لكأس العالم 2026 رسميا    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديد وبلاستيك وبكتيريا فى مياه الحنفية في الوردان
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 10 - 2009

«أنا إبراهيم عبدالسلام محمد، من وردان مركز إمبابة محافظة 6 أكتوبر، ناظر محطة أتوبيس على المعاش، والكلام اللى بقوله ده مستعد أقوله قدام أى مسئول ولو هقضى بقية عمرى فى السجن: ماء الشرب إللى بينزل من الحنفيات هنا عكر وريحته وطعمه وحش، وغير صالح للاستهلاك الآدمى».
هكذا أخذ عم إبراهيم يزعق بحرقة وهو واقف أمام دكان «البقالة» الخاص به فى «وردان»، محاولا تلخيص مأساة هذه القرية الكبيرة الواقعة على فرع رشيد على بعد نحو 45 كليومترا إلى الشمال الغربى من القاهرة، والتى يعانى سكانها البالغ عددهم 80 ألف نسمة، كغيرهم من سكان قرى الريف المصرى، من تدهور واضح فى مختلف المرافق والخدمات وفى مقدمتها مياه الشرب.
كلام عم إبراهيم وصوته الجهورى الغاضب بدا وكأنه مس وترا حساسا لدى عدد من جيرانه الذين تجمعوا حوله وأخذوا يصفون مياه الشرب القادمة من محطة مياه وردان والتى تستمد مياها من الآبار الجوفية، بأوصاف أخرى شبيهة من قبيل أنها: «زفت» أو «لونها أصفر وما تتشربش»، مثلما قال سيد محمود «الفرارجى» الذى استشهد بلون مرشحات الماء فى «الفلتر» الذى يستخدمه فى بيته والتى يضطر لتغييرها كل ثلاثة أيام تقريبا.
الحديث عن «اصفرار المياه» فى وردان والتى يطلق عليها البعض هناك «مياه الحكومة»، لا يبدو أنه من قبيل المبالغة، حيث إنه، كما يشير الحاج مصطفى إبراهيم، أحد أهالى القرية، لا يحول دون شربها فقط، وإنما يجعل استخدامها فى بعض الأيام فى غسيل الملابس وغيرها من أعمال التنظيف المشابهة مستحيلا أيضا لأنها فى هذه الحالة «بتوسخ الهدوم لو اتغسلت بيها».
وحتى عندما تكون المياه بيضاء اللون فى الظاهر، كما يضيف عم مصطفى، فإنها لا تخلو عادة مما يعكر صفوها، وهو ما يبدو مثلا بعد تركها فى زجاجات المياه أو أى أوعية أخرى لترسب ما فيها ليلا، ليفاجأ صباحا بطبقة أشبه ب«الحناء» فى أرضية هذه الزجاجات والأوعية.
لجنة شعبية للمياه
هكذا إذن تأتى قضيه عدم صلاحية مياه الشرب على رأس المشكلات التى تؤرق أهالى وردان، إلى الدرجة التى جعلت عددا من الأهالى يشكل منذ عامين لجنة محلية باسم «اللجنة الشعبية للدفاع عن الحق فى المياه»؛ وهى لجنة تعمل تحت مظلة لجنة أخرى أكبر تضم عددا من نشطاء ومنظمات المجتمع المدنى باسم «اللجنة المصرية للحق فى المياه»، وتقوم بجهد توثيقى ومطلبى للدفاع عن حق الناس فى مياه صالحة للشرب.
حقيقة وأسباب تلوث المياه فى وردان
من واقع مشاهداتهم اليومية يرصد الأهالى فى وردان أسبابا كثيرة لما وصل إليه حال مياه الشرب فى قريتهم. فى مقدمة هذه الأسباب مثلا ما يقوله عم إبراهيم عبدالسلام، عن عدم وجود صرف صحى بالقرية، واعتمادها على الصرف فى «الترنشات»، وذلك بالرغم من الانتهاء من أعمال مد شبكة مواسير الصرف الصحى بالقرية.
ماسورة مياه الشرب التى تزود بيت عم إبراهيم مثلا بالماء تمر من فوق «الترنش» الذى يصرف فيه بيته المكون من خمسة أدوار، وهو يشير إلى أنها تحت تأثير السخونة الشديدة للترنش والمخلفات الموجودة به «اتخرمت واختلطت مياه الشرب بمياه المجارى». ويتساءل مستنكرا: «إزاى يمشوا مياه الشرب من فوق المجارى؟.. هو مش فيه مهندسين فى البلد ديه وبتوع متابعة وتخطيط؟!».
وبالإضافة لما سبق يلفت إبراهيم النظر إلى أنه بالرغم من قيام شركة المياه بتركيب مواسير جديدة من البلاستيك فى بعض الشوارع، فإن معظم شبكة المياه بالقرية لا تزال تعتمد على شبكة المواسير «الاسبستوس» القديمة التى عاصر تركيبها فى شبابه عام 1960، ويؤكد أنها أصبحت الآن متهالكة وامتلأت بالطين إلى الدرجة التى لم يعد بها مساحة أكثر من «خُرم إبرة» تمر بها المياه.
لكن حتى المواسير البلاستيكية الجديدة التى تم تركيبها مؤخرا ليست على ما يرام، كما يشير شاب آخر من أبناء القرية، طلب عدم ذكر اسمه، يعمل فى مجال تركيب مواسير شبكة المياه والصرف، حيث إن عملية تركيبها لم تخل من العشوائية. ففى الوقت الذى يجب أن يكون هناك طبقتان من الرمل سمك كل منهما حوالى 50 سم تحت هذه المواسير وفوقها، إلا أن بعض المقاولين لا يلتزمون بهذه الشروط، وهو ما يؤدى إلى انكسارها أو حدوث ثقوب بها عند تعرضها لأى ضغط من أعلى.
وفيما يتعلق بخطوط المواسير البلاستيكية أيضا قادنا أسامة عطية، عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن الحق فى المياه بوردان، إلى أحد خطوط هذه المواسير الواقعة على حدود القرية والتى تصب فى ترعة تكثر على جانبيها القمامة، وأحيانا ما يغطى مستوى المياه فى الترعة هذه الماسورة. ويشير عطية إلى أنه بالرغم من أن هذا الخط من المفترض أنه مخصص لغسيل شبكة المواسير فقط ولا يجوز أخذ وصلات منه كما تؤكد إدارة شركة المياه، فإن موظفى الشركة قاموا بتوصيل البيوت الموجودة بالمنطقة به.
بكتيريا قولونية
ويؤكد محمد عبدالمجيد عنبر، عضو اللجنة الشعبية للدفاع عن الحق فى المياه بوردان، أنه بالإضافة إلى ما يرصده الأهالى بأعينهم المجردة من مظاهر وأسباب لتلوث مياه الشرب، فإن تحاليل مياه الشرب التى سعت اللجنة لإجرائها أثبتت أن نسبة معدن الحديد الموجودة فى المياه مرتفعة عن الحد المسموح به وهو 0.3 مليجرام لكل ليتر، كما أنها ملوثة ببكتيريا المجموعة القولونية التى تؤدى إلى أمراض معوية والتهابات فى القولون.
ويكشف عم «عنبر» عن مزيد من التفاصيل مشيرا إلى أن عددا من سكان القرية توجهوا العام الماضى إلى مقر الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحى بالقاهرة، للتأكد من مدى مطابقة مياه الشرب للمواصفات القياسية، وكيف أن التحليلات التى أجرتها الشركة ذاتها أثبتت أن «العينات غير مطابقة كيميائيا فيما يتعلق بنسبة الحديد طبقا لقرار وزير الصحة رقم 458 لسنة 2007»، وهى النتيجة التى نشروها فى إحدى الصحف مرفقة باستغاثة يطالبون فيها ب«حفر قبر جماعى لسكان القرية» بسبب المشكلات المتعلقة بمياه الشرب.
وقد جاء فى رد الشركة على هذه الاستغاثة ما يلى: «تم أخذ عينات من شبكة القرية وطرد المحطة ومن أماكن مختلفة بالقرية وبعد تحليل العينات تبين أنه لا يوجد أى تلوث بالمياه. أما بخصوص نسبة العكارة والحديد التى قد تتواجد أحيانا بالمياه فيرجع ذلك إلى أعمال الخطة العاجلة وما تتضمنه من دق آبار جديدة أدت إلى زيادة نسبة الحديد بالمياه. وفور الانتهاء من الأعمال الجارية وتشغيل الآبار الجديدة سوف يتم رفع عينات من نفس النقط المشار إليها فى التقرير المرفق وفى حالة وجود استمرار ارتفاع لنسبة الحديد سيتم دراسة إمكانية إضافة وحدة إزالة للحديد». وهو ما لم يتم حتى الآن، حسبما يؤكد عنبر.
وقد أثبت تحليل آخر أجرته وزارة الصحة بعد شكاوى ومحاضر تقدم بها أعضاء من اللجنة الشعبية للدفاع عن الحق فى المياه، عدم صلاحية مياه الشرب بوردان. ورغم التكتم الشديد الذى تحاط به نتائج مثل هذه التحاليل، وعدم سماح المستشفى القروى بوردان للأهالى بالإطلاع عليها لأنهم «غير ذى صفة» كما قيل لعم عنبر، فإن الناشط الحقوقى وعضو اللجنة المصرية للحق فى المياه عبدالمولى إسماعيل تمكن من الحصول على نسخة من نتيجة هذا التحليل، وقد جاء فيه أن المياه «غير مطابقة» لنفس قرار وزير الصحة رقم 458 وذلك «لعدم مطابقتها للمعايير البيكترولجية لوجود بكتيريا المجموعة القولونية».
مصر كلها وردان
«وردان».. نموذج لقرى مصرية كثيرة أخرى، ويوضح د.محمد محمد كامل أستاذ ميكروبايولوجى المياه بالمركز القومى للبحوث أن زيادة نسبة معدن الحديد عن الحدود المسموح بها، يؤدى إلى حدوث عملية أكسدة للمياه، وهو الأمر الذى يؤدى إلى تغير مذاقها واصفرار لونها إلى الدرجة التى تجعل هناك صعوبة فى استخدامها فى «غسيل الملابس». كما يشير إلى خطورة استخدام شبكة مواسير الأسبتوس القديمة التى تحذر منظمة الصحة العالمية من استخدامها بعد انتهاء عمرها الافتراضى، الذى يجب ألا يتعدى 15 سنة، حيث إن تآكل الطبقة الخارجية لهذه المواسير وتفاعلها مع المياه والكلور الموجود بها يؤدى إلى تكون مركبات سرطانية.
ويؤكد د.كامل كذلك أن عدم وجود صرف صحى لا يؤدى فقط إلى اختلاط مياه «الترنشات» بمياه الشرب، وإنما يؤدى أيضا إلى اختلاطها كذلك بالآبار الجوفية التى تستمد منها محطات المياه فى كثير من قرى الريف المصرى مياهها. ويقول د. كامل إن نتائج تحليل وزارة الصحة التى تشير إلى وجود بكتيريا قولونية فى مياه الشرب بوردان يدل على اختلاط مياه الصرف والترنشات بمياه الشرب، لأن مصدر هذا النوع من البكتيريا هو مياه الصرف.
كان هذا عن حال مياه حنفية الشرب فى وردان، لكن يبقى الأمر الأكثر خطورة، كما يشير عبدالمولى إسماعيل عضو اللجنة المصرية للحق فى المياه، ومحرر كتاب «مياه الشرب فى مصر رؤى وتجارب ميدانية» أن وردان ليست إلا مجرد نموذج، لا يختلف إلا فى الدرجة فقط، لحال مياه الحنفية أو مياه الشرب فى قرى مصرية كثيرة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.