جدل كبير ما زال قائما وسيظل حول المقولة الشهيرة «لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين فما رأى العلامة الشيخ القرضاوى فى هذه الجملة الشهيرة؟». يقول القرضاوى: هناك من ينادى بفصل الدين عن الحياة كلها، ولا ينبغى له أن يكون له دور إلا فى ضمير الفرد، فإن سمح له بشىء أكثر، ففى داخل المعبد (الكنيسة أو المسجد)، وهو ما سماه د. عبدالوهاب المسيرى: رحمه الله «العلمانية الشاملة». وفى الحقيقة تتعدد معانى مقولة «لا دين فى السياسة» فتارة تعنى أن السياسة لا دين لها، فلا تلتزم بالقِيَم والقواعد الدينية، وإنما هى براجماتية) تتبع المنفعة حيث كانت، والمنفعة المادية، والمنفعة الحزبية أو القومية، والمنفعة الآنية، وترى أن المصلحة المادية العاجلة فوق الدِّين ومبادئه، وأن الله وأمره ونهيه وحسابه، لا مكان له فى دنيا السياسة. وتارة تتبع نظرية مكيا فللى، التى تفصل السياسة عن الأخلاق، وترى أن الغاية تبرر الوسيلة، وهى النظرية التى يبرر بها الطغاة والمستبدون مطالبهم وجرائمهم ضد شعوبهم، خصوصا المعارضين لهم، فلا يبالون بضرب الأعناق، وقطع الأرزاق، وتضييق الخناق، بدعوى الحفاظ على أمن الدولة، واستقرار الأوضاع.. إلى آخر المبرِّرات المعروفة. ويتساءل الشيخ القرضاوى: «هل هذه هى السياسة التى يطمح إليها البشر؟ والتى يصلح بها البشر؟ ويجيب إن البشر لا يصلح لهم إلا سياسة تضبطها قِيَم الدِّين وقواعد الأخلاق، وتلتزم بمعايير الخير والشر، وموازين الحق والباطل. والسياسة حين ترتبط بالدِّين، تعنى: العدل فى الرعية، والقسمة بالسوية، والانتصار للمظلوم على الظالم، وأخذ الضعيف حقه من القوى، وإتاحة فرص متكافئة للناس، ورعاية الفئات المسحوقة من المجتمع: كاليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ورعاية الحقوق الأساسية للإنسان بصفة عامة. إن دخول الدِّين فى السياسة ليس كما يصوره الماديون والعلمانيون شرا على السياسة، وشرا على الدين نفسه،فالدين الحق إذا دخل فى السياسة: دخل دخول الموجه للخير، الهادى إلى الرشد، المبين للحق، العاصم من الضلال والغى. فهو لا يرضى عن ظلم، وهو لا يتغاضى عن زيف، ولا يسكت عن غى، ولا يقر تسلط الأقوياء على الضعفاء، ولا يقبل أن يعاقب السارق الصغير، ويكرم السارق الكبير! والدين إذا دخل فى السياسة: هداها إلى الغايات العليا للحياة وللإنسان: توحيد الله، وتزكية النفس، وسمو الروح، واستقامة الخلق. وتحقيق مقاصد الله من خلق الإنسان: عبادة الله، وخلافته فى الأرض، وعمارتها بالحق والعدل، بالإضافة إلى ترابط الأسرة، وتكافل المجتمع، وتماسك الأمة، وعدالة الدولة، وتعارف البشرية. ومع الهداية إلى أشرف الغايات، وأسمى الأهداف: يهديها كذلك إلى أقوم المناهج، لتحقيق هذه الغايات، وجعلها واقعا فى الأرض يعيشه الناس، وليست مجرد أفكار نظرية، أو مثاليات تجريدية. والسؤال الذى يفرض نفسه هل يضيف الدين لرجال السياسة؟ ونقول، نعم يضيف، وغدا نتحدث عنها، ونجيب عن تساؤل على يجوز فصل الدين عن السياسة أم لا؟