1) "لم يكن أبى من هواة جمع المال والشهرة ولكنه كان يعشق الشىء الذى يأتى بعد جهد وتعب .. وكان لا يقبل سوى الهدايا الرمزية ومن اقرب الاصدقاء وأذكر ذات يوم أننى طلبت منه أنزل لشراء هدية لزميلة لى بالمدرسة بمناسبة عيد ميلادها وبعد أن وافق استوقفنى وطلب منى أن أحرص على أن تكون الهدية رمزية حتى لا أورطها فى رد هدية غالية الثمن ربما لا تملك هى ثمنها فى ذلك الحين .. ومن يومها تعلمت منه فن شراء الهديا وأن أهم شىء فى الهدية أن يكون لها فائدة لصاحبها وأن لا تكون مبالغ فيها عكس المقولة التى تقول أن قيمة الهدية من قيمة من يقدمها , ولكن الهدية يجب أن تكون من قيمة من ستقدم له حتى لا نحمله عبئ ثقيل يفسد طعم ومعنى الهدية ، وفى الوقت نفسه يكون هناك فرق بين الهدية والهبة .. فالهدية ؛ عادة ما تكون بين الأصدقاء فى المناسبات وغالبا ما ترد أما الهبة ؛ فهى للشخص المحتاج الذى لا ننتظر منه أن يردها وفى هذه الحالة يمكن أن تكون بأى ثمن حسب قدرتك المهم أن لا يعرف صاحبها من الذى وهبه إياها الذى وهبه إياها هو الله وأنت مجرد سبب .. رحمة الله على معلمى وأبى خيرى شلبى (2) في بيتنا قطة .. كنت طفلة حنونة , وبسبب هذه الحنية كان قلبى يتألم طوال الوقت من كل شىء ولأى سبب ؛ مرة لرؤية شحاذ أو كلب مريض أو قطة صغيرة يعبث بها الأطفال في الشارع ،حتى إكتشفت أن لأبى نفس الصفات وأنه يحاول أن يداريها طوال الوقت .. وذات صباح وأنا طفلة فى الثالثة من عمرى اعطتنى احدى جاراتنا بالمعادى قطة صغيرة كانت وعدتنى بها عندما تلد قطتها ، شعرت وقتها بشعور الأم حينما تلد طفلاً لأول مرة ،ظللت اضمها إلى صدرى وأملس على شعرها الناعم الذى أذكره وأذكر لونه الحائر بين البيج والكاكاوى ، حتى أخذتها فى حضنى ونمت من التعب على الكنبة ، وأفقت من نومى فجأة وإذا بها غير موجودة بحثت عنها فى البيت كله لم اجدها وعلمت أن بابا أخذها خوفا علي وسربها خارج المنزل ، ظللت أبكى .. حتى خرج من المنزل وذهب ليبحث عنها فى كل مكان لكنه لم يجدها وكان فى غاية الأسى لنومى وأنا حزينة كل هذا الحزن ولم يهدأ حتى أتى لى بغيرها،ومن يومها وظل فى بيتنا قطة ، تذهب واحدة وتأتى الأخرى وكانت أمى بارعة فى رعاية الحيوانات، وعطوفة عليهم للغاية حتى أنها كانت تتحدث إليهم ويفهموا حديثها . مرت الأيام لم أفوّت منها يوماً واحداً إلا وأنا أراقب أبى فى كل لحظة .. كيف يتعامل مع القطة وهو قصير البال وكيف يتعامل معى ثم مع أخى الأصغر حتى أصبحنا بنتين وولدين، وكنت أعلم جيدا بما أننى الأبنة الكبرى لهذه العيلة أن أبى كان لا يرغب فى الأطفال من الأصل وأننا أتينا كما كانت تقول أمى دائما غلطة ! ولم أنسى أبدا أن أتسائل وأنا أرى الحب والعطف الذى يكاد يسقط منه فى كل لحظة .. كيف لم يكن يرغب فى الاطفال وكيف يحبهم كل هذا الحب ! ، لدرجة أنه حينما كبرنا بعض الشىء كنا نستعين بأطفال الجيران حتى نرى إبتسامته المشرقة كل يوم .. وكيف لهذا الأب الرائع ثم الجد الأروع أن يلصق بنفسه تلك التهمة .تهمة عدم الرغبة فى الاطفال. حتى مرت السنين وكان يوم ميلاده السبعين وأتصل بى الصديق والاخ خالد حلمى من مجلة الإذاعة والتليفزيون ويطلب منى أن أقوم بعمل حوار مع أبى يسع أكثر من ثلاث صفحات فى المجلة وكانت فرصتى التى لا تعوض .. كان من أهم أسئلتي لماذا لم تكن ترغب في أن يكون لديك أبناء ؟ وكان رده الذى علمنى درساً من أهم دروس حياتى ، حيث ذكّرنى بواقعة القطة .. وقال لى : أنه لا يحب أن يتحمل مسؤلية كائن إلا إذا كان لديه القدرة الكاملة على رعايته ، وهو كان يرى أنه مازال لا يملك المال ولا الوقت لتحمل مسؤلية أطفال .. ربما يأتى عليه يوم لم يكن يملك القدرة على إطعامهم أو تعليمهم كان يعلم جيداً أن الرازق هو الله وأنه لا يخلق أحدا دون رزق ولكنه كان يعلم أيضا أن الإعتماد على الله دون السعى كبيرة من الكبائر . وحينما سألته عن شعوره اليوم وهو أب لأربعة وجدّ لخمسة فى ذلك الوقت ؟ أخبرنى أن كل واحد فينا أتى بشبه معجزة ، وكان لكل واحد فينا رزق خاص ومرحلة جديدة يمر بها ، وأنه مدين طوال الوقت لأمى التى صبرت معه وتحملت العبء بمفردها حتى لا يشعر يوما بالذنب ولا الاسى , وانه لا يتخيل حياته على الإطلاق بدون أى واحد فينا وأننا أهم إنجاز أنجزه فى حياته .. رحمة الله على أبى وأعدكم بمزيد من الذكريات والدروس التى تعلمتها منه ...إلى لقاء