برنامج تدريبي لتأهيل وكلاء الكليات ورؤساء الأقسام العلمية ب جامعة كفر الشيخ    خلال لقائه البابا تواضروس.. الرئيس اللبناني: مصر بكل ما فيها قريبة من قلب شعبنا    محافظ قنا ومساعد وزير التنمية المحلية ووفد البنك الدولي يتفقدون تكتل النباتات الطبية والعطرية بقفط    «قطرة في محيط»: الأمم المتحدة عن دخول 9 شاحنات مساعدات إلى غزة    وزير الخارجية الباكستاني يزور الصين بدعوة من الحزب الشيوعي    الرئيس الفلسطيني يزور لبنان الأربعاء ويلتقي نظيره جوزيف عون    جدول ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي قبل مباراة ليفربول وبرايتون اليوم.. مركز محمد صلاح    أزمة بين عبدالله السعيد وعضو مجلس الزمالك.. وتدخل من الجنايني (خاص)    بعد واقعة «سرقة أموال الميراث».. تعرف على شجرة عائلة الدكتورة نوال الدجوي    إزالة 230 حالة إشغال وتعدٍ ب السوق التجارية في إدفو ب أسوان    «شعر أبيض وملابس منزلية».. هل احتفل الزعيم عادل إمام بعيد ميلاده ال85؟    وزير الشئون النيابية: «سلماوي» لديه قدرة كبيرة من التوفيق بين الآراء المتعارضة    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها العذر الشرعي أثناء أداء مناسك الحج؟.. الإفتاء ترد    وزير الصحة يؤكد التزام دول إقليم شرق المتوسط بالمشاركة الفعالة نحو عالم أكثر أمانًا صحيًا    أول صورة لجو بايدن مع زوجته بعد إعلان إصابته بالسرطان    الرئيس اللبنانى يغادر القاهرة عقب لقاء السيسي والطيب وتواضروس    ما حكم صيام يوم عرفة للحاج وغير الحاج؟    ب"طعنة في القلب".. إعدام قهوجي قتل شابًا أمام مقهى بالجيزة    أسما أبو اليزيد ل الفجر الفني:" شخصيتي في مملكة الحرير مختلفة وكريم محمود عبدالعزيز طاقة إيجابيه"    حقيقة انتشار فيروس خطير في مزارع الدواجن.. فيديو    شعبة مستحضرات التجميل تدعو لاجتماع لمناقشة تحديات المصانع غير المرخصة    رئيس جامعة دمياط يفتتح المعرض البيئي بكلية العلوم    خالد الجندي: الحجاب فرض على المرأة بنص القرآن الكريم والسنة النبوية    عرض الوصل يضيء خشبة مسرح قصر ثقافة الزعيم بأسيوط حتى الخميس المقبل    "منتصف النهار" يسلط الضوء على هدنة ال60 يوما بغزة وقمة مصر ولبنان بالقاهرة    ب 157.1 مليون جنيه.. مصر على قمة شباك تذاكر السينما في السعودية (تفاصيل)    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنيا 2025.. جدول رسمي    العثور على 5 جثث أثناء تنقيبهم عن الذهب في منطقة العلاقي الجبلية بأسوان    إصابة صاحب فرن بطعنة نافذة في مشاجرة على الخبز    رسوم ترامب الجمركية تلقي بظلال سلبية على توقعات نمو الاقتصاد الأوروبي    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يطلق خطة تحويل «القاهرة» إلى مدينة خضراء    الموساد يكشف عن 2500 وثيقة وصورة وممتلكات للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين    على نفقته الخاصة.. الملك سلمان يوجه باستضافة 1000 حاج وحاجة من الفلسطينيين    وزير الإنتاج الحربي: نعمل على تطوير خطوط الإنتاج العسكرية والمدنية    الكاتب الصحفي كامل كامل: تقسيم الدوائر الانتخابية يضمن العدالة السياسية للناخب والمرشح    وزير الرياضة يُشيد بتنظيم البطولة الأفريقية للشطرنج ويعد بحضور حفل الختام    الإسراع بتعظيم الإنتاجية.. وزارة البترول تكشف معدلات إنتاج حقول بدر الدين    قتلى وجرحى بانفجار في جنوب غرب باكستان    وزارة الصحة تدعم مستشفى إدكو المركزي بمنظار للجهاز الهضمي    السعودية: إطلاق المعرض التفاعلي للتوعية بالأمن السيبراني لضيوف الرحمن    «لا نقاب في الحرم المكي».. عضو مركز الأزهر توضح ضوابط لبس المرأة في الحج    مانشستر يونايتد يقترب من الإعلان عن أولى صفقاته الصيفية    روسيا تحظر منظمة العفو الدولية وتصنفها" منظمة غير مرغوب فيها"    محافظ الدقهلية يكرم عبداللطيف منيع بطل إفريقيا في المصارعة الرومانية    الزمالك يُنفق أكثر من 100 مليون جنيه مصري خلال 3 أيام    «الشيوخ» يستعرض تقرير لجنة الشئون الاقتصادية والاستثمار    تعرف على طقس مطروح اليوم الاثنين 19 مايو 2025    وزير الثقافة يجتمع بلجنة اختيار الرئيس الجديد لأكاديمية الفنون    مسابقة الأئمة.. كيفية التظلم على نتيجة الاختبارات التحريرية    إعلام عبري: نائب ترامب قرر عدم زيادة إسرائيل بسبب توسيع عملية غزة    ضبط 60 ألف لتر سولار وبنزين قبل بيعها فى السوق السوداء بالبحيرة    إطلاق مبادرة لخدمة كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بالإسماعيلية    صندوق النقد يبدأ المراجعة الخامسة لبرنامج مصر الاقتصادي تمهيدًا لصرف 1.3 مليار دولار    محافظ الإسماعيلية يتابع انطلاق فوج حجاج الجمعيات الأهلية للأراضى المقدسة    متحف الحضارة يحتفل باليوم العالمي للمتاحف 2025    قبل أيام من مواجهة الأهلي.. ميسي يثير الجدل حول رحيله عن إنتر ميامي بتصرف مفاجئ    شيرينجهام: سأشجع الأهلي في كأس العالم للأندية    هل يجوز أداء المرأة الحج بمال موهوب؟.. عضوة الأزهر للفتوى توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الدستور الأصلي يوم 25 - 05 - 2014

لا أفهم لماذا أشعر أن دمعى سخىُّ وساخن يتدفَّق من ركنى عينىّ حينما تهفو رائحتك «عطر مغموس فى طيات ثوبك، نفس حار طليق صاعد من ضمّة الشفاه، هواء رطب جنون من اهتزاز كفَّيك»، أشمكِ -ها هو عن بعد وعبر آلاف الأميال- وأحسك أمامى فى سمت تجاهلك لى -دلالاً أحيانًا وتجاهلاً حقيقيًّا، عميقًا وغويطًا وراسخًا فى أحيان أخرى- أو فى قدومك نحوى فى نشاط وسرعة وغزو.



صديقتى.. أنتِ تغزيننى فعلاً، تغمرنى كل مساحة بيضاء منبشة بالحمرة أو ساطعة كطلقة رصاصة فى شتوية باردة من عودكِ المعتد العتيد الباسق فى شريان قلبى، تغمرنى كل انحناءة من طرف حرف تنطقين به، كأنه يدفس رأسه فى صدرى يشكّنى ويدغدغ مسامى ويغوص فى دمى ويسبح فيه عائمًا، تغمرنى لمسة أصابعك العجلى المتوترة المرتعشة -دون أن أفهم سببًا- سواك- للعجلة والتوتر والارتعاش.



ما لى أتفتت إكلينيكيًّا كلما توسّدت ملامح وجهك ذاكرتى، أتعب كل مرة فى استدعاء ملامحكِ، واستحضار وجهك واستقدام لون شفتيكِ واستدارة عينيكِ وعمق عسليتهما -أو سوادهما العسلى- وتضاريس أنفكِ وبياض جبهتكِ الكبريائى المتشامخ، أو دقّة ذقنكِ النبيل «حنينى إلى ملمسه يدمّرنى عجزًا ويؤهّلنى للطهرانية، لليوسفية»، وجمال عنقكِ فى عتوّه وعتيّه بفعلته الظالمة للعشاق البشريين الغلابة حين يرونه فيصرعهم بُعده ونأيه ونَبْوَته، أتعب كل مرة حين يقضنى عجزى عن استدعاء وجهكِ، أغمض وأحاول أن آتى بكِ سنتيمترًا سنتيتمرًا، من شعركِ -ولا أراه سوى المعقوص خلفك الرامى بقصّته على جبهتك والمتدلل المرفّه عند تحرّكه الغنجى على حاجبيكِ والنورانية الساكنة فى المسافة الفاصلة بينهما، ثم أعصر عينىّ فى غمضتهما وأفرك قبتيهما بإصبعى لعلكِ تخرجين منها وأراكِ، إلا أننى أفشل..



أقوم بين مقعدى وألهج باسمك مخفّفًا ومدغمًا وخفيضًا.. ثم أردّده فى همس ألمسه بيدى ثلاثيًّا كاملاً وأعانقه مجنونًا رسميًّا ومشارًا إليه بطوب العيال، أجوب الغرفة عابرًا مقاعدها وحافة مكتبها وممسكًا قبضة بابها ومتأمّلاً فى هوس محموم دوران ريشات المراوح البدائية فى سعيها الآنى الأعمى، أظن أنكِ لو جئتِ إلى هذه المراوح، لو تنفَّستِ أمامها، لو تركتِ شعرك، لو طيّرت مشبك الشعر الأسود الفضّى، لو ضحكتِ فى مواجهتها، ستغيّرين حياة هذه الآلات، لاهتزّت لكِ وصارت معكِ عبادًا كعباد الشمس، تسير إليكِ تتوجّه ناحيتكِ، تلتزم وجهكِ، تلتصق برائحتكِ، تستنشق أنفاسكِ.
أضرب الأرض بقدمى كيف لا أستعيد وجهكِ، كيف لا أؤكد ملامحكِ؟ هل يمكن؟ هل ممكن؟ أضع كفّى موطئًا لوجهى، وسادة لروحى، أهز فخذى تستند إليه ذراعان تنشدانك، أقول لنفسى، طيب لأستدعى صورك، تلك الفوتوغرافيا الطيبة التى قد تفتح لى نافذة، شراعًا، بابًا، بوابات وجودك مثولك تمثّلك حضورك نفاذك، نفوذك أخوض الطريق إليكِ، صغيرًا ضيّقًا مرشوشًا بالماء، منبسطًا بحجر مفتت أبيض مدهوس، حوله سياج من عشب مُلتف حول سور خشبى من جذوع شجر، يفضى إلى ساحة ميدان الحسين حين تقفين وحدك.



وشيش الميدان وجلبة المقاهى وانجذابية المجانين، ووطر العطشى، ومنادو السيارات الكثر، باعة العصى، جرسونات المطاعم، وسيّاح المنطقة، ومشوهو التسوّل، كل هذا يذوب ويذوى ويخلو الرحب الفسيح الحسينى تمامًا إلا منكِ ودقات طبول ذات قرع صوفى نحيل ونشيجى وبعيد.. يدنو فيعلو وتملأ المكان أدخنة بخور وروائح عطارة مدموجة منثورة والطبل الصوفى الحافل يصعد حتى تدخل سيدة نحيلة بثياب خضر وقميص أبيض وشعر مُسرح ومُسرج وتلمسك وتقدّم لكِ عقدًا أزرق وقرط فضة وتبتسم لكِ وتُقَبِّل ما بين عينيكِ.. ثم توصيك بى.. فتهزّين رأسك لها ويأخذك المشهد تمامًا.


وحين يرحل الدخان والبخور والرياحين والعطور والسيدة ويستعيد الميدان وجوده اليومى الزخم يظل رأسك يدور فى سؤالك المستفهم عمن أوصتنى السيدة.
ألوذ بصورك، بفوتوغرافيا طيبة حنون علىّ، لكننى -والدهشة تمصنى- لا أرى بعض صور عبرت إلا زوايا من وجهك، تغلب عليها ثورة شعرك، أو التفاتك لأهمية ما جانبًا ما، ظهرك مع جزء من كتفك، دس وجهك وذراعك فى كتابة ممدودة على حجرك، أحاول فى جر قطر طويل وثقيل، أن أنفض عنى يأسى وأستدير إلى صورة صغيرة ربما التقطتها عدسة لكِ لأمر سفر أو بطاقات هويّة، أو دخول أو خروج، لكننى لا أذكر إطلاقًا، هل مُحيت صورتك عنى، هل حجبت ملامحك عن مخّى، هل عبثت عناصر تخريبية فى موطن ذاكرتك فى دماغى؟
أفتح الباب..
فأرانى وحيدًا فى المكان كله.
فأقف مستندًا إلى حائط مغمضًا عينىّ لعلكِ تأتين..
أجلس مقرفصًا على الأرض وربما تمرّين من هنا.. أتجسّس صوت أقدام آتية فيها دبيبك نفسه وخطو مشيك، لكننى تحت ثقل الانتظار ووهج الأمل ولمعان السراب أكتشف أننى لم أسمع.
أضع ذراعى مثنيًّا على الحائط ثم ألصق رأسى بها، ها هى فساتينك، ألوانها، رسمتها، بياض ساقيكِ جبارًا فى إيقاظ كيميائى، انثناءات الفستان، طيات البلوزات، فتحة الجيب، الزرار الأول فى القميص، ديكولتيه التيشيرت، لون بنطالك بكيّه الحاد واحتضانه عودك الثرى الساخن، بطن كفَّيك الأمومية، أصابعك المخروطة بروح القدس.. حذاؤك الصغير الدقيق الذى يلم قدمك الطفولية بإصبعها الكبيرة المتعالية ورفقة دعة الأصابع الطرية «تلخبط» الناموس الكونى للنظام الصارم من السياسة إلى «الكوتشى».
لكنك لا تجيئين.. لماذا لا تجيئين يا قمر.. يا صفو نيلى ومبعث فخرى ومنبت وجودى وخصوصية عيشى وهدف سعى وغمد حزنى وطلاسم سعادتى ولوغاريتم فرحى واكتئابى؟
ينفطر قلبى وأشعر كأنه كيس مملوء بالدم منفوخ ومعبّأ ومحتشد.. وإذا بيد تنغزه بسن حاد فينفتق ويتبعثر الدم الثقيل فى رجرجة وفوضوية واندلاق يشيع فى نفسى الرهبة والجزع.
وتكتب دوائر الدم تحت اسمك أسئلتى، أعرف أنك لا تحبيننى، أعلم أن غموضًا شريفًا يعتصرنى تجاهك، أعلم أنكِ جذر فى حياتى، أو جذر حياتى. أعرف أننى مهم فى شريط حياتك، لكننى لست مهمومًا بالأجوبة -الآن- أنا أبحث عن وجهكِ من ملامحكِ، أرى الأبواب المغلقة على مكاتب رحل أصحابها، ومصاعد أغلقت على نفسها الزجاج، ولوحات وملصقات مغماة بالعتمة الخفيفة، وممرات تفيق حتى تخنق قلبى فى بحثه عنكِ.
أنزل إلى الشارع.


ضجّته وصخبه وطريقه الذى مضيت فيه فى حر القيظ يكاد يتمزّق الجلد على الوجه من الحرارة، يكاد تجز قلوبنا داخلنا فى هذا الفرن اللهيبى الشرس، أذكر كل شىء فى هذا الطريق، المشاجرات والأسئلة، اللهفة -من جهتى طبعًا دون غضب منى- أو علىّ- والفقد.
الفقد يا آنستى.


فقدك أنت..
وها هو الطريق نفسه الممطر فى كثابة نهاية الزمن، المطر الهادر المتواصل يغرق الشارع والسيارات وملابسنا ويعصرنى فى ماء وحشى يحممنا دون مقاومة تذكر «لا مظلّة ولا كتب ولا حقائب» ونسمع غرق أبداننا فى الماء ونسأل لماذا؟ وأحكى عن ذلك الشاب الذى وقف فى قلب شارع ضيّق زَلِق فى الحسين والمطر لا يرحمنا فى عزّه وجبروته وطغيانه الخير، يصرخ الفتى فى ضآلته وثيابه المغسولة عن آخرها بماء المطر الزاخر «حيث لا أرى شيئًا يحمى». كفاية.. كفاية يا رب.


وأستعير دعاءه، رجاءه، عتابه.. وأقف عند الرصيف وحيدًا والناس حولى.. أريد أن أعلن جنونى «الآن، لا مطر ولا حر ولا أى شىء»

وأهتف: كفاية يا رب.


صوت ناحل متردّد خائف.. لكننى وموت غياب ملامحك يعصف بكل حبّة منطق فى الحياة أرفع الصوت قليلاً.. ثم أتراجع جُبنًا.. ثم أنسى نفسى -ماذا بعد نسيان ملامحك إلا نسيان نفسى؟- فيعلو صوتى صارخًا: كفاية يا رب.



يلجمنى صوت أحد العابرين توقف أمامى وفى هدوء أعصاب وراحة بال ورضا ضمير صرخ فى وجهى: لأ.. مش كفاية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.