تحدثنا بالأمس عن دعاوى الفصل بين الدين والسياسة وتوقفنا عند سؤال: هل الدين يمكن أن يضيف لرجال السياسة؟ ، ويجيب العلامة الدكتور يوسف القرضاوى رئيس اتحاد علماء المسلمين قائلا: إن الدين يمنح رجال السياسة الحوافز التي تدفعهم إلى الخير، وتقفهم عند الحق، وتشجعهم على نصرة الفضيلة، وإغاثة الملهوف، وتقوية الضعيف، والأخذ بيد المظلوم، والوقوف في وجه الظالم حتى يرتدع عن ظلمه. كما أن الدين يمنح السياسى الضمير الحى أو النفس اللوامة التى تزجره أن يأكل الحرام من المال، أو يستحل الحرام من المجد، أو يأكل المال العام بالباطل، أو يأخذ الرشوة باسم الهدية أو العمولة. وهو الذي يجعل الحاكم يُحَرّض الناس على نصحه وتقويمه، و يجرئ الجماهير المؤمنة أن تقول كلمة الحق، وتنصح للحاكم وتحاسبه، وتقومه إذا اعوج. لا تخاف فى الله لومة لائم، حتى لا يدخلوا فيما حذر منه القرآن: «واتّقُوا فتْنةً لا تُصيبَنَّ الذينَ ظَلمُوا منْكُم خاصَّة واعْلمُوا أنَّ اللهَ شَديدُ العقابِ». ويرى القرضاوى أن تجريد السياسة من الدين يعنى تجريدها من بواعث الخير، وروادع الشر ،وربط السياسة بالدِّين يعطى الدولة قدرة على تجنيد الطاقة الإيمانية ،والطاقة الروحية في خدمة المجتمع، وتوجيه سياسته الداخلية إلى الرشد لا الغى، وإلى الاستقامة لا الانحراف، وإلى الطهارة لا التلوث بالحرام. وكذلك تجنيد هذه الطاقة في السياسة الخارجية للدفاع عن الوطن، ومواجهة أعدائه والمتربصين به، والاستماتة فى سبيل تحريره إذا احتلت أرضه،ويشير الى توظيف إسرائيل للدين اليهودى فى إقامة دولتها، وتجميع اليهود في العالم على نصرتها، حتى العلمانيون من ساسة الصهيونية، كانوا يؤمنون بضرورة الاستفادة من الدِّين، وهم لا يؤمنون به مرجعا موجها للحياة. ويتساءل القرضاوى: لماذا يُراد للمسلمين وحدهم أن يَفْصلوا السياسة عن الدِّين، أو يزيحوا الدين عن السياسة؟ لتمضى الأمة وحدها معزولة عن سر قوتها، منزوعة السلاح، لا حول لها ولا طول؟! ويشير إلى أن كل الحكماء من المسلمين أجمعوا على أن ارتباط الملك أو الحُكم أو الدولة بالدين لا يثمر إلا الخير والقوة للدولة، فيفرق ابن خلدون في مقدمته الشهيرة بين نوعين من المجتمعات: مجتمع دنيوى محض، ومجتمع دنيوى دينى، ويراه أزكى وأفضل من المجتمع الأول، فهو يقر بأثر الدين فى الحياة الاجتماعية، ومن ثَمَّ كانت الصورة المثلى للدولة عنده، هى التى يتآخى فيها الدين والدولة. ويضيف الشيخ القرضاوى اذا كانت مقولة لا سياسة في الدين تعنى أن الدِّين لا يهتم بسياسة الناس البتَّة، ولا يشغل نفسه بمشكلات حياتهم العامة، وتدبير أمورهم المعيشية، وعلاقة بعضهم ببعض، فهذا ليس بصحيح. فكل الأديان لها توجيهات في هذا الجانب. والإسلام هو أطول الأديان باعا في هذا المجال، وله فى ذلك نصوص كثيرة من القرآن والسنة، و تراث حافل من فقه الشريعة، وشروح مذاهبها، واختلاف مشاربها. وهناك كثير من السياسات العامة العلمانية التى لا ينفصل فيها عن الدين يصعب حصرها ،بل وتنقض المقولات التي تزعم أن كل السياسات علمانية، ولا مدخل للدين فى أى منها.. إذن فلا فصل للدين عن السياسة.