يصر كلود مانديل رئيس الوكالة الدولية للطاقة IEA علي أن الطاقة النووية يجب أن يكون لها دور متزايد في توليد الكهرباء عالميا.. وبعد أن ظلت هذه الوكالة متشائمة بشأن مستقبل الطاقة النووية لسنوات طويلة صارت الاَن علي العكس من ذلك تتوقع ازدهار دور الطاقة النووية في مختلف أنحاء العالم حيث تتوقع أن يزيد نصيبها العالمي من توليد الكهرباء إلي 13% بل ربما 40% بحلول عام 2030. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن الشركات المنتجة للمفاعلات النووية صارت لديها هي الأخري نفس التوقعات المتفائلة، فشركة جنرال اليكتريك تتوقع أن يصل الطلب علي مفاعلاتها إلي 44 مفاعلا كبيرا حتي عام 2020 تنتج نحو 66 جيجاوات من الكهرباء في حين تتوقع شركة أريفا الفرنسية أن يصل حجم الطلب علي مفاعلاتها إلي 130 مفاعلا جديدا حتي عام 2030. وهناك بالطبع أسباب عديدة لهذه التوقعات المتفائلة، فأسعار مصادر الطاقة الأخري بما فيها الفحم والغاز الطبيعي قد ارتفعت بشدة في السنوات الأخيرة.. وتري الوكالة الدولية للطاقة أن الكهرباء النووية عند مستوي الأسعار الراهن تعد أرخص من الكهرباء المولدة بالغاز وأن تكلفتها تساوي تقريبا تكلفة الكهرباء المولدة بالفحم. وبجانب ذلك، فإن الطاقة النووية لا يتولد عنها ثاني أكسيد الكربون الملوث للمناخ بعكس أنواع الوقود العضوية الأخري.. وإلي جانب ذلك فإن اليورانيوم يأتي من دول مستقرة مثل كندا واستراليا وبالتالي فليس من المتوقع حدوث اضطرابات في إمداداته.. وفوق ما تقدم فإن شركات المفاعلات النووية مثل أريفا وجنرال اليكتريك ووستنجهاوس وغيرها قد طورت مفاعلات أكثر أمانا عن ذي قبل. ويجري بناء مفاعل من هذه التصميمات الجديدة في فنلندا إلي جانب خطط أكيدة لبناء مفاعل اَخر مماثل في فرنسا وتمثل تكلفة بناء المفاعل الكهربي ثلاثة أرباع التكلفة الكلية للمحطة في حين أن أسعار الوقود وتكاليف التشغيل الأخري تعد منخفضة وذلك علي عكس محطات الغاز الطبيعي التي تكون تكلفة إنشائها منخفضة وتكاليف تشغيلها عالية جدا. ولاشك في أن ارتفاع تكاليف إنشاء محطات الكهرباء النووية كان أحد العوامل وراء انصراف القطاع الخاص عن الاستثمار فيها، خصوصا إذا لم يضمن المستثمر تسويق ما يتم إنتاجه من كهرباء، أما الاَن فإن هذه المخاوف بدأت تخف نسبيا.. وتجدر الإشارة إلي أن قسم المفاعلات في أريفا قد خسر 266 مليون يورو "340 مليون دولار" خلال النصف الأول من العام الحالي بسبب مثل هذه المخاوف. ويري المسئولون في أريفا أن المفاعل الذي تبنيه في فنلندا سيدخل مرحلة تحقيق الأرباح في غضون فترة قصيرة بعد أن يغطي تكاليف الإنشاء خصوصا أن الكونسورتيوم الذي يمول بناءه قد ضمن تسويق كل ما ينتج عنه من كهرباء بأسعار مناسبة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن هيئة الكهرباء الفرنسية EDF علي وشك بناء محطة كهرباء نووية جديدة في فرنسا تتكلف 3.3 مليار دولار وهو مبلغ كبير لا تقدر عليه إلا دولة أو شركة كهرباء عملاقة ولذلك تأمل الشركات المنتجة للمفاعلات النووية الكهربية أن تكف الدول ودعاة حماية البيئة عن التضييق علي مثل هذا النوع من الطاقة، وفي دول مثل فرنسا وفنلندا والولاياتالمتحدة لا توجد مشكلات تنظيمية تحول دون إقامة محطات الكهرباء النووية كما لا يوجد رفض من الناس لمثل هذه المحطات. وإذا كانت الولاياتالمتحدة تقدم دعما تنظيميا لمحطات الكهرباء النووية الجديدة فإن فرنسا قررت كدولة منذ صدمة البترول الأولي في عام 1973 أن الاعتماد علي الكهرباء النووية هو الطريق الأفضل للاستقلال في مجال الطاقة. ونفذت هيئة الكهرباء الفرنسية برنامجا قويا لإنشاء محطات الكهرباء النووية وهي الاَن تحصل علي 85% من إنتاجها من الكهرباء من محطات نووية، كما أن الرأي العام الفرنسي تعايش مع هذه المحطات دون مشكلات منذ وقت طويل.. وخلال رحلته الأخيرة إلي الصين، استخدم الرئيس الفرنسي جاك شيراك كل حنكته السياسية لإقناع القادة الصينيين بترجيح كفة أريفا علي وستنجهاوس في المنافسة بينهما علي بناء أربع محطات كهرباء نووية جديدة في مختلف أنحاء الصين. وتجدر الإشارة إلي أن الرأي العام الذي تعاطف مع الكهرباء النووية بعد الصدمة البترولية الأولي عام 1973 عاد فركبته المخاوف منها بعد انفجار مفاعل تشيرنوبيل في الاتحاد السوفييتي السابق عام 1986.. وقد امتدت هذه المخاوف إلي الألمان وسببت ولاتزال تسبب المشكلات لشركة E.om الألمانية التي تمتلك 5 مفاعلات وتسهم في 6 أخري ضمن 19 مفاعلا كهربيا في ألمانيا تقرر منذ عام 2000 إغلاقها تباعا حتي عام 2020.. وتأمل شركة E.on أن تتمكن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من الوفاء بوعودها لتغيير القانون الذي ستغلق بمقتضاه هذه المفاعلات حتي لا تخسر E.on نحو ثلث ما تنتجه من كهرباء نووية. وعموما فإن الالتجاء إلي الكهرباء النووية يحتاج في معظم دول العالم إلي قرار سياسي أكثر من خضوعه للاعتبارات التجارية والتكنولوجية.. ولذلك سيظل المستثمرون غير متحمسين لإنفاق أموالهم في بناء المحطات النووية الكهربية ما لم يحدث تغير سياسي إلي جانب التغير في الرأي العام.. ويقول فاتيه بيرول كبير الاقتصاديين في الوكالة الدولية للطاقة إن الحكومات مطالبة بدعم هذا النوع من الاستثمار حتي تعود الطاقة النووية إلي الرواج من جديد.