(هذا المقال نشر بتاريخ 10 نوفمبر 2009) يرتبط بالطاقة النووية، بالإضافة للمشكلات الدولية التى سبق تناولها (الشروق 4/10/2009)، مخاطر بيئية ينبغى أن يحسب حسابها أثناء إقامة وتشغيل المحطات النووية. من أهم تلك المشاكل احتمال تسرب المياه أو المواد المشعة، أو وقوع حوادث كبرى أخطرها ذوبان المفاعل Meltdown مما يتسبب فى خسائر بشرية ومادية جسيمة تفوق ما وقع فى حادثى ثرى ميل ايلاند فى الولاياتالمتحدة وتشرنوبل فى الاتحاد السوفييتى. غير أن ثمة دلائل قوية على أن درجة الأمان التقنى قد تحسنت بدرجة كبيرة منذ التسعينيات، وذلك كما يبدو مما ينشره الاتحاد الدولى لمشغلى الطاقة النووية World Association of Nuclear Operators. لكن يلاحظ أن تلك التحسينات لم تتحقق فى جميع المواقع بنفس الدرجة وإنما تعثرت فى بعضها، وما زالت الفجوة كبيرة بين الحالات التى ارتفعت فيها التحسينات وبين تلك التى ما زالت فى أدنى المستويات. ولعل مما يدعو للتفاؤل فى هذا المجال ان وكالة الطاقة الذرية قد نجحت، بالتعاون مع 28 دولة من أعضائها، فى تطوير نظام دولى لتحديث المفاعلات النووية ودورات الوقود International Project on Innovative Nuclear Reactors and Fuel Cycles (INPRO)، وهو نظام من شأنه توفير أساليب متقدمة لمعاونة الدول أعضاء الوكالة فى تقييم واختيار أفضل نظم التطوير والتحديث Innovative nuclear systems (INS). وإذ يستغرق التحلل الكامل لبعض المواد المشعة المستخدمة فى التوليد النووى آلاف السنين، فإن تلك الصناعة تثير مشاكل بيئية خطيرة، من اهمها كيفية التخلص من نفايات الوقود المشعة Nuclear waste، والتى قد يستمر خطرها الإشعاعى لآلاف السنين. ومن المخلفات النووية ما يمكن الاستغناء عنه نهائيا، بينما يظل بعضها صالحا لإعادة الاستخدام كوقود بعد معالجته باستخدام تقنيات متقدمة، ومن ثم يلزم تخزينها مؤقتا لاستردادها عند الحاجة اليها. وفى انتظار نتائج البحوث المكثفة لحل مشكلة الدفن النهائى للمخلفات النووية عملت الدول على توفير أماكن تسمح بالدفن المؤقت لعدة سنوات فى التجاويف الأرضية العميقة المستقرة جيولوجيا. ومن مقتضى عدم حل مشكلة دفن الوقود المستهلك دفنا نهائيا والاحتفاظ به فى موقع المفاعل أن تلك المواقع قد تمتلئ قبل أن ينقضى عمر المفاعل الإنتاجى بسنوات مما يحتم غلقه كما حدث فى ألمانيا عام 2000. وتتفاوت مواقف الدول من حيث معالجة النفايات المشعة. فالبعض يعاود تصنيع الصالح منها ويعيد استعماله كوقود نووى فيما يسمى «دائرة وقود مغلقة»، كما يقوم بتخزين الباقى تخزينا مؤقتا انتظارا لاتخاذ قرار نهائى بشأنها مستقبلا. ويضم هذا الفريق فرنسا والمملكة المتحدة وروسيا واليابان والصين والهند. وتستهدف فرنسا إعداد تجاويف أرضية مستقرة جيولوجيا تسمح بالدفن المؤقت يبدأ العمل فيها بحلول 2015 لكى تصبح صالحة للتخزين اعتبارا من 2025. أما الولاياتالمتحدة والسويد وفنلندا فقد اختارت أسلوب التخلص مباشرة من تلك النفايات وتخزينها نهائيا فيما يسمى «دائرة وقود مفتوحة». وتقوم تلك الدول بإعداد وتطوير برامج لإقامة الأماكن الصالحة لاستقبال تلك النفايات حيث يتوقع أن يبدأ تشغيل بعضها بحلول عام 2020. وكان بوش، الرئيس السابق للولايات المتحدة، قد أصدر فى فبراير 2002 أول قرار ببناء مدفن صناعى للنفايات النووية فى جبال Yucca، كما بلغ المدفون مؤقتا فى الولاياتالمتحدة حتى عام 2002 نحو 40 ألف طن تزداد سنويا بنحو ألفى طن. ولا يوجد للآن مدفن جيولوجى Geological repository صالح للدفن النهائى غير مدفن Waste Isolation Pilot Plant (WIPP) فى الولاياتالمتحدة، غير أنه لا يستقبل غير النفايات المرتبطة بالأسلحة النووية دون النفايات الناتجة من مفاعلات الطاقة النووية فى القطاع المدنى. وقد بلغ حجم الوقود النووى المستهلك على المستوى العالمى حتى نهاية عام 2004 نحو 280 ألف طن من المواد المعدنية الثقيلة Heavy metal، ويتزايد بمعدل 10.5 ألف طن سنويا. وقد تم للآن إعادة تصنيع واستخدام نحو ثلث تلك النفايات وما زالت المخازن المؤقتة تضم نحو 190 ألف طن. ويؤكد أنصار الطاقة النووية ان الخبرة المكتسبة عبر 50 عاما من التعامل مع النفايات النووية تشير إلى أن أماكن التخزين المؤقت، الرطبة والجافة، سوف تكون قادرة على استيعاب الكميات المتزايدة منها إلى أن يتسنى توفير إمكانات الدفن النهائى لكل النفايات المشعة. أما بالنسبة للدول النامية حديثة العهد بالطاقة النووية، فإن أغلبها لم يتخذ موقفا نهائيا من تلك النفايات انتظارا لما تسفر عنه الجهود الدولية لتحديد أفضل الوسائل للتخلص منها. وبالنسبة لمصر التى يتوقع أن يبدأ تشغيل أول مفاعل نووى فيها بحلول 2020 وأن يمتد عمره لمدة 60 سنة حتى 2080، كما تشير الاتجاهات الحديثة فى أعمار المفاعلات، فإن طول المدة يخلق مشكلات عديدة ينبغى الانتباه لها من الآن والعمل على ادخالها فى دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية. ففى خلال تلك المدة الطويلة يتوقع أن يتغير تغيرا جوهريا أكثر المعايير، التى تبنى عليها تلك الدراسات فى الوقت الحاضر. ومن هذا المنطلق ينبغى أن تحسب بدقة جميع المتغيرات الداخلة فى المشروع، فنيا واقتصاديا، والاحتمالات المتوقعة لتغيرها. ومن ذلك، كما ذكرنا، أن الدول الرائدة فى هذا المجال لم تقدر بدقة منذ البداية نفقات التخلص من المفاعل بعد توقفه وخروجه من الخدمة، بما فى ذلك تفكيكه والتخلص من هيكله غير المنقول ودفن موقعه ودفن النفايات المشعة القابلة للنقل وغيرها. فلما ظهر، مع مضى الوقت، وبصورة أكثر واقعية، حجم وخطورة تلك المشكلة، ارتفعت تقديرات التكلفة كثيرا فوق ما كان متوقعا فى البداية. ومن ناحية أخرى، فإن اقتصاديات المشروع تقوم على توزيع النفقات الرأسمالية على عدد وحدات الكهرباء، التى يتم توليدها على امتداد عمر المفاعل معبرا عنها بالكيلووات ساعة، ومن هنا يلزم الاستعانة بالخبرة المكتسبة فى الدول، التى سبقتنا فى هذا المجال للتعرف على النمط الانتاجى لنوع المفاعلات التى سيقع عليها الاختيار وحساب تكلفة الوحدة على هذا الأساس. ويجب التحذير ضد العادات السيئة التى صاحبت بعض المشروعات، إذ تبدأ بحماس ثم تتراخى فى التنفيذ، وهو ما ينعكس فى زيادة التكلفة لتراكم االفوائد. ومرة ثانية نعيد التنبيه إلى أهمية دراسة أسلوب التنميط فى بناء المفاعلات النووية الذى تتماثل وحداته Standardization وتستخدمه فرنسا بنجاح. إذ يساعد على تعميق الخبرة وتطويرها بالعدد المحدود من الخبراء المصريين، كما يسمح بإحلال خبير محل آخر فى النموذج الموحد بسهولة. وقبل هذا وبعده، لا ينبغى تحت أى اعتبار قبول نظام «تسليم مفتاح» الذى يحول دون اكتساب الخبرة النووية وتوطينها فى مصر. ويدخل فى نطاق المتغيرات التى ينبغى أن تحسب آثارها بدقة اختيار مواقع المفاعلات المزمع إقامتها، وتفضيل الاعتبارات الاقتصادية والفنية للمفاعل النووى على ما عداها من اعتبارات سياحية أو ما يثار حول موقع «الضبعة»، الذى بذل فى اختياره واختباره الكثير من الجهد والمال على امتداد سنوات عديدة. وتشير تصريحات وزير الكهرباء إلى أن الموقع يعاد تقييمه وأن النتيجة سوف تظهر قريبا، فلعلها تأتى بريئة من شبهة التحيز ضد الموقع، حتى لا يهدر المال والوقت فى اختيار موقع جديد فد يكون أقل صلاحية وأكثر كلفة.