الأنبا تيموثاوس يدشن معمودية كنيسة الصليب بأرض الفرح    محافظ الشرقية يفتتح النصب التذكاري للشهداء    تخرج الدورة الأولى للمعينين بالهيئات القضائية من الأكاديمية العسكرية المصرية    وزير البترول يتابع تطور تنفيذ المنصة الرقمية للخامات التعدينية    وزير التجارة يبحث مع اتحاد المصنعين الأتراك مقومات الاستثمار بمصر    سلاح التجويع    الكويت: حبس مواطن ومقيمين احتياطا لاتهامهم بالقتل الخطأ فى حريق المنقف    يورو 2024.. نزلة برد تجتاح معسكر منتخب فرنسا    "أول مرة أشوف ظلم وهبطل كورة".. يوسف حسن يهاجم إدارة الزمالك لتجاهله    عضو إدارة الأهلي السابق: خبيت حسني عبد ربه لضمه.. وخطفت لاعبا من داخل الزمالك    ذروة الموجة الحارة.. الأرصاد تعلن حالة الطقس والظواهر الجوية غدًا    تطورات جديدة في بلاغ سمية الخشاب ضد رامز جلال    اليوم.. نتفليكس تعرض فيلم الصف الأخير ل شريف محسن    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 14-6-2024، السرطان والأسد والعذراء    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    رضا عبد العال: أرفض عودة بن شرقي للزمالك    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    عاجل- الرئيس السيسي يتوجه اليوم إلى السعودية لأداء فريضة الحج    تعرف على شروط الخروج على المعاش المبكر 2024.. للقطاعين (الخاص والعام)    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    «يوم الحج الأعظم».. 8 أدعية مستجابة كان يرددها النبي في يوم التروية لمحو الذنوب والفوز بالجنة    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية يحذر من مصدر جديد للأمراض في غزة    رسميًا.. موعد صلاة عيد الأضحى 2024 في جميع مدن ومحافظات مصر (بالتوقيت المحلي)    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بطوخ الجمعة (موعد ومدة الانقطاع)    صور | احتفالا باليوم العالمي للدراجات.. ماراثون بمشاركة 300 شاب بالوادي الجديد    بيان عاجل بشأن نقص أدوية الأمراض المزمنة وألبان الأطفال الرضع    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    أمل سلامة: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج للعمل الجماعي    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    عاجل| رخص أسعار أسهم الشركات المصرية يفتح شهية المستثمرين للاستحواذ عليها    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    المفتى يجيب.. ما يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت أضحيته قبل يوم العيد    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.. ضبط تشكيل عصابى تخصص فى النصب على المواطنين    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    بسبب مبابي.. موقف فينيسيوس النهائي من الرحيل عن ريال مدريد    محافظ القليوبيه يتابع أعمال إنشاء مستشفى طوخ المركزي    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    هاني سعيد: المنافسة قوية في الدوري.. وبيراميدز لم يحسم اللقب بعد    القائمة الكاملة لأفلام مهرجان عمان السينمائي الدولي في نسخته الخامسة    هشام عاشور: "درست الفن في منهاتن.. والمخرج طارق العريان أشاد بتمثيلي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بعد انضمام الدعاة للأحزاب
هل نقول للدعاة الحزبيين عفوا نفد رصيدكم؟
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 07 - 2010

منذ إعلان نتيجة انتخابات حزب الوفد وتولي الدكتور السيد البدوي رئاسته توافد علي مقر الحزب عدد من الشخصيات العامة توقع استمارات العضوية للحزب لكن أسما واحدا من بين المنتمين الجدد توقف الجميع أمامه وهو اسم الدكتورة سعاد صالح الأستاذة بجامعة الأزهر والداعية المعروفة‏.‏
ولم يتوقف الجميع فقد أمام هذه الخطوة الجديدة بل اندهشوا‏,‏ ومثار الدهشة كان إقدام داعية علي الاشتغال بالعمل السياسي والانضمام إلي حزب ليبرالي‏,‏ رأي البعض أن آراءه قد تصطدم مع آراء الدكتورة سعاد‏,‏ بوصفها ترتكز كأستاذة أزهرية علي مجموعة من الأحكام والمبادئ الاسلامية يمكن أن يختلف معها الحزب‏.‏
ونحن هنا لن نقيم تجربة الدكتورة والحزب ولكن نطرح الفكرة للمناقشة بشكل أعمق وأوسع‏,‏ نبتعد عن الأشخاص واختياراتهم لندلف إلي الأفكار الكلية‏..‏ نناقش فكرة اشتغال الداعية بالعمل السياسي ومدي تحقيقه النجاح في مهمته السياسية الجديدة‏..‏ هل تضيف السياسة لرصيده‏.,‏ فيستطيع أن يغير في توجهات الحزب‏..‏ أم تخصم منه‏..‏ ليصبح خصما سياسيا يختلف الناس حوله ولايجتمعون عليه‏..‏ بمعني أدق هل سنقول للدعاة الحزبيين عفوا نفد رصيدكم‏..‏ أم نمنحهم رصيدا اضافيا جديدا؟
العمل الدعوي موجه بالأساس إلي جماهير المسلمين‏,‏ الذين يملكون حمل الداعية الذي يؤثر فيهم إلي عنان السماء‏,‏ ولذلك لايمكن اغفال رأيهم في هذه القضية‏,‏ لأنهم متلقوا الخدمة إن جاز التعبير‏,‏ فاختلف البعض حول ارتباط الداعية بالعمل السياسي واختلف الآخرون‏..‏ ولكل وجهة نظرة‏.‏
فيري المهندس محمد مصطفي إن انتماء الداعية لحزب مايؤثر بالسلب علي علاقته بالجماهير‏,‏ لشعورهم بأنه داعية مسيس سوف يروج لشعارات وبرنامج حزبه السياسي‏,‏ وسوف يصيح سوء الظن هو المسيطر علي الموقف بين الداعية والجمهور المستهد‏.‏
بينما يري أيمن حسن موظف أن توجهات الحزب ستتحكم في آراء الداعية‏,‏ وستكون هي المحرك الأول له‏,‏ وسيسعي الداعية للترويج لرؤية حزبه‏,‏ مشيرا إلي أن كثيرا من الأحزاب السياسية في مصر تتسم بالعلمانية‏,‏ مؤكدا أن التصادم بين الجهتين الداعية والحزب آت لامحالة إلا إذا استطاع الداعية امساك العصا من المنتصف‏.‏
وبخلاف الرأيين السابقين تري الدكتورة هدي السيد عزمي طبيبة أن انتماء الداعية السياسي لا محل له من الاعراب في قاموس العلاقة بين الجمهور والداعية‏,‏ فهو أنه انسان حر وله حرية الانتساب للحزب الذي يراه مناسبا لتوجهاته أو رؤاه‏,‏ وربما يسعي من خلاله إلي تغيير‏,‏ ولو طفيف في سياسة الحزب الذي ينتمي إليه‏.‏
ويشير نادر سيد مدرس إلي أن فكرة انتماء الداعية لحزب سياسي مرفوضة من وجهة نظره‏,‏ مؤكدا أفضل أن يكون الشيخ بعيدا عن السياسة‏,‏ ورأي أن الداعية لن يستطيع التأثير في الحزب‏,‏ فهو مجرد عضو وليس رئيسا‏,‏ وأضاف الداعية للدعوة‏,‏ ورجال السياسة للسياسة‏.‏
الدعوة والسياسة
وإذا كانت الآراء السابقة قد اختلفت حول اشتغال الداعية بالعمل السياسي‏.‏ فإن العلماء لم يجتمعوا علي كلمة واحدة في هذه القضية أيضا‏..‏ فرأي الدكتور محمد عمارة الكاتب الاسلامي المعروف أنه لابأس من اشتغال الداعية بالعمل السياسي أو انضمامه لحزب من الأحزاب السياسية‏,‏ مبررا وجهة نظره بأن الدعوة جزء من أصول منظومة الفكر الاسلامي‏,‏ بينما العمل السياسي بمعناه الحزبي وإدارة الدولة هو من الفروع والفقهيات‏.‏
وأضاف عمارة فليس هناك ما يمنع الداعية من أن يجمع بين الأصول والفروع بشرط أن يكون انضمامه للأحزاب لا يمثل قيدا علي حريته في الدعوة‏,‏ ويحسن أن يكون الاشتغال بالعمل الحزبي السياسي مما يفتح ابوابا جديدة أمام منهجه في الدعوة الاسلامية‏.‏
ويري أن الداعية يمكن أن يفتح آفاقا جديدة للعمل الدعوي في الحزب الذي ينتمي إليه ويحدث تأثيرا فيه‏,‏ مشيرا إلي أن عظماء المسلمين كانوا فقهاء وساسة‏,‏ مؤكدا أن العلمانيين هم الذين يرفضون اشتغال الداعية بالعمل السياسي‏,‏ ويهدفون إلي عزلهم عن العمل العام‏.‏
وعن تقديم فضيلة الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر استقالته من عضوية المكتب السياسي بالحزب الوطني فور توليه مهام منصبه قال عمارة إن الإمام الأكبر رمز لمؤسسة الأزهر التي يجب أن تكون بعيدة عن أي انتماء سياسي‏,‏ لأن الأزهر ملك للأمة الاسلامية كلها‏,‏ ولهذا يختلف موقف شيخ الأزهر عن موقف الدعاة والعلماء والمفكرين‏.‏
الرسول كان داعية وسياسيا
ويري المفكر الجزائري أبو جرة سلطاني أنه لا مانع من اشتغال الداعية بالعمل السياسي‏,‏ بل يري أن فكرة الفصل بين الدورين مرفوضة‏,‏ وأضاف لقد كان الرسول صلي الله عليه وسلم داعية وسياسيا بارعا‏,‏ وكذا من بعده الخلفاء الراشدون والصحابة والكثير من الفقهاء والعلماء الذين جمعوا بين الدعوة والسياسة‏,‏ مؤكدا أن هناك تقصيرا من الدعاة في عدم الانخراط في العمل السياسي العام وربما هناك قصور أيضا من القائمين علي شئون السياسة‏,‏ لذلك لا بأس من اشتغال الداعية إذن بالعمل السياسي‏,‏ بل هو أمر مرحب به‏.‏
وأضاف إن من يطالبون بفصل الدعوة عن السياسة كأنما يقولون إن السياسة شئ مدنس لا ينبغي للداعية الاقتراب منه‏,‏ ويرون الدعوة شيئا مقدسا‏,‏ ولا يليق الجمع بين التقديس والتدنيس‏..‏ وهذا وهم‏!‏
الاختلاف في الرأي
ولم يوافق الدكتور عبدالفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق علي اشتغال الداعية بالعمل السياسي علي الاطلاق بل وضع شروطا لهذا العمل‏,‏ وقال لا أجد مانعا من اشتغال الداعية بالعمل السياسي‏,‏ بشرط الالتزام بالمبادئ الاسلامية العامة دون أن يتأثر الداعية بالحزب الذي ينتمي إليه وبرنامجه وتوجهاته أيا كانت‏,‏ لكنه عاد وأكد أن سياسة الحزب سوف تكون هي الأعلي والأقوي في مواجهة مبادئ الداعية التي يرتكز فيها علي عدد من الثوابت الفقهية‏,‏ التي ربما يختلف معها الحزب حسب توجهاته‏.‏
وأشار الدكتور عبدالفتاح الشيخ إلي حدوث ما يشبه الانفصام في شخصية الداعية بين مبادئه الاسلامية والأحكام التي يستند إليها مما يؤثر علي مسيرة الداعية وعلاقته بالجماهير وربما تؤدي في النهاية إلي الخصم من رصيد شعبيته‏,‏ أو تضعه في مأزق الاختيار بين الحزب والدعوة‏.‏
ويروي واقعة تعرض لها وهو يمارس مهام منصبه‏,‏ حيث عرض عليه الانضمام للحزب الوطني‏,‏ واعتذر‏.‏
صعوبةالتأثير
ومن الأسباب التي دعت الدكتور سعاد صالح للانضمام لحزب الوفد بحسب تصريحاتها السابقة أنها ستحاول إصباغ الطابع الديني علي الحزب أو علي وجه الدقة لجنة المرأة بالحزب‏,‏ للتعريف بوضع المرأة في الاسلام والدفاع عن قضاياها‏..‏ فهل يستطيع الداعية السياسي‏,‏ التأثير في الحزب المنتمي إليه؟
الدكتور عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية يري أن امكانية تأثير أي عضو في حزب سياسي تحكمه توجهات ورؤي وبرنامج معين أمر في غاية التعقيد‏,‏ بل غير قابل للتنفيذ‏,‏ فالبرامج السياسية لا يغيرها أفراد مهما كان نشاطهم وتأثيرهم‏,‏ ويري أن الداعية يجب أن يظل حرا طليقا يلبي دعوة الأحزاب والمؤسسات والجمعيات في إلقاء المحاضرات‏,‏ ليؤثر في الناس والجماهير ولا يتأثر بتوجهاتهم ولا يحسب علي جهة معينة ولا حزب بعينه‏.‏
أما الدكتورة آمنة نصير الأستاذة بجامعة الأزهر فتري أن اقتراب الداعية من السياسة يحتاج إلي عدد من الوقفات مع النفس‏,‏ فانتماء الداعية إلي أي حزب يلزمه بالاتباع سواء كان الحزب ظالما أو مظلوما‏,‏ وهذا الانتماء سيؤثر علي حرية وموضوعية والالتزام الديني للداعية‏,‏ وتضيف ليس لدينا حزب ملائكة في الأرض ونحن بشر‏,‏ فهل يستطيع الداعية أن يوازن بين الجانبين الدعوي والسياسي؟
وتستمر الدكتورة آمنة في طرح عدد من التساؤلات التي تحتاج دون شك كما تقول لوقفات متتالية مع النفس‏,‏ وتقول‏:‏ هل يستطيع الداعية رجلا أو امرأة أن يفصل بين مقتضيات الحكم الشرعي والحقائق العقدية والجوانب السياسية‏,‏ وهل يستطيع أن يفصل بين توجهات الشرع وتوجهات الحزب‏,‏ وتضيف إن الدعوة لها مركزها وخصوصيتها وسماتها ومن الصعب جدا خلطها بتوجهات السياسة‏.‏
الأئمة يمتنعون
إذا كانت الآراء اختلفت حول انتماء رموز الدعوة‏,‏ فماذا عن الأئمة والدعاة في المساجد وانتماءاتهم الحزبية‏,‏ هل يحق لهم الانضمام؟
الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة يري أن انضمام الإمام الي حزب أمر غير مقبول لأنه داعية الي الله وليس الي الأحزاب والقوي السياسية المختلفة‏,‏ وقال إن وزارة الأوقاف تمنع مطلقا أن تقف السياسة علي المنبر بجوار الدين‏,‏ وأضاف أن الداعية أي داعية يجب أن يتخلي عن أي انتماء سياسي‏,‏لأن ذلك سيؤثر علي علاقته بالجماهير‏.‏
فصل الدين عن السياسة
وتطرح فكرة اقتران العمل الدعوي بالعمل السياسي سؤالا أهم عن الدين والسياسة وهل من الصائب الفصل بينهما؟
الدكتور يوسف القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين يقول إنه لا فصل بين الدين والسياسة‏,‏ وقال إن البشر لا يصلح لهم إلا سياسة تضبطها قيم الدين وقواعد الأخلاق‏,‏ وحين تربط السياسة بالدين‏,‏ فإنها ستعني اشاعة العدل بين الناس‏,‏ واتاحة فرص متكافئة لهم‏,‏ ورعاية الفئات المهمشة في المجتمع والحفاظ علي حقوق الإنسان بصفة عامة‏.‏
ويقول إن اقتران الدين بالسياسة ليس كما يصوره الماديون والعلمانيون شرا علي السياسة‏,‏ وشرا علي الدين نفسه‏,‏ بل إن الدين الحق اذا دخل في السياسة كان موجها للخير ومبينا للحق وداعيا للهدي وعاصما من الضلال‏,‏ حيث لا يرضي عن ظلم‏,‏ولا يتغاضي عن زيف‏,‏ ولا يسكت عن غي‏,‏ ولا يقر تسلط الأقوياء علي الضعفاء‏,‏ولا يقبل أن يعاقب السارق الصغير‏,‏ ويكرم السارق الكبير‏!‏
والدين اذا دخل في السياسة هداها الي الغايات العليا للحياة وللإنسان وهي توحيد الله وتزكية النفس‏,‏ وسمو الروح‏,‏ واستقامة الخلق‏,‏ وتحقيق مقاصد الله من خلق الإنسان عبادة الله‏,‏ وخلافته في الأرض‏,‏ وعمارتها بالحق والعدل‏,‏ بالإضافة الي ترابط الأسرة‏,‏ وتكافل المجتمع‏,‏ وتماسك الأمة‏,‏ وعدالة الدولة وتعارف البشرية‏.‏
والدين يمنح في الوقت نفسه رجال السياسة الحوافز التي تدفعهم الي الخير‏,‏ وتثبتهم عند الحق‏,‏ وتشجعهم علي نصرة الفضيلة‏,‏ وإغاثة الملهوف‏,‏ وتقوية الضعيف‏,‏ الأخذ بيد المظلوم‏,‏ والوقوف في وجه الظالم حتي يرتدع عن ظلمه‏,‏ كما جاء في الحديث الصحيح‏:‏ انصر أخاك ظالما أو مظلوما‏.‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله‏,‏ ننصره مظلوما‏,‏ فكيف ننصره ظالما؟
قال‏:‏ تمنعه من الظلم‏,‏ فذلك نصر له‏.‏ والدين أيضا يمنح السياسي الضمير الحي أو‏(‏ النفس اللوامة‏)‏ التي تزجره أن يأكل الحرام من المال‏,‏ أو يستحل الحرام من المجد‏,‏ أو يأكل المال العام بالباطل‏,‏ أو يأخذ الرشوة باسم الهدية أو العمولة‏,‏ وهو الذي يجعل الحاكم يحرض الناس علي نصحه وتقويمه‏,(‏ إن اسأت فقوموني‏),‏ و‏(‏ من رأي منكم في أعوجاجا فليقومني‏).‏
والسياسي حين يعتصم بالدين‏,‏ فإنما يعتصم بالعروة الوثقي‏,‏ ويحميه الدين من مساوئ الأخلاق‏,‏ ورذائل النفاق‏,‏ فإن حدث لم يكذب‏,‏ وإذا وعد لم يخلف‏,‏ وإذا اؤتمن لم يخن‏,‏ وإذا عاهد لم يغدر‏,‏ واذا خاصم لم يفجر‏,‏ لأنه مقيد بالمثل العليا ومكارم الأخلاق‏.‏ كما جاء عن محمد صلي الله عليه وسلم الذي رفض معونة من عرض عليه العون علي المشركين‏,‏ وله معهم عهد‏,‏ فقال‏:‏ نفي لهم ونستعين الله عليهم‏,‏ وأنكر قتل امرأة في إحدي الغزوات‏,‏ قائلا‏:‏ ما كانت هذه لتقاتل‏,‏ ونهي عن قتل النساء والصبيان‏.‏
أما تسمية الخداع والكذب والغدر والنفاق‏(‏ سياسة‏),‏ فهذا مصطلح لا نوافق عليه‏,‏فهذه هي سياسة الأشرار والفجار‏,‏ التي يجب علي كل أهل الخير أن يطاردوها ويرفضوها‏.‏
ويضيف القرضاوي رافضا فكرة فصل الدين عن السياسة إن تجريد السياسة من الدين يعني تجريدها من بواعث الخير‏,‏ وروادع الشر وتجريدها من عوامل البر والتقوي‏,‏ وتركها لدواعي الإثم والعدوان‏.‏
وربط السياسة بالدين يعطي الدولة قدرة علي تجنيد‏(‏ الطاقة الإيمانية‏)‏ أو‏(‏ الطاقة الروحية‏)‏ في خدمة المجتمع‏,‏ وتوجيه سياسته الداخلية الي الرشد والاستقامة
والطهارة والبعد عن الانحراف‏,‏ والتلوث بالحرام‏.‏
وكذلك تجنيد هذه الطاقة في السياسة الخارجية للدفاع عن الوطن‏,‏ ومواجهة أعدائه والمتربصين به‏,‏ والاستماتة في سبيل تحريره إذا احتلت أرضه‏,‏ أو اغتصبت حقوقه‏,‏ أو ديست كرامته‏.‏
تحقيق‏:‏
أماني ماجد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.