يرتبط بالطاقة النووية، فى إقامتها وتشغيلها وفى مساندتها أو معارضتها، مشاكل دولية ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار عند إعداد دراسات جدواها، كما ينبغى أن تكون جزءا من الثقافة النووية التى تتسلح بها الجماهير لإدراك ما يرتبط بها من مشاكل سياسية، على نحو ما يحدث فى حالة إيران التى تفرض عليها الحكومات الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، عقوبات متصاعدة نتيجة لقيامها بتخصيب اليورانيوم. وتهدد بفرض المزيد من العقوبات بعد أن قامت إيران باقامة مصنع ثان للتخصيب ثارتت حوله ضجة سياسية كبيرة فى أثناء عقد الجمعية العامة للأمم المتحدة (سبتمبر 2009)،التى شارك فيها رئيسا الولاياتالمتحدةوإيران أوباما ونجاد. ويأتى فى مقدمة تلك المشاكل تزايد القلق الدولى حول مخاطر انتشار الأسلحة النووية Proliferation risks، وذلك نتيجة للتوسع فى استخدام التقنيات مرتفعة الخطورة، مثل تخصيب اليورانيوم، الذى يصبح صالحا لصنع قنبلة ذرية إذا ارتفعت خصوبته فوق درجة معينة، ومثل البلوتنيوم الذى يستخلص من الوقود النووى ويصلح بعد تصنيعه للاستخدام فى المفاعلات النووية لتوليد الكهرباء، كما يصلح لصنع قنبلة ذرية، ولم يتوصل الإنسان بعد لإبطال صلاحيته فى صنع القنبلة. ومن هنا صارت الدول الراغبة فى استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية تخضع للالتزامات التى تفرضها عليها اتفاقيات حظر انتشار الأسلحة النووية وغيرها من القيود. ويتخذ هذا القيد وجها محليا يعبر عنه باحتجاج المواطنين فى أغلب الدول على إقامة المفاعلات النووية لما تحمله من مخاطر التلوث النووى، كما يأخذ هذا القيد صورة دولية تتمثل فى إخضاع من يدخل تلك الصناعة لرقابة دولية تباشرها الوكالة الدولية للطاقة الذرية «International Atomic Energy Agency «IAE. ومن ثم لا تملك الدولة كامل الحرية فى مقدرات تلك الصناعة إنما عليها أن ترضى المجتمع الدولى بفتح جميع جوانبها لتلك الرقابة. كذلك يعتبر الحصول على الوقود النووى مشكلة دولية، فبعض الخبراء يؤكدون أن احتياطات اليورانيوم متوافرة بدرجة كافية، وأنها لا تتركز فى مجموعة صغيرة من الدول، كما هى الحال بالنسبة للنفط والغاز، وإنما تتوزع بصورة معقولة بين دول العالم، ومن ثم فإنها لا تمثل عائقا أمام استخدام المفاعلات النووية، بينما يؤكد البعض وجود دلائل قوية على أن إمدادات اليورانيوم يمكن أن تنضب فى وقت مبكر. مثلها مثل احتياطات النفط والغاز، فوكالة الطاقة الدولية IEA إذ تؤكد أن احتياطات اليورانيوم المؤكدة تعتبر كافية إلى ما بعد عام 2030، إلا أنها تعود فتقول إنه يلزم توفير استثمارات كبيرة لتكثيف البحث عن اليورانيوم ولتوسيع قدرات تصنيعه وتحويله إلى «الكعكة الصفراء» Yellow cake التى تستخدم كوقود للمفاعلات. ويستخلص من الدراسات المتاحة أن الرؤية المتفائلة بالنسبة لاحتياطات اليورانيوم بنيت على أساس التوسعات المتوقعة داخل الدول التى تستخدم بالفعل الطاقة النووية (31 دولة)، ولا يدخل فى حسابها التوسعات التى تنتج عن دخول دول نامية فى تلك الصناعة. ولعل مما يؤكد اتجاه موارد اليورانيوم نحو النضوب أن التحول إلى الطاقة النووية فى ظل ارتفاع أسعار النفط خلال الفترة من 2004-2007 قد أدى إلى الضغط على أسواق اليورانيوم، فاستمرت أسعاره فى الارتفاع بحيث بلغت فى عام 2006 نحو 72 دولارا للرطل، وهو ما يعادل 9 أمثال ما كانت عليه تلك الأسعار عند تدنيها التاريخى عام 2000. ومن هنا يتبين أن مصر التى لا تملك من اليورانيوم ما يغطى احتياجاتها عند تنفيذ البرنامج النووى، فلا بد أن تلجأ للأسواق العالمية (وربما للدولة التى ستتعاقد معها على تنفيذ البرنامج واحتكاره) لتغطية العجز فى الوقود النووى، وذلك فى وقت تكون احتياطاتها من النفط والغاز قد تآكلت نتيجة للزيادة المتسارعة فى الاستهلاك المحلى والتصدير (الشروق 5/2 و22/3 و22/4/2009). أما تشجيع الدول الصناعية الغربية، بقيادة الولاياتالمتحدة، لبعض الدول النامية «الصديقة» كى تقبل على تبنى الطاقة النووية، فهو ليس خالصا لوجه الله، إنما يدخل فيه جانب مهم من مصالح الدول الغربية، فهى من ناحية تستهدف الانفراد بأكبر نصيب من احتياطات النفط والغاز، التى يعتبر استخدامها أكثر أمانا وأوفى بتلبية الاستخدامات المتنوعة للطاقة وأهمها النقل والمواصلات البرية والبحرية والجوية التى لا تصلح فيها الطاقة النووية. ومن ناحية أخرى فإن اكثر من 70% من تكاليف المفاعلات النووية يذهب إلى الدول الصناعية التى تمتلك المقاليد التقنية لتلك الصناعة سواء من حيث المعدات والأجهزة Hardware أو من حيث الوقود وخبرة التشغيل Operation. وبالإضافة لهذه المكاسب، فإن الدول الصناعية الغربية لا تخشى على تأمين احتياجاتها من الطاقة النووية، إذ تملك مقوماتها الأساسية، ومتى تعارضت احتياجاتها من تلك المقومات مع احتياجات الدول النامية فإن الأفضلية ستكون لاحتياجاتها هى. مع ذلك، توجد محاولات لإخضاع الوقود النووى لاتفاقيات دولية متعددة الأطراف تضمن توزيع إمداداته فيما بين الدول بصورة عادلة وخاضعة لرقابة وكالة الطاقة الذرية IAEA، ومن ذلك قيام الرئيس الروسى السابق بوتين بتقديم مقترح لهذه الوكالة يقضى بإنشاء «نظام يعتمد على إقامة مراكز عالمية لتقديم خدمات دورة الوقود النووى، بما فى ذلك التخصيب، على أساس غير متحيز وتحت إشراف الوكالة الدولية». وقد دعم هذا الاقتراح من جانب عدد من الدول الأعضاء بالوكالة لتأكيد ضرورة اقامة نظام دولى متعدد الأطراف يضمن توفير الوقود المخصب لجميع الدول المستخدمة للطاقة النووية على قدم المساواة وبشكل عادل، خاصة فى ظروف انقطاع موارده نتيجة لأزمات سياسية. وكانت تلك المقترحات تستهدف اقامة هذا النظام فى خطوة واحدة، إلا أن المؤتمر الذى عقدته الوكالة لمناقشتها ضمن أمور أخرى ارتأى أن اقامة هذا النظام فى إطار دولى متكامل وقابل للبقاء فى الأجل الطويل Viable ينطوى على مشاكل معقدة، وهو ما يتطلب اقامته على مراحل، سواء بالنسبة للوقود النووى المنخفض التخصيب أو بالنسبة لإدارة شئون الوقود المستهلك Spent fuel. وقد اتجهت بعض الدول الصناعية المتقدمة، تحسبا لنضوب احتياطات اليورانيوم، إلى تطوير المفاعل المولد السريع Fast breeder reactor، وهو مفاعل يرفع كفاءة الوقود المستخدم بنحو 60 70 مرة مثل الجيل الحالى من المفاعلات الحرارية، غير أن تقنيات هذا المفاعل ما زالت أكثر تعقيدا وأشد خطورة، وبصفة خاصة نتيجة لاعتماده فى دورة التبريد على الصوديوم السائل. وهو مبرد مشع شديد الخطورة، ونتيجة لما وقع من حوادث فى هذا المفاعل قامت اليابان بإغلاق مفاعلها Monju، كما أغلقت فرنسا مفاعلها Super-Phenix وصارت تعتمد على مفاعلات صغيرة لمواصلة التجارب، كذلك أوقفت بريطانيا وألمانيا برامجها لتطوير هذا المفاعل. ومن ناحية أخرى فإن اعتماد هذا المفاعل على البلوتنيوم كوقود، وهو من اهم مكونات السلاح النووى، ولا يوجد ما يبطل صلاحيته فى صنع الفنبلة؛ يجعل التوسع فى استخدامه منطويا على مخاطر انتشار الأسلحة النووية. ومن هنا يلقى هذا المفاعل معارضة شرسة. وتكاد الدراسات المتاحة تجمع على أن ذلك المفاعل لن يدخل الخدمة على مستوى تجارى خلال المستقبل المنظور.