(معاً على الطريق) تتقاذفنا أمواج الأخبار من هنا وهناك.. والعدوان الهمجي يسقط فوق غزة كحمم بركان غاضب تطاولت نيرانه حتى غطت الآفاق.. ترتعش شبكات الأثير بصور تهز الروح والوجدان.. صور جارحة ما عرفت مثلها الحروب. أما مواقع التواصل الاجتماعي فقد غصت بعبارات الرفض، والاستنكار، وكأن العرب رغم فرقتهم باتوا على قلب واحد أمام مصير شعب مزقته السنون.. واجترحته الأيام. وإذ أقف مذهولة مما أسمع.. وأرى.. وأقرأ.. أمسك بقلمي لأكتب.. فإذا به يكتب بالأحمر.. بلون الدم ينزف.. وأنظر الى خارطة الوطن فلا أجد فيها إلا اللون الأحمر.. وكل ما حولي من ألوان يتحول اليه.. أغمض عيني.. وأتخيل أطفالاً صغاراً يقفون أيضاً أمام مشاهد قاسية وهم يغمضون أعينهم حتى لا تقع على فواجع تحل بإخوة لهم أو بآهاليهم. أرمي من يدي قلمي والأوراق.. فماذا ستقول الكلمات؟.. وأفتح جهاز العصر والسحر وأدخل من خلاله الى شبكة العنكبوت.. وإذا بصورة تباغتني.. تصادرني.. تمسح كل عباراتي وحروفي.. أقف عاجزة أمامها.. لا أقوى إلا على أن أحدق فيها.. والأفكار تضج في رأسي.. والمشاعر بزخمها تطرق على أبواب قلبي.. إنها تلك الطفلة الصغيرة ذات الأعوام القليلة والثوب الأحمر.. تحضن دميتها ولعلها لم تفز من ألعاب الصغيرات إلا بهذه.. وهي تنظر الى شيء ما ليس بعيداً عنها.. شيء ما لفظاعته جعلها ببراءة الطفولة تغمض عيون الدمية حتى لا ترى الدمية ما تراه عيناها.. هي تدرك إذن أن الحرب ليست من عالم الصغار. وكأن دمى أطفالنا هي من لحم ودم.. بينما أطفالنا ليسوا بأكثر من دمى في أعين أعدائنا.. يستبيحون دماءهم كما طفولتهم.. فلا البراءة تغفر لهم أنهم عرباً.. ولا أعوامهم الغضة تحجب عنهم الشر. أبتعد عن الصورة وهي تلتمع على الشاشة فإذا بالصورة تناديني.. تعاتبني.. وتسألني: لماذا تُمزق أجسادنا الغضة ويموت أهلونا؟.. لماذا تتهدم بيوتنا وتتحطم الدمى وكل ألعاب الطفولة؟.. لماذا تتمزق دفاترنا وتتبعثر أقلام الألوان؟.. لماذا لا يريدوننا أن نظل أطفالاً؟ وأعجز عن أن أعثر على جواب من بين ألف جواب وجواب.. وأسمع ضحكة الشيطان مجلجلة وأنا أرى على الشاشة الفضية أطفال صهيون يتحلقون كالأفاعي حول صواريخ الموت ليكتبوا فوقها عبارات مجنونة: هذه هدايانا لكم يا أطفال فلسطين.. مع تمنياتنا لكم بالموت والفناء. لعل الطفلة ذات الثوب الأحمر تحجب عن عيني دميتها منظر الأشلاء والدماء.. ولعل أبناء صهيون يشربون تلك الدماء.. أما نحن جميعاً فما نسينا فجائعنا.. وذاكرتنا مع ذاكرة التاريخ تحفظ كل المجازر منذ دير ياسين وقبيا حتى صبرا وشاتيلا وجنين. فيا صغيرتي.. يا ذات الرداء الأحمر.. افتحي عينيك لشمس الحقيقة فهي بريئة من الخطيئة.. ويا دمية الصغيرة لا تبكي فهذه الأرض مازالت عربية.. وجذورنا مازالت ضاربة عميقاً فيها. * * *