صنوبرةٌ تشبهُ أمِّي ……. تهدهدني

بوابة شموس نيوز – خاص
مازالَ نسيمُ الصِّبا يغازلني ، و الغزلانُ تتهادى
على أغصان رشاقتي ، ومازالتْ النجومُ تهديني بساتينَ الألقِ وأقراطَ الدَّهشةِ ، لكنَّ التَّصحرَ الإنسانيِّ يتمدَّدُ في مساحاتِ ربيعي ، يتعقَّبني في الشَّارعِ والعملِ يتسكَّعُ في أروقةِ المكاتبِ ، يرميني بسهامِ المللِ و وحشةِ الوحدةِ .
لامكانَ لوريقاتٍ خضراءَ يحملها نبضي ، أو أناشيدَ حبورٍ تهبُ البريقَ للخريفِ النَّاهضِ في النُّفوسِ ، نبتُ الوفاءِ يذوي بين أناملي ، وابتسامةٍ خجولةٍ يشنقها الكبرياءُ الفارغُ والتجاهلُ الغبيُّ ، فالغيرةُ الحمقاءُ تأكلُ أطباقَ النَّجاحِ والتًّميُّزِ الَّلذيذةَ .
في بحرِ النَّهارِ تشقيني الأسماكُ الصَّغيرةُ تبتلعها الحيتانُ الجشعةُ وأمواجُ المخاتلةِ و رياحُ الخداعِ ، يدينني من شفا الوادي العميقِ تجارُ أزماتٍ يسابقونَ الأرانبَ في القفزِ إلى لقيماتِ الجزرِ والخبزِ فيتضورُ جوعاً صغارها
و تدمي فؤادي بلا رصاصٍ أنيابٌ تسلبُ الرَّغيفَ من فمِ فراشةٍ ضاحكةٍ
و جوقةُ عصافيرُ تبحثُ عن خيطِ ضياءِ عليه حبةُ قمحٍ وعلبةُ دواءٍ ، وهي تغدو لقمةً سهلةً في فمِ الذِّئابِ
وحدَها صنوبرةٌ دافئةٌ تشبهُ أمِّي ، تهدهدني ، تنقذني من هجومِ جحافلِ اليبابِ ، عطرها يفتحُ أقاليمَ عصيَّةً على قبضاتِ حديديةٍ عاتيةٍ ، بلابلها تعزفُ سمفونيَّةَ الرَّبيعِ الضَّاحكِ على مسامعِ الزَّهرِ ، ومساكبِ الحبقِ ، تكحِّلُني أهدابُها بالشَّوقِ فأسارعُ لألقاها في مهجتي ، أتسلَّلُ إليها من نوافذِ الأثيرِ بين محطاتِ عملي أحرقُ بتوهجِ حنيني المسافاتِ ، وأغيرُ طقوسَ الزَّمن عابثةً بثوانيهِ وقوانينهِ ؛ لأذهبَ في نزهةٍ مشرقةٍ تسقيني أباريقَ الفرحِ ونبيذَ الحبِّ .
———
مرام عطية – سوريا