"مبروك للمصريين الحقيقيين، "البهوات" في الاستوديوهات ينتقدون منتخب مصر وهناك جمهور طيب آخر يحب مصر ويخاف على المنتخب". هذا الرجل خسر مباراة واحدة، مباراة ودية، والآن لدينا شعب حقيقي وآخر مزيف. مستوى من التصعيد لا يقل عن اتهام مندوب توصيل طلبات لشخص ما بإلغاء الأردن. على ذكر الأردن الذي كافأنا لاحقا بإلغاء المنتخب الثاني، فشهادة عامر شفيع حارس مرماها تعكس مستوى التصعيد الذي يمكن لنفس الرجل أن يصل إليه. لدينا أيضا شهادة أحمد حسام ميدو عن معركته مع قدمه، ولكن لماذا نحتاج أصلًا لشخص يخبرنا عن حسام حسن؟ حسام حسن هو الهداف التاريخي لمنتخب مصر وأحد أكثر شخصياتها الكروية إثارة للجدل بالطبع، ولكن البعض ينسى أحيانا أنه النصف الأهدأ من توأم، نصفه الآخر حاول سحب سلاح من جندي في مباراة ودية أخرى. ربما يصلح ذلك تفسيرا جيدا لتعامل التوأم مع الضغوط، بل حتى لنفي وجود أي ضغوط.. الثنائي يفقد أعصابه بسرعة البرق، ولكن هذا ليس إلا نصف الحقيقة، بل لا يصلح حتى ليكون نصفها. لماذا نحن هنا؟ تفكيك أي مسألة يتطلب بعض الأسئلة، وكلما كانت الأسئلة أكثر صحة، كلما كنا أقرب لإجابات أصح. وسواء كنت من المصريين الحقيقيين الطيبين الذين يحبون مصر ويخافون على منتخبها، أو كنت من الطرف الآخر أيًا كانت تسميته، فأنت على الأرجح لا تعرف السؤال الصحيح، ولا تقلق.. لا أحد يعرفه. قد يكون السؤال: هل حسام حسن مؤهل ليصبح المدير المنتخب الفني لمنتخب مصر؟ سؤال صحيح للغاية، تكفل "مجلس إدارة الاتحاد المصري لكرة القدم السابق" إن جاز التعبير بالإجابة عنه، فهو ارتآه مؤهلا بشكل أو بآخر، وإن كنت معنا منذ البداية فأنت تعرف حجم شهادة مجلس جمال علام بحق مدرب. أما إن لم تكن معنا، فهو لم يكن المجلس الذي أتى بكارلوس كيروش، بل المجلس الذي "تورط فيه"، ثم أسند خلافته للراحل إيهاب جلال لأنه لم يجد دولارات عند "بتاع الماليات لما جابوه من فوق"، ثم أقال الراحل في طائرة العودة من توقفه الدولي الأول، لتظهر الدولارات من حيث لم يحتسب أحد وتأتي لنا بفيتوريا. إن لم تكن معنا منذ البداية فهذه أول مرة أروي فيها هذه القصة الشيقة، أما إن كنت معنا فأنت تعرف أنها -على الأقل- المرة الثالثة، ماذا أفعل؟ لا يمكنني مقاومتها. الآن وقد تعذر التأكد من قدرة أصحاب الإجابة على الاختيار أصلا، علينا أن نجرب في مكان آخر. ماذا عن مدرب كبير؟ خبرة واسعة؟ "ديب بيقيم ديب"؟ من أجدر بإجابتنا على هذا السؤال من حلمي طولان الذي قال عنه صراحة "لا يجيد التدريب أو الحديث"؟ قالها طولان ثم عاد إلى خط التدريب وقدم لنا شيئا نحاول جميعا أن ننساه، تعذر في نهايته بغياب الدعم والتنسيق وبعض اللاعبين، ورفض 2 لو جمعتهما معا سيمنحانا نفس عمره -76 عاما- الانضمام إلى المنتخب. نحن ببساطة لا نعرف ما إن كان حسام حسن جديرا بقيادة منتخب مصر منذ البداية، وفي الوقت ذاته نكاد لا نعرف مدربا محليا أجدر منه، لسنا المغرب الذي يملك مدربين حاصلين على أعلى الرخص في كل جنبات منتخباته بمختلف فئاتها العمرية لدرجة تصدير الفائض إلى الأردن، وبالتالي سواء رأيته مؤهلا أو لا، فأنت لا تملك خيارا إلا دعمه. أعتذر عن حرق النهاية مبكرًا، هذا ما سنصل إليه في نهاية كل سؤال، ولكن الكنز في الرحلة.. أو أيًا كان ما يقوله من يفشل في بلوغ هدفه. أين الضغوط؟ أي مدرب مضغوط. أي فريق كبير وراءه جمهور أكبر خصوصًا إن كان ذا إرث يأتي بضغوطه مسبقا.. حسام حسن اللاعب الأسطوري كان ينشط في هذه الظروف كأسد في بيئته الطبيعية، لست بحاجة للعودة إلى الوراء كثيرا، لاعب صنع تاريخا كبيرا في الأهلي، انتقل إلى الزمالك وصنع المزيد منه، لا طرف منهما كان يستقبله بالورود على كل حال. حسام المدرب يبدو أهدأ قليلًا من اللاعب، ولكن قليلًا ليس إلا.. وقد وصل محملًا بثقل آخر يعرفه أي شخص بدأ مسيرته الكروية في مصر على الأقل: حين تملك الظهير الجماهيري تظل فرصك أعلى في كل شيء، سواء في الحصول على الشيء نفسه أو في المساندة حين ترتفع وتيرة الرياح، وهذا الظهير لا يأتي بشكل رئيسي إلا من أحد طرفين يأتيان معًا على لساننا كما يأتي القيل والقال واللغو واللهو والمد والجزر والأخذ والرد وحسام وإبراهيم.. الأهلي والزمالك بالطبع. إلا أن العلاقات بين حسام وإبراهيم وجماهير الأهلي لم تكن على ما يرام لوقت طويل بعد انتقاله للزمالك، ثم تدريبه للزمالك، أما عن العلاقات مع جماهير الزمالك فلم تكن في أفضل أحوالها حين كان يدرب المصري في إحدى ولاياته التسع هناك. وبينما لم تعد هذه الأمور في ذروة اشتعالها كالسابق، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الفترة الحالية كان من الممكن أن تسير بمزيد من السلاسة إن كان أحدهما يدعمه بكامل قوته. أما عن العلاقات العملية، فالعميد كان يريد لاعبيه بصورة أبكر من المعتاد على خطى معلمه ومعلم الجميع الراحل محمود الجوهري، في زمن يتلو وفاة الجوهري ب 13 عاما، والأندية في أغلب الأحوال لا تريد إرسال لاعبيها قبل المواعيد المحددة، ومن هنا تولدت شكوى المدرب المتكررة من غياب الدعم والمساندة.. هذا من الأطراف الخارجية، فماذا عن الداخل؟ الجهة المسؤولة عن المنتخب المصري؟ هنا تبدأ المتعة.. سنترك تصريحات الدعم والاجتماعات المصورة والمصالحة الوطنية وكل هذه الرسميات التي رأيناها ونرصد الوضع كما هو: لدينا مدرب حذر علنًا في مؤتمر صحفي من إعادة شخص معين لرئاسة اتحاد الكرة، ولم نحصل على تفسير واحد عقلاني لسر إقحامه لنفسه في هذه المعركة سوى ما تردد عن خشيته من وجود نية مبيتة للإطاحة به. "أرجو أن يصبح للدوري المصري شكل كبير مثل الدوريات العربية وهذا لن يحدث إلا حين يأتي أشخاص نظيفة القلب والعقل ونتخلص من القديم المتشبث بالكرة المصرية في آخر 10 أو 15 عاما. لا تعيدوهم مرة أخرى. البطولة التي أقيمت في مصر (أمم إفريقيا 2019) شاهدة على ذلك". * حسام حسن – 10 أكتوبر 2024 (مؤتمر صحفي) نجح "القديم" بالتزكية وكالعادة لا نعرف أيهما حدث بين معمر والاتحاد السوفييتي، ولكن في هذه الحالة كان رئيس الاتحاد الجديد أمام خيار من اثنين: إما إقالته على كل حال وإثبات النية المبيتة التي كان المدرب يخشاها، وإما الصبر معه لنرى ما سيحدث.. بالطبع كان الخيار الثاني أكثر منطقية، وأقوى دلالة على مدى التخطيط وامتداد الرؤية الفنية. وعلى ذكر الرؤية الفنية، فقد وصل رئيس الاتحاد الجديد ومعه لجنة فنية مكونة من 8 أفراد، نصفهم فوق 75 عاما، والخامس لم أستطع التأكد من عمره ولكنه كان رئيس النادي الذي باع أبو تريكة للأهلي حين كان عمري 9 سنوات، هيا لنطور ونبتكر ولا نظل أسرى الماضي بينما يتقدم الجميع من حولنا، هيا. أتت هذه اللجنة ورحلت دون أن نعرف ماذا كانت تفعل، سوى أنها اجتمعت لاختيار مدرب المنتخب فحصرت الاختيارات بين حسام البدري وطلعت يوسف، قبل أن يدخل أبو ريدة ناسفًا ساعات هذا الاجتماع بجملته الخالدة: "بقولك يا كابتن حلمي".. إلى آخر تلك القصة التي رواها المدير الفني للمنتخب الثاني 10 مرات على الأقل دون أن يشعر أن بها أي مشكلة. هاني أبو ريدة سيدعم حسام حسن سرًا وعلنًا، في الاجتماعات وخارجها، ولكن حين يرفض حسام حسن خوض كأس العرب سيختار جهازا فنيا يتكون من حلمي طولان الذي -على عهدته الشخصية- سبه حسام بالأب والأم من قبل، وأحمد حسن العميد الأصلي، وعصام الحضري الذي ينشر فيديوهات صافية النية تمامًا يحتفي فيها بالعميد الأصلي.. شهران ونحن نتابع هذا الوضع البائس، وبعد مهزلة كأس العرب يتساءل البعض بمنتهى الجدية: أين كان التنسيق بين المنتخبين الأول والثاني؟ حقًا؟ "ليه حسام مراحش؟ الناس بيننا وبين بعض بنقول ايه؟ عشان هو خايف يروح يخسر. ليه خايف يخسر؟ عشان عندنا في مصر اللي بيخسر لازم يمشي. هل فيه مدرب غيره في أمم إفريقيا مهدد يمشي؟" هكذا لخص حازم إمام هذا الوضع، وبينما لم يمنح حسام حسن إجابة رسمية عن سر رفضه، فلا نملك سواها كإجابة مقبولة عن هذا السؤال، هذا الرجل ليس تحت ضغط تمثيل مصر ومسؤوليات العمل في أكبر منصب تدريبي يمكن لأي مدرب مصري بلوغه، بل ببساطة تحت ضغط إمكانية فقدانه بشكل شبه يومي، ومجددا، سواء كان يستحق هذا المنصب أو لا، اليوم هو 21 ديسمبر 2025، وغدا أولى مباريات المنتخب بالفعل، أنت لا تملك خيارًا سوى تمني كامل التوفيق لمدرب يشعر أنه قد يقال بعد دور المجموعات إن تأهل بالمركز الثالث. وأخيرًا.. هل بقاء حسام حسن في منصبه مرتبط بنتيجة كأس الأمم؟ في الحقيقة.. الحقيقة؟ هل يخبرك أحد بالحقيقة؟ إن سألت هاني أبو ريدة رئيس اتحاد الكرة سيقول لك إن "حسام حسن لن يرحل إلا إذا رحلنا معًا"، وإن حاولت مع مصطفى أبو زهرة عضو المجلس سيؤكد لك أن "حسام حسن سيقدم أداء مميزا في كأس الأمم وسيذهب إلى كأس العالم"، وإن جربت أي عضو آخر ستحظى بالإجابة نفسها. ماذا تنتظر على كل حال؟ أن يهددوا المدرب بالإقالة لو فشل قبل أو أثناء البطولة الهامة؟ أن يخرج لك أحدهم ليحدثك عن صعوبات إقالته بسبب الشرط الجزائي إذا خسر المباراة الأولى؟ أي مسؤول سيفعل ذلك؟ عامر حسين فعلها نصا في صباح 12 يناير 2022 بعد خسارة المنتخب أمام نيجيريا، ولكن هذا ليس موضوعنا.. ببساطة إن كانت هناك نية للإطاحة بحسام حسن بعد البطولة أو بناء على ما سيقدمه فيها، فليس من التعقل أن يخبرك أحد، وبالتالي سنضطر للبحث في مكان آخر.. دعونا نتذكر سريعا ما حدث في أعقاب آخر بطولة كأس أمم خاضها الفراعنة، وإن كنا نتمنى أن ننسى.. يوم الأحد 28 يناير 2024.. خرج منتخب مصر من دور ال 16 على يد الكونغو الديمقراطية بركلات الترجيح. يوم الأحد 4 فبراير.. أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم نصًا: توجيه الشكر للبرتغالي روي فيتوريا المدير الفني لمنتخب مصر وجهازه المعاون مع دراسة السير الذاتية للمدربين الأجانب وعرضها في الاجتماع القادم. يوم الثلاثاء 6 فبراير.. أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم تعيين حسام حسن مديرا فنيا للمنتخب. تفسير هذا اللغط أهدانا إياه أحمد مجاهد، الرجل الذي اتهمه البعض بأنه يدير الاتحاد من الداخل دون منصب رسمي، والحقيقة أنه يملك منصبا يليق بأحد أعتى رجالات اللوائح في كرة القدم المصرية، 10 كلمات وحرفي جر. عضو لجنة تطوير لائحة النظام الأساسي في الاتحاد المصري لكرة القدم أجاب ببساطة شديدة: "هل مجلس الاتحاد هو من أتى بحسام حسن؟ لم يحدث.. حسام حسن نفسه قال إن المجلس لم يكن من أتى به لقيادة المنتخب". أشهر عبارة قالها أحمد مجاهد في تاريخه الإداري الحافل مع كرة القدم كانت "ليس كل ما يعرف يقال".. وإن كان هذا ما قاله، فتخيل ما يعرفه. ببساطة شديدة للغاية.. نحن إما نسأل السؤال الخاطئ منذ البداية، وإما نبحث عن إجابة السؤال في المكان الخاطئ. الثانية هي الأقرب، وفي كافة الأحوال لا يسعنا إلا أن نقول "كل الدعم لحسام حسن ومنتخب مصر في المهمة الوطنية" لأن هذا فقط هو ما يُعرف ويُقال الآن. كلنا تحت رحمة النتيجة قبل الأداء. الجماهير تنتظر إنجازا غائبا حتى وإن كانت في قرارة نفسها تدرك صعوبة تحقيقه، والجهاز الفني ينتظر تقديم أفضل ما يمكن للحفاظ على موقعه حتى كأس العالم، واتحاد الكرة ينتظر شيئا يحتفل به، أو شيئا يبرر به، أو وحي يوحى إليه.. في جميع الأحوال هو مثلنا.. ينتظر. كلنا ننتظر أن يحول محمد صلاح أزمته الأخيرة مع ليفربول إلى وقود أداء عمره مع المنتخب، كما تغذى حسام حسن نفسه على ما كتب عنه في صحف وصفته بالعجوز في كأس أمم 1998. كلنا ننتظر أن يذهب "المصنف ال 13" ويفعلها من جديد بينما تشير كل المؤشرات في الاتجاه الآخر.. إن وصلت إلى هنا، أو تعرف كل ما هنا سلفا، فأنت تعرف أن هذا هو الرهان الوحيد المنطقي، والإجابة الوحيدة التي تحول كل هذه الأسئلة إلى كأس ثامنة.