كان المتوقع أن ينكمش استخدام الطاقة النووية على المستوى العالمى، نظرا لمخاطرها وانخفاض أسعار النفط والغاز الطبيعى إلى مستويات متدنية منذ انهيارها عام 1986، وهما مصدران للطاقة أقل كلفة وأكثر أمانا. ومن مقتضى هذا الاتجاه أن تخرج من الخدمة المفاعلات النووية القديمة دون أن يحل محلها جديد، وخاصة تلك التى أقيمت فى الدول الصناعية الغربية عقب ارتفاع أسعار النفط فى منتصف السبعينيات. وبالفعل بدأ بعض الدول الأوروبية فى الإغلاق التدريجى للمفاعلات النووية مثل بلجيكا وهولندا وألمانيا وإسبانيا والسويد وأيرلندا، كما توقف البعض عن التوسع فى الطاقة النووية باستثناء فرنسا وفنلندا وبريطانيا التى ما زالت تستثمر وتتوسع فيها. وتوجد دول أوروبية أخرى ليس لديها مفاعلات أو استغنت عنها ومنها إيطاليا والبرتغال والنمسا والدانمارك واليونان ولوكسمبورج. وبذلك لم تعد الطاقة النووية تعتبر المصدر الرئيسى لتوليد الكهرباء إلا فى 8 دول أوروبية، وتمثل أكثر من نصف الكهرباء المولدة فى أربع دول وهى فرنساوبلجيكا وليتوانيا وجمهورية السلوفاك. غير أن ارتفاع الطلب العالمى على الكهرباء، مقترنا بالقلق المتزايد حول غازات الاحتباس الحرارى وأهمها ثانى أكسيد الكربون CO2، ثم اقتراب مصادر النفط والغاز من بداية رحلة النضوب النهائى، مع ارتفاع أسعارها فى قفزة كبيرة خلال السنوات الأخيرة وتوقع استمرار ارتفاعها عبر المستقبل المنظور، جعل الكثير من الدول يعيد النظر فى موقفه من الطاقة النووية ويشجع الاقبال عليها. ويجرى توليد الكهرباء النووية فى 31 دولة تدير 435 مفاعلا تبلغ قدرتها المركبة Installed capacity نحو 370 جيجاوات (Giga = بليون أمريكى أو مليار فرنسى). أما حجم الكهرباء المولدة نوويا على مستوى العالم فقد بلغ عام 2006 نحو 2750 تيراوات/ساعة TERA (TWH = تريليون)، وهو ما يعادل نحو 16% من الانتاج العالمى للكهرباء والذى بلغ نحو 17100 تيراوات/ساعة. وبالنسبة لاجمالى الطاقة المستهلكة عالميا، بجميع مصادرها، يتجه نصيب الطاقة النووية إلى الانخفاض اذ بلغ عام 2006 نحو 636 مليون طن نفط مكافئ Toe وهو ما يعادل 6% من الطاقة العالمية التى بلغت 10879 مليون Toe. أما فى عام 2008 فلم تتجاوز الطاقة النووية 620 مليون Toe وهو ما يعادل 5% من الطاقة العالمية المقدرة بنحو 11295 مليون Toe. وطبقا لسيناريو متوسط Reference Scenario، يتوقع أن تنمو القدرة المركبة للطاقة النووية على المستوى العالمى بمعدل 0.5% سنويا فى المتوسط لتبلغ فى عام 2030 نحو 416 جيجاوات. أما سيناريو السياسة البديلة Alternative Policy Scenario، والذى يفترض ازدياد الاقبال على الطاقة النووية وانخفاض مبتعثات غازات الاحتباس الحرارى، فيتوقع نمو القدرة النووية بمعدل 1.4% سنويا فى المتوسط لتبلغ عام 2030 نحو 519 جيجاوات. ويتوقع أن يقام نحو 70% من الزيادة المتوقعة فى الدول النامية الساعية لاستخدام الطاقة النووية أو التوسع فيها ويقع أغلبها فى آسيا، وبخاصة الصين والهند. ويأتى فى مقدمة عوامل الترويج للطاقة النووية أن بدائلها فى توليد الكهرباء، مثل الفحم والنفط والغاز، بالإضافة إلى اقتراب بعضها من منحدر النضوب وما يرتبط به من ارتفاع أسعارها، فانها تساهم بنصيب كبير فى تلويث البيئة بما يتخلف عنها من غازات الاحتباس الحرارى، وسوف تواجه تلك البدائل ضغوطا متزايدة لتحجيم استخدامها فى إطار الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف مثل بروتوكول كيوتو، وامتداده الذى يتوقع مناقشته فى كوبنهاجن الشهر المقبل (ديسمبر 2009) ويستهدف تحجيم المبتعثات الكربونية. كذلك يعتمد أنصار الطاقة النووية فى ترويجها على ما يبذل من جهود مكثفة لتحسين مستوى الأمان فيها، ومن ذلك انشاء عدد من الهيئات المحلية والدولية لمساندة تلك التحسينات فى إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية التى يحاول أعضاؤها توسيع اختصاصها فى أمور السلامة والأمان النووى. ويدخل فى تحسين الاداء أيضا التوسع فى أسلوب التنميط Standardization فى التصميم والتشغيل، وتحسين كفاءة التمويل والإدارة بتشجيع الشركات العاملة فى هذا المجال على الاندماج، أو اشتراك أكثر من شركة فى وحدة نووية. ومن أمثلة المفاعلات الحديثة المفاعل AP1000 الذى تجرى اقامته فى الوقت الحاضر فى الصين وفنلندا وفرنسا التى صارت الطاقة النووية تمثل 80% من احتياجاتها للكهرباء. ويتميز هذا المفاعل بقصر مدة اقامته، وانخفاض تكلفته بما فيها تكلفة التخلص من مخلفاته المشعة بعد انتهاء عمره الانتاجى. كذلك يتميز هذا المفاعل بقدرته الذاتية على الحفاظ على سلامته فى حالة الطوارئ Passive safety system، بدلا من النظم المعقدة التى يلزم تنشيطها فى تلك الحالات. كذلك يسهل بالنسبة لهذا المفاعل انتاج مكونات محطة توليد الكهرباء بعيدا عن موقعه النهائى وبكميات متكررة يمكن تجميعها فى مواقع مختلفة لبناء عدة محطات فى وقت واحد. أما الذين يعارضون الطاقة النووية فأشدهم تأثيرا الجماهير، خاصة فى الدول الصناعية المتقدمة حيث يتمتع الرأى العام بحرية سياسية تمكنه من التأثير فى قرارات الحكومات. وأخشى ما تخشاه الجماهير تسرب المواد والمياه المشعة أو وقوع حوادث نووية كبرى من نوع ما حدث فى TMI بالولايات المتحدة وفى تشيرنوبل بالاتحاد السوفييتى سابقا. بالإضافة للمعارضة الجماهيرية توجد شكوك حول مدى كفاية احتياطيات اليورانيوم لمواجهة احتياجات العالم المتزايدة، إذ يرى البعض أن الاعتماد على تقنيات الجيل الحالى من المفاعلات، وهو المفاعل الحرارى المحول Converter، سوف يؤدى إلى نضوب احتياطيات اليورانيوم خلال فترة قد لا تتجاوز أعمار المفاعلات العاملة حاليا وما هو تحت البناء. كذلك توجد شكوك حول توفر الاستثمارات الباهظة والامكانات اللازمة لتوسيع عمليات تخصيب الوقود النووى وتصنيعه ثم إعادة معالجة الوقود المستهلك Spent لاستخلاص البلوتنيوم واليورانيوم غير المحترق، بما فى ذلك تكلفة تفكيك المفاعل بعد انتهاء عمره الانتاجى وتكلفة دفن النفايات المشعة والتى ما زالت عناصرها تتسم بقدر كبير من اللا يقين. وفى الدول النامية يأتى على قمة المعارضة النووية ما يراه البعض من شيوع الفساد الادارى والاهمال البشرى ومن أمثلته فى مصر حوادث القطارات والعبارات والغش فى اقامة المبانى وبناء الطرق وغيره كثير. كذلك يشاع أن المفاعلات النووية سوف تقام فى مصر بمساندة أمريكية مما يحمل شبهة التبعية لاتجاهات سياسية معينة. ويشتد الاعتراض فيما لو اتجهت النية إلى اقامتها على أساس «تسليم مفتاح» حيث تنعدم أو تنخفض الفرص المتاحة للخبراء المصريين لاكتساب التقنيات النووية وتنميتها وتوطينها فى مصر. وبالنسبة لمستقبل الطاقة النووية من منظور عربى، فقد استثمرت مصر وعدد من الدول العربية مبالغ وجهودا طائلة على مدى سنوات عديدة لإعداد قدرات بشرية متخصصة فى مجالات الطاقة النووية. ومن الحكمة أن يحرص العرب على ألا تتخلف تلك الخبرات البشرية الثمينة عن ركب التطور العلمى والتقنى فى هذا المجال، وكلها مجالات حساسة وتعتبر من أعمدة الثورة العلمية والتقنية فى الوقت الحاضر. وإذا أخذنا فى الاعتبار ما سبق ذكره حول اقتراب النضوب الطبيعى للنفط والغاز الطبيعى، فإن احتمالات تحسين الطاقة النووية، فنيا واقتصاديا، قد يجعل منها مصدرا مقبولا للطاقة فى الدول العربية، النفطية منها وغير النفطية. ولذلك نرى البدء بإقامة عدة مفاعلات فى مصر وغيرها من الدول العربية، مع دخول تلك الدول كمجموعة للاستفادة من التفاوض الجماعى وتوحيد التقنيات المستخدمة Standardization بحيث يسهل تنميتها وتبادلها بين الخبراء العرب. ومن ناحية أخرى فإن الدول التى تمتلك التقنيات النووية لا بد أن تقيم وزنا لمجموعة عربية تمتلك من النفط والغاز والموارد المالية مما يؤهلها لكى تفاوض من موقع القوة وان تعامل معاملة الند بدلا من انفراد من يمتلك الطاقة النووية بكل دولة عربية على حدة.