فى جلسة الاستماع التى عقدتها لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ الأمريكى في 25 ابريل الماضي برئاسة الجمهوري ليندسي جراهام،وتوصياتها بشأن المعونة التى تقدمها واشنطن للقاهرة، وقع المؤيدون والمعارضون فى مصر، فى مصيدة المكايدة، ولم يلتفت معظمهم -خصوصا انصار الحكومة-إلى نقاط جوهرية تم إثارتها خلال هذه المناقشات. المعونة العكسرية ثابتة ولن يمسها أى تغيير وحجمها 1.3 مليار دولار، فى حين أن التى ستتأثر هى المعونة الاقتصادية ،التي ستنخفض الي 112 مليون دولار، بدلا من 150 مليونا بعد ان كانت 815 مليونا حتي عام 1999،وظلت تتناقص باستمرار، وينتظر تصويت الكونجرس الأمريكى على القرار تمهيدًا لتطبيقه. صحيح أن نسبة التخفيض قليلة جدا،وانها ليست موجهة لمصر بالمرة، بل فى إطار تخفيض شامل لكل المساعدات الاقتصادية الأمريكية للعالم عبر وزارة الخارجية بنسبة تصل إلى 40٪ . أيضا ليست المشكلة ان الثلاثة الذين استمع لهم الكونجرس لا يحبون حكومة مصر أو رئيسها، فهذا وارد كثيرا فى السياسة. الاعضاء او الخبراء الثلاثة الذين استمعت اليهم اللجنة هم الباحثة فى برنامج «كارنيجي» للشرق الأوسط ميشيل دن،وهي خبيرة شؤون الشرق الأوسط السابقة بوزارة الخارجية ، وعضو مجلس العلاقات الخارجية إليوت أبرامز،ومساعد وزير الخارجية الأمريكية الأسبق للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل توم مالينوسكى.الأخطر هو الأسباب التى استخدمها الثلاثة فى طلب إلغاء المعونة الاقتصادية أو تخفيضها بصورة كبيرة. الثلاثة قالوا كلاما كثيرا عن القمع وانتهاك حقوق الإنسان وغياب الحريات وزيادة عدد المسجونين،وكل ما سبق متكرر، لكن الجديد والخطير الذى جاء على لسان هؤلاء تمثل فى الآتى: إن مصر لم تعد دولة مؤثرة فى محيطها، ولا تقدم أى إسهامات فعلية فى الصراعات الكبرى بالمنطقة مثل اليمن وسوريا والعراق والصراع العربى الإسرائيلى. يمكننا ان ننتقد الثلاثة كما نشاء،ونقول انهم يكرهون مصر وحكومتها.حسنا، لكن تعالوا نناقش هذا الكلام، وهل هو صحيح أم لا؟. قد يكون هذا الكلام يحمل مبالغة، لكن للأسف فيه قدر من الصواب. دورنا العربى تراجع بصورة ملحوظة. كنا نتكلم طوال الوقت عن الريادة فى المنطقة فى كل المجالات من السياسة والتعليم والاقتصاد الي الإعلام والثقافة والفنون والرياضة.لم يعد لنا او للعرب دور مؤثر فى سوريا، ومن يدير الأمر هناك روسيا ومعها إيران وتركيا. فى اليمن فإن السعودية هى صاحبة الكلمة الأولى. قطر صار لها كلمة مسموعة فى غزة والسودان،والإمارات لها كلمة مسموعة فى ليبيا. يعلم كثيرون أن المعونة الأمريكية لمصر جرى إقرارها عقب توقيع أنور السادات اتفاقية السلام مع إسرائيل فى مارس 1979.ويعلم هؤلاء ان هذه المعونة العسكرية والاقتصادية كانت مرتبطة بهذه الاتفاقية، واستمرار التزام مصر بها. الجديد والخطير الذى سمعناه من المتحدثين في جلسة الكونجرس هو ان اعتبار المعونة شرطا للعلاقات الجيدة مع إسرائيل لم يعد صحيحا. وان مصر تحافظ على هذه العلاقة مع إسرائيل لان هذا أمر جيد لها، وليس لأمريكا فقط. نحب هذا الكلام أو نكرهه، لكن علينا أن ندرسه ونفكر فيه فى ضوء التفكير الأمريكى النفعى البرجماتى. هم يقولون لنا «لقد دفعنا لكم المعونة فى الماضى، لأنكم كنتم الدولة المركزية الرئيسية فى الوطن العربى التى تحارب إسرائيل. والآن اتتم من تحتاجون هذه العلاقات وتستفيدون بها، فلماذا ندفع لكم هذه المعونة؟!». أخشى مع هذا التفكير العملى، ومع طريقة ترامب الذى يريد من الخليج وحلف الناتو أن يدفع نقدا وفورا لأمريكا مقابل الحماية الأمريكية-وحصل علي جزء كبير من ذلك بالفعل-، ان تطالبنا أمريكا وإسرائيل بأن ندفع أيضا حتى يساعدونا مثلا فى التغلب على داعش، أو لأى سبب طالما أن السياسة تقوم على «فكرة الفتونة والبلطجة». مرة أخرى لننتقد ما قيل فى الكونجرس كما نشاء، ولكن علينا أن نفكر فى المضمون وهو: نحن نجنى ثمار السياسات طوال السنوات والحقب الماضية والتى أوصلتنا إلى هذه النتيجة المخزية. دورنا يتراجع، ونتمني الا يتلاشى!!!.